صكوك مصر الإسلامية: كلفة التمويل المرتفعة

عادت مصر إلى أسواق الديون الدولية بعد نحو عامٍ من التريّث والانتظار، لكن هذه المرّة عبر بوابة الصكوك الإسلامية ذات العائد المرتفع للغاية. طرحت الحكومة المصرية صكوكاً بقيمة 1.5 مليار دولار في بورصة لندن بعائدٍ استرشادي بلغ نحو 11.625%، وهو سعر مرتفع للغاية قياساً على آخر إصدارات الحكومة المصرية من السندات المقوّمة بالدولار في 2021. لكن إقبال المستثمرين على تلك الصكوك بسبب عوائدها المرتفعة، خفّض السعر النهائي للعائد عليها إلى نحو 11%. تأتي هذه الصكوك ضمن برنامج يمتدّ لثلاث سنوات بحسب وزير المالية المصري، وسوف يشمل طرح 5 مليارات دولار من الصكوك السيادية الإسلامية. 

عائد مرتفع للمستثمرين

تعتبر الصكوك الإسلامية جديدة على مصر، فهي لم تصدر صكوكاً من هذا النوع مقوّمة بالدولار سابقاً، وهو ما استدعى إصدار قانون جديد، مرَّره البرلمان المصري في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وانتظرت الحكومة حتى شباط/ فبراير الحالي، أي قرابة 5 أشهر على الرغم من حاجتها الماسة للتمويل، من أجل سدّ الفجوة التمويلية التي تراوحت تقديراتها بين 25 مليار و30 مليار دولار في العام المالي الحالي.

وكانت مصر قد أرجأت منذ آذار/مارس 2022 أي طرحٍ جديد للسندات الدولية، بعد أن طرحت سندات الساموراي في بورصة طوكيو في آذار/مارس 2022 في سعي لتنويع مصادر الاقتراض من الأسواق الدولية، ويعود السبب إلى أسعار الفائدة المرتفعة واحتمال ارتفاعها أكثر ربطاً بسياسة رفع الفوائد التي بدأها الفيدرالي الأميركي منذ نهاية 2021. لكن يبدو أنه بعد انتظار سنة كاملة، عادت مصر بأسعار فائدة مرتفعة للغاية، وحتّى أعلى من المعدّل الحالي على السندات المصرية المطروحة في الأسواق الدولية

في غضون هذه السنة التي انتظرت فيها الحكومة تحسّن شروط الاقتراض من أسواق الديون الدولية، حصلت تطوّرات عدّة: تخفيض قيمة العملة بنسبة 48% تقريباً، ما أنتج واحداً من أعلى معدّلات التضخّم في السنوات الأخيرة، وقد تجاوز 31% على أساس سنوي بحسب الأرقام الرسمية. وفي هذه السنة أيضاً، حاولت الحكومة أن تجد بديلاً تمويلياً آخر بالدولار سواء عبر صندوق النقد والمؤسّسات الدولية الأخرى أو عبر الداعمين الخليجيين وبيع الأصول المصرية إلى الصناديق السيادية. إلّا أن تأخّر الدعم الخليجي، أو تململ بعض الشركاء والحلفاء، دفع الحكومة إلى التعجيل بإصدار تلك الصكوك ذات العائد المرتفع، بل وإعلان نيّتها طرح سندات دولية أخرى في خلال العام المالي الحالي. 

حصل آخر طرح للسندات الدولارية المصرية في أيلول/ سبتمبر 2021، أي قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وقبل أن يبدأ الفيدرالي الأميركي في رفع الفائدة في آذار/ مارس 2022. 

طرحت الحكومة في ذلك الوقت السندات بسعر عائد مرتفع أيضاً، لكنّه لم يكن بالطبع كأسعار الصكوك الحالية، حيث طرحت سندات دولارية لستة أعوام بعائد 5.8% سنوياً، وسندات لنحو 12 عاماً بعائد 7.3% سنوياً، وسندات لثلاثين عاماً بعائد 8.7% سنوياً. وفي أيار/ مايو 2020 بلغ أعلى عائد قدّمته الحكومة المصرية على سندات لأربع سنوات نحو 5.7% سنوياً، فيما بلغ على سندات الـ 12 عاماً نحو 7.6% وسندات الثلاثين عاماً نحو 8.8%. 

من خلال مقارنة العوائد في الثلاث سنوات الماضية، يمكننا أن نرى الارتفاع الكبير في تكلفة التمويل، على الرغم من أن الصكوك الحالية هي لثلاث سنوات فقط، وليست لأربع أو ست سنوات كما كان معهوداً في السندات السابقة التي أصدرتها الحكومة في عامي 2020 و2021. 

حتى نهاية 2021 على الأقل، وبدء الفيدرالي في رفع الفائدة بعدها بثلاثة أشهر كاملة، كان يمكن للحكومة المصرية أن تقترض من السوق الدولية بأسعار فائدة أقل بكثير، على الأقل في نطاق 6 إلى 7% على سندات الأربع سنوات

مياه كثير في النهر

ربّما انتظرت الحكومة دعم الخليج وقرض صندوق النقد، الذي استغرق إقراره من آذار/ مارس 2022 حتى تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وبالتالي أخّرت عودتها إلى أسواق الديون لطرح صكوك أو سندات جديدة. ولكن في خلال فترة الانتظار جرت مياه كثيرة في النهر. بعيداً من التخفيض الكبير على العملة الذي أجرته الحكومة، فقد تعرّضت لمزيدٍ من الضغوط بشأن مدفوعات الديون الدولية، وزاد عجز ميزان المدفوعات المصري. وكان ذلك الدافع وراء تخفيض التصنيف الائتماني لمصر من قبل ثلاث وكالات دولية كبرى خلال الشهور الماضية. 

egyptian islamic bonds

خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لمصر للمرّة الأولى منذ عام 2013، على خلفية تراجع احتياطيات النقد الأجنبي وقدرة مصر على امتصاص الصدمات الخارجية. وتراجع التصنيف من B2 إلى B3، فيما عدّلت الوكالة نظرتها المستقبلية إلى "مستقرّة" من "سلبية". وكان الأمر شبيهاً مع الوكالتين الأخرتين تقريباً مع اختلافات طفيفة في التصنيف. 

شكّل تخفيض التصنيف الائتماني مُبرِّراً لرفع العائد على الصكوك المصرية، على الرغم من ارتفاع معدّل التغطية، أي طلبات المستثمرين الأجانب التي وصلت إلى 4 مرّات قيمة الإصدار، فقد طرحت مصر صكوكاً بقيمة 1.5 مليار دولار وتلقّت أكثر من 6.1 مليار دولار من الطلبات. لكن طرح الصكوك المصرية جاء بعد مفاوضات سرّية بين الحكومة وعدد من المستثمرين بحسب بلومبيرغ، ويتوقّع أنهم مستثمرون من الخليج. 

تبلغ قيمة السندات المصرية المقوّمة بالدولار نحو 39 ملياراً، وهي تمثّل نحو 25% من إجمالي الدَّيْن الخارجي المصري البالغ بنحو 155 مليار دولار. لكن السندات التي أصدرتها الحكومة بدءاً من العام 2017 كانت أفضل بكثير من حيث العائد والمدّة مقارنة بالصكوك التي أصدرتها الحكومة المصرية الآن. 

عادة تصنّف أدوات الدَّيْن مثل السندات والصكوك بمثل التصنيف الإئتماني للدولة، وحين يقلّ التصنيف يزيد العائد على تلك السندات. ما يثير الاهتمام في طرح الصكوك أنّ الحكومة المصرية ومستثمري ديون الدولة كانوا يعلمون بموعد استحقاق سندات مصرية سابقة أصدرتها الحكومة المصرية. في الواقع، كان أجل الاستحقاق مُحدّداً بنهاية شباط/ فبراير 2023. من ثمّ وضعت الحكومة سعراً مرتفعاً للفائدة لجلب التمويل من الصكوك لسداد نحو 1.25 مليار دولار من السندات السابقة المستحقّة، الجدير بالذكر أيضاً أن تلك السندات كانت بعائد 5.5% أي نصف معدّل العائد على تلك الصكوك التي طرحتها الحكومة. 

الفقراء يسدِّدون الفوائد للأغنياء

تمثِّل تلك الصكوك حلقة أولى من آثار ارتفاع تكلفة التمويل بالنسبة لمصر وغيرها من الدول النامية المُرتبطة بمستثمري الديون الدوليين، حيث تلعب البيئة العالمية لأسعار الفائدة المرتفعة حالياً، بسبب استمرار الفيدرالي في رفع الفائدة، دور المحفّز لرفع أسعار الفائدة أكثر بالنسبة للدول النامية، وزيادة تعقيد الوضع المالي الخارجي لتلك الدول المُثقلة أساساً بالكثير من الديون السيادية.  

في 2020 طرحت مصر أسعار فائدة تقارب الـ 5% على سندات الأربع سنوات، أي بفارقٍ يصل إلى 5% بالمقارنة مع أسعار الفائدة على الدولار التي يقدّمها الفيدرالي والتي بلغت نحو 0.25% أو صفر فعلياً. أمّا اليوم بعد أن أصبحت أسعار الفائدة لدى الفيدرالي تبلغ نحو 4.5%، بات على مصر تقديم 9.5% على الأقل لمستثمري الديون الدولية بسبب تأثيرات الرافعة المالية التي غالباً ما تستخدم في شراء تلك الأوراق المالية. 

egypt islamic bonds

يصل الفارق إلى 6.5 % في أسعار الفائدة بين سندات الثلاث سنوات الأميركية التي تتداول اليوم حول عائد 4.5% سنوياً، والصكوك أو السندات المصرية الحالية لأجل ثلاث سنوات المتداولة على سعر 11%. وهو فارق كبير جدّاً، ويعود ربّما إلى وضع الدولتين في سوق الديون الدولي. حتى نهاية 2021، وعلى الرغم من الديون الدولية الكبيرة التي تمتلكها، كانت مصر قادرة الاقتراض بأسعار فائدة أقل، أو بمعنى أصح بفارق يصل إلى 5 أو 5% كحدّ أقصى عن السندات الأميركية، وليس 6.5% كما هو الحال في إصدار الصكوك الحالية. 

هذا الفارق الكبير في أسعار الفائدة يمكن أن يوفر لمصر على الأقل من 6 إلى 8% من إجمالي الفائدة المدفوعة على قيمة الصكوك، وهو ما يوازي 120 مليون دولار على الأقل أو 3.6 مليار جنيه وفق سعر الصرف الحالي. ويمكن لهذا المبلغ أن ينشئ نحو 12 ألف فصل للتعليم في المراحل الابتدائية حيث تصل تكلفة إنشاء الفصل الواحد بحسب وزارة التعليم المصرية إلى 300 ألف جنيه. وتعاني مصر من عجز يقدّر بنحو 250 ألف فصل دراسي على الأقل، وهو ما يعدّ أحد أهم أسباب عدم القدرة على إصلاح التعليم

لكن بدلاً من أن يستفيد طلاب مصر من فارق أسعار الفائدة، فإن تلك الأموال التي سوف يدفعها المصريون من ضرائبهم سوف تذهب كفوائد لصناديق الاستثمار وصناديق التقاعد التي تشتري الصكوك المصرية، وسوف تستمر تلك الدائرة التي يموِّل فيها مواطنو الدول الفقيرة، الفوائد المدفوعة لأموال صناديق التقاعد وأرباح صناديق الاستثمار والمستثمرين الأجانب الأغنياء.