Preview المنطقة العازلة في غزة: استراتيجية طويلة الأمد لمنع عودة النازحين

المنطقة العازلة في غزة: استراتيجية طويلة الأمد لمنع عودة النازحين

كثّف الجيش الإسرائيلي بشكل ملحوظ عملياته على أطراف غزة الشرقية والجنوبية منذ 6 نيسان/أبريل الجاري، معزّزاً سيطرته على مساحات واسعة من الأراضي. وبحسب تقرير لـSARI Global للتحليلات الجيوسياسية، «تعكس هذه العمليات العسكرية أكثر من مجرّد تحركات ميدانية، إذ تشير إلى إعادة تشكيل جغرافي لغزة عبر التوسع المنهجي لمنطقة عازلة، فمن خلال العزل العسكري للمراكز السكانية الرئيسية وخلق ممرات تقسّم القطاع، تحوّل إسرائيل هذه المناطق إلى فضاءات غير قابلة للعيش». 

وبحسب التقرير نفسه «يبدو أن ثمة نية لخلق فصل دائم بين سكان غزة وحدود إسرائيل ومصر، مع فرض سيطرة مستدامة على الممرات الرئيسة. وسواء أصبحت هذه التكوينات دائمة أم لا، فإن التداعيات الإنسانية والجيوسياسية لهذه التحولات المكانية ستكون عميقة». 

منذ بداية حرب الإبادة، وسّعت إسرائيل المنطقة الأمنية العازلة، وحالياً تعد أكثر من ثلثي مساحة قطاع غزة خاضعة لأوامر التهجير أو مُصنفة كمناطق «محظورة» بحسب مكتب الأمم لتنسيق الشؤون الإنسانية، ما يجعل نحو 2.1 مليون شخص مكدّسين في ثلث المساحة التي كانوا يقطنون فيها قبل بدء حرب الإبادة الجماعية في تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وقعت أكثر من 70% من الضربات العسكرية الموثقة في خلال فترة الرصد ضمن المناطق المعروفة المعزولة أو المحظورة. وتركزت الضربات بشكل خاص في 5 مناطق هي الشجاعية (شرق مدينة غزة)، الأحياء الشمالية والشرقية من رفح، شرق وجنوب خان يونس بما في ذلك منطقة المواصي، منطقة بيت حانون في شمال غزة، ومحيط ممر نتساريم. وقد استحوذت الشجاعية على حوالي 28% من هذه الضربات، تلتها رفح (24%) وخان يونس (22%). ويشير هذا التوزيع إلى جهد عسكري مركز يهدف إلى إفراغ مناطق الحدود في القطاع وتغيير طابعها الفيزيائي.

المنطقة العازلة في غزة: استراتيجية طويلة الأمد لمنع عودة النازحين

تقول SARI Global إن «التكتيكات المستخدمة تشير إلى نهج مزدوج يجمع بين السيطرة الفورية على ساحة المعركة وتحقيق تحكّم طويل الأمد بالأراضي. لقد تعرّضت أحياء عدة لاستهداف متكرر للبنية التحتية المدنية والمباني السكنية وملاجئ النازحين. وتعكس حوادث القصف واسع النطاق وأحزمة النيران وتجريف الأراضي الزراعية وشبكات المياه، نية أوسع لجعل هذه المناطق غير قابلة للسكن. ويبدو أن التوسع في التدمير إلى أطراف المنطقة العازلة يجري بشكل منهجي وليس عرضياً، خصوصاً في رفح وخان يونس، كما شهدت مناطق سبق أن أعلن الجيش الإسرائيلي «تطهيرها» تجدّد الهجمات، ما يشير إلى نية لوجود دائم بدلاً من توغل مؤقت». وبالفعل، تشير التقارير إلى أن عمق التوغل يصل إلى ثلاثة كيلومترات في بعض القطاعات، وتؤكد الصور الجوية تسوية أحياء كاملة بالأرض وإنشاء مواقع عسكرية أمامية.

يساهم تطوير الممرات، ولا سيما ممر نتساريم في وسط غزة ومحور جديد عبر رفح، في تقسيم القطاع إلى مناطق معزولة. وبحسب التقرير تفاقم هذه التجزئة الأزمة الإنسانية من خلال قطع طرق المساعدات وتعقيد مسارات الإجلاء وزيادة الاكتظاظ في المناطق المتبقية. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف غزة باتت غير متاحة للسكان. كما يدل تحويل المناطق الطرفية إلى مناطق عسكرية على استراتيجية طويلة الأمد لخلق عمق استراتيجي ومنع عودة النازحين.

تتفاقم التداعيات الإنسانية الناتجة عن توسع المنطقة العازلة بشكل حاد. والواقع أن أنماط الضربات تستهدف بشكل متكرر ملاجئ النزوح والتركيزات العشوائية للنازحين داخلياً، خصوصاً في المواصي وشمال رفح. وتشير بيانات الدفاع المدني إلى أن عدداً كبيراً من المدنيين ما زالوا مفقودين تحت أنقاض المباني المنهارة بالقرب من المنطقة العازلة. إلى ذلك، تقترب البنية التحتية الصحية من الانهيار التشغيلي، مع تكرار استهداف المرافق الطبية وتعطيل ممرات الطوارئ. كما تعرضت أنظمة المياه والطرق وشبكات الصرف الصحي لأضرار منهجية ومستمرة. ويبدو أن مدى الدمار واستمراريته يفوقان الضرورات العسكرية الفورية، ما يثير احتمال وجود استراتيجية متعمدة تهدف إلى التهجير طويل الأمد ومنع إعادة توطين المدنيين. وهذا ما ينسحب أيضاً على استهداف الأحزمة الزراعية على طول الحدود الشرقية لغزة، جنباً إلى جنب مع تسوية الأحياء السكنية الحضرية.