Preview لن تنتهي الحرب

لن تنتهي هذه الحرب

الذين اعتقدوا ولا يزالون يعتقدون أن حرب غزة هي فصل من الحروب التي شنّت على القطاع هم على خطأ: فهذه الحرب هي استمرار للحرب التي بدأت عام 1948.

وزير الدفاع الإسرائيلي الذي يصف الفلسطينيين بأنهم حيوانات بشرية هو صياد وليس محارباً. حفلة الصيد الإسرائيلية في فلسطين لن تتوقّف، إلّا إذا أوقفها الفلسطينيون بإرادتهم ومقاومتهم وبطولاتهم.

نحن اليوم في وسط حرب قرّر الإسرائيليون أنها صورتهم الحقيقية، معلّمهم زئيف جابوتينسكي مؤسّس التيار اليميني الفاشي، لم يكن يؤمن سوى بالجدار والبندقية. وها هم أحفاده لا يجيدون سوى الرقص فوق الدم والجريمة.

بعد سبعين سنة من الموقف الإسرائيلي الذي لم يكتفِ بنكران النكبة بل قرّر منع الاحتفال بذكراها، ليأتيك هذا النائب مبشّراً إياك بما ناضل المثقفون العرب سبعة عقود للبرهنة على وجودها

كان من الممكن أن نتوقف قليلاً عند تصريح عضو الكنيست، أرييل كالنر، الذي دعا فيه إلى استمرار النكبة واستعادتها وتحويلها إلى كابوس فلسطيني يطغى على كابوس النكبة الأول.

غير أن هذا التصريح يبدو ساذجاً وتافهاً، فبعد سبعين سنة من الموقف الإسرائيلي الذي لم يكتفِ بنكران النكبة بل قرّر منع الاحتفال بذكراها، ليأتيك هذا النائب مبشّراً إياك بما ناضل المثقفون العرب سبعة عقود للبرهنة على وجودها.

هم لم يقولوا إن النكبة حصلت فقط، بل يقولون إنها تحصل الآن، إنهم النكبة نفسها.

أما نائبة الكنيست، تالي غوتليف، فقد دعت إلى استخدام السلاح النووي، أي سلاح «يوم القيامة» من أجل سحق الفلسطينيين وتسوية غزة في الأرض وفرض انفجار يهزّ الشرق الأوسط. بطلة سلاح يوم القيامة سبق لها أن شاركت في محرقة حوّارة – نابلس الدموية، فلا تزال في تصريحاتها الأخيرة مصرّة على تحويل كل فلسطين إلى حوّارة، وإلى محرقة مفتوحة بهدف إبادة الشعب الفلسطيني. انتهت اللعبة القديمة، لم يعد الموضوع هو تأسيس دولة لليهود على جزء من أرض فلسطين، بل صار التهام فلسطين كلّها وسحق شعبها. إذا كان هذا الوصف للحرب صحيحاً فهذا يعني أن غزة ليست في حرب.

انظروا إلى وائل الدحدوح مراسل «الجزيرة» في غزة، وماذا فعلت إسرائيل بعائلته. عندما رأى الصحافي مشهد المجزرة قال كلمة واحدة: «معلش».

غزة هي مدينة النكبات؛ لأن ثمانين بالمئة من سكّان القطاع هم من اللاجئين الذين طُردوا من جنوب فلسطين، من يافا وقراها ويَبْنة وبئر السبع. ويأتي اليوم «زمِكّ» إسرائيلي ليعلّمنا ما معنى النكبة

«معلش» لا تعني «لا يهم» بل على العكس، «معلش» تعني أن الفلسطينيين يعرفون مع من يقاتلون ويعرفون أن مصير هذا القتال طويل إلى درجة أن كلمة «معلش» تصير شعاراً للصمود وليس إشارة إلى عدم الاهتمام.

يستطيع الإسرائيليون والإعلاميون الغربيون اللّعب بالحقائق كما يريدون، فنحن في زمن ما بعد الحقيقة. الحقيقة معرضة للتشويه والدمار والإهانة في كل لحظة. وهذا ما شهدناه ونشهده اليوم في فلسطين. ولعل نموذج المرأتين الكهلتين اليهوديتين وهما ترويان تفاصيل إقامتهما في غزة وقد تم تشويه الكلام بل تحويره وتدويره بشكل كامل، هذا هو الدليل الذي لا يحتاج إلى دليل إضافي على أن ما يظنونه معركة في الإعلام هو مجرد لعبة لتدمير الحقائق.

إنها غزة. وغزة هي مدينة النكبات؛ لأن ثمانين بالمئة من سكّان القطاع هم من اللاجئين الذين طُردوا من جنوب فلسطين، من يافا وقراها ويَبْنة وبئر السبع. ويأتي اليوم «زمِكّ» إسرائيلي ليعلّمنا ما معنى النكبة، وليهدّدنا بنكبتنا المحفورة على أرواحنا وعيوننا وأجساد أطفالنا. فالخوف في غزة اليوم هو أن يفقد الناس القدرة على التعرّف إلى أجساد الأطفال الشهداء، لذلك يقومون بكتابة أسمائهم على الأيدي والأرجل الغضة.

من هم شعب الله؟

هكذا تساءل الرئيس الكولومبي، غوستافو بيترو، وهو يصف المذبحة الدائرة في غزة: «شعب الله هم أطفال غزة وليس من يقصفهم. من يقصف أطفال غزة هو مجرد مجرم يرتكب مذبحة ضد الإنسانية».

أما الرئيس البرازيلي، لُولا، فقال الكلمة الفصل: «هذه ليست حرباً، هذه مجزرة لأنها قتلت حتى الآن أكثر من ثلاثة آلاف طفل».

الفلسطينيون بشر عاديون وتحق لهم الحياة، وتحق لهم بلادهم، وهذا العالم أعمى وأطرش يجب إجباره على النظر والسمع. الشعب الفلسطيني ليس فقط نساء وأطفالاً، إنه رجال ومناضلون ومثقفون، وفدائيون… وعلامة الفدائي التي تسعى إسرائيل وأميركا إلى نزعها اليوم هي الاسم الفلسطيني الذي لا يمحى.

نُشر المقال على صفحة الكاتب على فايسبوك في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023.