
الحرب التجارية الأميركية–الصينية وتأثيراتها على العالم والمنطقة العربية
نظّم منتدى البدائل العربي للدراسات، بالتعاون مع موقع صفر، ندوة بعنوان «الحرب التجارية الأميركية–الصينية وتأثيراتها على العالم والمنطقة العربية»، سلّطت الضوء على التوترات المتصاعدة في النظام التجاري العالمي في ظل السياسات الحمائية التي تبنّتها الإدارة الأميركية، خصوصاً في خلال عهد الرئيس دونالد ترامب، والتي مثّلت تحوّلاً جذريّاً في العلاقات التجارية الدولية، وأطلقت شرارة حرب تجاريةٍ عالمية طالت أكثر من 85 دولة، من بينها دول المنطقة العربية.
تأتي هذه النقاشات في سياق سياسي واقتصادي معقّد، يتزامن مع العدوان المتواصل الذي تشنّه إسرائيل على الشعب الفلسطيني بدعم أميركي مباشر، وتواطؤ دولي واسع، إلى جانب أزمات بنيوية تعاني منها اقتصادات المنطقة، وتفاقمت بفعل تداعيات جائحة كوفيد-19 والحرب في أوكرانيا.
ناقشت الندوة هذه التحوّلات وانعكاساتها على المنطقة العربية، وفحصت الخيارات الاقتصادية البديلة، من مراجعة اتفاقيات التبادل الحرّ إلى بلورة سياسات حمائية أكثر عدالة، قادرة على تعزيز قدرة دول الجنوب على الصمود وتجاوز الهيمنة التجارية والاقتصادية.
شارك في الندوة كلّ من غسان ديبة، أستاذ الاقتصاد في الجامعة اللبنانية الأميركية في بيروت، وباحث في الاقتصاد السياسي الماركسي. وائل جمال، مدير وحدة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، وباحث وصحافي متخصص في الاقتصاد السياسي. وسمير العيطة، أكاديمي واقتصادي سوري، ورئيس منتدى الاقتصاديين العرب في باريس. وأدارت اللقاء رجاء كسّاب، عضوة المجلس الاستشاري في منتدى البدائل العربي للدراسات.
المحاور الأربعة الرئيسة لفهم الحرب التجارية
غسان ديبة
من المهم أن نفهم أولاً: لماذا شنّت الولايات المتحدة هذه الحرب التجارية؟ يرى البعض أنّ ما حدث ربما كان إحدى نزوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أو مجرد قرار شخصي طارئ، لكنني سأتناول المسألة من 4 محاور رئيسة.
المحور الأول: حرب ضد العولمة
ألاول، من الواضح جداً أنّ ما حصل يُمثّل هجوماً على العولمة وعلى التجارة الدولية وعلى مبدأ حرية التجارة. ويعاكس هذا التوجّه ما كان يتوقّعه كثيرون من الولايات المتحدة، على الأقل منذ 4 عقود، وتحديداً منذ وصول رونالد ريغان إلى سدة الحكم، حين بدأ التوجّه المتزايد نحو سياسات مناقضة للكِينيزية، وشنّ هجوم رأسمالي مضاد على دولة الرفاه الاجتماعي، مع الدفع نحو تحرير الاقتصاد وفتح الأسواق وتحرير الأسواق المالية وغير ذلك من الإجراءات الليبرالية. وبالتالي، نحن إزاء انعكاس جذريّ لهذا المسار التاريخي، وهو ما لم نشهد له مثيلاً منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وكما قال جون روبنسون، فإنّ هذا يشبه «إفقار الجار» عبر سياسات اقتصادية تقوم إمّا على خفض سعر صرف العملة أو فرض سياسات الحماية التجارية. نحن إذاً أمام مرحلة جديدة في الاقتصاد العالمي. لكن يبقى السؤال: لماذا هذا الهجوم على العولمة؟ ولماذا حدث هذا التغيير في أسس الاقتصاد العالمي؟ خصوصاً وأنه في تسعينيات القرن الماضي، كان اليسار، ممثَّلاً بما يُعرف بمعارضي العولمة والرأسمالية، يرى أن العولمة ليست سوى أداة تخدم الولايات المتحدة أو شكلاً متطرّفاً من الإمبريالية الأميركية.
تتمثل الإجابة السريعة عن هذا السؤال في أن الولايات المتحدة، وتحديداً الطبقة الوسطى والطبقة العاملة فيها - اللتين كانتا تُشكّلان عماد ما يُعرف بـ «العصر الذهبي للرأسمالية» بعد الحرب العالمية الثانية - قد خسرتا في مسار العولمة. وكما بيّن الاقتصادي برانكو ميلانوفيتش في ما عُرف بمنحنى «فيل ميلانوفيتش»، فإنّ الطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية المتقدّمة - وهنا أستخدم مصطلحي «الطبقة الوسطى» و«الطبقة العاملة» كمترادفين، كما يُستعملان غالباً في السياق الأميركي - كانت من أبرز الخاسرين في مسار العولمة. أمّا المستفيدون فكانوا الطبقتين الوسطى والعاملة في دول مثل الصين، بالإضافة إلى كبار الرأسماليين والأثرياء في البلدان الرأسمالية المتقدمة نفسها.
وعليه، فإنّ القاعدة الاجتماعية التي شكّلت ركيزة الاقتصاد الرأسمالي في العصر الذهبي – أي الطبقة الوسطى والعاملة في الولايات المتحدة – قد تراجعت، وتحوّلت أحوالها. فبدلاً من أن يعمل أفراد هذه الطبقة في شركات السيارات مثل "فورد" و"جنرال موتورز"، ويحصلوا على أجور مرتفعة، أصبحوا عموماً يعملون في قطاع الخدمات السريعة، كـ "ماكدونالدز" مثلاً، وبأجور منخفضة. وبذلك، تلاشى ما عُرف بالحلم الأميركي.
في تسعينيات القرن الماضي، كان اليسار، ممثَّلاً بما يُعرف بمعارضي العولمة والرأسمالية، يرى أن العولمة ليست سوى أداة تخدم الولايات المتحدة أو شكلاً متطرّفاً من الإمبريالية الأميركية
على هذا الأساس، بنى دونالد ترامب سياساته الداخلية والانتخابية، تحت شعار "جعل أميركا عظيمة مرة أخرى". وكان المقصود من هذا الشعار هو إعادة بناء الطبقة الوسطى والعاملة التي تراجعت مكانتها منذ عقود.
يتمثل الجزء الأساسي من مسعى إعادة بناء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى في الولايات المتحدة في إعادة الصناعات التي غادرت البلاد في اتجاه الصين وفيتنام والمكسيك نتيجةً لمسار العولمة. انتقل رأس المال إلى تلك البلدان ما أدى إلى ما يُعرف بـ "تجويف الطبقة الوسطى"، و"تجويف القاعدة الصناعية" في الولايات المتحدة.
ترتّب على ذلك انخفاضٌ في أجور الطبقة الوسطى، وتقلّص في حجمها العددي. وهذا ما شكّل، في جوهره، الدافع الرئيس الذي يقف خلف شنّ دونالد ترامب هذه الحرب التجارية.
وكان واضحاً، ليس فقط في سبتمبر/أيلول 2017 – كما سأشير لاحقاً – بل أيضاً في خطابه في سافانا في سبتمبر/أيلول 2024، أنّ سياسات ترامب في ولايته الثانية سوف تتمحور حول إعادة توطين الصناعة داخل الولايات المتحدة وإعادة بناء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى الأميركية.
إذن، كردٍّ على هذا التحوّل في مسار رأس المال العالمي، جاء ترامب ليُعلن حرباً ضد العولمة.
المحور الثاني: حرب ضد الصين الاشتراكية
الأمر الثاني الذي تجدر الإشارة إليه هو: لماذا اتخذت هذه الحرب شكل هجومٍ مباشر على الصين؟
فعلى الرغم من أنّ الحرب طالت فعلياً نحو 85 دولة إلا أنها كانت موجّهة ضد الصين. فلماذا الصين تحديداً؟
يرى الاقتصادي الأميركي جيفري ساكس في تصريح حديث له، أنّ الولايات المتحدة تُعاني من نوعٍ من العلاقة "العُصابية" مع الصين. فهي تسعى إلى منافستها، لكنها، في الوقت ذاته، تُضمر عداءً لها لأنها ناجحة، ولأنها في حالة تطور مستمر، ولأنها تُشكّل منافساً استراتيجياً حقيقياً للولايات المتحدة. كما أغفل ساكس الإشارة إلى أمر بالغ الأهمية، وهو أنّ الصين تسعى لبناء اقتصاد اشتراكي.
وعليه، يمكن القول، بشكل عام، إنّ الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة ليست موجهة ضد الصين فحسب، بل هي، في جوهرها، حربٌ ضد الاشتراكية ذاتها.
نحن نعلم ما جرى في الصين منذ العام 1978، ويمكننا ربط ذلك بموجة الهجوم الرأسمالي المضاد على الكينزية والاشتراكية، التي بدأت تقريباً في العام 1980، مع وصول مارغريت تاتشر إلى الحكم في بريطانيا ورونالد ريغان في الولايات المتحدة. في السياق نفسه، شهدت الصين إصلاحات كبرى في العام 1978، تحت قيادة دينغ شياو بينغ، الذي سعى إلى تطوير القوى المنتِجة في الصين بهدف الخروج من حالة الجمود الاقتصادي التي كانت تمر بها البلاد آنذاك.
ومع مرور الوقت، مرت الصين بمراحل عدّة من التطور الاقتصادي، إلى أن بلغت المرحلة الأخيرة تحت قيادة الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي أعاد، بعد انحرافٍ جزئي عن المسار الاشتراكي، التمسك بالماركسية كإطار ناظم للسياسة الاقتصادية. وأعلن في المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني عن هدف بناء "دولة اشتراكية حديثة"، بحلول الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في العام 2049.
بشكل عام، إنّ الحرب التجارية التي تقودها الولايات المتحدة ليست موجهة ضد الصين فحسب، بل هي، في جوهرها، حربٌ ضد الاشتراكية ذاتها
في هذا السياق، تلعب التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي وما سمّاه شي جينبينغ "القوى المنتجة الجديدة" دوراً أساسياً في مسار بناء الدولة الاشتراكية الحديثة.
وهنا تتجاوز المنافسة بين الصين والولايات المتحدة مسألة الحصص في التجارة العالمية. فالمواجهة لم تعد تقتصر على تبادل السلع أو الميزان التجاري، بل باتت تتعلق بمن سيسيطر على مستقبل التكنولوجيا المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة وسائر الصناعات الحديثة.
لذلك، فإنّ الصين تُشكّل تحدياً استراتيجياً للولايات المتحدة، لا فقط من منطلق التنافس الإمبريالي كما يصوره بعض المحللين، بل في إطار صراع أشمل حول من سيحدد مصير الاقتصاد العالمي، ومن سيقود التقدم التكنولوجي العالمي: هل هي الدولة الاشتراكية الحديثة بقيادة الصين، أم الدولة الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة؟
المحور الثالث: استرجاع ما لا يمكن استرجاعه
أما المحور الثالث، فهو السؤال الذي يطرحه كثيرون: ماذا سيحدث داخل الولايات المتحدة؟ من سينتصر في هذه الحرب التجارية؟
وهنا نصل إلى النقطتين الثالثة والرابعة. والسؤال الجوهري المطروح هو: هل ستنجح سياسة الحماية الاقتصادية التي تتبناها الولايات المتحدة؟
تشير بعض التقارير الحديثة إلى أنّ الاقتصاد الأميركي بدأ يعاني نتيجة هذه السياسات، غير أنني أرى أنّ هذا الحكم لا يزال متسرّعاً. فالحكم على آثار الحمائية يتطلب النظر في السياقات التاريخية والموضوعية التي تُحدّد فعالية مثل هذه السياسات.
وإذا عدنا إلى القرن التاسع عشر، لرأينا كيف تبدلت السياسات بين الحماية التجارية والتجارة الحرة في أوروبا – في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا – وكذلك في الولايات المتحدة نفسها. ومن المهم هنا العودة إلى مقدمة إنجلز في العام 1888 لكتابات ماركس حول التجارة الحرة؛ فمن يقرأ تلك المقدمة اليوم، يشعر وكأنها تصف ما يجري.
بالتالي، يبقى هذا المسار مفتوحاً على احتمالات متعددة.
تطرح مسألة سلاسل التوريد وكلفة التصنيع داخل الولايات المتحدة تساؤلات جدّية: هل ستتمكّن الولايات المتحدة من إعادة الصناعة إلى أراضيها عبر فرض تعريفات جمركية مرتفعة، وعبر السياسات الحمائية؟ أم أنها ستكون بحاجة إلى سياسة صناعية متكاملة، كما بدأت مع إدارة بايدن من خلال قانون "الرقائق والعلوم" (CHIPS and Science Act)؟
يبدو أنّ الأمر يتّجه نحو "سلّة سياسات صناعية" متكاملة، تتضافر مع السياسات الحمائية، بهدف إعادة التوازن إلى الاقتصاد الأميركي. ولكن يبقى السؤال الذي يطرحه بعض الاقتصاديين: هل تحاول الولايات المتحدة استرجاع ما لم يعد ممكناً استرجاعه؟ إذ يشير كثيرون إلى أنّ الصناعات القديمة لم تستوطن فقط في الصين، بل انتقلت أيضاً إلى فيتنام والفيليبين وغيرها من بلدان الجنوب العالمي.
المواجهة لم تعد تقتصر على تبادل السلع أو الميزان التجاري، بل باتت تتعلق بمن سيسيطر على مستقبل التكنولوجيا المتقدمة، من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات الكهربائية والطاقة المتجددة وسائر الصناعات الحديثة
بناءً على ذلك، فإنّ محور الصراع المستقبلي لن يكون حول الصناعات التقليدية، بل حول الصناعات الحديثة والتكنولوجيات المتقدّمة، كالتي سبق أن أشرنا إليها.
لكن ثمّة أمر يهدّد هذا المسار: فالهدف المعلن ليس فقط إعادة بناء القاعدة الصناعية، بل أيضاً إعادة بناء الطبقة العاملة والطبقة الوسطى. غير أن الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات قد تطيح بهذا الهدف، إذ تُسرّع من وتيرة استبدال العمالة البشرية، ما قد يؤدي إلى اتساع الهوّة الطبقية، وتصاعد الاستقطاب الاجتماعي، بدلاً من إحياء "العصر الذهبي" للرأسمالية الأميركية.
وهذا التناقض ليس غريباً عن توجهات ترامب؛ فهو لا ينتمي إلى تيار كينزي يساري، ولا حتى إلى كينزية وسطية. لذا، قد يكون الرابح الأكبر من هذه السياسات ليس الطبقة العاملة، بل رأس المال الكبير داخل الولايات المتحدة. فبدلاً من تصدير الصناعة إلى الخارج، قد يتحوّل رأس المال نحو أتمتة الإنتاج داخلياً، بالتوازي مع تعاظم نفوذ الشركات التكنولوجية الكبرى.
وقد أشار الاقتصادي يانيس فاروفاكيس إلى أنّ هذه الشركات بدأت تنشئ ما يُشبه "الإقطاعية التقنية الجديدة"، وهي على الأرجح ستكون الرابح الحقيقي من هذه التحولات.
أما في ما يتعلّق بالصين، فإنّ ما بدا واضحاً هو أنّها كانت مستعدة لهذه المواجهة منذ وقت مبكر. فمنذ العام 2017، حين ألقى شي جينبينغ خطاباً في منتدى دافوس، أعلنت الصين موقفها بوضوح: أي حرب تجارية ستكون وبالاً على الاقتصاد العالمي بأسره.
وكان من اللافت أن يدافع زعيم أكبر حزب شيوعي في العالم في منتدى دافوس في العام 2017 عن حرية التجارة في حين كانت الولايات المتحدة، زعيمة النظام الرأسمالي العالمي، تتبنّى خطاباً مناهضاً للتجارة الحرة.
وطبعاً، إذا ما عدنا إلى نصوص إنجلز، فسنجد أن هذه المفارقة ليست جديدة؛ فالموقف من التجارة الحرة ليس ثابتاً في ذاته، بل يتحدد وفقاً للموقع الطبقي والسياق التاريخي والمرحلة السياسية.
بالتالي، على ماذا يعتمد الصينيون في تفاؤلهم، أو بمَ يمكن أن ينتصروا في هذه الحرب التجارية؟ فهذه الحرب لم تعد مجرّد مبارزة بين طرفين، كما يحاول البعض تصويرها، بل أصبحت سياسة منهجية ومستمرة، تتجاوز الأبعاد الشخصية أو الظرفية.
أحد العناصر الأساسية في هذا التفوّق الصيني هو التقدّم التكنولوجي. فقد أصبحت الصين بالفعل رائدةً في عدد من التكنولوجيات الحديثة، ولم تعد السياسات الحمائية التي تعتمدها الولايات المتحدة قادرة على التأثير الفعلي في هذا النوع من الصناعات المتقدمة.
المحور الرابع: اقتصاد صيني قائم على الاستهلاك الداخلي
أما العنصر الثاني، او المحور الرابع، وربما الأهم، فهو قدرة الصين على إعادة هيكلة اقتصادها الداخلي، والتحوّل نحو نموذج يقوم على تنمية الطلب المحلي. وهو أمر لا تقدر عليه الولايات المتحدة بالقدر نفسه، نتيجةً للاحتدام الطبقي، واستقطاب الثروة والدخل داخل المجتمع الأميركي.
في المقابل، يتميّز الاقتصاد الصيني بخصائص فريدة؛ إذ يشكّل الاستهلاك الداخلي (الخاص، أي من دون احتساب إنفاق الدولة) حوالي 40% من الناتج المحلي الإجمالي، ويشكّل الاستثمار ما يقارب 40% كذلك. مما يمنح الصين إمكانية التحوّل، إن أرادت، إلى اقتصاد قائم على الاستهلاك الداخلي، في إطار ما يمكن وصفه بالتحوّل "الكينزي".
الصناعات القديمة لم تستوطن فقط في الصين، بل انتقلت أيضاً إلى فيتنام والفيليبين وغيرها من بلدان الجنوب العالمي
وحتى اليوم، لا يعتمد الاقتصاد الصيني بشكل كبير على الصادرات؛ إذ تشكّل الصادرات حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي، منها 12% فقط تذهب إلى السوق الأميركية. وهذا لا يعني أن التبادل مع الولايات المتحدة غير مهم، خصوصاً بالنظر إلى حجم الاستثمارات الصينية والطلب الخارجي المرتبط بها. فتراجع هذا الطلب قد يؤدي إلى ضغوط كبيرة على الاقتصاد الصيني.
ومع أنّ الدولة والمؤسسات العامة لا تزال تلعب دوراً مركزياً، إلا أنّ هناك مساحة متزايدة أيضاً للقطاع الخاص، ولتراكم رأس المال عبر الشركات الخاصة. وبالتالي، فإن هذا التحوّل التدريجي الذي شرعت فيه الصين، يمكّنها من مواجهة التحديات التي تفرضها الحرب التجارية الأميركية.
خلاصة القول: هذه هي المحاور الأربعة الأساسية في فهم الحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة على الصين.
وأعتقد أنّ من المفيد أن نترك للنقاش سؤالاً مفتوحاً حول موقع العالم العربي في هذا المشهد: كيف يمكنه التأثير، وإعادة التموضع في النظام الاقتصادي العالمي الجديد؟ ليس فقط عبر محاولة تقليدية للاستفادة من الرسوم الجمركية أو الحماية هنا أو هناك، بل من خلال بلورة استراتيجية لإعادة التمركز الجيو-اقتصادي في عالم يعاد تشكيله اليوم.
موقع البلدان العربية في النظام الاقتصادي العالمي الجديد
سمير عيطة
في الحقيقة، أنا أُحب دائماً أن أقدّم نفسي كـ"إنسان بسيط في عالم معقّد". تنبع وجهة نظري في ما فعله الرئيس ترامب من منطق بسيط – بل ربما بدائي – مفاده أنّ ترامب نظر إلى مشكلتين مركزيتين تواجهان الاقتصاد الأميركي: الأولى هي العجز الكبير في ميزان المدفوعات، والثانية هي تفاقم العجز التجاري، فضلاً عن دين عام بات في مستويات غير محتملة.
انطلاقاً من هذا المنطق البسيط، تعامل ترامب مع الدول واحدةً تلو الأخرى، متسائلاً: ما هي الدول التي تُصدّر إلى الولايات المتحدة أكثر مما تستورد منها؟ وبناءً على ذلك، فرض رسوماً جمركية عالية على صادرات تلك الدول.
في تقريرٍ أساسي نُشر في خلال تلك الفترة، وردت أرقام لافتة: مثلاً، الرسوم على الأردن وصلت إلى 20%، على الرغم من كون الأردن بلداً صغيراً، ويحظى بدعم مباشر من الولايات المتحدة. أما تونس، فبلغت النسبة 28%.
طريقة العمل هذه تعكس نهج ترامب المعروف: يتعامل مع كل دولة على حدة، ويتفاوض معها بأسلوب مباشر وأداتي، بعيداً عن أي إطار نظري متماسك يستند إلى مفاهيم مثل التجارة الحرة أو مزايا التخصص والتنافسية.
صحيح أن التجارة العالمية نمت بشكل يفوق نمو الناتج المحلي منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن الواقع يُظهر أن ما جرى لم يكن فقط نتيجة "تجارة حرة" خالصة. فحتى في ظل ضغوط الولايات المتحدة، ظهرت تكتلات إقليمية ودولية، بل إنّ الولايات المتحدة نفسها عقدت اتفاقيات تجارة حرة مع دول مثل كندا والمكسيك، ما أفضى إلى نشوء تبعية اقتصادية لهذه الدول تجاه السوق الأميركية في بعض الصناعات.
واليوم، يبدو أن واشنطن بصدد تفكيك هذا النمط من التكتلات، رغم أنه كان يصب في مصلحتها في السابق. ومن هنا، لا يمكن فصل ما يحدث عن سياق إعادة تشكّل التكتلات الاقتصادية الدولية، في مواجهة القوى الكبرى.
تفكيك نمط من التكتلات
فالولايات المتحدة ما تزال قطباً عالمياً بمفردها، ولكن في المقابل، برزت مشاريع كبرى: كالتكتل الذي تدور في فلكه الصين ومجموعة "بريكس" والاتحاد الأوروبي وغيرها.
أما في السياق العربي، فإنّ ما ينقص هو وجود تكتل اقتصادي حقيقي. باستثناء مجلس التعاون الخليجي، لا نجد أي إطار جامع. وحتى هذا المجلس، لا يعمل كوحدة اقتصادية موحّدة؛ فمثلاً، عندما أطلقت المملكة العربية السعودية سياساتها الاقتصادية الجديدة، فرضت شروطاً على الشركات العاملة في دبي، كي تنقل مقارها إلى السعودية، إذا كانت ترغب بالاستفادة من الاتفاقات التجارية المحلية.
الولايات المتحدة ما تزال قطباً عالمياً بمفردها، ولكن في المقابل، برزت مشاريع كبرى: كالتكتل الذي تدور في فلكه الصين ومجموعة "بريكس" والاتحاد الأوروبي وغيرها
وهذا يؤكد أنّه حتى داخل ما يُفترض أنه تكتل عربي، تُغلَّب الحسابات الوطنية الفردية على منطق التعاون الإقليمي.
هذه قصة لافتة تستحق التوقّف عندها، خصوصاً بالنسبة للبلدان العربية وموقعها من هذه التحوّلات الاقتصادية العالمية. وسأركّز على هذه الزاوية، مع الإشارة، تاريخياً، إلى واقعة مهمّة قلّما يُشار إليها.
ففي مشروع تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1944، بين الدول التي شاركت في التأسيس، كان هناك بند ينصّ على الانفتاح الاقتصادي والتجارة الحرة وإقامة اقتصاد مشترك بين الدول الموقّعة. غير أن المملكة العربية السعودية رفضت التوقيع على الميثاق إلا بعد حذف هذا البند.
وهذه واقعة تستحق أن يتناولها الباحثون بالدراسة والتحقيق: لماذا رُفض هذا المبدأ؟ وماذا ترتّب على ذلك لاحقاً؟
منذ ذلك الحين، تُركت كل دولة عربية لتعمل منفردة، من دون إطار اقتصادي مشترك. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، جاءت "الشراكة الأورومتوسطية"، التي تعاملت مع الدول العربية ككيانات منفصلة، ووقّعت اتفاقيات تجارة حرة مع كل دولة على حدة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن لأي دولة عربية منفردة أن تواجه هذا النوع من الانكشاف الاقتصادي.
وقد كانت المغرب – وربما الأذكى بين الدول العربية في هذا السياق – هي الدولة الوحيدة التي لم توقّع اتفاقية تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي إلا بعد أن وقّعت اتفاقاً مماثلاً مع الولايات المتحدة. بمعنى أنها حاولت الحفاظ على نوع من التوازن في علاقاتها التجارية الدولية.
ثم جاءت لاحقاً "اتفاقية التجارة الحرة العربية البينية"، ولكن كما يعرف الجميع، فهي بلا فعالية حقيقية، نظراً إلى أن الاستثناءات المفروضة فيها أكثر من بنود الانفتاح نفسها.
ولا ينبغي أن نغفل عن أثر قضية "التجارة الحرة" في ما نعيشه اليوم، وخصوصاً ما يتعلق باتفاقيات التطبيع التجاري مع إسرائيل.
نأخذ مثلاً قصة المناطق الصناعية المؤهلة (QIZ)، التي فُرضت على الأردن ومصر في إطار التطبيع مع إسرائيل. في حالة مصر، كان يُشترط تعاون صناعي مباشر بين المصانع المصرية والإسرائيلية، كي تحصل السلع المنتَجة على إعفاء من الرسوم الجمركية عند دخولها الأسواق الأميركية.
والمفارقة أنّ اليد العاملة في هذه المناطق الصناعية لم تكن عربية في معظمها، بل جاءت من بلدان جنوب آسيا. فلم تستفد منها العمالة الأردنية أو الفلسطينية أو حتى اللاجئون السوريون.
بعد ذلك، ومع الدخول في التسعينيات وما بعدها، أصبحت أغلب الدول العربية منفتحة على الاقتصاد العالمي بشكل واسع، وتراجع حضور السياسات الحمائية إلى حد كبير، باستثناء عدد قليل من الدول.
بل إنّ قضية مقاطعة إسرائيل، التي كانت تمثّل موقفاً رسمياً عربياً، تراجعت تدريجياً واختفت من المعادلات الاقتصادية.
وإذا نظرنا إلى نسب الصادرات من الناتج المحلي الإجمالي في بعض البلدان العربية، نجدها مرتفعة جداً؛ فمثلاً: في الإمارات تصل إلى 93%، وفي البحرين إلى نسب مماثلة، أما في جيبوتي فتتجاوز النسبة 170%. وهذا يُظهر درجة الانكشاف الكامل على الأسواق العالمية من دون حماية اقتصادية تذكر.
من اللافت أنّ بلداناً مثل تونس، تبلغ صادراتها نسبة مرتفعة جداً من الناتج المحلي الإجمالي، في حين أن هذه النسبة لا تتجاوز 12 إلى 19% في بلدان كبرى مثل الولايات المتحدة أو الصين.
وهذا يدلّ على أنّ البلدان العربية منفتحة بشدّة على التجارة العالمية – بين قوسين – ولكن من دون أن تكون جزءاً من أي تكتل اقتصادي إقليمي يحفظ لها موقعاً أو يوفّر لها حماية استراتيجية. ومع تصاعد حجم ديونها الخارجية، خصوصاً بعد أزمة جائحة كورونا وتداعياتها، أصبحت الأوضاع الاقتصادية في غاية الهشاشة، وفقاً لتعريف الهشاشة في الاقتصاد السياسي العالمي.
كان يُشترط تعاون صناعي مباشر بين المصانع المصرية والإسرائيلية، كي تحصل السلع المنتَجة على إعفاء من الرسوم الجمركية عند دخولها الأسواق الأميركية
كل هذا يحصل، رغم أن حصة الدول العربية من التجارة العالمية تبقى ضئيلة جداً. وهي مفارقة لافتة. ويُشار هنا إلى أنّ الحديث يدور في الغالب حول تجارة السلع، لا تجارة الخدمات، وهو ما قد يمثّل ثغرة وفرصة في الوقت نفسه يمكن أن تلعب فيها البلدان العربية دوراً مختلفاً ضمن هذا السياق التجاري المتحوّل.
وبرأيي، فإنّ هذه الحرب التجارية ستستمر لوقت طويل، إلى أن تنتهي مفاوضات الولايات المتحدة – بقيادة ترامب أو غيره – مع كل دولة على حدة. وستترك هذه الحرب آثاراً اقتصادية ممتدة على الاقتصاد العالمي.
أما بالنسبة للبلدان العربية، فقد بدأ الأثر يظهر بوضوح، أولاً في انخفاض أسعار النفط، ما أدى إلى تراجع في ميزانيات دول الخليج، وازدياد في عجز الموازنات العامة.
وهذا التطوّر خطير، خصوصاً إذا أخذنا بالاعتبار المشاريع الضخمة التي تطمح إليها بعض هذه الدول، وعلى رأسها مشروع "رؤية 2030" في المملكة العربية السعودية، والذي يقوم على تنويع مصادر الدخل الوطني، والانتقال من الاعتماد على النفط إلى قطاعات جديدة، مثل التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
كل هذه الخطط تعتمد على ميزانيات عالية، وعلى إنفاق استثماري كبير. وبالتالي، فإنّ استمرار تراجع أسعار النفط نتيجة الاضطرابات التجارية العالمية سيكون له أثر مباشر على قدرة هذه الدول على تنفيذ مشاريعها.
وسيكون لهذا الوضع أيضاً أثر غير مباشر على البلدان العربية الأخرى، مثل مصر ولبنان وتونس والمغرب وغيرها، لأنّ جزءاً أساسياً من اقتصادات هذه البلدان يعتمد على تحويلات المغتربين العاملين في الخليج.
هشاشة اقتصادية عربية
نحن نعيش في عالم حيث تستطيع دول الخليج أن تتكيّف مع الأزمات الاقتصادية، لأنّ أغلب اليد العاملة فيها ليست وطنية، ويمكن تقليص العمالة المستقدمة بحسب متطلبات الاقتصاد. أما في الدول المصدّرة للعمالة، فإنّ انخفاض التحويلات له وقع اقتصادي شديد، يفوق غالباً التقديرات.
يظهر هذا بشكل خاص في حالة لبنان، الذي يعتمد حالياً، بعد انهياره المالي، بشكل شبه كامل على تحويلات المغتربين. لذا فإنّ أثر تراجع هذه التحويلات حقيقي، ويستحق نقاشاً مستقلاً بحدّ ذاته.
أمر آخر مهم لا يجب إغفاله هو قطاع السياحة، الذي لا يُصنَّف ضمن تجارة السلع، ولكنه يشكّل مورداً اقتصادياً رئيساً لبلدان مثل مصر وتونس والمغرب. ولذلك، فإنّ الأزمات التي تصيب الاقتصاد العالمي قد تؤثّر أيضاً في السياحة، ولكن بطريقة مختلفة عن التجارة السلعية، وهو أمر يستدعي قراءة مستقلة أيضاً.
انخفاض التجارة العالمية سيُحدث تحوّلات كبيرة في سلاسل التوريد، وذلك بحسب ما ستعتمده إدارة ترامب في مفاوضاتها مع الدول المختلفة. فهناك تغيّرات بدأت بالفعل في الطريقة التي تُنظّم بها الدول مواقعها ومصادرها في سلاسل التوريد العالمية.
هذا التغيير بدأ مع أزمة كوفيد-19، وازداد وضوحاً مع الحرب الدائرة في مضيق باب المندب، والحرب المستمرّة على اليمن. كما أنّ التحوّلات التي تحدث في طرق العبور عبر قناة السويس، تفتح المجال ليس فقط أمام صعود قوى بحرية جديدة، بل أيضاً أمام تنافس إقليمي حادّ، مثل ذلك القائم بين دبي والسعودية على موقع كلٍّ منهما في خارطة الموانئ العالمية.
وفي هذا السياق، تبرز دول مثل تونس كمثال على غياب استراتيجيات فاعلة. فهي تقع جغرافياً على واحد من أهم خطوط النقل البحري في العالم – أي ذلك الذي يمرّ عبر قناة السويس – لكنها لا تستفيد من هذا الموقع، ولا توجد لديها رؤية واضحة لاستثماره في ظل النظام التجاري العالمي الجديد.
من ناحية أخرى، وبما أن أغلب الدول العربية تعاني من هشاشة اقتصادية، وبما أن معظمها – سواء كانت نفطية أو غير نفطية – يعاني من مستويات مرتفعة من الدين العام، فإنّ أي صدمة اقتصادية عالمية، ولا سيّما إذا اقترنت بانخفاض في أسعار النفط، ستكون لها آثار عميقة عليها.
ويمكن استحضار ما جرى في المدة بين عامي 1985 و1986، عندما حدثت ما يُعرف بـ "الفورة النفطية المضادة". وهي نادراً ما تُناقش على الرغم من أهميتها.
استمرار تراجع أسعار النفط نتيجة الاضطرابات التجارية العالمية سيكون له أثر مباشر على قدرة هذه الدول على تنفيذ مشاريعها
ففي العام 1973، مع اندلاع حرب أكتوبر وقرار بعض الدول العربية وقف تصدير النفط إلى أوروبا، ارتفعت أسعار النفط بشكل حاد، ثم عادت للارتفاع مجدداً في العام 1979 مع اندلاع الثورة الإيرانية. إلا أنّ السياسات الغربية لاحقاً، والتغيّرات في بنية السوق العالمية، أدّت إلى انهيار أسعار النفط الحقيقيّة إلى ما كانت عليه قبل العام 1972.
ماذا جرى للبلدان العربية حينها؟
إفلاس في لبنان ثم في سوريا ثم مصر. ودفعَت مصر ثمناً سياسياً واقتصادياً عبر انخراطها في حرب الخليج الأولى. كما دفع الأردن ثمناً باهظاً بسبب موقفه المؤيد لصدام حسين، والذي أدى إلى ترحيل عدد كبير من الأردنيين والفلسطينيين من الكويت، ما عمّق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية داخله.
والمشكلة لم تجد طريقاً للحلّ إلا بعد مرور خمس سنوات على تلك الأزمة.
اليوم، ومع ملامح صدمة اقتصادية جديدة تلوح في الأفق – بسبب انخفاض أسعار النفط، وتراجع تحويلات المغتربين – فإنّ خطر الأزمة الاقتصادية ماثل بوضوح، خصوصاً في دول ذات أوضاع هشة أصلاً.
نتحدث عن لبنان وسوريا، حيث الأوضاع صعبة ومعلنة، لكن أيضاً عن مصر، التي يغفل كثيرون حساسية وضعها. حتى في ظل اقتصاد عالمي مستقر، كانت مصر بحاجة، وفق تقارير 2025، إلى ظروف استثنائية لتفادي تعثّر مالي كبير، وهذا الخطر قد يزداد في 2026.
تونس ليست أفضل حالاً. فهي، كغيرها من الدول العربية الهشّة اقتصادياً، قد تجد نفسها في مواجهة أزمة شديدة التأثير، من دون أن تكون طرفاً مباشراً في الصراع العالمي القائم بين قطبي الصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى.
هذه هي، في رأيي، التحديات الكبرى التي ستنجم عن هذه التغيّرات على مستوى التجارة العالمية وسلاسل التوريد، والتي يجب أن تُطرح في سياق نقاش موقع البلدان العربية في النظام الاقتصادي العالمي الجديد.
صراع رأسمالي–رأسمالي واضح المعالم
وائل جمال
أودّ أن أبدأ مداخلتي ببعض النقاط التي أعتقد أنها ضرورية لتوضيح الإطار العام للنقاش.
أولاً، هناك دائماً مشكلة في تحليل تطورات النظام العالمي، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بإسرائيل أو بالبنية الإمبريالية العالمية. وتكمن هذه المشكلة في أنّنا كثيراً ما نعود إلى تصوّرات مثالية أو "نقيّة" لنظريات وأفكار وسرديّات معيّنة، من دون أن نأخذ بعين الاعتبار التناقضات الفعلية التي تكشفها التجربة التاريخية.
لا شكّ في أن حرية التجارة استُخدمت، على مدار الثلاثين عاماً الماضية، كواحدة من الركائز الأساسية للضغط على دول الجنوب، بما مكّن من نقل الثقل الاقتصادي والسلطة إلى مراكز غير متكافئة. غير أن ما هو لافت، أن هذه الحرية نفسها لم تكن مبدأً مُلزِماً للولايات المتحدة عندما تعارضت مع مصالحها.
في تاريخ منظمة التجارة العالمية – التي كانت تمثّل الضلع الثالث في منظومة المؤسسات المالية العالمية إلى جانب البنك الدولي وصندوق النقد – نرى أن النقاشات والمفاوضات، التي دارت داخلها وانتهت فعلياً إلى تقويض مكانتها، كشفت محدودية "البرادايم" القائم على حرية التجارة.
فهذا الإطار لم يُستخدم إلا حين يكون مناسباً للولايات المتحدة، وكان مخصّصاً "للآخرين" لا لها. ولذلك، كانت الدول الفقيرة – خصوصاً من أفريقيا وشرق آسيا – هي من تطالب بوقف الدعم الحكومي الأميركي الضخم للصادرات الزراعية، لأنه يضرّ بمزارعيها المحليين ويخلّ بمبدأ التنافس الحر.
مثلاً، دول كـ بوروندي ورواندا وبعض بلدان آسيا المصدّرة، كانت تطالب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوقف الدعم المالي الكبير الذي يُمنح لمزارعيهم، ما يؤدي إلى رفع الأسعار "مصطنعاً" في الأسواق العالمية.
هذا التناقض البنيوي هو ما دفع الولايات المتحدة، بعد مؤتمر هونغ كونغ، إلى الانسحاب الفعلي من المفاوضات متعددة الأطراف، وتبنّي استراتيجية جديدة تقوم على فرض شروطها بشكل منفرد على الدول الصغيرة، عبر اتفاقات ثنائية تُسهّل لها تمرير أجندتها – خصوصاً في مجال المنتجات الزراعية.
الأمر ذاته ينطبق على الادّعاء بأنّ الرأسمالية مبنية فقط على المنافسة أو على التصنيع. فالحقيقة هي أن الرأسمالية، في كل مراحل تطورها، قامت على تركيبات متعدّدة: من الاحتكارات إلى الريوع إلى الإنتاج الصناعي فالإنتاج التكنولوجي والمعرفي والثقافي. لا وجود إذاً لما يمكن وصفه بـ "النموذج النقي" للرأسمالية.
على العكس، تاريخ الرأسمالية مليء بالمراحل المتناقضة؛ منها مرحلة الميركانتيلية التي كانت فيها الحمائية التجارية ركيزة أساسية للسلطة الاقتصادية.
وبالتالي، عندما نتحدّث عن العودة إلى سياسات الحماية، علينا أن نُدرك أن ذلك ليس جديداً في السياق العالمي. فعلى مدى العقدين الماضيين، اطلقت الصحف الاقتصادية عشرات المرات تحذيرات من عودة الحمائية، سواء بسبب صراعات العملات، أو بسبب الصراعات الطبقية التي تتفاقم داخل الاقتصادات الرأسمالية نفسها.
وهذا هو منطق النظام الرأسمالي العالمي: تحوّلاته لا تأتي نتيجة "جنون شخص"، بل تعبّر عن مصالح محدّدة داخل لحظات بعينها.
إفلاس في لبنان ثم في سوريا ثم مصر. ودفعَت مصر ثمناً سياسياً واقتصادياً عبر انخراطها في حرب الخليج الأولى. كما دفع الأردن ثمناً باهظاً بسبب موقفه المؤيد لصدام حسين
ولهذا أوافق تماماً مع ما قاله الدكتور غسان: المسألة لا تتعلّق بشخص مجنون قرّر أن يفتعل مشكلة من العدم، بل هناك مصالح كبرى، يعبَّر عنها بوضوح، وتُنفَّذ خطواتها على مراحل.
في رأيي، كل هذه التطورات تأتي نتيجة أزمة بنيوية عميقة في النظام الرأسمالي العالمي، وفي داخله أيضاً، أي داخل الولايات المتحدة، كما أشار كل من الدكتور غسان والدكتور سمير إلى بعض مظاهر هذه الأزمة.
لكن أيضاً، داخل الصين نفسها، هناك عناصر بنيوية للأزمة، على رأسها اللامساواة، التي تفاقمت في خلال السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، فإنّ ما يُسمّى "الصعود الصيني" لا يمكن فهمه إلا من خلال علاقته التبادلية المعقّدة مع الولايات المتحدة، والتي اتّسمت في بعض المراحل بنوعٍ من الاستفادة المتبادلة، ولكن ضمن حدود وهياكل غير متكافئة.
اللامساواة وضعف الطلب الاستهلاكي
قد يتغيّر هذا الوضع اليوم، أو يتبدّل جزئياً، لكن لا شك أن ما وصفته كان هو الإطار العام للعلاقة بين الولايات المتحدة والصين في العقود الأخيرة.
فقد كانت الولايات المتحدة مستعدّة لاستيعاب تدفّقات مالية ضخمة، تُضخّ من خلال الاستثمارات الصينية – وغير الصينية – في سندات الخزانة الأميركية، مقابل فتح الأسواق الأميركية أمام المنتجات الصينية الرخيصة، بما يضمن توفير سلع استهلاكية رخيصة لعموم المواطنين الأميركيين.
لكن الحقيقة أن هذه الصيغة جاءت على حساب الجمهور الواسع من المواطنين الصينيين. صحيح أنها ساهمت في تراكم رأس المال الصيني، لكنها لم تكن في مصلحة العدالة الاجتماعية. وهنا أود الإشارة إلى نقطة قد أختلف فيها مع البعض، وهي فكرة أن الصين "عادت إلى الاشتراكية" أو "تتبنّى الماركسية" بشكل من الأشكال.
فواقع الحال يُظهر أن عناصر اللامساواة الفادحة الموجودة داخل الولايات المتحدة، لها أشكال مشابهة داخل الصين. على سبيل المثال، فإنّ ثروة الـ1% الأغنى في الصين تُعادل نحو 48 مرة ثروة الـ50% الأفقر من السكان. كما أن الصين اليوم تضمّ أكبر عدد من أصحاب المليارات في العالم، إذ ارتفع عددهم إلى أكثر من 814 ملياردير.
وينسحب ذلك أيضاً على توزيع الثروة، الذي هو غير متكافئ على الإطلاق، ولا يمتّ للاشتراكية بصلة – لا من قريب ولا من بعيد.
حتى أنظمة الحماية الاجتماعية في الصين غير شاملة؛ فهي تشترط، في كثير من الأحيان، أن يكون المواطن مقيماً في "الموطن الأصلي" الذي وُلِد فيه لكي يكون مؤهّلاً للحصول على التأمينات الاجتماعية. وهذا يعني حرمان ملايين من المواطنين الذين هاجروا من مناطقهم إلى الشرق الصناعي بحثاً عن العمل من حقوق الحماية الاجتماعية.
إحدى المعضلات الكبرى التي تواجه الصين حالياً هي ضعف الاستهلاك المحلي. فهناك سعي لتعويض التراجع في الصادرات عبر زيادة الطلب الداخلي، لكن تحفيز الاستهلاك هذا لا يمكن أن يتحقّق من دون إعادة توزيع الثروة والدخل، وهو أمر لا يبدو أن القيادة الصينية – في الوقت الحالي – مستعدّة لوضعه على جدول الأعمال.
بالتالي، وعلى الرغم من إدراك الصين لحاجتها إلى تعزيز الاستهلاك الداخلي، فإنها لا تزال غير قادرة على تقديم حل جذري لانكشافها الخارجي واعتمادها الكبير على الصادرات.
هذا هو منطق النظام الرأسمالي العالمي: تحوّلاته لا تأتي نتيجة "جنون شخص"، بل تعبّر عن مصالح محدّدة داخل لحظات بعينها
ومن هنا نأتي إلى العنصر الصناعي، وهو واحد من العوامل الجوهرية في الصراع العالمي الحالي. فقد أصبحت الصين، بلا منازع، القوة الصناعية الأولى في العالم؛ إذ تنتج نحو 29% من الإنتاج الصناعي العالمي، بينما تراجعت حصة الولايات المتحدة إلى 19%.
الإنتاج الصناعي يُشكّل حوالي ربع الناتج المحلي الصيني، في حين لا يشكّل سوى نحو 10% من الناتج المحلي الأميركي.
لكن يكمن جوهر المفاضلة الاستراتيجية اليوم في القطاع الجديد الذي يُتوقَّع أن يدفع بالعالم إلى مرحلة جديدة من التراكم الرأسمالي، ألا وهو القطاع التكنولوجي.
الصين هي المنافس المحتمل الوحيد للولايات المتحدة
وفي هذا القطاع بالتحديد، ما زالت الولايات المتحدة متقدمة، إذ يُشكّل الناتج التكنولوجي لديها ضعف ما هو عليه في الصين (نسبة 8% مقابل 4%). ومع ذلك، فإنّ الصين هي المنافس المحتمل الوحيد للولايات المتحدة في هذا الميدان.
أولاً، يعود التفوّق الصيني إلى التطوّر الهائل الذي شهدته صناعات السيارات، وخصوصاً ما يتعلّق بالصناعة الكهربائية، أو ما يُعرف بـ"الصناعة الخضراء".
ثانياً، تمتلك الصين احتكارات رقمية قوية في مجالات المنصات الإلكترونية، خصوصاً المرتبطة بالتجارة الإلكترونية. فهي تستحوذ على ما يقارب نصف التجارة الإلكترونية العالمية، وتضمّ بعضاً من أفضل المنصات الرقمية في العالم.
إلى جانب ذلك، للصين نسخها المحلية من التطبيقات الكبرى: هناك "فيسبوك الصيني" و"تويتر الصيني" وتطبيقات المواعدة المحلية وغير ذلك. وهذا يمنحها قدرة استثنائية على امتصاص البيانات واستهداف المستخدمين واستغلال التراكم المعلوماتي والتكنولوجي وهي قدرات لا يمتلكها الأوروبيون حالياً.
وبالتالي، عندما يكون هذا القطاع التكنولوجي هو المرشّح لقيادة موجة التراكم الرأسمالي المقبلة، خصوصاً في لحظة أزمة عالمية كبرى، يصبح الصراع حتمياً.
وهنا أقتبس من ماركس في المجلد الثالث، حين يقول إنّه "في اللحظة التي يصبح فيها رأس المال ميّتاً، تنهض الأزمة، وتتوتّر العلاقة بين عصبة الإخوة المتحاربين، الذين كانوا متوافقين، ويبدؤون في التفكير: من منهم سيحصل على الجائزة الجديدة في القطاع الجديد؟"
وبالنظر إلى المشهد الحالي، يمكن القول إنّ القطاع التكنولوجي هو ساحة هذا الصراع الجديد، و"اللحظة الصينية" تتمركز في قلبه.
لكن في النهاية، نحن نتحدث عن صراع رأسمالي–رأسمالي واضح المعالم، لا يُمكن اختزاله في ثنائية "اشتراكية/رأسمالية"، بل يتعلّق بتوزيع النفوذ داخل النظام نفسه.
إضافة إلى ما سبق، فإنّ الصين لم تعد فقط قوة تكنولوجية، بل أصبحت قوة مالية كذلك؛ فهي اليوم ثالث أكبر مُقرِض لدول الجنوب بعد صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الإنتاج الصناعي يُشكّل حوالي ربع الناتج المحلي الصيني، في حين لا يشكّل سوى نحو 10% من الناتج المحلي الأميركي
وعلى الرغم من وجود نقاشات واسعة حول طبيعة القروض الصينية، فإنّ النظر في حالات مثل كينيا وزامبيا يُظهر أن هذه القروض لا تقل افتراساً عن تلك التي تأتي من المؤسسات الغربية أو من الأسواق الدولية. بل قد تتفوّق عليها أحياناً في خطورتها، نظراً لما تتضمّنه من بنود استحواذ صريحة على الأصول المموّلة في حال التعثّر، وهو ما لا يكون بالوضوح نفسه في القروض التجارية التقليدية.
هل يعني هذا أننا نشهد نهاية النيوليبرالية؟
أعتقد أن هناك ثلاثة عناصر للاستمرارية ما تزال حاضرة، على الرغم من الحديث عن عودة الدولة، وهذه العناصر لا تتناقض بالضرورة مع النموذج الصيني، ولا حتى مع البنية النيوليبرالية عموماً:
أولاً، لا يزال الصوت النيوليبرالي حاضراً داخل الطبقات الحاكمة في العالم. ويظهر ذلك في مواقف البنوك المركزية العالمية، خصوصاً في ما يتعلّق بالتشدّد في ضبط الإنفاق الاجتماعي، والالتزام بأطر تقشّفية تُحمّل العبء للفئات الدنيا، لا للقطاعات المالية.
ثانياً، هناك مراكز جديدة تعمل على تفكيك الأطر القانونية والتنظيمية. المثال الأوضح نجده في الأرجنتين، حيث يعمل الرئيس الحالي على تفكيك الدولة الاجتماعية، وإلغاء القوانين التي تنظّم الاقتصاد، بهدف فتح الأبواب أمام رأس المال للتحرّك بلا قيود.
ثالثاً، ومع تدهور أوضاع المالية العامة في معظم الدول، وتراجع قدرتها على تمويل الحروب أو حتى الخدمات الأساسية، تضيق هامش الحركة السياسية والاجتماعية، حتى داخل الدول الغربية. ويكفي النظر إلى أثر مجرد إعلان الولايات المتحدة عن تغيير سياستها الأمنية في أوروبا، لندرك كيف دفع هذا التحوّل حكومات أوروبية إلى إعادة توجيه الموارد نحو التسليح، على حساب الإنفاق الاجتماعي ورفاه السكان.
البعد التكنولوجي للتراكم
في العالم العربي، كثيراً ما يُطرَح أن مرونة سعر الصرف هي الحل الوحيد لأزماتنا الاقتصادية، أو على الأقل المدخل الأساسي للإصلاح. لكن التجربة الصينية قدّمت نموذجاً مختلفاً؛ إذ ثبتت الصين سعر صرف عملتها عند مستويات قريبة من الواقع التجاري والتصديري، بدعم ضمني من الولايات المتحدة، على الرغم من الضغوط لم يحدث تغيير جذري في هذا النموذج.
أما في أماكن أخرى، فالوضع يختلف، ويتأثر بمقتضيات التراكم الرأسمالي. وينطبق الأمر ذاته على السياسات التجارية، حيث من الطبيعي – في لحظة عالمية كالتي نعيشها – أن تتغير فلسفة التعامل مع التجارة، ويصبح البعد الطبقي عنصراً مركزياً لا يمكن تجاهله.
بمعنى آخر، يجب أن ننظر إلى أثر التجارة بين الدول وبعضها البعض بوصفه مسألة شديدة الخطورة. تشير بعض التقديرات إلى أنّ حوالي 826 مليار ساعة عمل انتقلت من الجنوب العالمي إلى الشمال، وهي تساوي، وفقاً لمستويات المهارة والأجور في الشمال، نحو 16.9 تريليون يورو. وهذا يعني عملياً أنّ هناك من يعمل من دون أن ينال مردوداً عادلاً، بل يموّل رفاهية في دول أخرى.
وللتجارة كذلك أثر داخل الدول: ففي الصين مثلاً، لم تُوزّع عوائد هذا "النجاح التجاري العظيم" بشكل متساوٍ على السكان. بل العكس، فالعمالة الرخيصة التي تعمل تحت الضغط، وأحياناً في ظروف رقابة صارمة واستغلال، لم تكن تخدم الشعب الصيني كله، بل خدمت رفاهية المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا، وساعدت على تعظيم أرباح الشركات، سواء تلك المرتبطة برأسمالية الدولة الصينية، أو الرأسماليين المتحالفين معها.
لا يزال الصوت النيوليبرالي حاضراً داخل الطبقات الحاكمة في العالم. ويظهر ذلك في مواقف البنوك المركزية العالمية، خصوصاً في ما يتعلّق بالتشدّد في ضبط الإنفاق الاجتماعي، والالتزام بأطر تقشّفية تُحمّل العبء للفئات الدنيا، لا للقطاعات المالية
ومن المهم التوقف أيضاً عند البعد التكنولوجي لهذا التراكم، خصوصاً في الصين، التي تستخدم التكنولوجيا لأغراض رقابية واجتماعية كثيفة. فالصين تعتمد نظاماً لتقييم "حُسن سلوك المواطنين"، مبنياً على مراقبة شديدة لحركتهم في الشوارع، والمحلات، والمعاملات التجارية والمصرفية، وغيرها.
بالتالي، التكنولوجيا ليست فقط وسيلة إنتاجية أو اقتصادية، بل تُستخدم في الرقابة الاجتماعية والسيطرة الفكرية، وهو ما نراه أيضاً في الاستخدامات السوقية المكثفة لمنصات التواصل الاجتماعي في الولايات المتحدة، ولكن بأدوات مختلفة.
أما فيما يخصّ العلاقة التجارية بين العالم العربي والولايات المتحدة، فهي علاقة ضعيفة. ويُظهر تقرير للإسكوا أنّ حجم التجارة العربية–الأميركية تراجع إلى النصف في خلال العقد الأخير، ومعظمها تجارة نفطية. وهي بطبيعة الحال تتأثر بتراجع أسعار الطاقة.
كما أكّد البنك الدولي في تقرير حديث جداً أنّ أسعار الطاقة والسلع الأولية ستتراجع بنحو 15% هذا العام، ثم 7% إضافية لاحقاً، وهو ما سيكون له أثر واضح.
صحيح أن هذا قد يعود ببعض الفوائد على بلدان مستورِدة للطاقة مثل مصر، لكن حتى هذا الأمر ليس محايداً اجتماعياً. فمثلاً، في مصر، أبرز القطاعات التي قد تستفيد من تعريفات ترامب الجمركية هي القطاعات المرتبطة باتفاقات كويز، والتي تتطلّب مكوّناً إسرائيلياً في الصادرات المصرية حتى تُعفى من الرسوم الجمركية الأميركية.
هذه المنتجات، التي تشمل سلعاً صناعية محددة، أصبحت أكثر تنافسية بفعل هذه الاتفاقات، ومن المتوقّع أن يزداد حجم صادراتها، وربما يتشجّع المصنّعون المصريون الآخرون على الانضمام لهذا النوع من التعاون مع إسرائيل.
وهذا يضعنا أمام ضرورة أن نفكّر في الكلفة الاجتماعية للفوائد الاقتصادية، لا أن نكتفي بتحليل الأثر على "مصر" أو "الأردن" أو "تونس" بوصفها وحدات اقتصادية مجردة.
فالتحليل الحقيقي يجب أن يُعيد الاعتبار للبُعد الاجتماعي، ولما يُخفى من علاقات غير متكافئة وتفاوت طبقي خلف أرقام التجارة والنمو.