تعليقات الخبير في الصناديق السيادية أندرو باور:
ما يفتقر إليه لبنان حقاً هو الإنفاق العام

«لن أخاطر حتى بإجراء أي تقدير». بهذا الحزم ختم الخبير المالي أندرو باور تعليقاته على مشروع القانون اللبناني لإنشاء صندوق سيادي لإيرادات الغاز والنفط. يقول إن «آفاق إنتاج النفط في لبنان تصرِف الناس عن القضايا الحقيقية المُتمثلة في ملاءة القطاع المالي وسوء الإدارة الاقتصادية. والحقيقة أنّنا لا نعرف كيف سيكون شكل الاقتصاد اللبناني بعد عشر سنوات، ولا حجم ناتجه المحلّي الإجمالي، ولا احتياجاته. لا نملك أدنى فكرة عن حجم عائدات النفط التي قد يحصل عليها لبنان واحتياجاته المحلّية الملحّة من الطاقة». لذلك «قد يكون قانون الصندوق السيادي ضرورياً قبل بدء الإنتاج في الحالة اللبنانية، من أجل منع تحويل عائدات النفط المُحتملة نحو مسارب تخدم الفساد والزبائنية السياسية. ولكن لا توجد حالة طوارئ تشريعية (...) وعلى الجهود البرلمانية أن تركّز على معالجة الأزمة الراهنة، قبل التفكير بكيفيّة استخدام عائدات النفط والغاز المُفترض الحصول عليها بعد عقدٍ من الآن». 

أندرو باور هو خبير في مجال الإدارة المالية العامة، وحوكمة المؤسّسات المملوكة للدولة وصناديق الثروة السيادية، وفي مجال تنظيم قطاع التعدين والبترول. قدّم خدمات استشارية وتدريبية في العديد من البلدان منها لبنان. وجّهنا إليه أسئلتنا عبر البريد الإلكتروني، وكانت هذه الأجوبة:

ضروري ولكن غير مُستعجل

  • هل إنشاء صندوق سيادي للثروة قبل وجود أي اكتشاف تجاري يتماشى مع الممارسات الجيّدة؟

    ثمّة أسباب معيّنة تفرض إنشاء صناديق للثروة السيادية قبل بدء تدفّق عائدات النفط والغاز إلى خزائن الدولة، خصوصاً أن أحداً لا يرغب بالوصول إلى وضع يقضي بإنشاء صندوق سيادي على عجل بمجرّد العثور على اكتشاف كبير، بما يؤدّي إلى تخصيص عائدات النفط لتغذية الزبائنية وخدمة مصلحة السياسيين الشخصية. 
    يكمن التحدّي الأساسي بعدم معرفة حجم الأموال المُنتظَرة الا بعد أن تبدأ عائدات النفط بالتدفّق. وفي كثيرٍ من الأحيان تُعدَّل القوانين التي تُنشِئ صناديق الثروة السيادية، عندما تبدأ الأموال في رفد خزائن الدولة. عملياً، جميع البلدان التي لديها قوانين لصناديق الثروة السيادية تعدّلها بمرور الوقت لتكييفها مع احتياجاتها. ومع ذلك، من النادر جدّاً سنّ قوانين لصندوق الثروة السيادية قبل العثور على اكتشاف تجاري. سورينام هي مثالٌ على ذلك، ولكن بمجرّد العثور على اكتشاف نفطي فيها، تعدَّل القانون بالكامل. أمّا في غيانا فقد تمّ إقرار القانون قبل سنتين أو ثلاث سنوات من بدء الإنتاج، ولكن بعد العثور على اكتشاف تجاري.
    على أية حال، قد يكون قانون الصندوق السيادي ضرورياً قبل بدء الإنتاج في الحالة اللبنانية من أجل منع تحويل عائدات النفط المُحتملة نحو مسارب تخدم الفساد والزبائنية السياسية. مع ذلك، لن تتحقّق هذه الإيرادات إلّا قبل عقدٍ من الآن تقريباً، وبالتالي لا توجد حالة طوارئ تشريعية. المهمّ هو أن يكون القانون منطقياً ومناسباً لسياق الاقتصاد الكلّي للبلاد، وأن يحترم المبادئ السارية على صناديق الثروة السيادية لا سيّما فيما يتعلّق بالشفافية والتدقيق الخارجي.

    أحدٌ لا يرغب بالوصول إلى وضع يقضي بإنشاء صندوق سيادي على عجل بمجرّد العثور على اكتشاف كبير، بما يؤدّي إلى تخصيص عائدات النفط لتغذية الزبائنية وخدمة مصلحة السياسيين الشخصية 

  • هل تعتقد أن مشروع القانون المعروض أمام البرلمان يلبِّي احتياجات لبنان الاقتصادية الكلِّية؟

    كما نعلم جميعاً، يمرُّ لبنان بأزمة مالية واقتصادية وأزمة ديون عميقة. ومن غير المنطقي ادخار أموال النفط واستثمارها في أصول خارجية في بلدٍ مثقل بالديون ويحتاج إلى التنمية. يجب أن تنصبَّ الجهود البرلمانية على معالجة هذه القضايا والإشكاليّات، لا على عائدات النفط والغاز المُحتمل تدفّقها بعد عقدٍ من الآن.

صلاحيّات غامضة للغاية 

  • ما رأيك بالقواعد المتعلّقة بتخصيص الأموال في المحفظتين اللتين يتكوَّن منهما الصندوق في لبنان؟

    هناك صناديق تكون قوانين الاستثمار مُفصّلة للغاية فيها، مثل غانا وغيانا وتيمور الشرقية وكولومبيا والمكسيك. في النروج، هذه التفاصيل منصوص عنها في الأنظمة والقوانين. أمّا في منطقة الخليج - المحكومة من عائلات أو نخب ملكية صغيرة - لا تتضمّن القوانين الكثير من هذه التفاصيل. يأتي مشروع القانون اللبناني مستوحى من النماذج الأخيرة ولا تنطبق عليه الممارسات العالمية الفضلى.
    تبدو محفظة الادخار والاستثمار أشبه بصندوق ادّخار تقليدي. هناك محدودية في أنواع الأصول التي يمكن الاستثمار فيها، مع إشارة فضفاضة إلى استثمار 75% منها في أصول خارجية من دون أي توضيح أو إشارة إلى ماهية هذه الأصول. وهذا يعني أيضاً أنه يمكن استثمار 25% من هذه العائدات في أسهم الشركات اللبنانية والدين اللبناني. أما صلاحيّات الاستثمار المُدرجة في محفظة التنمية فهي غامضة للغاية. نظرياً، من الممكن أن تكون مفيدة وأن تساهم في تلبية الاحتياجات التمويلية للشركات اللبنانية... لكن في بلدان أخرى مثل روسيا وأذربيجان وكازاخستان والمملكة العربية السعودية، خُصِّصت الأموال لتلبية معايير سياسية بدلاً من معايير مالية. وبالتالي، ما لم تكن هناك رقابة قويّة وشروط قانونية صارمة للاستثمار وفق أسس مالية بحتة، فهناك احتمال كبير أن تخدم هذه الأموال شبكات المحسوبية والزبائنية. 

    في منطقة الخليج - المحكومة من عائلات أو نخب ملكية صغيرة - لا تتضمّن القوانين الكثير من هذه التفاصيل. يأتي مشروع القانون اللبناني مستوحى من النماذج الأخيرة ولا تنطبق عليه الممارسات العالمية الفضلى

  • بحسب قراءتك لقواعد الاستثمار والسحب من الصندوق، ما هي قيمة الأموال التي قد تنتهي بتسديد الدين العام؟

    يمكن استخدام ما يصل إلى ثلث قيمة أصول محفظة التنمية لتمويل الميزانية، بما فيها تخفيض الديون، لأن الأموال مترابطة وقابلة للاستبدال. 
     

  • هل ينطوي القانون على أي مخاطر تشجّع المحسوبيَّات أو الفساد؟

    إن وجود قواعد استثمار وقيود مشدّدة على تخصيص الأصول من شأنها تقليل المخاطر. مع ذلك، تعدُّ البنود المرتبطة بالرقابة والشفافية بالأهمّية نفسها. يجب التبليغ عن كلّ الأصول المملوكة للصناديق كما هو الحال في ألاسكا، ويجب أن يكون هناك تدقيق خارجي مناسب. وهذان العنصران غير مُدرجين في القانون المقترح للبنان.

ما يفتقر إليه لبنان حقّاً

  • لماذا تعتقد أن الصندوق المُخصَّص هو الحل الأنسب للبنان؟

    تنشئ الصناديق لأغراض مختلفة. هناك صناديق ادّخارية للدول التي تتمتّع بإيرادات نفطية هائلة للفرد وفوائض مالية كبيرة ومستويات مديونية عامّة منخفضة مثل الكويت أو قطر أو النروج. وهناك بلدان تكون عائدات النفط فيها ضخمة إلى حدّ يخلق حالة من عدم الاستقرار الكلّي مثل كازاخستان أو المكسيك، بحيث يصبح إنشاء صندوق لتحقيق الاستقرار أمراً منطقياً. وهناك بلدان لا يتمتّع القطاع الخاص فيها بالقدرة الكافية على الوصول إلى التمويل وتكون أسواقها المالية متخلّفة، بحيث يكون إنشاء صندوق استثمار استراتيجي منطقياً مثل نيجيريا والسنغال.
    لا ينطبق على لبنان أي من هذه المعايير. ما يفتقر إليه لبنان حقاً هو الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية، مثل إدارة النفايات والنقل العام والطاقة المتجددة. لذلك، فإن الاستخدام الأمثل لأموال النفط سيكون من خلال صندوق مُخصَّص. مع ذلك، من السابق لأوانه أن تحدَّد اليوم احتياجات لبنان في العقد المقبل. 

    ما يفتقر إليه لبنان حقاً هو الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية، مثل إدارة النفايات والنقل العام والطاقة المتجددة. لذلك، فإن الاستخدام الأمثل لأموال النفط سيكون من خلال صندوق مُخصَّص 

  • هل ينطبق على لبنان ما تسمّيه بـ«لعنة الموارد الأولية»؟

    نعم. قد يشكّل لبنان حالة دراسية لظاهرة لعنة الموارد الأولية. فهو مكان تتجاوز فيه التوقّعات الواقع بكثير، وآفاق إنتاج النفط تصرِف الناس عن القضايا الحقيقية المُتمثلة في ملاءة القطاع المالي وسوء الإدارة الاقتصادية. والحقيقة أنّنا لا نعرف كيف سيكون شكل الاقتصاد اللبناني بعد عشر سنوات، ولا حجم ناتجه المحلّي الإجمالي، ولا احتياجاته. لا نملك أدنى فكرة عن حجم عائدات النفط التي قد يحصل عليها لبنان واحتياجاته المحلّية الملحّة من الطاقة. لذلك لن أخاطر حتى بإجراء أي تقدير.