85% من سكان الأرض يرزحون تحت التقشّف
ختم العقد الثاني من الألفية الثالثة بعيش 85% من سكان الأرض في ظل سياسات تقشفية مؤلمة تنعكس بحرمانهم من أدنى حقوقهم الأساسية. مع ذلك، لا يبدو أن هناك توجّه لإيقافها بل الاستمرار بها لإنقاذ نظام اقتصادي عالمي مأزوم.
قلّصت الأيديولوجيا السائدة منذ سبعينيات القرن الماضي النقاش في السياسات الاقتصاديّة المُفترض اعتمادها إبّان الأزمات الاقتصاديّة وبعدها، وحصرتها بوصفة واحدة: التقشّف. تخضع هذه الوصفة لمعادلة سياسية شبه وحيدة، تقوم على مقايضة شرسة بين ربحيّة رأس المال أو تحقيق العدالة لشرائح أوسع من الناس، لا سيّما أن الحفاظ على واحدة يؤدّي حكماً إلى الاقتطاع من الثانية. تُطرَح سياسات التقشّف كوسيلة للحفاظ على ربحية رأس المال، من خلال تحميل أثمان الأزمات التي يُسبّبها تراكم هذه الربحيّة نفسها للناس، وذلك من خلال الانقضاض على أي مُكتسب سبق أن حقّقوه مهما كان هامشياً.
في هذا السياق، يتم اللجوء إلى تعابير برّاقة، وأحياناً مُبهمة، لتبرير الوصفة التقشفيّة، مثل عقلنة الإنفاق الاجتماعي للانقضاض على برامج الدعم المُخصّصة للأكثر فقراً والأيتام والمعوّقين والعجزة؛ إصلاح المؤسّسات العامّة عبر الخصخصة لتجريد المجتمع من ملكيّاته وتحويلها إلى ملكيّات خاصّة تخضع لمنطق السوق وتدرُّ ربحاً لأصحابها؛ ترشيد حجم الدولة عبر تفريغها من كوادرها بما يعرقل أداء مهامها ويُبرّر تقليص نفقاتها المُخصّصة لتقديم خدمات الصحّة والتعليم لمواطنيها بالإضافة إلى أبسط حقوقهم الأساسية؛ عدا عن تقديم الانقضاض على حقوق العمّال ومعاشاتهم التقاعدية كإصلاح لهذه المُخطّطات وإضفاء مرونة على سوق العمل.
تكثُر هذه الوصفات ويتوسّع نطاقها وتزداد شدّتها، وتقدّم بوصفها الحلّ السحري والسريع لكلّ الأزمات. تتوضّح ملامح هذا التوجّه الأعمى، ليس في لبنان والدول العربية المأزومة فحسب حيث يسوّق لسياسات التقشّف بصفتها الحلّ لكلّ شيء، إنّما في العالم بأسره.
افتُتح القرن الواحد والعشرين بانهيار فقّاعة الدوت كوم والركود الأرجنتيني، وتلتهما أزمة 2008 العالمية، قبل أن تتوالى سلسلة من الأزمات والانهيارات في بلدان مختلفة، من أزمة الديون اليونانية، إلى أزمة العملة والمديونية في تركيا، والأزمة النقدية في الأرجنتين. وعلى الرغم من فشل وصفات التقشّف في معالجة هذه الأزمات والحؤول دون الانزلاق إلى أزمات جديدة، والأهمّ من ذلك بروز آثارها الإجرامية على المجتمعات، لا تزال المؤسّسات المالية الدولية والحكومات أسيرة هذه الوصفات وتحشو سياساتها بها.
تقوم وصفة التقشّف على مقايضة شرسة بين ربحيّة رأس المال أو تحقيق العدالة لشرائح أوسع من الناسخُتِم العقد الثاني من الألفية الثالثة بتفشي جائحة كوفيد-19، وتبعه ركود اقتصادي مُرتقب حتّى قبل تفشيها. مع ذلك، وعلى الرغم من التوسّع الإنفاقي الذي واكب السنة الأولى من تفشّي الوباء، إذ رفعت 85% من الدول إنفاقها العامّ بنسبة 5% من الناتج المحلي، عادت 80% من هذه البلدان وقلّصت إنفاقها بنسبة 3.5% عام 2021، ولم تكن الجائحة قد انتهت بعد، بل كانت تتفاقم وتتراكم، تاركة 5 ملايين طفل يتيم بين عامي 2021 و2022، و1,6 مليار طفل محروماً من التعليم، و1,2 شخصاً في 69 بلداً لا تصلهم الكهرباء أو المياه أو الغذاء. وحالياً، وعلى الرغم من تعثّر أو احتمال تعثّر 60 دولة عن دفع ديونها، وتوقّع عيش نصف البشرية بأقل من 5,5 دولاراً يومياً في نهاية عام 2022، لا يزال مسار التدمير الذاتي سالكاً، إذ تسعى المزيد من الدول (134 دولة) إلى تقليص إنفاقها، ويرجّح أنّ يرتفع عدد المتأثّرين سلباً بهذه السياسات من 6,3 مليار شخص عام 2021 إلى 6,7 مليار عام 2023، أي ما يشكّل 85% من مجمل سكّان الأرض.
في هذا الإطار، نشر ائتلاف من الجمعيّات تقريراً بعنوان "إنهاء التّقشّف: تقرير دولي عن تقليص الموازنات العامّة والإصلاحات الاجتماعية الضارّة في 2022-2025"، يستند إلى تقارير صندوق النقد الدولي في 189 دولة لتحديد سياسات التقشّف المُتبعة منذ عام 2008 والتي ستُتبع خلال السنتين المُقبلتين، وتداعياتها على المجتمعات.
55% من مستوفيي شروط برامج الرعاية المُستهدفة لم يحصلوا عليها
يُخطّط 120 بلداً حول العالم لتقليص الإنفاق على الرعاية الاجتماعية في عام 2023، من بينهم 88 بلداً نامياً و32 بلداً مرتفع الدخل وفق ما يورد التقرير. وهو ما سوف يؤدّي إلى زيادة التقشّف في الإنفاق على الرعاية الاجتماعية وبرامج الدعم للأطفال والأسر، والبرامج التي ترعى شؤون المرأة والعجزة والمعوّقين والمعطّلين عن العمل، في مقابل حصر المساعدات بالفئات التي تعيش في فقر مُدقع فقط.
لطالما دعت المؤسّسات المالية الدولية في وقت الأزمات إلى تصويب برامج الرعاية الاجتماعية عبر استهداف الفئات الأكثر فقراً تحت شعار "تحسين الرعاية الاجتماعية"، فيما الهدف الفعلي كان ولا يزال تحقيق توازن مالي في موازناتها عبر تحميل مجمل الناس كلفة التصحيح للاستمرار في إعفاء المداخيل العالية من أية أعباء والاستمرار في دفع الديون وخدمتها. عدا عن ذلك، برهنت دراسات وتجارب عديدة أنّ حصر الدعم في الشرائح الأكثر فقراً لا يحلّ مشكلة الفقر، لأنّ هذه البرامج المُستهدفة تُهمِل الطبقات المتوسّطة والفئات المُهمّشة الأكثر عرضةً لتداعيات ارتفاع الأسعار ورفع الدّعم بحكم دخلها المحدود، فينتهي بها المطاف تحت خطّ الفقر. على سبيل المثال، ارتفع معدّل الفقر من 30% إلى 38% في الإكوادور بالتوازي مع تنفيذ برنامج الرعاية الاجتماعية الذي يستهدف 80% من الـ30% الأكثر فقراً. كذلك، ارتفع معدّل الفقر من 15% إلى 24% في الأردن على الرغم من تطبيق برنامج تحويلات نقدية استهدف 240 ألف أسرة فقيرة.
أيضاً، تبرز إشكالية تقنيّات تحديد واستهداف الشرائح الأكثر فقراً، المُعقّدة والمُكلفة، والتي تستهلك 15% من كلفة برامج الدعم، وغالباً تهمّش أفراداً يُفترض استهدافهم، بدليل أنّ 55% من الذين يستوفون شروط برامج الرعاية الاجتماعية في العالم لم يستفيدوا منها، ولاسيما الـ20% الأكثر فقراً الذين لم يتمكّن أكثر من نصفهم من الحصول على أي رعاية اجتماعية.
2,3 مليون وظيفة فُقِدت في 12 بلداً نامياً بسبب تقليص رواتب القطاع العامين 2016 و2021
سيخفّض أو يجمّد 91 بلداً إنفاقه على رواتب القطاع العام في خلال عام 2023، ومن ضمنهم 64 بلداً نامياً و27 بلداً مرتفع الدخل، وذلك إمّا بخفض الأجور مباشرةً، أو تجميد التوظيفات، أو الامتناع عن تصحيحها بما يتوافق مع معدّلات التضخّم وبالتالي السماح بتدنّي قيمتها الفعليّة.
تطال هذه السياسات النساء بشكلٍ خاص لأنّهنّ يشكلن جزءاً كبيراً من العمالة في القطاعات التربوية، والصحّية، والعمل الاجتماعي، وهي الوظائف التي تشكّل القسم الأكبر من وظائف القطاع العام غير العسكري. عدا أنّ هذه الإجراءات تساهم بإفراغ الدوائر والمؤسّسات العامة من كوادرها، وارتفاع حالات التغيّب عن العمل والفساد وتدهور الخدمات العامّة ودفع أصحاب الخبرات إلى الهجرة.
في الواقع، أدّى تقليص فاتورة رواتب القطاع العام في 12 بلداً نامياً إلى خسارة نحو 2.3 مليون وظيفة بين عامي 2016 و2021، من ضمنها 583,358 معلماً ومعلّمة، و 387,614 ممرضاً وممرّضة، و1,315,933 وطيفة أخرى في القطاع العام.
118 مليون شخصاً جديداً انضمّوا إلى جياع الأرض في خلال عام 2020
سيلغي 80 بلداً أو يخفض برامج الدعم لديه، ولا سيما تلك المتعلّقة بالطاقة والغذاء والمعدّات الزراعية، على الرغم من الارتفاع القياسي بأسعار النفط والمواد الغذائية عالمياً.
سجّلت منظّمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتّحدة انضمام 118 مليون شخص جديد إلى جياع الأرض في عام 2020، ما يرفع عددهم إلى 811 مليون شخصاً. كذلك ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعانون من سوء تغذية من 8.4% إلى 9.9% من سكّان العالم بين عامي 2019 و2020. من هنا، سوف يفاقم رفع الدعم عن المواد الغذائية والمعدّات الزراعية تردّي الحالة الغذائية في العالم.
أخيراً تتذرّع بعض الدول بالتزاماتها الدولية فيما يخص التغيّر المناخي لرفع الدعم عن مصادر الطاقة الملوّثة إنّما من دون تقديم بدائل بيئيّة أو أي دعم اجتماعي. في حين أن رفع الدعم عن الطاقة بشكل مفاجئ وغير مدروس ينعكس سلباً على كلفة النقل والتدفئة والطبخ والإنارة ويعرقل النمو الاقتصادي.
إلى ذلك، تقدّم الحكومات مشاريع الرعاية الاجتماعيّة كبديل عن رفع الدعم. لكن كما المياه تكذّب الغطّاس، كذلك تفعل الأرقام في هذه الحالة. في الواقع، يستهدف الدعم كلّ الشرائح الاجتماعية بينما لا تطال برامج الرعاية المُحدّدة إلا قلّة منهم. على سبيل المثال، رفعت غانا دعماً بقيمة 12 مليار دولار عن المحروقات في 2013، في حين لم تقدّم سوى 20 مليون دولار ضمن برنامج رعاية اجتماعية لدعم الفقراء.
235 حالة إعادة تأميم للمياه سُجِّلت في السنوات الـ 15 الأخيرة نتج عنها خفض كلفة المياه 8%
سيخصخص 79 بلداً بعضاً من أملاكه العامة في العام المقبل، منهم 59 بلداً نامياً و20 بلداً مرتفع الدخل. أيضاً سيعزز 55 بلداً شراكته مع القطاع الخاص.
تعود فورة الخصخصة والشراكة بين القطاع العام والخاص إلى ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي عندما روّج صندوق النقد الدولي للخصخصة كحلّ للعجز العام وقلّة فعاليّة المؤسّسات العامة. منذ ذلك الحين، تمّ دحض غالبيّة الأوهام حول الخصخصة، بعد أن أظهرت التجارب أنها تؤدّي غالباً إلى بناء الاحتكارات، وتردّي جودة الخدمات وارتفاع كلفتها على المستهلك، وزيادة البطالة وكذلك الأعباء الاجتماعية على النساء، فضلاً عن تدنّي مدخول الدول على المدى الطويل، وزيادة اللامساواة والنزاعات السياسية. المستفيد الوحيد من ذلك كانت الشركات الخاصّة التي ارتفعت عائداتها المضمونة من الدولة.
في الواقع، عادت دول عديدة إلى التأميم بعد فشل الخصخصة، بحيث رُصدت 235 حالة إعادة تأميم للمياه في السنوات الـ15 الأخيرة، كان أشهرها في باريس عام 2010 وقد نتج عنها خفض كلفة المياه بنسبة 8%. أيضاً، بعد أنّ لجأت 30 دولة إلى خصخصة الصناديق الإلزامية العامة بين عامي 1981 و2014، أعادت 18 دولة تأميمها بدءاً من عام 2018.
دفعت سياسات التقشّف العديد من البلدان للجوء إلى توقيع اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص كملاذ أخير لتمويل مشاريع من دون إدراجها في ميزانيتها التقشفيّة، ما خلق حلقة مُفرغة من تبديد الموارد. من أبرز الأمثلة مستشفى NKS السويدي حيث وقّعت الدولة اتفاقية شراكة عام 2010 لبناء مستشفى وتشغيله في غضون خمس سنوات، وبعد تأخيرات عديدة وتخطّي الميزانية الملحوظة بأشواط، تم افتتاح أغلى مستشفى في العالم من حيث كلفة البناء عام 2018. فرض هذا الواقع أن تتراجع المؤسّسات المالية العالميّة عن التوصية بخصخصة الصناديق العامة فقط، بينما لا تزال تحرّض على سائر أشكال الشراكة مع القطاع الخاص والخصخصة التي عفا عليها الزمن.
10% هي نسبة التقليص التي طالت رواتب المتقاعدين في 60% من الدول الأوروبية
سيقلّص 74 بلداً الإنفاق على المعاشات التقاعدية والصناديق الضامنة عام 2023، من ضمنهم 55 بلداً نامياً و19 بلداً مرتفع الدخل. ويعدّ هذا البند الأكثر شيوعاً في وصفات التقشّف، ويقوم على رفع نسبة مساهمة العمّال في اشتراكات الصناديق الضامنة في مقابل خفض مساهمة أرباب العمل. وهذا ما أوصى به صندوق النقد الدولي في 47 بلداً خلال تفشّي الجائحة ما هدّد ديمومة الصناديق.
من جهة أخرى، جرى إلغاء الاستثناءات الضريبية عن المعاشات التقاعدية ورفع سنّ التقاعد. على مدار سنوات، تركّزت جهود صندوق النقد على الدفع باتجاه خصخصة الصناديق التقاعدية أو تفكيكها كلياً من خلال إلغاء مبدأ المنفعة الجماعية وتحويلها إلى حسابات خاصّة لكلّ متقاعد، بما يعرّضها إلى مخاطر مالية أعلى، أمّا الهدف فهو رفع عدد الحسابات المصرفيّة وأرباحها، ودفع أكلاف تشغيلية باهظة للجهات الخاصّة التي تدير هذه الصناديق. هكذا خسرت صناديق التقاعد الخاصة في الأرجنتين والبيرو 44% و50% من موجوداتها نتيجة أزمة 2008 العالمية. فيما انخفضت قيمة موجودات صناديق التقاعد بنسبة 39% في لاتفيا، و31% في أستونيا، و20% في بلغاريا لتعويض الأكلاف التشغيلية المدفوعة للجهات الخاصة التي تديرها، وتكبّدت بولندا 14.4% من ناتجها المحلي للانتقال من نظام تقاعدي عام إلى خاص. من هنا، أدّت سياسات التقشّف في أنظمة التقاعد إلى رفع معدّلات الفقر لدى المسنّين، فانخفض دخل المتقاعدين في 60% من الدّول الأوروبية بنسبة تصل إلى 10%.
آفة إصلاح صناديق التقاعد ليست محصورة في البلدان المرتفعة الدخل فحسب، إنما أيضاً في 55 بلداً نامياً يتجه إلى الالتحاق بوصفات صندوق النقد الدولي بدل اتباع إصلاحات بديلة وأكثر جدوى، مثل تسوية أوضاع العمّال في الاقتصاد اللانظامي لرفع مساهمات أرباب العمل في صناديق التقاعد وتمتينها.
60% من عمّال العالم باتوا يتقاضون مداخيل أقل مما كانت عليه قبل الجائحة
يتداول 60 بلداً، من ضمنهم 44 بلداً نامياً و16 بلداً مرتفع الدخل، في إمكانية تحرير علاقات العمل من أي ضوابط قد تحافظ على حقوق العمّال. تقضي هذه السياسات، التي يُطلق عليها اسم "سياسات مرونة العمل" بكبح الحدّ الأدنى للأجور، والحدّ من تصحيحها، وضعضعة قدرة العمّال على تنظيم مفاوضات جماعية، وتسهيل صرف الأجراء، وتحفيز توظيف الأجراء المستقلّين.
يسوّق لهذه السياسات على أنها تحفّز تنافسيّة الشركات وتخلق فرص العمل، لكن لم تستخلص العديد من الأبحاث أي دليل على ذلك، لا بل أكّدت أن هذه السياسات تزيد هشاشة العمالة، وتزعزع استقرار العمل، وتخفّض المداخيل، ما ينعكس سلباً على الطّلب الكلّي ويؤخّر مسار الخروج من الأزمات.
على الرغم من ذلك، شاع اعتماد هذه السياسات، وبات 60% من عمّال العالم يتقاضون أجراً أقل من حيث القيمة بالمقارنة مع ما كان عليه قبل الجائحة، فيما يعتبر 84% من سكّان العالم أنّ الحد الأدنى للأجور في بلادهم غير كافٍ لعيش حياة كريمة.
26 بلداً سيقلّص إنفاقه على الصحة في عام 2023
أوصى صندوق النقد الدولي 104 بلدان برفع إنفاقهم على الصّحة بشكل مؤقّت في زمن الجائحة. لكن يعمد 16 بلداً نامياً و10 بلدان مرتفعة ومتوسّطة الدخل إلى تخفيض إنفاقهم الصّحي حالياً للتصدّي لأزمات كامنة في اقتصاداتهم. ويبرز ذلك بوضوح في الدول الأفريقية، نتيجة ارتفاع الفوائد المترتبة على ديونها العامّة واستحواذها على الحصّة الأكبر من الإنفاق العام على حساب الإنفاق الصحي.
لكن من المعروف أن تقليص الإنفاق على الصّحة يؤدي مباشرة إلى نتائج صحّية سلبية منها ارتفاع نسبة الوفيات عموماً وعند حديثي الولادة خصوصاً، وحالات العيش مع المرض، وتدهور الصّحة النفسية، وارتفاع حالات الإدمان والانتحار. وهذا ما شهدته دول مثل اليونان، وإسبانيا، والبرتغال. مع ذلك، تتجه اليوم دول مثل هايتي التي تعاني من تفشّي مُقلق لمرض الكوليرا إلى خفض إنفاقها الصحي من 3.1% في عام 2022 إلى 2.6% في عام 2023.
5 تريليون دولار هي الزيادة المُحقّقة على ثروات أغنياء العالم في 2021
يتّجه 86 بلداً إلى رفع الضرائب على الاستهلاك على الرغم من كونها ضرائب رجعيّة، بمعنى أنها تحمّل ذوي الدخل المحدود أعباءً أعلى من الميسورين، وتؤدّي إلى رفع أسعار السّلع والخدمات الأساسية وتقويض القدرة الشرائية للأسر.
أوصى صندوق النقد الدولي 45 بلداً بتخفيض الضرائب على الشركات، وكذلك تخفيض نسبة اشتراكات الحكومات في صناديق الرعاية الاجتماعية، على الرغم من فشل هذه السياسات منذ ثمانينيات القرن الماضي، ودحض قدرتها على استقطاب الاستثمارات المستقرّة، عدا عن تسببّها بوصول اللامساواة إلى نسب قياسية. والدليل ارتفاع ثروات الأغنياء في العالم بنحو 5 ترليون دولار في العام الأخير فقط. إلى ذلك، تتعارض سردية استقطاب الرساميل عبر خفض الضرائب مع بحث أجراه البنك الدولي، أشار فيه إلى أنّ رفع جميع الضرائب بنسبة 2 إلى 4% قد ترفع مداخيل الدول النامية بنحو 190 مليار دولار.