أنيس الجرماني

يُعتبر الجيش الإسرائيلي من أوائل مُستخدمي ذخائر اليورانيوم المنضّب في حرب العام 1973، كما ارتفعت الشبهات استخدام تلك الذخائر في حرب تمّوز/يوليو 2006 ضدّ لبنان.

مثلما امتنعت السلطة اللبنانية عن الإنفاق في نصف العقد الفائت لتخفيف وطأة الانهيار الاقتصادي ونتائج الجائحة وانفجار المرفأ، ها هي تمتنع اليوم عن تمويل مظلّة أمان أساسية، وتجهيز القطاع الصحي، لمواجهة عدوان قد يكون من أكثر الحروب همجية على لبنان.

تقدّم 7 نوّاب من أصحاب المصالح الصناعية والتجارية الكبرى باقتراح قانون يشرّع استبدال الضمان الاجتماعي بشركات التأمين الخاصّة. هذا الاقتراح لا ينطلق من حرص أصحاب العمل على صحّة عمّالهم، لا بل العكس، يرمي إلى تخفيض إضافي لاشتراكاتهم وتوجيه ضربة قاضية نهائية لصندوقٍ حاربوه منذ إنشائه.

يُشبّه نظام تمويل القطاع الصحي اللبناني بالفسيفساء المجزأة. يعود ذلك إلى خليط من القوانين والمراسيم المطبقّة وغير المطبّقة أو المطبقّة جزئياً أو تعسّفياً، والتي تنظّم شؤون صناديق اجتماعيّة تجمع مساهمات ماليّة من مشتركين وتؤمّن لهم في المقابل تأميناً صحياً، بالاضافة إلى خدمات أخرى متفاوتة مثل التعليم ومكافأة نهاية الخدمة.

ارتفعت التجارة العالميّة للأغذية بنسبة 350% بين عامي 2000 و2021 «مؤتمر الأمم المتّحدة للتجارة والتنمية» (UNCTAD)، ووصلت قيمتها إلى 1.7 تريليون دولار. ولكن كميّة الأغذية المستوردة وطبيعتها تتفاوت بين الدول الغنيّة والفقيرة. وعلى الرغم من ارتفاع إنتاج الغذاء لا يزال نحو 10% من سكّان العالم يعانون من الجوع المزمن.

حتى لو توقّفت الحرب على قطاع غزّة الآن فإن آلاف الفلسطينيين سوف يموتون بسبب الآثار طويلة المدى التي خلّفتها هذه الحرب على جميع المستويات. فوفق دراسة صادرة حديثاً، إذا استمرّت الحرب على الوتيرة نفسها فسوف يُقتل 66,720 فلسطينياً إضافياً بين شهري شباط/فبراير وحتى آب/أغسطس.

إن لم يمت سكّان غزّة من القصف المباشر، فسوف يموتون حكماً من مخلّفات الحرب، تكاد تكون هذه المعادلة الأكثر تعبيراً عن الواقع الذي تحاول دولة الاحتلال ترسيته في قطاع غزّة من خلال قصفها الهمجي للسكان وقطعها كلّ سبل الحياة والإغاثة عنهم.

التشوهات الديموغرافية فاقعة في قطاع غزّة إذ يعتبر بقاء الفرد على قيد الحياة لمدة 65 سنة حالة استثنائية، وأيضاً يعد الوضع الصحي متدهور للغاية في ظل الحصار المطبق على القطاع منذ 16 عاماً، وحالياً يضاعف الجيش الاسرائيلي المأساة عبر استهدافه المتعمّد للمرافق الصحية والقَطع المتعمّد للتيّار الكهربائي وحظر دخول المحروقات والأدوية.

في حين تتضاعف معدّلات اللامساواة ويعيش ثلثي سكان الأرض يوماً بيومٍ، لجأ البنك الدولي إلى الترويج لنظام مساعدات نقدية يستهدف الشرائح الأكثر فقراً، فما هي هذه البرامج وكيف سُخِّر العِلم ليغطي على الأيديولوجيا السائدة؟

مثلما اهتزّت مجتمعات واقتصادات أوروبا في القرن الثامن عشر مع قدوم المكننة وكلّ ما فرضته من تغيّرات على نمط الإنتاج والحياة والأنظمة السياسية، هكذا سوف تهتزّ مجتمعاتنا مع إدخال الذكاء الاصطناعي في القرن الواحد والعشرين. لذلك، لا بدّ من البحث في طبيعة هذه التكنولوجيا وتبعاتها المرتقبة.

بالنظر إلى السياق اللبناني الفريد لناحية حدّة الأزمة والغياب الكامل لإجراءات تخفيف وطأتها، بيَّن استبيان بالعيّنة أجريته بين شهرَي آب/أغسطس 2021 وكانون الثاني/يناير 2022 عدم تقيّد مرضى القلب والشرايين في لبنان بعلاجهم، بحيث أن 40% منهم ملتزمون بشكل متوسّط، فيما 60% ملتزمون بشكل منخفض.

يُحصر النقاش حول التغطية الصحّية الشاملة في مجال التمويل، بحيث تبقى هذه النظرة عاجزة عن استيعاب تشعب نظام التغطية الصحية الشاملة. فهي لا تعني فقط إدراج جميع المقيمين في مخطط لجمع وإعادة توزيع الموارد، بل تشمل جوانب حياة الإنسان جميعها منذ ولادته حتى وفاته.