رسالة كريستوفر كولومبوس إلى حاكميْ إسبانيا فرديناند وإيزابيلا
بخصوص جزر الهند على ضفاف نهر الغانج

رسالة من كريستوفر كولوم [ كولومبوس]، الذي يدين له عصرنا بالكثير؛ عن جزر الهند المكتشفة حديثاً على ضفاف نهر الغانج في خلال رحلة البحث التي تمّ إرساله فيها قبل ثمانية أشهر تحت رعاية وعلى نفقة فرديناند وهليزابيت [ إيزابيلا] حاكميّ إسبانيا اللذين لا يقهران، مخاطباً اللورد العظيم غابرييل سانشيس [سانشيز]، وهو أمين خزائن أصحاب السمو والمعالي. وقد ترجم الرجل النبيل والمثقف ليندر دي كوسكو هذا الكتيب من الإسبانية إلى اللاتينية في اليوم الثالث قبل حلول شهر أيار/ مايو [ أي في 29 نيسان/أبريل] 1493، في السنة الأولى من حبرية الإسكندر السادس.

روما، نيسان/أبريل 1493

أعلم أنه سيسعدكم معرفة أنني توصلت إلى نتائج مثمرة، لذلك قررت كتابة هذه الرسالة لإبلاغكم بكل ما تم إنجازه وكل ما اكتشفته في رحلتي هذه.

في اليوم الثالث والثلاثين من مغادرتي مدينة قادس وصلت إلى البحر الهندي حيث اكتشفت العديد من الجزر التي يسكنها العديد من الناس. لقد استحوذت عليها جميعاً من أجل ملكنا العزيز من خلال بيان علني، ورفعت علمه عليها، ولم يظهر أحد أي نوع من أنواع المقاومة. ولقد أعطيت للجزيرة الأولى اسم مخلّصنا المبارك، الذي تمكّنت بمساعدته من الوصول إلى هذا الإنجاز وغيره الكثير، ولكن الهنود يسمّونها غواناهاني. كما منحت لكل من الجزر الأخرى اسماً جديداً كذلك، حيث أمرت بأن يُطلق على إحداها اسم سانتا ماريا دي كونسيبسيون، وأخرى اسم فرديناند، وأخرى إيزابيلا، وأخرى اسم خوانا وهكذا مع كل البقية. بمجرّد أن وصلنا إلى الجزيرة التي ذكرت للتو أن اسمها خوانا، أبحرت على طول ساحلها مسافة كبيرة نحو الغرب، ووجدت أنها ضخمة للغاية، من دون أي نهاية واضحة، لدرجة أنني اعتقدتُ أنها ليست جزيرة بل قارة. ولكنني لم أرَ أي بلدة أو مدينة تطل على الساحل، فقط بعض القرى والمزارع الريفية، والتي لم أستطع التحدث مع سكانها، لأنهم فرّوا بمجرد رؤيتهم لنا. ولكني استمريت في طريقي معتقداً أنني سأجد بعض المدن أو المنازل الريفية. وفي النهاية، وبعد أن لاحظت أن استمرارنا في هذا البحث لن يؤتي ثماره، وأن هذا المسار كان يقودنا نحو الشمال، والذي كنت أرغب في تجنّبه، لأنه كان وقت فصل الشتاء في هذه الأقاليم، بالإضافة إلى أني كنت أعتزم دائماً المضي قدماً نحو الجنوب، والرياح كانت تتوافق كذلك مع رغبتي هذه، فخلصت إلى عدم خوض أي مغامرة أخرى. لذلك عدت أدراجي إلى أحد الموانئ. ومن هناك، أرسلت اثنين من رجالنا إلى البلدة لمعرفة ما إذا كان هناك أي ملك أو مدن على هذه الجزيرة. استمرت رحلتهما لثلاثة أيام، وجدا خلالها عدداً لا يحصى من الناس والمساكن، ولكن البلدة كانت صغيرة ولا يوجد فيها حكومة ثابتة، وعادا على هذا الأساس. في غضون ذلك، تعلمت من بعض الهنود - الذين أمسكت بهم في هذا المكان - أن هذا البلد هو في الواقع جزيرة، وبناءً على ذلك اتجهت نحو الشرق، بمقدار 322 ميلاً، وكنت ملتصقاً بالساحل طوال الوقت. ومن أطراف هذه الجزيرة رأيت جزيرة أخرى إلى الشرق، على بعد مسافة 54 ميلاً من خوانا، فأطلقت عليها اسم هيسبانيا. واستمريت في الاتجاه نحوها، ووجهت مساري لنحو 564 ميلاً إلى الشمال الشرقي حيث كانت تقع، كما فعلت مع خوانا بالضبط.

لقد كانت الجزيرة المسمّاة خوانا والجزر الأخرى المجاورة لها خصبة للغاية، وبها العديد من الموانئ على جميع الجوانب، والتي كانت آمنة للغاية وواسعة بشكل لم أرَ مثيلاً له من قبل، ويتدفّق في خلالها العديد من الأنهار الواسعة والعذبة، كما يوجد على أراضيها العديد من الجبال الشاهقة. كل هذه الجزر جميلة للغاية، وتتمتّع بأشكال مختلفة عن بعضها تماماً، ويمكن اجتيازها بسهولة، بالإضافة إلى كونها مُمتلئة بأكبر مجموعة متنوّعة من الأشجار رأيتها على الإطلاق، وهي أشجار طويلة للغاية لدرجة أنها تبدو كما لو تصل إلى النجوم! أعتقد أن هذه الأشجار لا تتساقط أوراقها أبداً، حيث كانت الأوراق ذات لون أخضر جميل للغاية كما هو حال الأشجار في إسبانيا في شهر أيار/مايو، وكانت أوراق الشجر تغطّي بعض الأشجار والبعض الأخر تزيّنه الفواكه والثمار. وقد كان يُغرِّد العندليب والعديد من الطيور الصغيرة الأخرى عندما كنت أتجوّل بينهم في شهر تشرين الثاني/نوفمبر. كما  يوجد أيضاً سبعة أو ثمانية أنواع من النخيل في الجزيرة المسمّاة خوانا، والتي تتجاوز نخيلنا في الطول والجمال، كما هو حال جميع الأشجار، والأعشاب، والفواكه هنا. هناك أيضاً غابات صنوبر، وحقول، ومروج شاسعة؛ بالإضافة إلى طيور من جميع الأنواع والأشكال، وعسل طيب ومغذي. كما يتوفر هنا جميع أنواع المعادن، ما عدا الحديد.

وفي الجزيرة التي ذكرت سابقاً أن اسمها هيسبانا، يوجد جبال شاهقة وجميلة للغاية، ومزارع، وبساتين وحقول كبيرة، وهي خصبة لكلّ من الزراعة والمرعى، كما أنها مناسبة لتشييد المباني. إن توفر الموانئ على هذه الجزيرة بالإضافة إلى الأنهار الكبيرة والعذبة، أمر لا يمكن تصديقه إلا إذا رأيته بعينيك. إن الأشجار وأراضي المراعي والفواكه المتواجدة فيها تختلف للغاية عن تلك المتواجدة في خوانا. إلى جانب ذلك، فإن هيسبانيا تزخر بأنواع مختلفة من الأجناس، والذهب، والمعادن. إن السكان من كلا الجنسين على هذه الجزيرة وجميع الجزر الأخرى التي رأيتها أو التي لدي أي نوع من المعرفة بها يسيرون عراة كما ولدوا تماماً، باستثناء أن بعض النساء يغطّين أعضائهن التناسلية بأوراق الشجر أو الأغصان أو بغطاء من القطن، والذي يصنعنه بأنفسهنّ لهذا الغرض. إنهم جميعاً - كما ذكرت من قبل - يفتقرون لأي نوع من الحديد، وبالتالي ليس لديهم أي نوع من الأسلحة، ولا يعرفون ما هي حتى، لذلك فهم غير معتادين عليها، ولكن ليس بسبب أي تشوّه جسدي، فجميعهم ذوي بنية حسنة، بل لأنهم خجولين وممتلئين بالرعب. ومع ذلك، فهم يحملون قصباً مُجفّفاً في الشمس كبديل عن الأسلحة، والذي قد ثبّتوا عليه رمحاً خشبياً مُجفّفاً ومشحوذاً إلى حدّ ما. ولكنهم لا يجرئون على استخدامه؛ فعندما أرسل اثنين أو ثلاثة من رجالي لبعض من قراهم للتحدّث مع السكان، يجتمع حشد من الهنود؛ ولكنهم عندما يرون رجالنا يقتربون، يفرّون سريعاً، لدرجة أن الآباء يتخلّون عن أبنائهم، والأبناء عن آبائهم. ولم يحدث هذا بسبب أننا ألحقنا بهم أي نوع من الخسارة أو الأذي. بل على  العكس، لقد أعطيت كل ما أملك من الملابس والعديد من الأشياء الأخرى لمن قابلته أو تمكّنت من الحديث معه منهم من دون أي مقابل، هم فقط خوّافون وخجولون بطبيعتهم. ولكن عندما يرون أنهم بأمان، وتتلاشى مخاوفهم، يكونون بُسطاء وصادقين للغاية، بالإضافة إلى كونهم كريمين جداً، ولا يرد أحدهم سائلاً ما استطاع؛ بل على العكس، كانوا هم أنفسهم يدعوننا لطلب المساعدة منهم، ويظهرون مودة عظيمة لنا جميعاً، ووصل بهم الأمر بأن يقايضوا ممتلكاتهم القيمة بتفاهات، راضين بأقل القليل أو لا شيء على الإطلاق. ولكنني منعت إعطائهم أشياء تافهة وبلا قيمة، كبعض الصحون أو الأطباق أو الأكواب أو المسامير أو الأحزمة؛ على الرغم من أن هذه الأِشياء بدت لهم ثمينة للغاية، وبدا لهم أنهم إذا تمكّنوا من الحصول عليها سيكونون كما لو أنهم حصلوا على أجمل وأغلى المجوهرات في العالم؛ وقد صادف أن بحّاراً قد استلم مقابل حزام واحد فقط كمّية من الذهب تعادل  ثلاث بيعات من الحديد الصلب؛ وحدث  الأمر نفسه مع الآخرين مع أشياء أخرى أقل ثمناً، وخصوصاً مقابل عملات نحاسية أو فضية جديدة، وبعض العملات الذهبية، والتي قدّموا مقابلها أي يكن ما يطلبه البائع على الفور، على سبيل المثال، أونصة ونصف أو أونصتين من الذهب، أو ثلاثين إلى أربعين رطلاً من القطن، وهي مواد هم معتادون عليها بالفعل. أي أنهم كانوا يقايضون القطن والذهب بقطع من الأطواق، والأباريق، والبرطمانات، والأواني. ولكنني منعت هذا، لأنه ببساطة لم يكن عادلاً؛ ومنحتهم العديد من الأشياء الجميلة والمرضية التي قد كنت جلبتها معي، ولم أطلب منهم أي مقابل، وذلك لكي أكسب مودتهم، ولكي يتقبّلوا أن يصبحوا مسيحيين ويميلوا لحب ملكنا وملكتنا وأمرائنا وكلّ شعب إسبانيا؛ ولكي يصبحوا حريصين كذلك على البحث والتجميع  وإعطائنا الأشياء التي يمتلكون الكثير منها، ونحن في أشدّ الحاجة إليها.

إنهم ليسوا وثنيين؛ بل على العكس، فهم يؤمنون بأن كلّ القوة، وكلّ الطاقة، وباختصار كلّ النعم أتت من الجنة، وأنني أنا أيضاً قد أتيت من هناك بكل هذه السفن، والبحارة؛ وقد تم استقبالي بهذه الروح في كلّ مكان، بعد أن تغلّبوا على مخاوفهم. إنهم ليسوا مُتبلّدين ولا حمقى، بل على العكس، لديهم فهم ممتاز وحادّ للأمور. إن أولئك الذين أبحروا في تلك البحار يقدّرون كل شيء بشكل ممتاز؛ المشكلة فقط أنهم لم يروا رجالاً يرتدون ملابس، أو سفناً مثل سفننا من قبل.

وبمجرّد أن أبحرت مرّة أخرى، أخذت معي بعض الهنود من الجزيرة الأولى بالقوة، على أمل أن يتعلّموا منا، وفي الوقت نفسه يخبروننا بما يعرفونه عن شؤون هذه الأقاليم. وقد نجح هذا بشكل مثير للإعجاب؛ حيث فهمنا بعضنا البعض في وقت قصير باستخدام الإيماءات، والعلامات، والكلمات. إنهم قادمون معي الآن، وعلى الرغم من الوقت الطويل الذي قضيناه وما زلنا سنقضيه معاً، إلّا إنهم ما زالوا يعتقدون أنني أتيت من الجنّة. لقد كانوا هم أول من قالوا هذا بأنفسهم أينما ذهبنا، حيث كان ينادي أحدهم الآخر بصوت عالٍ قائلاً: «تعال، تعال، سترى رجالاً من الجنة». عندئذ، يجتمع كل من النساء والرجال، والأطفال، واضعين خوفهم الذي كانوا يشعرون به منذ فترة قصيرة جانباً، ويتوافدون سريعاً لرؤيتنا، ويتجمّع حشد كبير ويتبع خطواتنا، حيث يجلب بعضهم الطعام، والبعض الآخر يجلب المشروبات بكل الحب والإحسان.

يوجد في كل جزيرة قوارب مصنوعة من الخشب المتين، وعلى الرغم من كونها ضيّقة، إلّا إنها تشبه قوارب التجديف الخاصّة بنا في الطول والشكل، ولكنها أسرع في الحركة، وتتحرّك  بواسطة المجاديف فقط. كان بعض هذه القوارب كبيراً، وبعضها صغيراً، والبعض الآخر متوسّط الحجم؛ ولكن كانت غالبيتها أكبر من قوارب التجديف ذات الـ18 مجدافاً. وكانوا يبحرون بها إلى جميع الجزر، والتي كانت لا تعد ولا تحصى، كما كانوا ينخرطون في التجارة وتبادل البضائع مع بعضهم البعض. ولقد رأيت بعض هذه السفن أو القوارب، وكانت تحمل 70 أو 80 مجدفاً. لا يوجد اختلاف في مظهر سكان كل هذه الجزر، ولا في عاداتهم أو لغتهم، لذلك كانوا يفهمون بعضهم البعض بسهولة، وأعتقد أن هذا هو الوضع الأكثر ملاءمة لملكنا السامي، وخصوصاً رغبته في جعلهم يعتنقون الديانة المسيحية، ووفقاً لمعرفتي بهم حتى الآن، فهم أكثر من مستعدين لفعل ذلك.

لقد أخبرتك بالفعل كيف أبحرت في مسار مستقيم على طول جزيرة خوانا، من الغرب للشرق لمسافة 322 ميلاً. ويمكنني أن أقول من هذه الرحلة وخلاصة خبرتي من رحلاتي الأخرى أن جزيرة خوانا أكبر من إنكلترا وإسكتلندا معاً. حيث إنه وراء الـ 322 ميلاً المذكورة أعلاه، هناك جزء يطلّ على الغرب، يوجد فيه مقاطعتين أخريين لم أقم بزيارتهما، يطلق الهنود على إحداهما اسم أنان، ويُقال أن سكانها يولدون بذيول، وكما فهمت من الهنود الذين جلبتهم معي والذين لديهم معرفة واسعة بكل هذه الجزر، فإن هاتين المقاطعتين تمتدان لـ 180 ميلاً.

إن المسافة حول هيسبانيا أكبر من كل إسبانيا، [أي المسافة الممتدة من كولونيا وإلى فونتارابيا] وقد تم إثبات هذا بسهولة، لإن جانبها الرابع، والذي اجتزته بنفسي في مسار مستقيم من الغرب للشرق، يمتد لمسافة 540 ميلاً، لذلك يجب أن نعتز بهذه الأرض وألا نستخف بها بعد الحصول عليها. وكما سبق لي وأن استحوذت على كل الجزر الأخرى بالفعل لملكنا العظيم، كما ذكرت سابقاً، وجعلت حكمها بالكامل بين يديه، فعلت الأمر نفسه في هذه الجزيرة كذلك، فقد استحوذت بشكل خاص على إحدى المدن الكبرى، في أكثر الأماكن ملاءمة لكل أنواع الربح والتجارة، ومنحتها اسم «ميلاد الرب إلهنا» (the Nativity of our Lord)؛ وأمرت بأن يتمّ بناء حصن هناك فوراً، والذي ينبغي أن يكون قد تمّ الانتهاء من بنائه الآن، وتركت فيها أكبر عدد ممكن من الرجال كما بدا ضرورياً، ومعهم جميع أنواع الأسلحة، ومؤن تكفي لأكثر من عام؛ كما تركت كارافيل (مركب متوسط الحجم) ورجال لبناء المزيد، وهم ماهرون ليس فقط في التجارة بل في أشياء أخرى كذلك. لقد ضمنت لهم حسن نية وصداقة ملك الجزيرة الرائعة قبل رحيلي. إن سكان هذه الجزيرة ودودون ولطفاء للغاية؛ لدرجة أن ملكهم كان فخوراً باعتباري أخاً له. ولكن حتى إذا فكروا في تغيير رأيهم وإيذاء رجالنا الذين بقوا في الحصن، فلن يتمكّنوا من ذلك؛ لأنهم غير مسلحين، وعارين، وجبناء للغاية، لذلك في الحقيقة فإن هؤلاء الذين بقوا في الحصن يمكنهم أن يدمروا كل من في تلك الجزيرة، من دون أن يتعرّضوا هم أنفسهم لأي ضرر، بشرط ألّا ينتهكوا القواعد والتعليمات التي وضعتها لهم.

وكما فهمت، ففي كل هذه الجزر، يكتفي كل رجل بزوجة واحدة، ما عدا الأمراء أو الملوك، حيث يُسمح لهم بالحصول على عشرين زوجة. ويبدو أن النساء هنا يعملن أكثر من الرجال؛ ولكنني لم أتمكّن من أن أفهم جيداً ما إذا كانت لديهم ملكية خاصة أم لا؛ حيث إنه مما رأيته فإن ما يملكه أحدهم يتشاركه الجميع، وخصوصاً الوجبات، والمؤن وما شابه ذلك. ولم أجد بينهم أي همج كما توقّع الكثيرون؛ بل وجدت رجالاً محترمين ولطيفين؛ ليسوا ببشرة سوداء كالإثيوبيين؛ ولكنهم يمتلكون شعراً أسود ناعماً. وعلى الرغم من أن حرارة الشمس شديدة للغاية هناك، حيث أن هذه المنطقة تبعد ست وعشرين درجة فقط عن خطّ الاعتدال، إلا إنهم لا يعيشون في الأماكن التي تكون فيها أشعة الشمس أكثر شدّة. حيث  يأتي برد شديد من قمم الجبال هناك، ولكن الهنود يخففون من حدّته بالتأقلم مع الطقس، وبمساعدة الطعام الساخن، والذي يتناولونه بكثرة وبكمّيات مُفرطة.

كما قلت سابقاً لم أرَ أي همج ولم أسمع روايات عن أي شيء من هذا القبيل ما عدا في جزيرة تسمى كاريس، وهي الجزيرة الثانية عندما يعبر المرء من إسبانيا إلى الهند، ويسكنها عرق معيّن يعتبرهم جيرانهم شرسين للغاية. يُقال عنهم إنهم يأكلون لحوم البشر، ويستخدمون أنواع عدة من القوارب التي يعبرون بها إلى جميع الجزر الهندية، وينهبون ويحملون ما يستطيعون، ولكنهم لا يختلفون بأي شكل من الأشكال عن الهنود الآخرين إلا في كونهم يحافظون على شعرهم طويلاً كالنساء، كما يستخدمون الأقواس والسهام المصنوعة من القصب، والتي تحتوي على رماح حادّة مثبتة في الجزء السميك منها كما وصفنا من قبل. ولهذا السبب يعتبرهم البعض شرسين، ويخاف منهم الهنود الآخرين بشدة؛ ولكنني لا أعتقد أنهم مختلفين عن الآخرين لهذه الدرجة. إنهم يمارسون الجنس مع بعض النساء اللواتي يسكنّ بمفردهن في جزيرة ماتورين، وهي الجزيرة الأولى عندما يعبر المرء من إسبانيا إلى الهند. هؤلاء النساء لا يتبعن أي من المهن المعتادة للنساء، بل يستخدمن أقواس وسهام مماثلة لأقواس وسهام أزواجهن التي وصفتها سابقاً، ويحمين أنفسهن بصفائح من النحاس التي يجدنها بوفرة بينهن.

علمت كذلك بأن هناك جزيرة أخرى أكبر من هيسبانيا، سكانها ليس لديهم أي شعر؛ ويوجد بها ذهب أكثر من أي جزيرة أخرى. ولقد أحضرت معي بعضاً من سكان هذه الجزر والجزر الأخرى التي رأيتها ليدلوا بشهادتهم على ما أبلغتكم به. وفي النهاية، سأختصر في بضع كلمات بسيطة النتائج والمزايا الرئيسة لمغادرتنا وعودتنا السريعة. فأنا أقطع على نفسي عهداً لملكنا الجليل، بأنه إذا تمّ دعمي بقليل من المساعدة، فسأحضر الكثير من الذهب، بالإضافة إلى التوابل، والقطن، والمصطكي، والتي يمكن إيجادها فقط في خيوس وكثير من العود الهندي، والعبيد الوثنيين بقدر ما يختار ويطلب صاحب الجلالة؛ وإلى جانب كل هذا، سأجلب الأعشاب وأنواع أخرى من الأدوية، والتي أعتقد أن الرجال الذين تركتهم في الحصن اكتشفوها بالفعل أو سيفعلون ذلك قبل أن ألمح لهم حتى؛ لأنني لم أتأخّر في أي مكان أكثر مما أجبرتني الرياح، إلا عندما كنت أعمل على بناء حصن في مدينة الميلاد، لأتأكد من أن كل شيء آمن.

وعلى الرغم من أن كل هذه الأشياء رائعة للغاية ولم نسمع بها من قبل، إلا إنها كانت ستكون أكثر من هذا بكثير لو جُهِّزت بعدد أكبر من السفن. ما تم تحقيقه عظيم ورائع، ولا يرجع الفضل في ذلك لي على الإطلاق، بل تحقّق كل هذا بفضل العقيدة المسيحية المقدسة، وتقوى وتديّن ملوكنا العظماء. إن عقل الإنسان لا يمكنه استيعاب النعم التي منحها الرب للبشر، لأن الرب مُعتاد على سماع عباده الذين يحبّون تعاليمه، حتى في المواقف التي تبدو مستحيلة كما حدث معي في الوقت الحالي، عندما أنجزت ما لم تتمكّن أي قوة إنسانية من تحقيقه حتى الآن، وإذا كان قد كَتَب أحدٌ أو قال أي شيء عن هذه الجزر، فجميعهم فعلوا ذلك إمّا بشكل غامض أو عن طريق التخمين، حتى لو بدا ما كتبوه أو قالوه رائعاً للغاية.

ولذلك دعونا جميعاً نشكر إلهنا ومخلّصنا يسوع المسيح، الذي منحنا نصراً ومكافأت عظيمة. وأن ندعو لأن تكون هناك مواكب وتضحيات مهيبة؛ وأن تتزيّن الكنائس بزينة الاحتفالات؛ وأن يفرح المسيح في الدنيا كما يفرح في الجنّة عندما يرى أرواح العديد من الناس الضائعة قد تمّ إنقاذها؛ ودعونا نفرح ليس فقط بتمجيد إيماننا، بل بزيادة ازدهارنا الدنيوي، والذي لن تتشاركه إسبانيا فحسب، بل العالم المسيحي بأكلمه.

سُرِدت هذه الأحداث بإيجاز تماماً كما تمّ إنجازها. إلى اللقاء.

كريستوفر كولوم،

أميرال أسطول المحيط

لشبونة، 14 آذار/مارس.