لاجئو المناخ: العواقب الوخيمة للاضطرابات البيئية
في كل ثانية تمرّ حالياً، ينزح شخصٌ واحد بسبب كارثة مناخية شديدة مثل الفيضانات والعواصف والأعاصير والجفاف وحرائق الغابات والانهيارات الأرضية ودرجات الحرارة القصوى.
هذا ما تقوله أرقام المركز الدولي لرصد النزوح (IDMC)، التي قدّرت عدد حركات النزوح المناخي لعام 2022 بنحو 32.6 مليون حالة، وهو معدّل يتجاوز بنسبة 41% المتوسّط السنوي لحالات النزوح المناخي المُسجّلة في خلال السنوات العشر الماضية. وهذا الرقم، الذي فاق أيضاً معدّلات حركات النزوح الناجمة عن الصراع والعنف في خلال العام نفسه (28.3 مليون حالة)، مُعرّض للارتفاع أكثر وصولاً إلى احتمال نزوح نحو 1.5 مليار شخص بحلول العام 2050 وفق تقديرات مركز الأبحاث الدولي IEP. بمعنى آخر، بعد أقل من ثلاثة عقود، سيكون 1 من كلّ 9 أشخاص في حالة نزوح بسبب الاضطرابات المناخية، ما لم تتخذ اليوم إجراءات حاسمة لتدارك الانهيار المناخي الحاصل.
بعد أقل من ثلاثة عقود، سيكون 1 من كلّ 9 أشخاص في حالة نزوح بسبب الاضطرابات المناخية، ما لم تتخذ اليوم إجراءات حاسمة لتدارك الانهيار المناخي الحاصل
في الواقع، استُخدم مُصطلح لاجئ/ة مناخ للمرّة الأولى في العام 1985 من قبل خبير برنامج الأمم المتّحدة للبيئة عصام الحناوي، وهو يشمل الأشخاص الذين أُجبِروا على مغادرة بيئتهم التقليدية بشكل مؤقّت أو دائم نتيجة الاضطرابات البيئية الملحوظة، لكن بسبب التغيّرات المناخية الكبيرة المسجّلة في السنوات الثلاثين الماضية وتأثيراتها الكارثية على الحياة ونوعيتها على كوكب الأرض، علت الأصوات المطالبة بتوسيع شمول المصطلح ليطال أي شخص تأثّر بالاضطرابات البيئية في مجتمعه، والتي يمكن أن تكون مرتبطة بطريقة أو بأخرى، وبشكل مباشر أو غير مباشر، بالتغير القصير أو الطويل المدى في البيئة.
صحيح أنه لا توجد حالياً منطقة مُحصّنة ضدّ تغيّر المناخ، ولكن مخاطر النزوح وتداعياته تبقى أكبر في المناطق الأفقر، والتي عادة ما تكون الأقل تسبّباً في أزمة المناخ، وتعدّ بطبيعة الحال أقل قدرةً على الاستعداد لمواجهة تداعيات الكوارث. أمّا التحدي الأبرز الذي يواجهه لاجئو ولاجئات المناخ فيتمثل بعدم حصول هذه الفئة على الحماية الواجبة التي تجنّبهم الترحيل وغيره من «الامتيازات» التي يتمتّع بها لاجئو الحروب.
الفيضانات السبب الأول للنزوح المناخي
بحسب التقرير نفسه، يتبيّن أنه من بين كلّ 10 حالات نزوح بسبب الكوارث التي يغذّيها تغيّر المناخ، ثمّة 6 حالات تنزح بسبب الفيضانات التي تصدّرت الأسباب التي تدفع السكّان إلى ترك أراضيهم وأماكن سكنهم (نحو 19 مليون حالة)، بعد أن كانت العواصف (نحو 10 ملايين حالة) المُسبّب الأول في السنوات السابقة. ويليهما الجفاف كأحد أكبر الأسباب المُهجرة للسكان، حيث سجًّلت في العام الماضي نحو 2,2 مليون حالة نزوح بسبب الجفاف، ومن بعدها حرائق الغابات (366 ألف حالة)، ثم الانهيارات الأرضية (53 ألف حالة)، فدرجات الحرارة الشديدة (12 ألف حالة).
98% من حالات النزوح الناجمة عن الكوارث الطبيعية ارتبطت بالأخطار المتعلّقة بالطقس، فيما تسبّبت الأخطار الجيوفيزيائية في نزوح النسبة المتبقية التي تبلغ نحو 716 ألف حالة
وعليه، يتبيّن أنّ 98% من حالات النزوح الناجمة عن الكوارث الطبيعية ارتبطت بالأخطار المتعلّقة بالطقس، فيما تسبّبت الأخطار الجيوفيزيائية (الزلازل والانهيارات الأرضية والانفجارات البركانية) في نزوح النسبة المتبقية التي تبلغ نحو 716 ألف حالة.
إلى ذلك، حلّت أفغانستان أولى في حالات النزوح الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وسجّلت نحو مليوني و164 ألف حالة، تليها باكستان بنحو مليون حالة، ومن ثمّ نيجيريا (854 ألف حالة) وبعدها الفيليبين (532 ألف حالة) فالسودان (227 ألف حالة) والكونغو (نحو 200 ألف حالة).
ووفق تقرير المركز الدولي، تعود المستويات القياسية التي سجّلها النزوح المناخي إلى استمرار ظاهرة النينيو الجوّية التي تسبّبت بأسوأ موجة جفاف على الإطلاق في الصومال وكينيا وأثيوبيا وساهمت بنزوح أكثر من مليوني حالة.
النزوح المناخي وارتفاع احتمال نشوب الصراعات
يعدُّ النزوح واحداً من أكثر العواقب، التي يتسبّب بها تغيّر المناخ، تدميراً على البشر والمجتمعات بحسب المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين. فهو لا يتسبّب بتفاقم البطالة والفقر والانقطاع عن التعليم والمشاكل الصحية بسبب تدمير سبل العيش وتعطيل الحياة الأسرية والمجتمعية والثقافية فحسب، بل يزيد من المخاوف المتعلّقة بالسلامة والأمن، ويزيد من خطر الاتجار بالبشر، وأكثر من ذلك يهدّد بنشوب صراعات.
عندما ترتفع درجات الحرارة، قد يؤدّي ذلك إلى تقليل توافر المياه، وبالتالي زيادة انتشار الأمراض واحتمال حدوث جفاف وفشل المحاصيل، وكل هذا قد يؤدّي إلى اضطراب اجتماعي وعدم استقرار سياسي
ومن أبرز المخاطر التي يفاقمها النزوح هو انعدام الأمن الغذائي. وبحسب تقرير المركز الدولي، فإن العدد الأكبر من الأشخاص الذين يعانون من الانعدام الحادّ للأمن الغذائي في العام 2022 كانوا من جمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وأفغانستان وإثيوبيا. هذه البلدان كانت موطنًا لأكثر من 26 مليون نازح، أي أكثر من ثلث الإجمالي العالمي، والنسبة الأكبر منهم نزحت بسبب العوامل المناخية.
عدا عن الترابط بين النزوح المناخي والجوع والضغط على الموارد، يجمع العديد من الباحثين في قضايا المناخ إلى التداخل الكبير بين هذه النتائج وارتفاع احتمالات نشوب الصراعات، بمعنى أنه عندما ترتفع درجات الحرارة في بلد ما، قد يؤدّي ذلك إلى تقليل توافر المياه وتراجع نوعيتها، ويتسبّب بالتالي بزيادة انتشار الأمراض وزيادة احتمال حدوث جفاف وفشل المحاصيل، ومن ثمّ انخفاض الدخل والإمدادات الغذائية. وكل هذا قد يؤدّي إلى اضطراب اجتماعي وعدم استقرار سياسي. وهو ما يعد الأخطار الأبرز الذي تهدّد مستقبل البشر بالتوازي مع الأخطار المناخية.