
كم تحتاج الأسرة للبقاء على قيد الحياة في لبنان؟
تحتاج أسرة مكونة من 5 أشخاص في لبنان إلى ما لا يقل عن 627 دولاراً في الشهر لشراء حاجاتها الأساسية الضرورية التي تمثّل حدّاً من حدود الفقر. أمّا الإنفاق الشهري المطلوب للبقاء على قيد الحياة لا يقل عن 492 دولاراً، بحسب سعر الصرف الجاري، وفق ما توصل إليه تقرير جديد صادر عن برنامج الأغذية العالمي.
لا يتضمن هذا المبلغ جميع الحاجات الأساسية لمعيشة الأسرة، وإنما كلفة «سلة الإنفاق الأدنى» وفق الأسعار في آذار/مارس 2025، وهذه سلة تقشفية جدّاً، لا تحتوي سوى على 2100 سعرة حرارية للفرد في اليوم من المغذيات الأساسية والفيتامينات، بالإضافة إلى تكاليف الحد الأدنى للسكن وخدماته وغاز الطهي والتدفئة، والنقل، والصحة ومواد النظافة الشخصية، والملابس.
جرى تصميم «سلة الإنفاق الأدنى للأسرة» في عام 2014، بهدف تقدير كلفة الحاجات الضرورية لأسر اللاجئين السوريين في لبنان، ويتم تحديثها دورياً لهذا الغرض. مع ذلك، فهي تُعد مؤشراً تقريبياً على حجم الأعباء المعيشية التي تواجهها الأسر المقيمة في لبنان. ويمكن استعمالها كأداة للتحقق ما إذا كان الحد الأدنى للأجر كافياً لبقاء العمال وأسرهم على قيد الحياة، ناهيك عن توفير حياة كريمة لهم.
تنص المادة 44 من قانون العمل اللبناني، الصادر في العام 1946، على أن «الحد الأدنى من الأجر يجب أن يكون كافياً ليسد حاجات الأجير الضرورية وحاجات عائلته على أن يؤخذ بعين الاعتبار نوع العمل ويجب أن لا يقل عن الحد الأدنى الرسمي».
إذاً، يفرض القانون أن يكون الحد الأدنى للأجور كافياً لشراء الحاجات الأساسية للعامل وأسرته. إلا أن الحد الأدنى للأجور المعمول به حالياً (18 مليون ليرة، أو 200 دولار) لا يغطي سوى 41% من كلفة الحاجات الأساسية للبقاء على قيد الحياة وأقل من 32% من الإنفاق عند حد الفقر، وحتى مع رفعه إلى 28 مليون ليرة (أو 313 دولار) وفق ما توصلت إليه لجنة مؤشر غلاء المعيشة ولم يُنفّذ بعد، فهو سيبقى قاصراً عن سدّ هذه الفجوة، ولن يغطي سوى 63.5% من الإنفاق الأسري للبقاء على قيد الحياة و50% من الإنفاق الأسري عند حد الفقر.
على الرغم من أن توصية لجنة المؤشر ترفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 50%، إلا أنها رضخت في الاجتماعات الأخيرة لمطالب أصحاب العمل، فقد نجح كل من رئيس الهيئات الاقتصادية محمد شقير، ورئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس، ونائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش، ونائب رئيس غرفة الصناعة والتجارة نبيل فهد في تمرير أجندتهم على حساب الأعضاء الآخرين في اللجنة. وأجبروا رئيس الاتحاد العمالي العام على التراجع عن مطالبته بزيادة قدرها 700 دولار على الحد الأدنى للأجور، ليتم الاكتفاء بـ 112 دولاراً فقط.
تبرر الهيئات الاقتصادية موقفها الرافض لرفع الحد الأدنى للأجر إلى مستوى أعلى من المطروح بأن أصحاب العمل وافقوا على زيادة تقديمات أخرى للعمّال تشمل منح مدرسية وبدلات نقل تصل إلى نحو 180 دولاراً، ويزعم ممثلي الهيئات أن جمع الأجر مع المنح والبدلات يرفع الحد الادنى إلى مستوى يلامس 500 دولار. إلا أن متممات الأجر هذه لا يمكن إضافتها محاسبياً كجزء من الحد الأدنى للأجور. فكثير من المؤسسات الخاصة تمتنع فعلياً عن دفعها، والكثير من العمّال ولا سيما الشباب وكبار السن ليس لديهم أولاد في سن الدراسة، أو أن أولادهم في مدارس خاصة تبلغ أقساطها أضعافاً مضاعفة قيمة المنح التعليمية. كما أن كل هذا الحساب سبق إقرار الضريبة الأخيرة على البنزين التي سترفع كلفة النقل ومعدلات التضخم. هذا إلى جانب تهديد بعض المدارس الخاصة برفع الأقساط لتأمين تمويل التعويضات الأخيرة التي أُقرت للأساتذة.