معاينة lebanon food basket prices

كم تحتاج الأسرة في لبنان للبقاء على قيد الحياة؟

بلغ سعر سلة الإنفاق الأدنى للبقاء على قيد الحياة لأسرة مؤلّفة من خمسة أفراد نحو 446 دولاراً في أيلول/سبتمبر 2024، بارتفاع نسبته 15.7% عمّا كان في نهاية العام 2023، وعاد إلى المستوى الذي كان عليه في العام 2019 (438 دولاراً) بعد انكشاف الإفلاس المصرفي والانهيار الاقتصادي. لكن هذه العودة تترافق مع أوضاع متردية تحلّ على الأسر المقيمة في لبنان، فلا الأجور حافظت على قيمتها الشرائية بل تآكلت بفعل التضخّم الكبير المستمرّ منذ خمس سنوات وانهيار العملة المحلّية، والأسوأ أنها لا تأخذ في الاعتبار الخسائر والأضرار الناجمة عن العدوان الإسرائيلي وتداعياته على معيشة الأسر، مما يجعل الأوضاع أكثر مأساوية.

سعر سلة الإنفاق الأدنى للبقاء على قيد الحياة لعائلة مؤلفة من خمسة أفراد

أنشأ برنامج الأغذية العالمي سلة الإنفاق الأدنى للبقاء على قيد الحياة في العام 2014 كمعيار لتقدير تكلفة الغذاء والاحتياجات الأساسية غير الغذائية لأسرة مقيمة في لبنان، وهي تعبّر عن الحد الأدنى المطلوب لتغطية الاحتياجات الأساسية المنقذة للحياة وتتألف من ثلاث سلال فرعية، الأولى هي السلة الغذائية التي تتضمّن نحو 19 سلعة تؤمن نحو 2,100 كيلو كالوري في اليوم، والثانية هي سلة السلع غير الغذائية بما فيها مواد النظافة والعناية الشخصية والطهي، وفضلاً عن سلة الخدمات غير الغذائية ولا سيما الملبس والمسكن والاتصالات والمياه والكهرباء والصحة والتعليم.

وبحسب برنامج الأغذية العالمي، بلغت كلفة المواد الغذائية نحو 187 دولاراً في نهاية أيلول/سبتمبر 2024، وارتفعت بالعملتين (الليرة والدولار) بنسبة 9% بالمقارنة مع ما كانت عليه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويعود الارتفاع بشكل أساسي إلى ارتفاع أسعار الخبز بنسبة 14% منذ وقف الدعم على القمح في منتصف أيلول/سبتمبر 2024. إلى ذلك بلغت كلفة السلع والخدمات غير الغذائية نحو 259 دولاراً، وهو ما يشكّل نحو ارتفاعاً بنسبة 27% عمّا كان عليه في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2023، ويأتي ذلك مدفوعاً بارتفاع أسعار الغاز عالمياً وكذلك تكاليف الإيجار والكهرباء.

هناك الكثير من الملاحظات على المنهجية المعتمدة لقياس سعر الإنفاق الأدنى للبقاء ما يجعل النتائج عرضة للنقد. بحسب الاقتصادي كمال حمدان، المدير التنفيذي لـ«مؤسّسة البحوث والاستشارات» التي ترصد تطوّر الأسعار والتضخّم في الأسواق، فإن «كلفة سلة الإنفاق الأدنى على المواد الغذائية وغير الغذائية في لبنان تقدّر بما لا يقل عن ألف دولار لأسرة لبنانية، وبالتالي فإن السعر المُحدّد من قبل برنامج الغذاء العالمي منخفض كثيراً ويعود ذلك إلى التبسيط المعتمد في عملية الاحتساب، فهي لا تأخذ بالاعتبار العمر والجنس فيما يتعلّق بكميات الكالوري المطلوبة للاستهلاك اليومي، ولا عدد أفراد الأسرة الذي بات يقل عن 4 أشخاص بحسب أحدث الإحصاءات، كما أنها تحتسب الكلفة وفق سعر صرف واحد، في حين أن الأسعار تختلف بين المواد والسلع التي كانت تخضع للدعم، وكذلك بين السلع المستوردة وتلك المنتجة محلّياً».

مع ذلك، تبقى النتائج مُعبّرة عن منحى واقعي وفعلي لتدهور الأوضاع المعيشية لشريحة واسعة من السكان في لبنان وإعادة تشكيل الطبقات فيه. يقول الاقتصادي غسان ديبة «في بداية الأزمة انخفضت الأسعار بالليرة والدولار لأسباب عدّة منها تراجع السعر الاحتكاري الذي كان يفرضه التجار نظراً للصدمة التي أحدثها انهيار العملة وتراجع قدرة السكان على الاستهلاك، أما الآن فقد تجاوزت الأسعار ما كانت عليه قبل الأزمة، ويعود ذلك إلى رفع السعر الاحتكاري من جديد وأيضاً إلى زيادة الأجور واكلاف الإنتاج ورفع سعر الصرف الذي أثّر على قيمة الضرائب المسدّدة. إلا أن الواقع الحالي بات أكثر ثقلاً على السكان بسبب انكماش الأجور وانحسار الدور التدخلي للدولة».

يبلغ الحدّ الأدنى للأجور نحو 201 دولار حالياً بالمقارنة مع 448 دولار في العام 2019، ما يعني أن الأسرة التي كان يعمل فيها فرد واحد بالحد الأدنى كانت قادرة على تلبية احتياجاتها الأساسية للبقاء، في حين أن الأسرة نفسها باتت تحتاج لعمل 3 أفراد فيها لتأمين الحاجات نفسها.

ثانياً، يترافق هذا الواقع مع انسحاب الدولة شبه الكامل من أي دور في رعاية المجتمع. فعدا عن رفع الدعم كلياً عن جميع المواد الغذائية وآخرها القمح المُستخدم لإنتاج الخبز العربي، أيضاً لا تبدو برامج الدعم المخصّصة للأسر الأكثر فقراً قادرة على تلبية الحاجات الأساسية بسبب عدم انتظام الدفع، إذ توقّفت في تموز/يوليو الماضي واستؤنفت في تشرين الأول/أكتوبر الماضي بسبب الحرب، وأيضاً بسبب انخفاض قيمتها وعدم تغطيتها إلا نسبة ضئيلة من حاجات الأسر. والواقع أن الأسر اللبنانية التي تستفيد من هذه البرامج تتلقّى مساعدة نقدية من خلال برنامج أمان المموّل من البنك الدولي، بقيمة 20 دولاراً أميركياً للشخص الواحد شهرياً لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية وبحد أقصى 5 أفراد لكل أسرة، ونحو 25 دولاراً للأسرة الواحدة لتلبية احتياجاتها غير الغذائية. ما يعني بحسب برنامج الأغذية العالمي أن هذه المدفوعات النقدية لا تغطي سوى 53% من قيمة احتياجات الغذاء بانخفاض عن 58% في تشرين الأول/أكتوبر 2023، ونحو 10% من الاحتياجات غير الغذائية بانخفاض بنسبة 12% عن نسبة التغطية في تشرين الأول/أكتوبر 2023. وتزداد الأمور مأساوية بالنسبة للأسر السورية اللاجئة التي يتلقى الفرد فيها نحو 15 دولاراً شهرياً، بحد أقصى 5 أفراد لكل أسرة، أي ما مجموعة 75 دولاراً لتلبية الحاجات الغذائية ونحو 40 دولاراً للأسرة شهرياً لتلبية الحاجات غير الغذائية. وهو ما يشكّل نحو 115 دولارات للأسرة بالمجمل.