5 مؤشّرات على التفاوتات في التغذية بين البلدان العربية
نحو 186.5 مليون شخص، أي 39.4% من سكان البلدان العربية، يواجهون انعدام الأمن الغذائي، منهم 72.7 مليون شخص عانوا من انعدام الأمن الغذائي الشديد، في حين لا يتمكّن 151.3 مليون شخص من تحمل تكاليف الأنظمة الغذائية الصحية. وتعدّ الحروب والصراعات المحتدمة في البلدان العربية من الأسباب وراء انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية، بالإضافة إلى الأزمات الاقتصادية، والتفاوتات المرتفعة في الدخل، والآثار المناخية الشديدة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.
لا يمكننا الحديث عن «مجتمع عربي» واحد متجانس وعابر للحدود، ليس على مستوى المعيشة والرفاهية أقله، فالتفاوت في الدخل بين البلدان العربية ليس مخفياً، إذ لا تتجاوز حصة الفرد من الدخل السنوي في الصومال 1,500 دولار أميركي - بحسب تعادل القوى الشرائية - ولكنه يصل في الإمارات العربية المتحدة إلى 75 ألف دولار أميركي أي 50 ضعف دخل الفرد في الصومال، أما في الجزائر على سبيل المثال فهو بحدود 15 ألف دولار أميركي، أي 10 أضعاف الدخل الفردي في الصومال ولكنه لا يساوي سوى 20% من الدخل الفرد في الإمارات العربية المتحدة، من هنا يتم تقسيم البلدان إلى 4 مجموعات بحسب دخل الفرد: البلدان مرتفعة الدخل، الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل، الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، والبلدان منخفضة الدخل، وهذا التقسيم لا يلغي التفاوتات داخل كل مجموعة ولكنه يسمح بإجراء المقارنات.
تعدّ التفاوتات في الدخل بين البلدان العربية محرّكاً من محركات التفاوتات الأخرى، كمستويات الاستهلاك أو التعليم أو الصحّة أو الهجرة أو متوسط ساعات العمل وغير ذلك، ولا سيما في مجال الغذاء، إذ يظهر التفاوت ثقيلاً في مؤشرات التغذية بين البلدان العربية بحسب فئة الدخل، وذلك عبر خمس مؤشرات وهي: كلفة اتباع نظام غذائي صحي، مستوى نقص التغذية، التقزّم لدى الأطفال والهزال لدى الأطفال وفقر الدم لدى النساء، وهو ما يتناوله تقرير بعنوان «الشرق الأدنى وشمال أفريقيا - نظرة إقليمية عامة حول حالة الأمن الغذائي والتغذية»، صدر في كانون الأول/ديسمبر 2024 عن 6 وكالات تابعة للأمم المتحدة هي الفاو وإيفاد واليونسيف وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الصحة العالمية والإسكوا.
التفاوت في تكلفة اتباع نظام غذائي صحي
في العام 2022، كان هناك 2.8 مليار شخص غير قادرين على تحمّل تكاليف نظام غذائي صحي في العالم، منهم 151.3 مليون شخص يقيمون في البلدان العربية، أي ما يعادل 32.6% من سكان المنطقة، وهو أقل قليلاً من المتوسط العالمي البالغ 35.4%.
طبعاً، إن أخذنا بالاعتبار التطورات في المنطقة بعد العام 2022، كالمجاعة في السودان وهي الأكبر في العالم، والإبادة الجماعية والحصار المطبق في غزة، والحرب التي دمّرت الأخضر واليابس في لبنان، وتفاقم الأوضاع الإنسانية في سوريا واليمن، ليس مستبعداً أن تكون نسبة العاجزين عن تحمل كلفة نظام غذائي صحي في المنطقة العربية قد تجاوزت المتوسط العالمي في السنتين الأخيرتين.
صحيح أن الفرد في العالم العربي كان عليه أن يصرف يومياً نحو 3.77 دولاراً أميركياً وفق مقياس تعادل القوة الشرائية لاتباع نظام غذائي صحي في العام 2022، وهو رقم أقل من المتوسط العالمي بـ 19 سنتاً، لكنه أعلى بنسبة 6.8% عن العام الذي سبقه 2021، والأهم بالنسبة إلينا أنه يخفي التباين بين البلدان العربية بحسب مجموعات الدخل، فالسعودية ليست كالصومال أو الإمارات العربية المتحدة ليست كاليمن.
في هذا الصدد، تنبّه بيانات التقرير الأممي إلى أن كلفة النظام الغذائي الصحي تنخفض مع ارتفاع الدخل في البلد، فمع انعدام البيانات المتعلقة بكلفة اتباع نظام غذائي صحي في البلدان العربية منخفضة الدخل، نجد أن الشريحة الدنيا من البلدان العربية ذات الدخل المتوسط - كالجزائر ومصر وجيبوتي ولبنان - شهدت أعلى كلفة لنظام غذائي صحي في العام 2022 مقارنة بمجموعات الدخل الأخرى، حيث يكلف اتباع نظام غذائي صحي في المتوسط نحو 4.48 دولاراً أميركياً يومياً على أساس تعادل القوة الشرائية، مرتفعاً 16.4% مقارنة بالعام 2021، وهو الارتفاع الأعلى بين مجموعات الدخل. بينما تمتعت البلدان العربية مرتفعة الدخل، مثل عمان والامارات العربية المتحدة، بأدنى كلفة لاتباع نظام غذائي صحي أي 3.24 دولار يومياً في المتوسط، لتتبعها الشريحة العليا من البلدان العربية ذات الدخل المتوسط بـ 3.50 دولار أميركي، نتحدث عن بلدان مثل ليبيا والعراق.
تخفي هذه الأرقام أيضاً التفاوتات في تحمل الكلفة ضمن البلد الواحد. لا بيانات متاحة في التقرير لقياس هذه التفاوتات الداخلية، لكن ما نعلمه أن العمّال العرب هم من الشرائح المعرّضة بشكل كبير لعدم القدرة على تحمّل تكاليف نظام غذائي صحي. تشير بيانات منظمة العمل الدولية إلى أنه في العام 2023، بلغ عدد حالات «فقر العمالة» في البلدان العربية نحو 7.1 مليون عامل، أي 12.6% من مجمل العمالة في البلدان العربية، وبحسب المنظمة، يعتبر الفرد في حالة فقر العمل، إن كان يعيش مع أسرته على أقل من 2.15 دولار أميركي في اليوم الواحد وفقاً لمقياس تعادل القوة الشرائية، يعني هذا أن هناك أكثر من 7 ملايين عامل في العالم العربي لا يستطيعون توفير 60% من متوسط كلفة نظام غذائي صحي للعامل نفسه، هذا من دون الأخذ بالاعتبار أنه يتقاسم أجره مع عائلته أو يعيلها.
التفاوت في مستويات نقص التغذية
مؤشر آخر مهم لفهم التفاوت في مستويات الصحة والتغذية بين البلدان العربية هو معدل انتشار نقص التغذية. بحسب منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، إن معدل انتشار نقص التغذية هو تقدير لنسبة السكان الذين لا يكفي استهلاكهم الغذائي المعتاد لتوفير مستويات الطاقة الغذائية اللازمة من أجل الحفاظ على حياة طبيعية نشطة وصحية.
في العام 2023، ارتفع معدل انتشار نقص التغذية في البلدان العربية إلى 14%، بزيادة 0.6 نقطة مئوية عن العام 2022، ووصل عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص تغذية إلى 66.1 مليون فرد في العام 2023، أي بزيادة قدرها 4 ملايين عن العام 2022، وزيادة قدرها 30.7 مليون شخص بالمقارنة مع العام 2000.
لكن جائحة كوفيد-19، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع تضخم أسعار المواد الغذائية، وعبء الديون المتزايد، وبطء نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العام 2023، شكّلت جميعها مخاطر إضافية على الأمن الغذائي العربي، فضلاً عن تبعات الحروب في المنطقة في العام 2024، الحرب الإسرائيلية-الغربية على لبنان وفلسطين واليمن وسوريا بشكل خاص، أو ما تفضّل التقارير الأممية أن تسميه بـ«الصراع»، تشير البيانات الأممية إلى أن معدل انتشار نقص التغذية أعلى بأربعة أضعاف في البلدان المتضررة من الصراعات (26.4%) مقارنة بالبلدان غير المتأثرة بالصراعات (6.6%) في العام 2023.
شهدت البلدان العربية مرتفعة الدخل والشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل انخفاضاً في معدل انتشار نقص التغذية لديها في العام 2023، في المقابل، فإن البلدان المنخفضة الدخل استحوذت على المعدل الأعلى بين فئات الدخل، حيث وصل إلى 31.1% بارتفاع 2.2 نقطة مئوية عن العام 2022.
إن عدنا عقداً إلى الوراء فالحكاية هي نفسها. بعد العام 2013، ازداد انتشار نقص التغذية بشكل حاد، وذلك بسبب الصراعات، وصدمات أسعار المواد الغذائية الأساسية في الفترتين 2007-2008 و2010-2011، وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي الذي لحق الربيع العربي. لكن المتضرر الأكبر كان البلدان العربية منخفضة الدخل، حيث زاد عدد الذين يعانون من نقص تغذية بـ5.4 مليون بين 2013 و2022، والشريحة الدنيا من البلدان ذات الدخل المتوسط بـ 800 ألف شخص في الفترة نفسها. في المقابل، انخفض إجمالي الذين يعانون من نقص تغذية في البلدان العربية مرتفعة الدخل إلى أقل من النصف (2.5 مليون فرد في العام 2023)، بينما انخفض عددهم في الشريحة العليا من البلدان العربية المتوسطة الدخل من 16.7 مليون فرد إلى 15.2 مليون فرد.
التقزم عند الأطفال دون سن 5 سنوات
بحسب منظمة الصحة العالمية، التقزم هو مؤشر على ضعف النمو والتطور الذي يعاني منه الأطفال بسبب سوء التغذية، والعدوى المتكررة، وعدم كفاية التحفيز النفسي والاجتماعي. تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن التقزم في الحياة المبكرة - وخصوصاً في أول 1000 يوم من الحمل حتى سن الثانية - له عواقب وظيفية سلبية على الطفل، وتشمل ضعف الإدراك والأداء التعليمي، وانخفاض الأجر عند البلوغ، وفقدان الإنتاجية، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية عند البلوغ.
كان التقزم في البلدان العربية أقل من المتوسط العالمي طوال الفترة 2000-2022. بالإضافة إلى ذلك، حققت هذه البلدان تحسينات كبيرة في الحد من التقزم في العقدين الماضيين، ونتيجة لذلك، انخفضت نسبة التقزم لدى الأطفال دون سن 5 من 28% في العام 2000 إلى 19.9% في العام 2022.
لكن، كما رأينا في المؤشرين السابقين، فإن المتوسطات تخفي التفاوتات، فلطالما كانت البلدان العربية الأقل نمواً تعاني من انتشار كبير في التقزم لدى الأطفال دون سن الخامسة، على الرغم من انخفاض معدل الانتشار بشكل ملحوظ من 43.5 % إلى 31.2% خلال الفترة 2000-2022. في المقابل، دائماً ما شهدت البلدان العربية ذات الدخل المرتفع المعدلات الأدنى من التقزم حيث بلغ معدل انتشار التقزم 10.8% في العام 2022.
الهزال بين الأطفال دون الخمس سنوات
بحسب اليونسيف، إن الهزال هو أكثر أشكال سوء التغذية بروزاً وتهديداً للحياة، وهو ينجم عن الفشل في منع سوء التغذية بين الأطفال الأشد ضعفاً. ويكون الأطفال المصابون بالهزال نحيفين بشدة ويكون نظام المناعة لديهم ضعيفاً ما يجعلهم معرّضين لتأخر النمو والإصابة بالأمراض والوفاة. كما يعاني بعض الأطفال المصابين بالهزال من وذمة غذائية (تورّم سببه احتباس كمية زائدة من السوائل داخل أنسجة الجسم) التي تبرز من خلال انتفاخ الوجه والقدمين والأطراف.
كان معدل انتشار الهزال بين الأطفال دون 5 سنوات في البلدان العربية يساوي 7.1% في العام 2022، وهو أعلى من النسبة العالمية 6.8%، وسجّلت البلدان العربية المنخفضة الدخل ضعف المعدل الوسطي أي 14.6%، وهو الأعلى بين مجموعات الدخل.
فقر الدم بين النساء الذين تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 49 سنة
بحسب منظمة الصحة العالمية، فقر الدم هو حالة يكون فيها عدد خلايا الدم الحمراء أو تركيز الهيموغلوبين داخلها أقل من الطبيعي. ويؤثر بشكل رئيس على النساء والأطفال، وتشير المنظمة إلى أن فقر الدم هو مصدر قلق كبير على الصحة العامة، ويؤثر بشكل رئيسي على الأطفال الصغار والنساء الحوامل وبعد الولادة، والمراهقات والنساء الحائضات. بلغ معدل انتشار فقر الدم بين النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و49 سنة في البلدان العربية، 33.2% في العام 2019، وهو أعلى من المتوسط العالمي (29.9%).
بين مجموعات دخل البلدان، سجلت البلدان ذات الدخل المرتفع باستمرار أدنى معدل انتشار لفقر الدم بين النساء 15 - 49 (27.1%)، علماً أن كل مجموعات الدخل شهدت انخفاضاً في معدل الانتشار بين عامي 2000 و2022؛ لكن الشريحة العليا من البلدان متوسطة الدخل شهدت التحسن الأكبر مع انخفاض المعدل من 38% إلى 29%، وكانت المجموعة التي شهدت أدنى مستوى من التحسّن هي مجموعة البلدان المنخفضة الدخل، مع انخفاض بـ3.4 نقطة مئوية من %47.3 إلى 43.9%.