ماركس ضد سبنسر
نهاية «الوسط»: الاقتصاد السياسي للانتخابات الأوروبية
«فرنسا استحقت أفضل من الخيار بين النيوليبرالية أو الفاشية» -أوليفيير فور
في خطابه عقب ظهور الملامح الأولى للفوز المفاجئ لليسار في الانتخابات البرلمانية الفرنسية في 7 تموز/يوليو الحالي، أطلق أمين عام الحزب الاشتراكي، أوليفيير فور، هذا الإعلان عن استحقاق فرنسا لطريق مختلفة عن النيوليبرالية والفاشية، وهو الخيار الذي أطلقته الجبهة الشعبية الجديدة المؤلفة من الحزب الاشتراكي و«فرنسا الأبية» والحزب الشيوعي والخضر، وهي الجبهة التي أعادت إلى الأذهان الجبهة الشعبية التي تشكّلت في العام 1936 في فرنسا لمواجهة الفاشية الصاعدة قبيل الحرب العالمية الثانية. اليوم، وبعد فوز اليسار في فرنسا بأعلى عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية، وعبر قناة المانش فوز حزب العمّال بأغلبية كبيرة في مجلس العموم البريطاني وانسحاق حزب المحافظين، تدخل أوروبا مرحلة جديدة متمثلة بنهاية مرحلة تراجع اليسار التي بدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي. لكن ماذا حدث؟ ولماذا رأينا صعود اليسار؟ وفي الوقت نفسه، وعلى الرغم من خسارتهم الانتخابات في فرنسا وبريطانيا، صعود اليمين المتطرف (ففي فرنسا، زادت مقاعد اليمين المتطرف من مقعدين في العام 2012 إلى 143 مقعداً اليوم. وفي بريطانيا صعود حزب الإصلاح اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج الذي فاز بـ 4 مقاعد، ولكن الأهم بـ14% من الأصوات في مقابل 24% للمحافظين). بالنسبة إلى اليسار، الجواب على السؤال هو أعمق من منع اليمين المتطرف، أو محاربة العنصرية في فرنسا، أو «توجيه رسالة» إلى المحافظين البريطانيين في بريطانيا فقط، بل هو مرتبط ارتباطاً وثيقاً بما حدث على صعيد الاقتصاد السياسي للرأسمالية في أوروبا منذ السبعينيات من القرن الماضي وتجلّيها السياسي في الأعوام ما بين 1979 و1984، وهو الأمر الذي يفسّر أيضاً صعود اليمين المتطرّف في علاقة مترابطة بينهما بدأت بالتجلّي بشكل واضح اليوم في فرنسا، وستترسخ أكثر وأكثر في بريطانيا، وعلى صعيد القارة الأوروبية، خصوصاً في إسبانيا وألمانيا اللتين تشهدان ديناميات سياسية شبيهة.
1981- 1984 : صعود ونهاية اليسار السريعة
في أيار/مايو من العام 1981، فاز فرانسوا ميتران بالانتخابات الرئاسية، وكان هذا أول فوز لرئيس يساري في فرنسا في الجمهورية الخامسة، وتشكّلت بعد ذلك حكومة تحالف بين الحزب الاشتراكي والحزب الشيوعي تحت برنامج يساري راديكالي عرف بـ«البرنامج المشترك». لكن هذا التحالف وهذه الحكومة اليسارية كانت نذير شؤم لأنها أتت في مرحلة نهاية الكينزية ونهاية العهد الذهبي للرأسمالية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة. طبعاً، البرنامج الاقتصادي للحكومة الاشتراكية-الشيوعية في ظل عدم نضوج الظروف الموضوعية، أو غياب البرنامج للتوجه نحو الاشتراكية (لأن هذا الأمر كان خارج سياسة الحزب الاشتراكي)، كان برنامج كينزياً بشكل أساسي عبر زيادة الإنفاق الحكومي من أجل تحقيق النمو الاقتصادي وزيادة التوظيف كما زيادة الأجور وتأميم بعض الشركات الكبرى والمصارف، ولكن هذه السياسة اصطدمت بتخلي العالم الرأسمالي عن هذه السياسات، وتغيّر البنى الاقتصادية التي سمحت بهكذا سياسات في السابق، في ظل سياسة نقدية متشددة في الولايات المتحدة أدت إلى ركود عالمي، في ظل قرار ميتران إبقاء فرنسا في النظام النقدي الأوروبي المعمول به آنذاك. فأدت هذه السياسة إلى حصول أزمة ميزان مدفوعات، مدفوعة بزيادة الطلب الداخلي، مهددة قيمة الفرنك الفرنسي، وهذه الأزمة دفعت ميتران إلى الانعطاف يميناً وسقط التحالف الاشتراكي-الشيوعي في العام 1984. وعلى مستوى أعمق، أعلنت هذه التجربة رسمياً نهاية المرحلة الكينزية في الغرب الرأسمالي، إذ أنها كانت بمعنى ما «الهتاف الأخير» للكينزية واليسار، وبدأت فعلياً المرحلة النيوليبرالية المدفوعة سابقاً بمجيء رونالد ريغان في الولايات المتحدة في العام 1980 ومارغريث ثاتشر في بريطانيا في العام 1979. وتجلّى ذلك في الهجوم المضاد للرأسمال المتمثل بـ«صدمة فولكر» في التشدّد النقدي في الولايات المتحدة ما أرسل صدمة موجية حول العالم، وهجوم ثاتشر على عمال المناجم وريغان على المراقبين الجويين. ونتيجة لهذه التحولات السياسية والاقتصادية، بدا اليسار كقوة مستنفذة ومحاصرة أيديولوجياً، ولم يعد يملك إمكانية الحكم في أوروبا الغربية، وأسدل بذلك غلافاً جليدياً من اليمين والرأسمال على أوروبا الغربية. وفي المقلب الآخر، تمت محاصرة اليسار جغرافياً وأيديولوجياً في أوروبا الشرقية وكنموذج اقتصادي في نظام «الاشتراكية المحققة» في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي.
ابتعدت الأحزاب اليسارية في التسعينيات وفي بداية العقد الأول للقرن الواحد والعشرين عن الطبقة العاملة وأصبح تركيزها ينصب على الإدارة التقنية لشؤون الدولة وكيفية ربح الانتخابات ومنافسة يمين الوسط في ذلك
سقوط الاتحاد السوفياتي والتحول نحو الوسط
مر عقد الثمانينيات بسرعة وبمزيد من التراجع لليسار، ففي نهايته انهار جدار برلين وتساقطت الأنظمة الشيوعية الواحدة تلو الأخرى في أوروبا الشرقية، وصولاً إلى انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وهذا الانهيار السريع، والمفاجئ، كان له الوقع الكبير أيضاً في أوروبا الغربية والعالم الرأسمالي. تمثّل الوقع الأول بسيطرة مفهوم نهاية التاريخ لفوكوياما وصعود نجم الاقتصادي فريديريك هايك الذي كان أول المنتقدين لنظام التخطيط المركزي في الاتحاد السوفياتي كما للنظرية الكينزية منذ الثلاثينيات، وأصبحت النيوليبرالية الاقتصادية الأيديولوجية المسيطرة. ثانياً، الوقع على الأحزاب الشيوعية التي تهمّشت، وانهار بعضها شيئاً فشيئاً وأبرزهم الحزب الشيوعي الإيطالي، أكبر الأحزاب الشيوعية في أوروبا الغربية، الذي تحوّل إلى حزب اليسار الديمقراطي ومن ثم إلى الحزب الديمقراطي. وثالثاً، وربما الأهم في ما نشهده اليوم، هو تحوّل الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية كالحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني والحزب الاشتراكي الفرنسي وحزب العمال البريطاني إلى الوسط أو إلى ما أصبح يعرف بيسار الوسط، مع محاولات أخيرة في البقاء في اليسار من قبل الاشتراكي الفرنسي في العام 1997 مع حكومة ليونيل جوسبان التي شارك فيها الحزب الشيوعي، ومن قبل حزب العمال مع جيريمي كوربين. وقد قاد حزب العمال البريطاني أيديولوجياً هذا التحوّل في ما عرف بـ«الطريق الثالث»، الذي صدر كتاباً بالعنوان نفسه لعالم الاجتماع أنتوني جيدينز في العام 1998، عقب صعود طوني بلير الساحق في العام 1997، الذي يعتبر التجسيد السياسي لهذا التحوّل نحو الوسط. وكما تحوّل اليسار إلى يسار الوسط، تحوّل اليمين أيضاً إلى يمين الوسط، وهنا بدأ الكلام أكثر فأكثر عن نهاية الأيديولوجيات وأنه لم يعد هناك يمين ويسار، إلى آخره، من مفردات العصر النيوليبرالي، وصعد نجم المؤسسات الدولية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتتحكم بمسار التنمية في الدول النامية والدول الاشتراكية السابقة، كما معاهدة ماستريخت وقيام اليورو ليتحكما بالمسار الاقتصادي لأوروبا، وصعود منظمة التجارة العالمية لتصبح الحكم العالمي للعولمة، ليسيطر خطاب تقني اقتصادي في ظاهره، وفي مضمونه قائمة الإجراءات النيوليبرالية من خصخصة وتقليص حجم الدولة وتحرير الأسواق المالية وتخفيض الضرائب على الرأسمال والأرباح وتحرير التجارة العالمية وحركة رؤوس الأموال. وفي خضم هذا أصبحت الأحزاب الوسطية اليمينية واليسارية تحاول أن تستميل «الناخب الوسطي» الذي هو المحدّد الأساسي لربح أو خسارة الانتخابات والأهم المحدّد الأساسي لسياسات الأحزاب الحاكمة. وبهذا ابتعدت الأحزاب اليسارية في التسعينيات وفي بداية العقد الأول للقرن الواحد والعشرين عن الطبقة العاملة وأصبح تركيزها ينصب على الإدارة التقنية لشؤون الدولة وكيفية ربح الانتخابات ومنافسة يمين الوسط في ذلك.
هذا التنوّع في الربح والخسارة بين الطبقات من العولمة يبدو على شكل رسمة «فيل» خرطومه الأغنياء وذيله الفقراء
«فيل ميلانوفيش» وصعود الفاشية
في هذا الإطار، يمكن القول إن الوسط السياسي ترسخ منذ عهد بيل كلينتون، أي منذ العام 1993 وحتى العام 2008. لكن في العام 2008 حدث ما لم يكن في الحسبان. هزت الأزمة الاقتصادية العالمية، وهي الأقوى منذ العام 1929، الأنظمة الرأسمالية وأصابت الجميع بالهلع والمفاجأة. فقد عمّ الهلع في بداية الأزمة لأن عمق الأزمة (في الأشهر الأولى كانت حدّة الأزمة أعمق من الأشهر الأولى في الكساد العظيم) كاد يطيح بالنظام الرأسمالي العالمي، ما اضطر الحكومات في الدول الرأسمالية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة إلى «الاستنجاد» بكينز الذي ظن الكثيرون أنه انتهى بلا رجعة. وهكذا تم إنقاذ الاقتصاد من الانهيار بواسطة تدخل الدولة القوي فيه، تماماً كما تقول النظرية الكينزية. وكانت الأزمة مفاجأة لأن النيوليبرالية التي، كما ذكر، أصبحت مسيطرة منذ الثمانينيات تنفي إمكانية حصول هكذا أزمة، ففي هذه النظرية، الاقتصاد الرأسمالي الحر هو اقتصاد يصحّح نفسه ولا يمكن أن يتعرّض لركود اقتصادي كما هو الأمر في نظريات ماركس وكينز.
يمين الوسط ويسار الوسط سلّما الطبقة الوسطى المتهالكة إلي اليمين المتطرف على طبق من ذهب، كما لعب اليمين المتطرف ورقة ناجحة أخرى هي ورقة «الهوية» محوّلاً الموضوع الطبقي إلى سياسة الهوية
بعد الأزمة وحلّها بالسياسات الكينزية، يمكن القول إنه تم «إعادة» كينز إلى مكانه السابق، وحاول النيوليبراليون نسيان الأمر وكأنه لم يحصل شيء في العام 2008. ولكن سرعان ما تبين أن هناك أمرين بنيويين يعتملان في الرأسمالية وهما العولمة والتكنولوجيات الحديثة من أتمتة وذكاء اصطناعي. فبالإضافة إلى السياسات النيوليبرالية التي أنتجت إعادة توزيع الدخل والثروة، وأدت إلى اهتزاز موقع الطبقة الوسطى التي كانت أساس العهد الذهبي للرأسمالية، أدت التكنولوجيا الحديثة والاتمتة إلى «تفريغ» الطبقة الوسطى بحسب الاقتصادي كارل بنيديكت فري في كتابه «فخ التكنولوجيا: الرأسمال والعمل والسلطة في زمن الأتمتة». كما أن الاقتصادي برانكو ميلانوفيش، وهو أهم الاقتصاديين في مجال دراسة عدم المساواة، برهن أن الطبقة الوسطى في الدول الرأسمالية المتقدّمة خسرت نتيجة للعولمة وربحت الطبقة الوسطى في الصين والهند كما الأثرياء في العالم كله، وهذا التنوّع في الربح والخسارة بين الطبقات من العولمة يبدو على شكل رسمة «فيل» خرطومه الأغنياء وذيله الفقراء. في هذا الإطار، كان التفريغ و«الفيل» لا يتماشيان مع ما روّجت له النيوليبرالية عن العولمة والتكنولوجيا من حيث أن التجارة الحرة أو الأتمتة عندما تؤدي إلى خسارة البعض لوظائفهم فإنهم يجدون وظائف أخرى في قطاعات أخرى ناشئة، وبالتالي فإن التغيير فيه منفعة للجميع. هذا صحيح جزئياً، ولكن الذي حصل أن الوظائف التي تم خسارتها هي من الوظائف العالية والمتوسطة الأجر، في الأغلب صناعية، أما تلك التي تم زيادتها فكانت متدنية الأجر وفي الخدمات، أي انتقل العامل من شركة فورد إلى ماكدونالدز، من وظيفة خوّلته الانتماء إلى الطبقة الوسطى في وظيفة مستقرة وشراء منزل وسيارة وتعليم أولاده في الجامعات والحصول على رحلات العطلات إلخ... من منافع الطبقة الوسطى أو ما عرف في الولايات المتحدة بالحلم الأميركي، إلى وظيفة أجرها متدن لا تعطيه أياً من المنافع السابقة، بل أكثر من ذلك تتتسم بأنها هشة وغير مستقرة. وهذا الانتقال رافقه أيضاً تفريغ مناطق جغرافية من الصناعة في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. كل هذا أدّى إلى خلق وقود لليمين المتطرف الذي لعب على مشاعر هؤلاء في ظل فشل السياسات الاقتصادية الليبرالية وتخلي اليسار عنهم بانتقاله إلى الوسط. إذاً، يمين الوسط ويسار الوسط سلّما الطبقة الوسطى المتهالكة إلي اليمين المتطرف على طبق من ذهب. كما لعب اليمين المتطرف ورقة ناجحة أخرى هي ورقة «الهوية» محوّلاً الموضوع الطبقي إلى سياسة الهوية، أي القومية المتطرّفة والعنصرية وكره الآخر، وأقنع العامل والمهمش والعاطل عن العمل وغيرهم من ضحايا النيوليبرالية الذين فقدوا حس الأمان الاقتصادي والاجتماعي أن المعضلة ليست طبقية بل هي مع المهاجرين. وهنا يمكن إضافة حاشية أن تلكوء يسار الوسط ويمين الوسط في إدخال تركيا إلى الاتحاد الأوروبي زاد من الشعور المعادي للأجانب، وأن أوروبا يجب أن تكون نوعاً ما نقية عرقياً ودينياً.
تنقسم أوروبا مجدداً بين اليسار واليمين، ليس لأن أحداً أراد ذلك، لكن بسبب التغيرات الاقتصادية والطبقية التي حصلت في الأربعين سنة الماضية وفشل النيوليبرالية والعولمة في تحقيق المنفعة للجميع كما وعدت
اليوم، برهنت الانتخابات في فرنسا أن مفاعيل هذه الحقبة بدأت بالتمظهر بشكل حاسم في صعود اليمين المتطرف وفي صعود اليسار وأفول يمين الوسط (قوة ماكرون أتت من الانسحابات في المرحلة الثانية، أي اليسار قد يكون أنقذ الوسط) ويسار الوسط (الحزب الاشتراكي الذي كان يمثل هذا التيار أصبح في الجبهة الشعبية). وفي بريطانيا وعلى الرغم من كون حزب العمّال لا يزال يمثل يسار الوسط مع ستارمر الذي أخرج جيريمي كوربين اليساري من الحزب، إلا أنه سيواجه عاجلاً خياراً حاسماً: إما التوجه أكثر إلى اليسار وإما التراجع (حزب العمال حاز على 34% وهي أكثر بقليل من 32% التي فاز فيها في ظل قيادة كوربين اليسارية في العام 2019 وأقل بكثير من التي فاز فيها بقيادة كوربين أيضاً في العام 2017 وهي 40%)، وبالتالي، يمكن القول إنه سيتأرجح بين ما يمكن تسميتهما «لعنة ميتران» و«شبح كوربين». أما المحافظون الذين تلقوا ضربة قاسية فإنهم مهدّدين من اليمين المتطرف بالابتلاع أو الانتقال إلى مواقعه، فصعود حزب الإصلاح اليميني المتطرف ينذر بهذا الأمر، وهو كان له التأثير حالياً إذ لو لم يحصل حزب الإصلاح على 14% من الأصوات لكان المحافظين فازوا بالكثير من المقاعد التي خسروها. إذاً، ستنقسم أوروبا مجدداً بين اليسار واليمين، ليس لأن أحداً أراد ذلك، لكن بسبب التغيرات الاقتصادية والطبقية التي حصلت في الأربعين سنة الماضية وفشل النيوليبرالية والعولمة في تحقيق المنفعة للجميع كما وعدت، فأفادت القلة، وفعلياً انتهى «الناخب الوسطي» وفُتح المجال للعودة إلى الطبقات. وهنا، على اليسار أن يبلور سياسة اقتصادية يسارية جديدة تنقل سياسة الهوية (الذي غرق هو أيضاً فيها) إلى سياسة الطبقة. في هذا الإطار، لقد بدأ اليسار في فرنسا بخطوتين جبّارتين، وهما الوحدة والفوز بالانتخابات. المطلوب الآن برنامج حكم يساري عبر التمسك ببرنامج الجبهة الشعبية الجديدة وعدم الانجرار إلى ما يروّج له مثل «الجبهة الجمهورية» أو «تحالف قوس قزح»، لأنها تشكل محاولات لإعادة إحياء الوسط. هذا هو التحدي الحقيقي إن كان اليسار سيستطيع ليس فقط منع وصول اليمين المتطرف إلى السلطة، بل أن يكون هو سلطة، ويعطي فرنسا فعلياً خياراً آخر غير النيوليبرالية وغير الفاشية.