البنك الدولي: تاريخ نقدي
الناشر: أطاك المغرب؛ عضو لجنة إلغاء الديون غير الشرعية

Preview البنك الدولي: تاريخ نقدي

نشرت جمعية أطاك المغرب الترجمة العربية لكتاب إريك توسان «البنك العالمي: تاريخ نقدي»، كمساهمة من الجمعية في التحضيرات الجارية للقمّة المُضادة لاجتماعات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، التي ستُعقد في مراكش في المغرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. يتألّف هذا الكتاب من 30 فصلاً وملحقين ومعجماً ومقدِّمتين، واحدة كتبها جيلبير الأشقر والأخرى للمؤلّف. يروي الكتاب حكاية البنك الدولي ويستعرض سجّله الأسود، وهو مهدى لكلّ أولئك الذين يناضلون من أجل انتزاع الكرامة والعدالة الاجتماعية.

مقدّمة الكتاب

إن قائمة الحكومات الناتجة عن الانقلابات العسكرية المدعومة من البنك الدولي مذهلة. نذكر ضمن أبرز الأمثلة الشهيرة دكتاتورية الشاه في إيران بعد إطاحة رئيس الوزراء مصدق في العام 1953، والديكتاتورية العسكرية في غواتيمالا التي أقامتها الولايات المتّحدة بعد إطاحة الحكومة التقدّمية برئاسة جاكوبو أربينز المنتخب ديمقراطياً في العام 1954، ودوفالييه في هايتي منذ العام 1957، وديكتاتورية الجنرال بارك تشونج هي في كوريا الجنوبية منذ العام 1961، وديكتاتورية الجنرالات البرازيليين منذ العام 1964، وموبوتو في الكونغو وسوهارتو في إندونيسيا منذ العام 1965، وديكتاتورية قادة جيش التايلاند منذ العام 1966، وعيدي أمين دادا في أوغندا والجنرال هوجو بانزر في بوليفيا في العام 1971، وفرديناند ماركوس في الفيليبين منذ العام 1972، وأغستو بينوشيه في تشيلي، وجنرالات الأوروغواي وهابياريمانا في رواندا منذ العام 1973، والطغمة العسكرية في الأرجنتين منذ 1978، وانقلاب صدّام حسين في العام 1979، والدكتاتورية العسكرية التركية منذ العام 1980، وديكتاتورية بن علي في تونس من العام 1987 حتى العام 2011، وحسني مبارك في مصر من العام 1981 إلى العام 2011، وفي التشاد أيضاً ديكتاتورية إدريس ديبي منذ العام 1990 حتى وفاته في 20 نيسان/أبريل 2012.

ونشير أيضاً، من بين طغاة آخرين دعمهم البنك الدولي، إلى سوموزا في نيكاراغو حتى الإطاحة به في العام 1979، وديكتاتورية تشاوشيسكو في رومانيا. ولا يزال بعضهم في السلطة اليوم؛ ديكتاتورية السيسي في مصر، وديكتاتوريات عديدة أخرى... ويجب أن نتذكر أيضاً مساندة أنظمة مستبدة في أوروبا: الجنرال فرانكو في إسبانيا والجنرال سالازار في البرتغال.

بجلاء فائق دعم البنك الدولي بشكل منهجي أنظمة مستبدّة سواء ناتجة عن انقلابات عسكرية أو غيرها، تنفّذ سياسات ضدّ التطلّعات الاجتماعية وترتكب جرائم نكراء ضد الإنسانية وانتهاكات صارخة للحقوق الإنسانية. وأبان البنك عن انتهاك تام للمعايير الدستورية لبعض دوله الأعضاء. ولم يتردّد قط في دعم انقلابيين عسكريين ومجرمين طيعين اقتصادياً بوجه حكومات ديمقراطية. وهذا لسبب بديهي: فهو يعتبر احترام الحقوق الإنسانية (نفضل هذا التعبير على تعبير «حقوق الإنسان») خارج مهمته.

منح البنك الدولي بانتظام، في سنوات 1950 و1960 قروضاً للقوى الاستعمارية ولمستعمراتها من أجل مشاريع تتيح زيادة استغلال الموارد الطبيعية والشعوب لصالح الطبقات الحاكمة في المراكز الإمبرياليةويجب عدم نسيان دعمه لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من العام 1951 حتى العام 1968. لقد رفض البنك الدولي صراحة تنفيذ قرار للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1964،‏ يلزم كل وكالات الأمم المتّحدة بوقف دعمها المالي لجنوب أفريقيا لأنها تنتهك ميثاق الأمم المتحدة. يجب ألا يظل هذا الدعم وما يترتب عنه من انتهاك للقانون الدولي بلا عقاب.

أخيراً، منح البنك الدولي بانتظام، في سنوات 1950 و1960 قروضاً للقوى الاستعمارية ولمستعمراتها من أجل مشاريع تتيح زيادة استغلال الموارد الطبيعية والشعوب لصالح الطبقات الحاكمة في المراكز الإمبريالية. وفي هذا السياق، رفض البنك الدولي تطبيق قرار للأمم المتّحدة مُتبنى في العام 1965 يدعوه إلى الامتناع عن دعم البرتغال مالياً وتقنياً طالما لم يتخل عن سياسته الاستعمارية.1  وفيما بعد جرى فرض الديون، التي تعاقدت عليها المستعمرات البلجيكية والبريطانية والفرنسية مع البنك الدولي، في سنوات 1950، على البلدان الجديدة لحظة استقلالها.

يكتسي دعم البنك الدولي للأنظمة الديكتاتورية شكل مساعدة مالية ومساندة فنية واقتصادية. وأمكن بفضل هذا الدعم لتلك الأنظمة أن تبقى في السلطة وترتكب المزيد من الجرائم. كما أسهم البنك الدولي في عدم عزل هذه الأنظمة في الساحات الدولية لأن تلك القروض والمساعدات الفنية سهلت دوماً العلاقات مع البنوك الخاصة والشركات متعدّدة الجنسية. وفرض النموذج النيوليبرالي نفسه تدريجياً على نطاق عالمي منذ ديكتاتورية بيونشيه في تشيلي في العام 1973 وفيرديناند ماركوس في الفيليبين في العام 1972. وقد حظي هذان النظامان بدعم نشط من البنك الدولي. وعندما سقطت هكذا أنظمة مستبدة أجبر البنك الدولي بشكل منهجي الأنظمة الديمقراطية التي أعقبتها على سداد الديون التي تعاقد عليها سابقوها. باختصار، تحوّل دعم البنك الدولي المالي المتواطئ للديكتاتوريات إلى عبء على الشعوب، وبات على هذه الأخيرة اليوم أن تدفع ثمن الأسلحة التي اشتراها الطغاة لقمعها.

انهار عدد كبير من الديكتاتوريات في سنوات 1980 و1990‏، بعضها بضربة قوية من حركات ديمقراطية. وغالباً ما قبلت الأنظمة التي أعقبتها السياسات التي أوصى بها أو فرضها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واستمرّت في سداد ديون على الرغم من طابعها الكريه. بعد فرضه من قبل الأنظمة الديكتاتورية، تم الحفاظ على النموذج النيوليبرالي بفعل عبء الديون والتعديل الهيكلي الدائم. في الواقع، منذ الإطاحة بالدكتاتوريات أو انهيارها، نفّذت الحكومات الديمقراطية سياسات في قطيعة مع المحاولات الرامية إلى وضع نموذج إنمائي مستقل جزئياً. عموماً، استتبعت المرحلة الجديدة للعولمة، المبتدئة في الثمانينيات لحظة تفجّر أزمة الديون، زيادة خضوع البلدان النامية (بلدان المحيط) للبلدان الصناعية (بلدان المركز) التي انضافت إليها الصين، وشهدنا أيضاً ظهور أنظمة استبدادية جديدة كما هو الحال في البرازيل مع جايير بولسونارو (2019) وجينين أنيز ‎(2019-2020) في بوليفيا، وسيباستيان بينيرا في تشيلي (-2018...)، وإيفان دوكي في كولومبيا (2018)، رودريغو دوتيرتي في الفيليبين ‎(2016) كل هذه الحكومات مدعومة من قبل البنك وصندوق النقد الدوليين، من دون أن ننسى النظام السعودي الذي يُعد أحد أعمدة البنك وصندوق النقد الدوليين.

أجندة إجماع واشنطن الخفية

منذ انطلاق أنشطة البنك وصندوق النقد الدوليين، أتاحت آلية فهم بسيط وإرساء معقد في الآن ذاته إخضاع قراراتهما الرئيسية لتوجهات حكومة الولايات المتحدة الأميركية. أمكن أحياناً لبعض الحكومات الأوروبية (بريطانيا أو فرنسا أو ألمانيا بشكل خاص) أو اليابان أن تبدي رأيها، لكن الحالات نادرة. حدثت أحياناً خلافات بين البيت الأبيض وقادة البنك وصندوق النقد الدوليين، ولكن تحليلاً تاريخياً دقيقاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يظهر أن حكومة الولايات المتحدة قد فرضت دائماً بالفعل وجهة نظرها في المجالات التي تهمها مباشرة.

عندما يتمرّد السكان المتضرّرون من هذه الخصخصة ضد الزيادة الحادة في الأسعار وضدّ تردي جودة الخدمات، وتنقلب السلطات ضدّ الشركة متعدّدة الجنسيات النّهّابة، تُسند تسوية النزاع إلى المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، قاضياً وطرفاً معاً.تهدف الأجندة المعلنة لتوافق واشنطن إلى الحدّ من الفقر من خلال النمو، والعمل الحرّ لقوى السوق، والتبادل الحرّ، وأقل تدخل ممكن من قبل السلطات العمومية. لكن، أساساً، تهدف الأجندة الخفية لإجماع واشنطن إلى الحفاظ على زعامة الولايات المتحدة عالمياً وتحرير الرأسمالية من القيود المفروضة عليها في أعقاب الحرب العالمية الثانية. نتجت هذه القيود عن تحركات اجتماعية قوية ببلدان الجنوب كما بلدان الشمال، وعن بداية تحرّر بعض الشعوب المستعمَرة، وعن محاولات خروج من الرأسمالية. كما ينطوي توافق واشنطن على تكثيف النموذج الإنتاجوي والاستخراجي.

عزّز البنك وصندوق النقد الدوليين، في العقود الأخيرة، وفقاً لإجماع واشنطن، وسائل ضغطهما على بلدان كثيرة بالاستفادة من الوضع الناجم عن أزمة الديون، قام البنك الدولي بتطوير فروعه (مؤسسة التمويل الدولية، وكالة ضمان الاستثمار متعدّد الأطراف، المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار)، لنسج شبكة تكون عُقدها مشدودة بإحكام متزايد. على سبيل المثال، يمنح البنك الدولي قرضاً بشرط خصخصة منظومة التوزيع والصرف الصحي. ونتيجة لذلك، تباع الشركة العمومية لاتحاد شركات خاص، نجد ضمنه، كأن الأمر صدفة، مؤسسة التمويل الدولية، أحد فروع البنك الدولي. وعندما يتمرد السكان المتضرّرون من هذه الخصخصة ضد الزيادة الحادة في الأسعار وضدّ تردي جودة الخدمات، وتنقلب السلطات ضدّ الشركة متعدّدة الجنسيات النّهّابة، تُسند تسوية النزاع إلى المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار، قاضياً وطرفاً معاً.

وهكذا نصل إلى وضع تسيطر فيه مجموعة البنك الدولي على جميع المستويات: 1) تنفيذ عمليات الخصخصة وتمويلها (البنك الدولي)، 2) الاستثمار في الشركة المخصخصة (مؤسسة التمويل الدولية)، 3) ضمان هذه الشركة (وكالة ضمان الاستثمار متعدد الأطراف)، 4) تسوية المنازعات (المركز الدولي لتسوية نزاعات الاستثمار). وهذا بالضبط ما حدث في إل ألتو ببوليفيا في الفترة 2004-2005.

كما أن التعاون بين البنك وصندوق النقد الدوليين أمر أساسي لممارسة أقصى ضغط على السلطات العمومية. وبقصد إتمام إخضاع المجال العام والسلطات، ومن أجل زيادة تعميم النموذج النيوليبرالي، يمتدّ تعاون هاتين المؤسستين إلى منظمة التجارة العالمية منذ تأسيسها في العام 1995. إن فرقاً جوهرياً يفصل أجندة إجماع واشنطن المعلنة عن نسختها المخفية.

تسعى الأجندة المعلنة إلى تقليص الفقر بالنمو الاقتصادي، وحرية عمل قوى السوق، والتبادل الحرّ وأخف تدخّل للسلطات العمومية. وتهدف الأجندة الخفية، المطبقة في الواقع، إلى إخضاع المجالين العام والخاص لكل المجتمعات الإنسانية لمنطق السعي إلى أقصى قدر من الأرباح في إطار الرأسمالية. ويؤدي تنفيذ هذه الأجندة الخفية إلى إعادة إنتاج الفقر (لا تقليصه) وزيادة صنوف التفاوت. ويفضي إلى ركود أو حتى تدهور شروط حياة غالبية سكان العالم إلى جانب تركّز متعاظم للثروة. كما يستتبع استمرار تدهور التوازنات البيئية، ما يعرّض مستقبل البشرية ذاته للخطر.

تتمثل إحدى مفارقات الأجندة الخفية العديدة في قيام الحكومات المتحالفة مع الشركات متعدّدة الجنسية، بإسم إنهاء دكتاتورية الدولة وتحرير قوى السوق، باستعمال إكراه مؤسسات عمومية متعدّدة الأطراف (البنك الدولي - صندوق النقد الدولي - منظمة التجارة العالمية) لفرض نموذجها على الشعوب.

القطيعة كمخرج

لهذه الأسباب يلزم القطع جذرياً مع إجماع واشنطن ومع النموذج الذي فرضه البنك الدولي، ويجب ألا يُفهم توافق واشنطن على أنه آلية سلطة ومشروع يقتصران على حكومة واشنطن المحصّنة بثالوثها الجهنمي (البنك الدولي - صندوق النقد الدولي - منظمة التجارة العالمية)؛ فاللجنة الأوروبية، ومعظم حكومات أوروبا، والحكومة اليابانية تتبنّى إجماع واشنطن وترجمته إلى لغاتها الخاصة، ومشاريعها الدستورية، وبرامجها السياسية.

لنتخيل تشكيل قطب من الصين - البرازيل - الهند - جنوب أفريقيا - روسيا يأخذ مكان دول الثالوث. إذا كان هذا القطب محكوماً بمنطق الحكومات القائمة الراهن وبالنظام الاقتصادي الذي ينظّمها، فلن يكون هناك أيضاً أي تحسن حقيقي. يجب الاستعاضة عن إجماع واشنطن بإجماع للشعوب قائم على رفض الرأسماليةإذا اقتصر القطع مع «إجماع واشنطن» على إنهاء الزعامة الأميركية التي يدعمها ثالوث البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، فلن يكون بديلاً لأن القوى العالمية الكبرى الأخرى مستعدة لمواصلة دور الولايات المتحدة الأميركية نحو أهداف مماثلة تماماً. لنتخيل أن الاتحاد الأوروبي حلّ مكان الولايات المتحدة في زعامة العالم، لن يحسّن الأمر وضع شعوب الكوكب جوهرياً لأنه يمثل مجرد استبدال قطب رأسمالي من الشمال بآخر (أحد أقطاب الثالوث). ولنتخيل إمكاناً آخر: تشكيل قطب من الصين - البرازيل - الهند - جنوب أفريقيا - روسيا يأخذ مكان دول الثالوث. إذا كان هذا القطب محكوماً بمنطق الحكومات القائمة الراهن وبالنظام الاقتصادي الذي ينظّمها، فلن يكون هناك أيضاً أي تحسن حقيقي. يجب الاستعاضة عن إجماع واشنطن بإجماع للشعوب قائم على رفض الرأسمالية.

يجب الطعن جذرياً في مفهوم التنمية وثيق الارتباط بالنموذج الإنتاجوي. إذ يستبعد نموذج التنمية هذا حماية المزروعات وتنوعها؛ ويستنزف الموارد الطبيعية ويدمّر البيئة بكيفية لا رجعة فيها. وينظر هذا النموذج إلى تعزيز الحقوق الإنسانية كهدف طويل الأمد (والحال أننا سنكون جميعاً موتى على المدى الطويل)؛ وغالباً ما يعتبر تعزيز الحقوق الإنسانية عقبة أمام النمو؛ ويرى هذا النموذج في المساواة عائقاً أو حتى خطراً.

تحطيم دوّامة الديون الجهنمية

لقد ثبت فشل تحسين ظروف معيشة الناس بواسطة المديونية العمومية. يدعي البنك الدولي أن تنمية البلدان النامية2 تستدعي لجوئها للديون الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتستخدم هذه الاستدانة أساساً لشراء التجهيزات وسلع الاستهلاك من البلدان الصناعية. وتدل الوقائع، يوماً بعد يوم، على مدى عقود، أن ذلك لا يفضي إلى التنمية.

وفقاً للنظرية الاقتصادية السائدة، يعزى تأخّر تنمية الجنوب إلى نقص رؤوس الأموال المحلّية (نقص الادخار المحلي). ودائماً حسب النظرية الاقتصادية المهيمنة، يتعيّن على البلدان الراغبة في الشروع في تنميتها أو تسريعها أن تلجا للرساميل الخارجية عبر ثلاث طرق: أولاً، الاستدانة الخارجية؛ ثانياً، جذب الاستثمارات الأجنبية؛ ثالثاً، زيادة الصادرات للحصول على العملة الصعبة الضرورية لشراء السلع الأجنبية التي تتيح مواصلة نموها. والمقصود أيضاً بالنسبة للبلدان الأفقر جذب هبات بالتصرف كتلاميذ نجباء للبلدان المتقدمة.

يدحض الواقع هذه النظرية، فالبلدان النامية هي من يزود البلدان الصناعية بالرساميل3 ، وبوجه خاص الاقتصاد الأميركي. حتى أن البنك الدولي يعترف بذلك بقوله في تقرير نشر في العام 2003 إن «البلدان النامية، بمجملها، مُقرضة صافية للبلدان المتقدّمة».4

يدعي البنك الدولي أن تنمية البلدان النامية5 تستدعي لجوئها للديون الخارجية وجذب الاستثمارات الأجنبية. وتستخدم هذه الاستدانة أساساً لشراء التجهيزات وسلع الاستهلاك من البلدان الصناعية. وتدل الوقائع، يوماً بعد يوم، على مدى عقود، أن ذلك لا يفضي إلى التنمية.إذا وصلت حركات شعبية إلى الحكومة في بلدان نامية عدة وأنشأت بنك التنمية الخاص بها وصندوق النقد الدولي الخاص بها، فستكون قادرة تماماً على الاستغناء عن البنك وصندوق النقد الدوليين والمؤسسات المالية الخاصة للبلدان الأكثر تصنيعاً.

ليس صحيحاً أن البلدان النامية مضطرة للجوء للاستدانة لتمويل تنميتها. في الوقت الحاضر يفيد القرض بشكل رئيسي لضمان مواصلة تسديد الديون. وعلى الرغم من وجود احتياطيات صرف هامة6 لا تزيد الحكومات والطبقات الحاكمة المحلية في الجنوب الاستثمار والنفقات الاجتماعية.

يجب أن نقطع مع الرؤية السائدة التي ترى المديونية ضرورة مطلقة، بالإضافة إلى ذلك، لا ينبغي التردّد بشأن إلغاء الديون الكريهة أو غير الشرعية أو التبرؤ منها.

القضاء على الديون الكريهة

تصبح الديون «كريهة»، وفقاً للعقيدة القانونية بشان الديون الكريهة التي وضعها ألكسندر ساك (1890-1955) في العام 1927، عندما يتم استيفاء شرطين أساسيين: أولاً؛ غياب منفعة للسكان: لم يتم التعاقد على الديون لصالح الشعب والدولة ولكن ضد مصلحتها و/أو للمصلحة الشخصية للقادة والأشخاص المقربين من السلطة. ثانياً؛ تواطؤ المقرضين: علم الدائنون (أو كانوا في وضع يسمح لهم بمعرفة) أن الأموال المقرضة لن تفيد السكان.

وفقًا لهذه العقيدة، فإن الطبيعة الاستبدادية أو الديمقراطية للنظام ليست ذات صلة. يوضح الكسندر ساك، أب عقيدة الديون الكريهة، أن هذه الأخيرة يمكن أن تُنسب إلى حكومة نظامية. فوفقاً لساك، «يمكن اعتبار ديون تتعاقد عليه بانتظام حكومة نظامية بغيضاً بلا شك ... ». ويعرّف ساك الحكومة النظامية على النحو التالي: « تعتبر حكومة نظامية السلطة العليا التى توجد بالفعل ضمن حدود منطقة معينة، سواء كانت هذه السلطة ملكية (مطلقة أو محدودة) أو جمهورية؛ وسواء كانت تستمد شرعيتها من « النعمة الإلهية» أو من « إرادة الشعب»؛ وسواء كانت تعبّر عن « إرادة الشعب» أم لا، الشعب كله أو جزء منه فقط؛ وسواء تم إنشاؤها قانونياً أم لا، إلخ. وكل هذا لا يهم بخصوص المشكلة التي تشغلنا».7

إن الديون العمومية ليست شيئاً سيئاً في حد ذاتها إذا تم تصميمها بطريقة مختلفة جذرياً عن النظام الحالي. يعتبر الاقتراض العام مشروعاً تماماً إذا كان يخدم أغراضاً مشروعة وإذا كان أولئك الذين يساهمون في الاقتراض يفعلون ذلك بشكل مشروعيكتب ساك أن الديون يمكن وصفها بأنها كريهة إذا: أ) كانت الاحتياجات، التي تعاقدت الحكومة السابقة بشأنها على الديون المعنية «كريهة» ومخالفة صراحة لمصالح شعب كل المنطقة القديمة أو جزء منها. ب) كان الدائنون، وقت إصدار القرض، على علم بوجهة القرض الكريهة». ويتابع: «عند توفرهاتان النقطتان، فإنه يقع على الدائنين عبء إثبات أن الأموال الناتجة عن تلك القروض لم تستخدم في الواقع لاحتياجات كريهة، ضارة لسكان كل الدولة أو جزء منها، بل من أجل احتياجات عامة أو خاصة لتلك الدولة، والتي ليست كريهة».8

هذه العقيدة، التي تم الاستشهاد بها أو تطبيقها تاريخياً مرات عدة من مختلف الحكومات، مفيدة أيضاً في التنديد بالديون الكريهة التي يطالب بها البنك وصندوق النقد الدوليين بلدان الجنوب ودولا مثل اليونان.

اللجوء إلى قروض مشروعة وتمويل الدولة بضرائب عادلة اجتماعياً

ومع ذلك، فإن الديون العمومية ليست شيئاً سيئاً في حد ذاتها إذا تم تصميمها بطريقة مختلفة جذرياً عن النظام الحالي. يعتبر الاقتراض العام مشروعاً تماماً إذا كان يخدم أغراضاً مشروعة وإذا كان أولئك الذين يساهمون في الاقتراض يفعلون ذلك بشكل مشروع. ويمكن استخدام الديون العمومية لتمويل برامج تحول بيئي طموحة بدلاً من فرض سياسات معادية للمجتمع واستخراجية وإنتاجوية تعزز المنافسة بين الأمم.

في الواقع، يمكن للسلطات العمومية استخدام القروض، على سبيل المثال، من أجل تمويل الإغلاق الكامل لمحطات الطاقة الحرارية والنووية، استبدال الوقود الأحفوري بمصادر طاقة متجددة تحترم البيئة، تمويل تحويل الأساليب الزراعية الحالية (التي تساهم في تغّير المناخ وتستخدم الكثير من المدخلات الكيميائية المسؤولة عن الحدّ من التنوع البيولوجي) عبر تعزيز الإنتاج المحلي للأغذية العضوية لجعل الزراعة متوافقة مع كفاحنا ضد تغيرالمناخ، الحد بصورة جذرية من النقل الجوي والبري وتطوير النقل العمومي واستخدام السكك الحديدية، تمويل برنامج إسكان اجتماعي طموح منخفض الاستهلاك للطاقة، تمويل البحوث الطبية العمومية والإنفاق على الصحة العمومية لمعالجة المشاكل الصحية الخطيرة التي تؤثر على البشرية.

لن تتردّد حكومة شعبية في إجبار الشركات (الوطنية أو الأجنبية أو متعدّدة الجنسيات) وكذلك الأسر الغنية على المساهمة في الإقراض من دون تحقيق أي ربح، أي من دون فائدة ومن دون تعويض في حالة التضخم.

في الوقت نفسه، سيجري دعوة أسر الطبقات الشعبية الحائزة على مدخرات من أجل توكيلها إلى السلطات العمومية لتمويل المشاريع المشروعة المذ كورة أعلاه. سوف يجازى هذا التمويل الطوعي من قبل الطبقات الشعبية بمعدل إيجابي حقيقي، على سبيل المثال 4%. وهذا يعني أنه إذا بلغ التضخم السنوي 3%، فإن السلطات العمومية ستدفع سعر فائدة اسمي بمقدار %7 لضمان معدل حقيقي يبلغ 4%.

هناك تدابير  تسمح بتمويل مشروع للميزانية العمومية منها الاقتراض بمعدل صفر من البنك المركزي، وإرساء ضريبة على الثروات الكبيرة والدخول المرتفعة جداً، وإنهاء الإعانات المقدمة للبنوك والشركات الكبيرةستكون مثل هذه الآلية شرعية تماماً لأنها ستجعل ممكناً تمويل المشاريع المفيدة حقاً للمجتمع ولأنها ستساعد في تقليل ثروة الأغنياء مع زيادة دخل الطبقات الشعبية.

وهناك أيضاً غير ذلك من التدابير التي ينبغي أن تسمح بتمويل مشروع للميزانية العمومية: الاقتراض بمعدل صفر من البنك المركزي، وإرساء ضريبة على الثروات الكبيرة والدخول المرتفعة جداً، وغرامات ضريبة على الشركات المسؤولة عن التهرب الضريبي الكبير، وخفض الإنفاق العسكري جذرياً، وإنهاء الإعانات المقدمة للبنوك والشركات الكبيرة، وزيادة الضرائب على الشركات الأجنبية، لا سيما في قطاع المواد الأولية، إلخ.

ستحرر الشعوب نفسها

في العام ‎ 2020،‏ لا توجد حكومة، باستثناء حكومة كوبا، تتحدث عن تغيير عميق في قواعد اللعبة لصالح الشعوب. لا تعرب حكومات الصين وروسيا والدول النامية الرئيسية (الهند والبرازيل ونيجيريا وإندونيسيا وتايلاندا وكوريا الجنوبية والمكسيك والجزائر وجنوب أفريقيا،‏ إلخ) عن أي نية لتغيير الوضع الدولي عملياً لصالح الشعوب.

ومع ذلك، بوسع حكومات البلدان النامية الرئيسية، على المستوى السياسي، إذا أرادت، أن تنشئ حركة قوية قادرة على إدخال إصلاحات ديمقراطية أساسية في النظام المتعدّد الأطراف. يمكنها تبني سياسة جذرية: إلغاء الديون وتطبيق حزمة سياسات تقطع مع النيوليبرالية.

أنا مقتنع بأن هذا لن يحدث: لن يطبق السيناريو الجذري على المدى القصير، فالسواد الأعظم من قادة البلدان النامية الحاليين عالقون تماماً بالنموذج الليبرالي الجديد، في معظم الحالات هم مرتبطون بمصالح الطبقات الحاكمة المحلية التي لا تملك أي منظور ابتعاد فعلي عن السياسات التي تفرضها القوى الصناعية وضمنها الآن الصين (فما بالك الحديث عن قطيعة). يكتفي رأسماليو الجنوب بسلوك ريعي، وعندما يكون الأمر غير ذلك يحاولون كسب حصص في السوق باستغلال مفرط للعمّال/ات والطبيعة. تلك حال رأسماليي البرازيل، وكوريا الجنوبية، والصين، وروسيا، وجنوب إفريقيا والهند... الذين يطالبون حكوماتهم بالحصول على هذا التنازل أو ذاك من الدول الأكثر تصنيعاً في إطار المفاوضات التجارية الثنائية أو متعددة الأطراف. علاوة على ذلك، فإن التنافس والنزاعات بين حكومات الدول النامية، بين رأسماليي الجنوب، حقيقية ويمكن أن تصبح أكثر حدّة. تؤدي العدوانية التجارية لرأسماليي الصين أو روسيا أو البرازيل تجاه منافسيهم في الجنوب إلى انقسامات عميقة. وعلى كل حال فهم يتفقون (سواء فيما بينهم ومع الشمال) على فرض ظروف عمل أسوأ على عمّال بلدانهم بذريعة زيادة تنافسيتهم لأقصاها.

لكن الشعوب سوف تتخلص عاجلاً أم آجلاً من استعباد الديون وتحرّر نفسها من الاضطهاد الذي تتعرض له من قبل الطبقات الحاكمة في الشمال والجنوب. وستفرض بنضالها سياسة توزيع عادل للثروة ووضع حدّ للنموذج الإنتاجوي الذي يدمّر الطبيعة، وسيكون على السلطات العمومية عندئذ إيلاء أسبقية مطلقة لتلبية الحاجات الإنسانية الأساسية.

الخروج من الدورة الجهنمية للمديونية من دون الوقوع في سياسة إحسان

ولا بد لتحقيق ذلك من نهج بديل: يجب الفكاك من دوامة الديون الجهنمية من دون الوقوع في سياسة إحسان تسعى إلى تأبيد نظام عالمي يهيمن عليه كلياً رأس المال وبعض القوى الكبرى والشركات متعددة الجنسيات. المقصود إرساء نظام دولي لإعادة توزيع المداخيل والثروات لتعويض النهب الذي اُخضعت له شعوب المحيط ولا تزال طيلة قرون. لا تعطي مثل هذه التعويضات في شكل هبات أي حق للدول الصناعية للتدخل في شؤون البلدان المستفيدة منها. وفي الجنوب يتوجب ابتكار آليات قرار بصدد وجهة الأموال والتحكم باستعمالها من طرف السكان المعنيين والسلطات العمومية المعنية. يفتح هذا حقل تفكير وتجريب شاسع.

أفضت تعبئة المزارعين والصيّادين في ولاية غوجارات (غرب الهند)، ضحايا الآثار البيئية والاجتماعية لمحطة الطاقة التي تعمل بالفحم المموّلة من مؤسسة التمويل الدولية، المسؤولة داخل مجموعة البنك الدولي عن تمويل الشركات الخاصة، إلى حكم مهم للمحكمة العليا بالولايات المتحدة في 27 شباط/فبراير 2019، إذ حكم القضاة أن مؤسسة التمويل الدولية لا يمكنها الاحتجاج بحصانة المنظمات الدولية عندما تمول أنشطة تجارية. وهنا يظهرأن الكفاح الشعبي مثمر.

القضاء على البنك وصندوق النقد الدوليين واستبدالهما بمؤسسات أخرى متعددة الأطراف

يجب الذهاب بعيداً وإلغاء البنك وصندوق النقد الدوليين وإستبدالهما بمؤسسات عالمية أخرى ذات اشتغال ديمقراطي. يجب أن يكون للبنك الدولي الجديد وصندوق النقد الدولي الجديد، أيا كان اسماهما الجديدان، مهام مختلفة جذرياً عن سابقيهما: يجب أن تضمن مهامهما تلبية الاتفاقات الدولية حول الحقوق الإنسانية (السياسية، والمدنية، والاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية) في مجال الائتمان الدولي والعلاقات النقدية الدولية. وعلى هذه المؤسسات العالمية الجديدة أن تكون جزءاً من نظام مؤسسي عالمي على رأسه منظمة للأمم المتحدة جرى إصلاحها جذرياً. ومن الأولويات الأساسية أن تتلاقى البلدان النامية في أقرب وقت ممكن في كيانات إقليمية مزودة ببنك مشترك وصندوق نقد مشترك. في خلال أزمة جنوب شرق آسيا وكوريا في الفترة 1997-1998 فكرت البلدان المعنية في صندوق نقد آسيوي. وأجهض تدخل واشنطن المحادثات، وأجهز نقص إرادة الحكومات المحلية على بقية الأمر. وفي أميركا الجنوبية، في ظل زخم حكومة هوغو شافيز، تم وضع أسس بنك الجنوب سنة 2008، لكنه لم ينجح في النهاية. وفي 2007-2009، واجهت الحكومة الإكوادورية دائنيها وحققت انتصاراً، لكن الحكومات اليسارية الأخرى في المنطقة لم تحذو حذوها.

مع وباء ‎Covid-19،‏ جرى إدراك أن البنك وصندوق النقد الدوليين قد ساهما في تدهور النظم الصحية.

أظهرت الأزمة الصحية العالمية في العام 2020‏ الناجمة عن فيروس كورونا إلى أي مدى أدت السياسات التي يمليها الثنائي البنك الدولي/صندوق النقد الدولي، والمطبّقة من الحكومات إلى تدهور خدمات الصحة العمومية وسمحت للوباء بإحداث دمار. لم تكن جائحة كورونا لتبلغ مثل هذا المدى لو أدارت الحكومات ظهورها لتوافق إجماع واشنطن والنيوليبرالية، وعززت الأدوات الأساسية لسياسة الصحة العمومية الجيدة من حيث الموظفين والبنية التحتية ومخزون الأدوية والمعدات والأبحاث وإنتاج الأدوية والعلاجات والتغطية الصحية لصالح السكان.

يجب الذهاب بعيداً وإلغاء البنك وصندوق النقد الدوليين وإستبدالهما بمؤسسات عالمية أخرى ذات اشتغال ديمقراطي تضمن مهامهما تلبية الاتفاقات الدولية حول الحقوق الإنسانية في مجال الائتمان الدولي والعلاقات النقدية الدوليةفي الواقع، لو قطعت الحكومات مع المنطق التقشفي للبنك وصندوق النقد الدوليين، لكانت حققت زيادة جذرية في الإنفاق على الصحة العمومية وذات فوائد هامة جداً لمكافحة أمراض أخرى تصيب بصورة أساسية بلدان الجنوب العالمي. بدلاً من ذلك، تنفق دول عديدة اليوم مواردها لسداد الديون أكثر من الإنفاق على الرعاية الصحية. على سبيل المثال، تخصص الدولة الكونغولية 2.5 ضعف مواردها لسداد الديون الخارجية ‎(11.3%)‏ أكثر مما تنفقه على الصحّة (4.4%).9

وفقاً لأحدث تقرير بشأن الملاريا في العالم، نُشر في ديسمبر 2019،‏ جرى اكتشاف 228 مليون حالة إصابة بالملاريا في العام ‎2018‏، وما يقدر بنحو ‎405‏ آلاف حالة وفاة بسبب هذا المرض. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر السل أحد أهم عشرة أسباب للوفاة في العالم. ففي العام 2018، أصيب ‎10‏ ملايين شخص بالسل وتوفي منهم 1.5 مليون (بما في ذلك 251‏ ألف من حاملي فيروس نقص المناعة المكتسبة). ويمكن مكافحة هذه الأمراض بنجاح إذا كرست الحكومات موارد كافية لها.

كما يمكن للتدابير التكميلية الأخرى أن تجعل من الممكن مكافحة سوء التغذية والجوع اللذين يدمّران الحياة اليومية لواحد من كل 9 أفراد (أي أكثر من ‎800‏ مليون نسمة من سكان الكوكب). يموت حوالي 2.5 مليون طفل كل عام في جميع أنحاء العالم بسبب نقص التغذية، بشكل مباشر أو من الأمراض المرتبطة بضعف المناعة بسبب نقص التغذية.

وبالمثل، إذا جرى تحقيق استثمارات لزيادة إمدادات مياه الشرب بصورة كبيرة وإجلاء / تهيئة مياه الصرف الصحي، فسيصبح متاحاً حدوث انخفاض جذري في الوفيات الناجمة عن أمراض الإسهال، والتي تصل إلى أكثر من  ‎430‏ ألف سنوياً (المصدر: منظمة الصحة العالمية 2019).

في حين يتوجّب القضاء على الديون غير الشرعية التي تطالب بها الشعوب، لا يتحدث البنك وصندوق النقد الدوليين والحكام سوى عن تأجيل السداد ويقترحون صيغ استدانة جديدة. ويُستعمل كوفيد-19 لتشديد دورة استدانة كثيفة جديدة بشروط تعزّز التقشف وتؤثر على رفاهية الأجيال المقبلة.

وقف فوري لسداد الديون العمومية مع إجراء تدقيق بمشاركة مواطنية من أجل إلغاء الجزء غير الشرعي

ينبغي أن يرفق وقف فوري لسداد الديون العمومية وإجراء تدقيق بمشاركة مواطنية من أجل تحديد جزئها غير الشرعي وإلغاؤه.

ثمة أمر لا بد له من وضوح: إذا كان الهدف تحرّر الشعوب والتلبية الكاملة للحقوق الإنسانية، فلا بد من مؤسسات جديدة مالية ونقدية جهوية وعالمية على حد سواء، تكون في خدمة مشروع مجتمعي في قطيعة مع النيوليبرالية، والاستخراجية والإنتاجوية، وباختصار في قطيعة مع الرأسمالية.

في حين أنه يتوجب القضاء على الديون غير الشرعية التي تطالب بها الشعوب، لا يتحدث البنك وصندوق النقد الدوليين والحكام سوى عن تأجيل السداد ويقترحون صيغ استدانة جديدةيلزم المساهمة قدر الإمكان في أن تكون حركة اجتماعية وسياسية جبارة قادرة على إتاحة تلاقي كفاحات اجتماعية وتسهم في بلورة برنامج قطيعة مع الرأسمالية عبر وضع حلول مناهضة للرأسمالية والعنصرية، على رأس أولوياتها أن تكون بيئية ونسوية وأممية واشتراكية.

إن العمل من أجل تشريك البنوك أساسي مع مصادرة أملاك كبار المساهمين، ومن أجل وقف سداد الديون العمومية في غضون إجراء التدقيق بمشاركة مواطنية كي يجري التبرؤ من جزئها غير الشرعي، ومن أجل فرض ضريبة أزمة عالية جداً على الأكثر غنى، ولأجل إلغاء الديون المستحقة بصورة غير شرعية على الطبقات الشعبية (ديون الطلاب، والديون الربوية القهرية، والقروض الصغيرة الظالمة)، ولأجل إغلاق بورصات القيم لأنها مكان للمضاربة، ومن أجل تقليص جذرية لساعات العمل (مع الحفاظ على الأجور وتشغيل تعويضي) كي يجري خلق عدد وفير من فرص الشغل النافعة اجتماعياً، ومن أجل الزيادة الجذرية في الإنفاق العمومي على الصحة والتعليم، ولأجل تشريك المقاولات الصيدلانية وقطاع الطاقة، ومن أجل إعادة توطين القدر الأقصى من الإنتاج وتطوير دورات إنتاج قصيرة وغيرها كثير من المتطلبات الأساسية الأخرى.

  • 1 قدم البنك الدولي قروضا للبرتغال حتى العام 1967.
  • 2تطورت المفردات المستخدمة لتعيين بلدان قروض التنمية التابعة للبنك الدولي على مر السنين من استخدام مصطلح «المناطق المتخلفة» إلى «البلدان المتخلفة»، للوصول إلى مصطلح «بلد نام». يطلق على بعضها اسم «البلدان الصاعدة».
  • 3« Milan Rivié » ,Flux financiers illicites : Afrique première créancière au monde,« CADTM, publié le 15 octobre2020,http://cadtm.org/Flux-financiers-illicites- Afrique-premiere-creanciere-au-monde.
  • 4 World Bank, Global Development Finance 2003, p. 13. Dans lédition 2005 du Global Development Finance, p. 56, la Banque écrit: «Les pays en développement sont maintenant exportateurs de capitaux vers le reste du monde», World Bank, GDF 2005, p. 56.
  • 5تطورت المفردات المستخدمة لتعيين بلدان قروض التنمية التابعة للبنك الدولي على مر السنين من استخدام مصطلح «المناطق المتخلفة» إلى «البلدان المتخلفة»، للوصول إلى مصطلح «بلد نام». يطلق على بعضها اسم «البلدان الصاعدة».
  • 6 Les réserves de change sont des avoirs en devises étrangères et en or détenues par une banque centrale. Elles prennent aussi la forme de bons et obligations du Trésor d’ftats étrangers, en particulier les bons du Trésor des Etats-Unis.
  • 7 Alexander N. Sack, Les effets des transformations des tats sur leurs dettes publiques et autres obligations financières: traité juridique et financier, Paris, Sirey, 1927. Voir le document presque complet en téléchargement libre sur le site du CADTM: http://cadtm.org/IMG/pdfi Alexander Sack_dette_odieuse.pdf
  • 8 fric Toussaint, « La dette odieuse selon Alexandre Sack et selon le CADTM » CADTM, publié le 18 novembre 2016, https://www.cadtm.org/La-dette-odieuse-selon- Alexandre-Sack-et-selon-le-CADTM.
  • 9 Jubilee Debt Campaign, « Comparing debt payments with health spending » Avril 2020, https://jubileedebt.org.ul/. wp-content/uploads/2020/04/Debt-payments-and-health-spending_13.04.20.pdf