معاينة Flights

أسعار تذاكر السفر في لبنان: «الهلع» مصدر لأرباح فاحشة

منذ بدء الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، يتأرجح مطار بيروت بين تأجيل الرحلات وإلغائها. وفي حين لم يقفل إلّا ليلة 14 نيسان/أبريل الماضي لساعات معدودة كإجراء احترازي عقب الردّ الإيراني الأول على الاعتداءات الإسرائيلية، ومن ثم لساعتين في 1 تشرين الأول/أكتوبر عقب الردّ الإيراني الثاني، باتت الحركة فيه الآن تقتصر على الرحلات التي تجريها شركة «طيران الشرق الأوسط» حصراً، بعد أن علّقت جميع شركات الطيران الأجنبية رحلاتها من مطار بيروت وإليه حتّى إشعار آخر، بسبب توسّع العدوان الإسرائيلي، واستهداف مختلف المناطق اللبنانية مع التركيز المُمنهج والهمجي على منطقة ضاحية بيروت الجنوبية المتاخمة للمطار.

وعلى الرغم من عدم تعرّض المطار إلى قصف مباشر يُخرجه من الخدمة، أقلّه حتّى الآن، يعتبر المجال الجوي اللبناني في خطر كبير نظراً للاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة بالصواريخ والقنابل الكبيرة التي تُلقى على المدينة من الطائرات الحربية. ومع ذلك، يحاول الكثير من المقيمين في لبنان السفر إلى الخارج حفاظاً على أرواحهم وأرواح عائلاتهم، ويتهافتون على شراء بطاقات السفر. لكن، وكما في الأزمات جميعها يدفع الناس الأثمان الأكبر، إذ تحوّلت عملية شراء بطاقات السفر إلى سوق سوداء تضمّ وسطاء ومكاتب سفر يتحكّمون بالأسعار التي بلغت أرقاماً فلكية. 

أقرب موعد بعد أسبوعين

تتألف أزمة شراء بطاقات السفر من طبقات عدة، أوّلها عملية البحث عن بطاقات متوفّرة بتواريخ قريبة. ففي بحث عبر الإنترنت أجري يوم الأحد المُنصرم في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2024، تبيّن أن موقع شركة «طيران الشرق الأوسط» قد يظهر في بعض الحالات توفّر بطاقات في مواعيد قريبة، في خلال يومين أو ثلاثة على أبعد تقدير، لكن الاستمرار في عملية الشراء تنتهي برسالة مفادها أنّ الموقع غير مُحدّث، وبالتالي ليس هناك بطاقات بمواعيد قريبة. 

وفي حالة اختيار مواعيد متأخّرة وفق البحث الذي أجري في الليلة نفسها (الأحد الماضي في 6 تشرين الأول/أكتوبر 2024) للوجهات التي لا يحتاج اللبنانيون إلى تأشيرة مُسبقة لدخولها مثل تركيا والأردن وقطر والعراق أو الوجهات التي يتردّد اللبنانيون إليها عادة مثل قبرص وفرنسا، يتبيّن أن الموعد الأقرب يتراوح بين 19 و31 تشرين الأول/أكتوبر تبعاً للوجهة المُحدّدة.

إن الموعد الأقرب المتوفر هو لوجهة قبرص، وقد حُدّد في 19 تشرين الأول/أكتوبر أي بعد 13 يوماً من يوم البحث، تليها فرنسا في 20 من الشهر نفسه، ومن ثمّ بغداد والأردن في 21 و23 تشرين الأول/أكتوبر على التوالي. وأخيراً إسطنبول وقطر في 29 و31 تشرين الأول/أكتوبر الحالي.

أقرب موعد للسفر إلى وجهات مختارة 

قبرص 19 تشرين الأول/أكتوبر 

فرنسا 20 تشرين الأول/أكتوبر 

بغداد 21 تشرين الأول/أكتوبر 

الأردن 23 تشرين الأول/أكتوبر

إسطنبول 29 تشرين الأول/أكتوبر 

قطر 31 تشرين الأول/أكتوبر

أسعار فلكية 

لا تنحصر المشكلة بمواعيد السفر المتوافرة البعيدة، بل أيضاً بأسعار التذاكر التي ارتفعت إلى حدّ السماء. وتوضيحاً للمراجعات التي وردت بشأن أسعار بطاقات السفر، أعلنت «شركة طيران الشرق الأوسط» عن أسعار تذاكر السفر في بيان أصدرته أمس. وبحسب البيان تتراوح أسعار تذكرة السفر من الدرجة السياحية في اتجاه واحد بين 211 دولاراً إلى لارنكا في قبرص، وهذا هو السعر الأدنى، و1,029 دولاراً إلى لاغوس في نيجيريا، وهذا هو السعر الأعلى.

وللمقارنة، قبل تصعيد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كان سعر بطاقة السفر إلى لارنكا في قبرص على سبيل المثال، يبلغ 150 دولاراً للدرجة السياحية ذهاباً وإياباً وفق أحد مكاتب السفريات الذي اتصلنا به، في حين ارتفع السعر الآن إلى 211 لرحلة الذهاب فقط، وذلك فيما لو تم شراء التذكرة عبر مكاتب شركة طيران الشرق الأوسط مباشرة، وقد تصل إلى 450 دولاراً بالحدّ الأدنى (ذهاباً وإياباً) فيما لو تم شراء التذكرة عبر مكاتب السفريات، وهو ما يشكّل ثلاثة أضعاف سعر التذكرة ما قبل التصعيد.

أسعار تذاكر السفر من الدرجة السياحية

لقد أدّت الأزمة المالية التي عصفت في لبنان في خريف 2019، إلى تخلّي الكثير من الناس عن التعامل مع المصارف، وبالتالي لم يعد الكثير منهم يمتلكون حسابات مصرفية أو بطاقات اعتماد للقيام بالمعاملات الإلكترونية أو الشراء عبر الإنترنت. وهذا ما يجبرهم في الحالة الراهنة للجوء إلى مكاتب السفريات لشراء التذاكر. وهنا نصبح أمام مستوى آخر من الأزمة. وبحسب ما يفيدنا بعض مكاتب السفر والعاملين في هذا القطاع، يتبيّن «وجود عدد من الوسطاء الذين لا بدّ من المرور عبرهم للحصول على بطاقات سفر بمواعيد قريبة، وأن هناك سوق سوداء نشأت سريعاً وتكلّف المسافر دفع أضعاف السعر الأساسي. على سبيل المثال، وصل سعر تذكرة السفر إلى إسطنبول بعد التصعيد إلى نحو 430 دولاراً، لكن لإتمام شراء البطاقة يجب المرور بالوسيط الذي يفرض دفع زيادة 200 دولاراً على سعر البطاقة لتوفيرها، ثم يأتي دور المكتب الذي يضع عمولته عليها والتي لا تقلّ عادة عن 100 دولار للبطاقة، ليصبح سعر بطاقة السفر إلى إسطنبول 730 دولاراً بعد أن كانت في الأيام العادية متوفّرة بحدود 200 دولار. وفي مثال آخر، وصل سعر بطاقة السفر إلى القاهرة (ذهاباً فقط) إلى نحو 220 دولاراً، ولكن بالطريقة نفسها يشترط الوسيط زيادة 200 دولار لتأمينها، ثمّ تضاف عمولة المكتب، ليصل سعر البطاقة إلى القاهرة، ذهاباً فقط إلى 520 دولاراً».

ويتابع المصدر نفسه بالإشارة إلى وجود «نوع من الوسطاء (السماسرة) لديهم قدرة أو سلطة على تأمين عدد كبير من البطاقات، قد تصل إلى 10 بطاقات أو أكثر، وإنما لقاء دفع عمولة أكبر تبلغ 500 دولار للبطاقة الواحدة، على أن يتم إضافة عمولة المكتب، ما يرفع سعر البطاقة أكثر من 4 أضعاف». 

كما في كلّ أزمة، يتحمّل المواطن وحده العبء وتستمرّ الشركات الخاصة في مراكمة الأرباح، ومن يرتبط بها من مكاتب وسماسرة، نظراً لغياب أي وجود لدولة فاعلة تحمي الناس من الحرب وجشع القطاع الخاص.