معاينة Exacerbated Food Crisis in Lebanon

5 عوامل ترفع مخاطر انعدام الأمن الغذائي في لبنان

يتفاقم انعدام الأمن الغذائي في لبنان بشكل سريع ومتواتر. وبحسب منظّمة الأغذية والزراعة وبرنامج الغذاء العالمي، يواجه نحو 30% سكان لبنان انعداماً حادّاً في الأمن الغذائي في الوقت الحالي، أي ما مجموعه 1.65 مليون شخص، بالمقارنة مع 1.26 مليون شخص في نيسان/أبريل الماضي، أي بزيادة 400 ألف شخص.

يعتبر اللاجئون والأطفال والنساء من الأشخاص الأكثر تأثراً بانعدام الأمن الغذائي، خصوصاً أن 40% من اللاجئين السوريين والفلسطينيين في لبنان يواجهون هذه المستويات العالية من انعدام الأمن الغذائي بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، كما يعاني 3 من كل 4 أطفال دون سنة الخامسة من سوء تغذية خطير بحسب منظّمة إنقاذ الطفولة، إذ يتناولون وجبات غذائية قليلة التنوّع ما يجعلهم عرضة لتوقّف النمو وانخفاض الوزن.

يعتبر انعدام الأمن الغذائي النتيجة المباشرة لاستمرار الانكماش الاقتصادي منذ عام 2018 والذي تفاقم في الحرب الإسرائيلية على لبنان على مدار أكثر من عام، فضلاً عن تراجع المساعدات الغذائية والإنسانية المُخطّط لتوزيعها في العام 2025، والأهم غياب أي خطّة رسمية للإنقاذ وإعادة الإعمار الذي يؤدّي إلى استمرار حالة نزوح بعض السكّان من قراهم، وتعطّل القطاعات الحيوية بما فيها الزراعة واستمرار تضخّم أسعار الغذاء. 

يعزى هذا التدهور الكبير في معيشة المقيمين في لبنان إلى التأثير المركّب للحرب والنزوح والتضخّم وتعطّل الأسواق على القطاعات الاقتصادية المختلفة، ومساهمته في تفاقم الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ سنوات. وعلى الرغم من وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 لا تزال البلاد في حالة هشّة، إذ يتوقّع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن يضاف نحو 230 ألف شخصاً إلى شريحة الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في خلال الأشهر المقبلة. وهو ما يتوقع أن يستمر نتيجة عوامل عدّة.

Exacerbated Food Crisis in Lebanon

1. استمرار النزوح

عاد ما يزيد عن 830 ألف نازح إلى قراهم، فيما لا يزال هناك حوالي 103,346 شخص في حالة نزوح بحلول 29 كانون الثاني/يناير بحسب إحصاءات المنظمة الدولية للهجرة. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذه العودة الملحوظة دائمة بسبب استمرار حالة التنقل الناجمة عن الدمار الشديد وتأخر انطلاق عملية إعادة الإعمار. وبحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يعتبر النزوح من العوامل الرئيسة وراء انعدام الأمن الغذائي في لبنان، خصوصاً أنه ساهم في تعطيل سبل العيش بالنسبة إلى الأسر الزراعية في المناطق الريفية، وكذلك العمّال في الشركات الموجودة في المناطق المتضرّرة بالحرب.

2. تعطّل الزراعة

يواجه المزارعون تحديات هائلة، لا سيما في الجنوب والبقاع، إذ لم يتمكّن جميع منتجي المحاصيل و90% من مزارعي الماشية في هذه المناطق من الوصول إلى مزارعهم بسبب القيود الأمنية، ما حال دون حصادها أو زراعتها للموسم المقبل. وهو ما يشير إلى تهديد طويل الأمد للأمن الغذائي والاستدامة الزراعية في لبنان، خصوصاً أن الواردات الغذائية شكّلت نحو 50% من إجمالي الإمدادات الغذائية في العام 2024، ونحو 90% من إمدادات الحبوب بحسب برنامج الأغذية العالمي  ومنظمة الأغذية والزراعة.

أظهر مسح رصد الأثر الذي أجراه برنامج إدارة الطوارئ والأزمات في كانون الأول/ديسمبر 2024، أن 85% من الأسر أفادت بصعوبات في إنتاج المحاصيل بسبب محدودية الوصول إلى الأسمدة والمبيدات الحشرية والأراضي والعمالة، مع توقع 63% منها انخفاضاً في الحصاد، وخصوصاً في بعلبك وبنت جبيل. كما واجه منتجو الماشية (80%) تكاليف تغذية عالية ومراعي محدودة وخدمات بيطرية، حيث تسببت الأعمال العدائية في انخفاض حاد في إنتاج الحليب والبيض والعسل. وإلى ذلك، تم الإبلاغ عن أضرار جسيمة في المعدات الزراعية والبنية الأساسية للري والأعلاف والملاجئ.

3. انكماش للعام السادس على التوالي

من المتوقع أن يستمر الانكماش الاقتصادي حتى الربع الأول من هذا العام، إذ يواصل لبنان التعامل مع الآثار المركبة للصراع وأزمته الاقتصادية المطولة. وتشير تقديرات مرصد الاقتصاد لخريف 2024 الصادر عن البنك الدولي إلى أن التصعيد الكبير للحرب سيؤدي إلى انكماش نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5.7%. وهذا من شأنه أن يمثل العام السادس على التوالي من التدهور الاقتصادي ويمثل انخفاضاً بنحو 64% في حجم الناتج المحلي الإجمالي منذ العام 2018. ويعكس هذا الانحدار الكبير في الناتج المحلي الإجمالي الأضرار الجسيمة التي سببتها الحرب، وخصوصاً في جنوب لبنان، وتعطيلها القطاعات الاقتصادية الرئيسة، لاسيما تقلّص الإنتاجية الزراعية وعائدات السياحة.

تضرّر القطاع الزراعي بشكل خاص، ومن المتوقع أن يبقى التعافي في هذا القطاع بطيئاً بسبب التحديات المستمرة في الوصول إلى الأراضي الزراعية ووجود ذخائر غير منفجرة، وتدمير البنية التحتية والأصول الرئيسة. إلى ذلك، أظهر قطاع السياحة، وهو محرّك حيوي للاقتصاد اللبناني، علامات استقرار منذ وقف إطلاق النار في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، مع استئناف عدد محدود من شركات الطيران لعملياتها عبر مطار بيروت الدولي. ومع ذلك، بقي العدد الإجمالي للزوار في العام 2024 أقل بكثير من مستويات ما قبل الصراع، ومن المتوقّع أن يبقى عدد الوافدين ضعيفاً في العام 2025 أيضاً.

وبالنتيجة، يتوقع التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن تظل فرص العمل والدخل في مختلف القطاعات مقيدة. تعطّل سوق العمل، الذي يعاني بالفعل من سنوات من التدهور الاقتصادي، بشكل أكبر بسبب النزوح الجماعي لأكثر من 1.3 مليون شخص وتدمير الشركات والأصول الإنتاجية في المناطق المتضرّرة من الصراع. وفي حين زادت فرص العمل غير الرسمية أو الموسمية في خلال مواسم العطلات الشتوية، إلا أنه من غير المرجح أن تعوض عن خسائر الوظائف الواسعة النطاق في الزراعة والتجارة والخدمات. ومن المتوقع أن تظل المنافسة على الوظائف منخفضة المهارة مصدراً للتوتر إذ يتنافس السكان النازحين والفئات الضعيفة على فرص محدودة مع عواقب وخيمة على الأمن الغذائي.

4. التضخم يعمّق الأزمة

أدّى التخلّص التدرّجي من دعم القمح في منتصف أيلول/سبتمبر إلى زيادة أسعار الخبز. ارتفعت تكلفة الخبز المحمّص للفرد (37.6 دولار) بنسبة 4.7% بين أيلول/سبتمبر تشرين الثاني/نوفمبر 2024. أيضاً، شهدت أسعار السلع غير الغذائية زيادات ملحوظة بسبب الحرب، ووصلت إلى 3% بين أيلول/سبتمبر وتشرين الأول/أكتوبر 2024.

ومن المتوقع أن يستمر التضخم في أسعار الغذاء بسبب الوقت اللازم لعكس اتجاه قطاع السوق، الذي تأثر بالاضطرابات أثناء الحرب، وارتفاع الطلب على السلع الأساسية في المناطق المتضررة من النزوح، وزيادة تكاليف النقل المرتبطة بتقلب أسعار الوقود.

5. خفض المساعدات

من المتوقع أن تنخفض المساعدات الغذائية الإنسانية في العام 2025 مع تأثير التخفيضات على جميع الفئات السكانية بسبب قيود التمويل والقدرات البرامجية المحدودة. وتعكس هذه التخفيضات المتوقعة استمرار التحديات السابقة إذ فشلت المساعدة في تلبية الاحتياجات المتزايدة بين السكان المعرضين للخطر.

بالنسبة إلى الأسر اللبنانية، من المتوقع أن تستمر المساعدات الغذائية العينية التي يقدّمها برنامج الأغذية العالمي عند مستوياتها الحالية لدعم ما يقرب من 35.000 أسرة. وهو ما يقل بكثير عن عدد الأسر المحتاجة بحيث يحول عدم تأمين أي تمويل إضافي دون توسيع برامج المساعدات الغذائية الطارئة. أيضاً لن يتمكن برنامج شبكات الأمان الاجتماعي الطارئة، الذي يقدم مساعدات نقدية للأسر اللبنانية، من توسيع تغطيته بسبب نقص التمويل واقترابه من نهاية قرضه الثاني

أما بالنسبة إلى اللاجئين السوريين، فمن المتوقع أن تخفض المساعدات الغذائية الإنسانية مرة أخرى بنسبة 30 إلى 40%في شباط/فبراير 2025. ويتماشى هذا الانخفاض مع نقص التمويل الأوسع الذي يؤثر على وكالات الإغاثة ويعكس الفجوات المتزايدة في القدرة على دعم برامج المساعدات الغذائية. وهو ما من شأنه أن يزيد ضغوط الأمن الغذائي. والأمر نفسه ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يتناقص التمويل المخصّص لهم باطراد.