الكلفة الاجتماعية: لململة الضحايا أو استهداف الأكثر فقرًا

"ليس هناك معنى من تطبيق سياسات تُفقر الناس، ثم نحاول أن نشملهم بعدها ببرامج حماية اجتماعية"
  - جودة عبد الخالق، اقتصادي مصري

يوصي دائمًا صندوق النقد الدولي بإلغاء الدعم المعمم واستبداله بدعم يستهدف الفقراء دون غيرهم، ويهدف الإجراء الأخير عادة للتخفيف من آثار الإجراء الأول. تطالب مثلا استراتيجية صندوق النقد للإنفاق الاجتماعي الصادرة عام 2019 ب "التركيز المستمر على التخفيف من الآثار السلبية للتكيف على الفئات الضعيفة [...] عندما يتماشى ذلك مع الأهداف الأساسية لمساعدة العضو على تصحيح مشكلة ميزان المدفوعات وتحسين الوضع الخارجي". يعني هذا ببساطة أن إجراءات التخفيف لا يجب أن تتعارض مع أهداف البرنامج المتمحورة حول ميزان المدفوعات، وتؤكد الاستراتيجية أيضا على أن شروط البرنامج يجب أن "تدعم أهدافا اجتماعية عندما تكون محورية لنجاح البرنامج".
الإنفاق الاجتماعي بالنسبة لصندوق النقد ليست هدف في حد ذاته إذن، بل له هدفان على النحو المبين في استراتيجية الإنفاق الاجتماعي لصندوق النقد الدولي؛ أولاً، عندما ينطوي الإنفاق الاجتماعي على أهمية حرجة بالنسبة للاقتصاد الكلي (أي عندما يكون له تأثير كبير على استقرار الاقتصاد الكلي)، وثانيًا، للتخفيف من الآثار السلبية للتعديل الهيكلي. يمنع  هذا تهيئة الظروف لتعزيز الحماية الاجتماعية، إذا لم يكن من الممكن تبرير إنفاقها على أنه حاسم لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي المعلنة.
وهذا يتناقض مع النُهج الأخرى للحماية الاجتماعية، التي تتعامل مع الحماية الاجتماعية باعتبارها من قضايا حقوق الإنسان. على سبيل المثال، تتعامل منظمة العمل الدولية مع الحماية الاجتماعية كحق يجب احترامه من خلال متابعة السياسات والبرامج الاجتماعية للحكومات. على المنوال نفسه، تتعامل الجمعية العامة للأمم المتحدة، من خلال وضعها لأهداف التنمية المستدامة، أيضًا مع العديد من قضايا الحماية الاجتماعية من وجهة نظر قائمة على الحقوق. في المقابل، امتنع صندوق النقد الدولي دائمًا عن الانخراط في خطاب حقوق الإنسان، وأصر على أن دوره هو ضمان استقرار النظام النقدي الدولي، فيتعامل فقط مع الأمور غير النقدية، ومن ضمنها الإنفاق والحماية الاجتماعية، بقدر ما يكون لها تأثير فقط على الاستقرار النقدي، أي أن الغاية هي الاستقرار النقدي، امّا الحماية الاجتماعية. باختصار، فتأتيضمن  أهداف التخفيف هنا، لاحتواء آثار البرنامج السياسية والاجتماعية، التي قد تودي بالاستقرار والسلم السياسي الناتج عن سياسات التعديل الهيكلي من خلال عدسة الاقتصاد الكلي، وهو ما يسميه البنك الدولي "إدارة المخاطر الاجتماعية".
 التحول من الدعم المعمم للدعم الموجه
غالبا، تتضمن إجراءات التخفيف الخاصة بصندوق النقد التحول من الدعم المعمم للدعم الموجه، وعادة ما يذهب الصندوق إلى أن الوفورات الناتجة عن تخفيض أو إلغاء الدعم المعمم سيتم توجيهها للدعم الموجه، بحجة أن الأغنياء يستفيدون من الدعم المعمم أكثر من الفقراء، فيقول مثلًا الصندوق في تقرير الخبراء لبرنامج 2016 في مصر:
 
"سيتم توجيه حوالي 1% من إجمالي الناتج المحلي من الوفورات المالية المحققة إلى دعم إضافي للمواد الغذائية، وللتحويلات النقدية إلى المسنين والأسر منخفضة الدخل، وغيرها من البرامج الاجتماعية الموجهة، بما في ذلك المزيد من الوجبات المدرسية المجانية. والهدف من ذلك هو استبدال دعم الطاقة الذي يتم توجيهه بشكل سيئ ببرامج تدعم الأسر الفقيرة بشكل مباشر".
لكن، صندوق النقد الدولي يبالغ في قدرة برامج الدعم الموجه على استهداف الفقراء، وفي الوقت نفسه يقلل من قدرة أنظمة الدعم المعمم على استهداف الفقراء. على سبيل المثال، وجدت دراسة حديثة لمؤسسة فريدريش إيبرت أن دعم الغذاء والطاقة المعممين في تونس كانا أكثر دقة في استهداف الفئات الأكثر احتياجًا وعلى الحد من معدلات الفقر، وأن نظام الدعم النقدي المباشر في الواقع كان الأقل من حيث دقة الاستهداف والحد من الفقر. هذا ببساطة لأن الدعم المعمم بالتعريف يستهدف 100% من المستحقين، وأخطاء الاستهداف فيه هي أخطاء شمول وليس استبعاد، وأما بالنسبة للدعم الموجه فترتفع فيه نسبة أخطاء الاستبعاد كثيرًا لتصل الى 93% في بعض الحالات كما نناقش أدناه.
بالإضافة لهذا، يشكل الدعم المعمم وقاية للفئات التي لن تحتسب من ضمن المستحقين للدعم الموجه، ولكنها ليست ببعيدة عن السقوط في خط الفقر، إذا ما تم رفع كل أشكال الدعم المعمم.
 ماذا يحدث بالوفورات (الريعية الجديدة)؟
في أغلب الأحيان، يستخدم صندوق النقد الدولي خطاب "التحول من الدعم المعمم للدعم الموجه"، أي أن الوفورات الناتجة عن خفض الدعم المعمم أو إلغائه ستستخدم في دعم الفقراء دعمًا موجهًا يستهدفهم دون غيرهم، ولكن دراسات حالة من الواقع تظهر أن الوفورات تستخدم في غير هذا المحل على الإطلاق، وإن أغلبها يذهب لتحقيق فائض أولي في الموازنة وخدمة الدين ذو الفائدة المرتفعة.
إذا نظرنا للحالة المصرية، وهي ثاني أكبر مدين لصندوق النقد الدولي في العالم بعد الأرجنتين، سنجد أن بين عامي 2014 و 2021، وفرت مصر حوالي 4.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي من إلغاء دعم الطاقة وحوالي 1% من فاتورة الأجور الحكومية التي تدعم الطبقة الوسطى، التي يعمل منها الكثيرون في الخدمة العامة. ومع ذلك، فإن معاشات التأمين الاجتماعي (بما في ذلك برامج تكافل وكرامة للتحويلات النقدية) زادت بنسبة 0.07٪ فقط من الناتج المحلي الإجمالي ، وتبلغ حاليًا 0.3٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
امّا دعم المواد الغذائية ، الذي استند إليه صندوق النقد الدولي كبند إنفاق اجتماعي يستفيد أكثر من إلغاء دعم الطاقة ، فقد انخفض بالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي من 1.6٪ إلى 1.3٪. تم استخدام تلك الوفورات في الإنفاق الحكومي من تلك البنود الاجتماعية المهمة،  والتي تبلغ نحو 6% تقريبا، لغرضين: خدمة فاتورة الدين المتزايدة، مدفوعة في الغالب بموجات عديدة من الزيادة في أسعار الفائدة التي فرضها صندوق النقد الدولي، وتحقيق فائض أولي في الموازنة العامة للدولة، فزادت نسبة الفوائد بحوالي 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وقل عجز الموازنة بأكثر من 4%.
ماذا عن متوسطات الاجور العالمية؟
يعني هذا ببساطة أن إلغاء الدعم يحدث لصالح مستثمرين يحصلون على عشر القيمة المخلقة في الاقتصاد؛ حتى خفض عجز الموازنة بما له من آثار اجتماعية سلبية يفقد في هذه الحالة واحدة من آثاره الإيجابية القليلة ألا وهو الحاجة إلى استدانة أقل وبالتالي خدمة دين أقل، لكن هذا تآكل تماما بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، فزادت فاتورة خدمة الدين بالتوازي مع نقص عجز الموازنة.
يحب الصندوق دائمًا الإشارة لأسعار الطاقة العالمية عند الحديث عن الأضرار السلبية لدعم الطاقة، لكن من أهم المعايير المزدوجة للصندوق هو عدم حديثه إطلاقا عن عالمية الأجور مثلًا. يجادل في هذا الصدد، الباحث الاقتصادي جودة عبد الخالق في كتابه "الاستقرار والنكيف في مصر: إصلاح أم إلغاء التصنيع؟"، بأنه بالنسبة للاقتصاد المحلي، لا يوجد سبب لتطبيق أسعار النفط الدولية كمعيار لأن السعر المحلي للنفط هو معيار وطني يجب أن ينسجم مع معايير أخرى للاقتصاد مثل دخل الفرد ، وإلا فإن رفع أسعار الطاقة إلى الأسعار الدولية - التي يُقصد بها كآلية استقرار - يمكن أن يتحول في الواقع إلى قوة مزعزعة للاستقرار. بعبارة أخرى، إذا لم يدعو صندوق النقد الدولي مطلقًا إلى رفع الدخول في اقتصادات الجنوب العالمي إلى المتوسطات الدولية، فلا يوجد سبب وجيه لضرورة ارتفاع أسعار الطاقة إلى تلك المتوسطات.

الصرف

يُعرَّف سعر الصرف الاسمي (Nominal Exchange Rate) على أنه سعر العملة الأجنبيّة بدلالة وَحَدات من العملة المحليّة (أو العكس، سعر العملة المحليّة بدلالة وَحَدات من العملة الأجنبيّة). مثلاً، في الحالة اللبنانيّة يرمز سعر الصرف الاسمي للّيرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي الى عدد وحدات الليرة للدولار الواحد.

معدّل الفائدة

معدّل الفائدة (Interest Rate): يُعرّف معدل أو سعر الفائدة على أنه السعر الذي يدفعه المصرف المركزي على إيداعات المصارف التجارية لديه، ويُعرض معدّل الفائدة على شكل نسبة مئوية. ويُعدّ معدل الفائدة إحدى أهم أدوات السياسة النقدية التي تستخدمها البنوك المركزية للتحكم في الدورات الاقتصادية. ويمكن الربط بين معدّل الفائدة من جهة والرّيع أو الربح من جهة أخرى. فإن ارتفاع معدّل الفائدة، على سبيل المثال، يعني أن من يملك رأس المال يستطيع ادخاره في المصارف مقابل تحقيق عائد بديل هو الربح، بينما يصعب على من لا يملك رأس المال الولوج الى اليه بسبب ارتفاع كلفة الاستدانة. وبذلك، إن معدّل الفائدة يعكس في الجوهر علاقة صراع بين من يملك ومن لا يملك.

التضخم

هو عبارة عن ارتفاع مستمر ومؤثر في المستوى العام للأسعار، ويترتب عليه فقدان القوة الشرائية على المدى القصير. يعني ذلك أن كمية النقود التي تمتلكها لن تشتري لك اليوم ما اشترته أمس. ويتم عادةً التعبير عن التضخم بأنه التغيير السنوي في أسعار السلع والخدمات اليومية، مثل الطعام، والأثاث، والملابس، والنقل، والألعاب.

الكساد الكبير

يُعرف أيضاً بالكساد العظيم، وهو عبارة عن أزمة اقتصادية عالمية حادّة حدثت خلال ثلاثينيات القرن العشرين، انطلاقاً من الولايات المتحدة. ويُعَدّ الكساد العظيم أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وغالباً ما يُستخدم بشكل شائع مثالًا على مدى شدة تدهور الاقتصاد العالمي.

ميزان المدفوعات

ميزان المدفوعات (Balance of Payments): هو سجل محاسبي تُدوّن فيه جميع المعاملات الاقتصادية بين سكان بلد ما وبقية العالم في خلال سنة مالية واحدة. ولكل دولة من دول العالم ميزان مدفوعات خاص بها. ويعتمد ميزان المدفوعات على تسجيل جميع المبالغ النقدية التي تُدفع سواءً لشراء خدمة، أم سلعة ما، كما أنه يحتوي على التفاصيل المتعلقة برأس المال، والمصروفات الأخرى.

نظام بريتون وودز

نظام بريتون وودز (Bretton Woods System): هو نظام نقدي أرسى قواعدَ تُعنى بإدارة العلاقات التجارية والمالية بين الدول الصناعية الكبرى في العالم في منتصف القرن العشرين. بموجب نظام بريتون وودز، كانت جميع العملات مرتبطة بالدولار الأمريكي، والذي كان بدوره مرتبطًا بسعر الذهب. لكن هذا النظام الدولي بات يرزح تحت ضغوط متنامية في عقد الستينيات، حيث إن دولاً متقدمة عدّة كانت تُعاني من عجوزات مزمنة في موازين التجارة لديها، وكانت تحت ضغط مستمر لخفض قيمة عملاتها. علاوة على ذلك، بات النظام نفسه يُواجه ضغوطاً كبيرة نظراً لأن البلد الارتكاز، أي الولايات المتحدة، كان يُعاني عجوزات مستمرة في ميزان المدفوعات لديه كما استنزاف مستمر لاحتياطياته من الذهب. انتهى نظام بريتون وودز فعليًا في أوائل السبعينيات عندما أعلن الرئيس ريتشارد نيكسون أن الولايات المتحدة لم تعد تستبدل الذهب بالعملة الأمريكية.

النيو-ليبرالية

النيو-ليبرالية (Neo-liberalism): تُعرف أيضاً بالليبرالية الجديدة، وهي عبارة عن فكر أيديولوجي مبني على أفكار القرن التاسع عشر المرتبطة بـ الليبرالية الاقتصادية والسوق الحرة الرأسمالية. وترتبط النيو-ليبرالية عموماً بالسياسات التي تؤيّد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد، وفي جملتها: سياسات التحرير الاقتصادي، بما في ذلك تحرير التجارة والاستثمار، وإلغاء القيود الماليّة، والقيود في سوق العمل، والخصخصة، وإلغاء التنظيم، بالإضافة الى التخفيضات في الإنفاق الحكومي من أجل زيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد والمجتمع.