Preview تونس والبنك الدولي

سياسات البنك الدولي في مجالي المياه والصرف الصحّي في تونس
الخصخصة على حساب الحقوق الأساسيّة

1. واقع الموارد المائية والصرف الصحي في تونس

صُنًّفت تونس من طرف منظّمة الأمم المتّحدة منذ العام 1995 من ضمن 27 دولة تعاني من الضغط المائي. ويعني تصنيف «الضغط المائي» أنّ كمّية المياه العذبة التي تستخرجها البلاد من موائدها المائية الجوفية تفوق طاقة تجدّدها. وعلى الرغم من هذا الإنذار الذي وُجِّهَ لحاكمي تونس آنذاك، لم يتغيّر شيء حتى اليوم في مقاربة البلد للموارد المائية إلَّا على مستوى التعبئة والاستعمالات.

إذ تَواصل استنزاف الموارد المائية، خصوصاً في مجالات الإنتاج الفلاحي والصناعي، بالطرق والخيارات نفسها التي اعتُمدت منذ بداية السبعينيّات (مرحلة الانفتاح والليبرالية)، فأصبح اقتصاد تونس تبعاً لذلك، ومازال، مجرّد فضاء للمناولة صناعياً وفلاحياً وخدماتياً. وقد كانت الموارد المائية هي الأكثر استنزافاً واستغلالاً في إطار نمط التنمية ذاك، وزادتها التحوّلات المناخية خلال السنوات العشر الأخيرة تأزّماً وشحّاً.

واقع الموارد المائية في تونس: أزمة هيكلية لا ظرفية

إنّ ما تعيشه تونس اليوم من تدهور للموارد المائية نوعياً وكمّياً، ليس مجرّد نتيجة مباشرة للأسباب التي يروّج لها، مثل كون تونس تعاني الفقر المائي بسبب موقعها الجغرافي وتأثراً بالتحوّلات المناخية، بل هي نتيجة للخيارات التنموية والسياسات التي طُبِّقت منذ العام 1956 في مجال التصرّف في الموارد المائية. فهدر الموارد في إنتاج فلاحي، مستنزف وتصديري، حوّل تونس إلى مجرّد وعاء لإنتاج ما يطلبه الأجنبي على حساب موارد البلاد المائية وتربتها.

ولعلّ فشل المقاربة الوطنية تجاه الموارد المائية لا يقتصر على الخيارات التنموية المبنيّة على وهم التصدير، بل كذلك على غياب الرؤية الشاملة للموارد المائية.  ذلك أنه لم يتمّ التأسيس لسياسات مائية إقليمية تجعل التونسيين والتونسيات يستفيدون من مجاري المياه والأودية والموائد الجوفية العميقة المشتركة مع دول الجوار (مائدة القاري الوسيط الأحفورية). 

بلغة الأرقام، ومن خلال المعطيات وما ورد بالتقارير والدراسات التي تهتم بالشأن المائي، وخصوصاً الدراسة التي أعدّها المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية (حزيران/يونيو 2011) عن الماء في تونس وأفق 2050، فإنّ متوسّط الإمكانات المائية السنوية القابلة للاستعمال، بقدراتنا الحالية في تونس، تتراوح بين 3.8 و4.8 مليار متر مكعب.1  وتتوزّع هذه الإمكانات المائية السنوية حسب المصدر كما يلي: موارد سطحية: ما بين 2 إلى 2.7 مليار متر مكعب. وموارد جوفية: ما بين 1.8 إلى 2.1 مليار متر مكعب.

وعلى الرغم من التحوّلات المناخية، بقيت كمّية التساقطات السنوية تتراوح ما بين 30 و36 مليار متر مكعب. وسيكون المآل المحتمل لهذه التساقطات طبقاً للسياسات المائية العمومية الحالية كما هو موثّق في الرسم البياني أسفله:

البنك الدولي في تونس

بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول أنّ إمكانات تعبئة المياه السطحية مازالت متوفرة وبشكل كبير. إذ أنّ كمية كبيرة من مياه السيلان، وخصوصاً في فترات الأمطار الغزيرة، تُهدر في البحر والسباخ والمناطق الرطبة. وهو ما يعني أنه بالإمكان وفق تصوّرنا مضاعفة تعبئة الموارد السطحية في السنوات العشر المقبلة إلى مستوى 4.5 مليار متر مكعب، عبر إعادة النظر في السياسات العمومية المتعلّقة بالسدود وإنجازها ومواقعها ورصد المال اللازم لأشغال حماية المياه والتربة، التي تمثّل صمّام الأمان لجدوى ومردودية السدود.2

بذلك، فإنّ ما هو متاح لتونس من مياه سطحية، وبقطع النظر عن التحوّلات المناخية التي يمكن في بعض الفترات أن تكون لصالح البلاد من خلال الأمطار الغزيرة، يُعدُّ قادراً على توفير الماء اللازم لتحقيق حاجيات الشعب التونسي وضمان سيادته الغذائية. إلّا أنّ هذا لن يحصل سوى في حالة وحيدة تتمثّل في تغيير السياسة الحالية للدولة في مجال المياه على كلّ المستويات: تعبئة واستعمالات واستثمار. 

أمّا على مستوى الاستعمالات، فإنّ 77 % من الموارد المائية تُستعمل حالياً في النشاط الفلاحي، و13% لمياه الشرب، و8% للصناعة، و2% للسياحة. مع التذكير أنّ نسبة 77% المستغلّة في الفلاحة، تُستعمَل لريّ 8% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة على المستوى الوطني، أي 450 ألف هكتار فقط. وبالتالي فإنّ 92% من الأراضي الزراعية في تونس هي أراضٍ زراعية مطريّة.3

الصرف الصحّي في تونس: ما زال من الكماليات حتى تسهُل خصخصته

في جلّ البلدان، يرتبط الصرف الصحّي بالمياه الصالحة للشرب، سواء على المستوى القانوني أو على المستوى المؤسساتي. إلا أنه ليس هذا هو الوضع في تونس، إذ لا يزال يُعتبَر الصرف الصحّي من الكماليات. كما أنّ المؤسّسة المشرفة على القطاع ترجع بالنظر إلى الوزارة المكلّفة بالبيئة، وليس إلى الوزارة المكلّفة بالمياه. بل إنّ الديوان الوطني للتطهير كان عند تأسيسه يرجع بالنظر إلى وزارة التجهيز والإسكان. 

وقد أُنشئ الديوان الوطني للتطهير بمقتضى القانون عدد 73 لعام 1974 المؤرّخ في 03 آب/أغسطس 1974. وعُهدت له مهمّة تجميع المياه المستعمَلة العمرانية ومعالجتها، أو الحدّ من التلوث الموجود بها وتصريفها فيما بعد في المحيط الطبيعي (الأودية والسباخ والبحر). لكن طبقاً للقانون عدد 41 لعام 1993 المؤرّخ في 19 نيسان/أبريل 1993، فقد تمّ تكليف الديوان الوطني للتطهير بمهمّة حماية المحيط المائي على المستوى الوطني.

بعد مرور 50 عاماً على تأسيس الديوان الوطني للتطهير، يمكن تلخيص واقع معالجة مياه الصرف الصحّي في تونس والإمكانات المتوفّرة للمؤسّسة المعنية بالموضوع في الجدول التالي.4

البنك الدولي في تونس

أمّا من حيث تطوّر خدمات الصرف الصحّي في تونس، فإنّه وجب التذكير بأنّ عدد حرفاء المؤسّسة المعنية بالصرف الصحّي قد تطوّر من 123 ألف في العام 1975 إلى 617 ألف في العام 1995، ليصل إلى 2.15 مليون في العام 2012. وقد تطوّر عدد محطّات المعالجة تبعاً لذلك من 5 في العام 1975، إلى 48 في العام 1995، ليصل عدد محطّات المعالجة إلى 125 في العام 2021.5

هذا التطور الكمّي في مجال الصرف الصحّي في تونس لا يعكس تطوّراً نوعياً في مستوى المياه المعالجة. إذ تؤكّد التقارير الرسمية، وخصوصاً الصادرة عن وزارة الفلاحة، أنّ نسبة إعادة استعمال مياه الصرف الصحّي المعالجة لا تتجاوز 4% على المستوى الوطني، وذلك بسبب عدم مطابقتها للمواصفات التونسية المتعلّقة بإعادة استعمال المياه المعالجة في القطاع الفلاحي. إذ يهدر أكثر من 270 مليون متر مكعب من المياه المعالجة سنوياً، أي حوالي 50 % من طاقة خزن سُدّ سيدي سالم (أكبر سُدّ في تونس).

كما ركّزت سياسات الصرف الصحّي في تونس منذ العام 1975 على تجميع مياه الصرف الصحّي بالمحافظات الساحلية والسياحية، في ظلّ إهمال كُلّي للأحواض المائية الأساسية بالبلاد في مناطق أقصى الشمال والشمال الغربي، والموائد المائية الجوفية الاستراتيجية العميقة في الوسط والجنوب. إذاً بهذه المقاربة، اتّبع الصرف الصحّي «سوحلة» التنمية، أي ربط التنمية بالجهات الساحلية، فقط وإهمال الجهات الداخلية وتحويلها إلى مجرّد هامش بشري وخزّان للموارد.

2. سياسات مجموعة البنك الدولي في تونس في مجالي الموارد المائية والصرف الصحّي

تأسّس البنك الدولي في 27 كانون الأول/ديسمبر 1945، أي في الفترة نفسها التي أُسِّسَ فيها صندوق النقد الدولي. وكانت مهامه الأساسية آنذاك هي دعم الدول الأوروبية الغربية واليابان في إعادة بناء ترسانتها الصناعية وبناها التحتية بعد الحرب العالمية الثانية. ويبلغ عدد الدول الأعضاء في البنك الدولي نحو 189 دولة، منها تونس التي انضمّت إليه في 14 نيسان/أبريل 1958.

باعتباره الذراع المالي للنظام الرأسمالي، يُقرض البنك الدولي الدول كما يُقرض الشركات الخاصّة. وقروضه ليست لتمويل المالية العمومية، بل لإنجاز مشاريع في القطاعات الاقتصادية. لكن لا يعني ذلك أنّه ليس للبنك للدولي سياسات وإملاءات. فهو يعمل من خلال الإقراض والمنح إلى توجيه الدول وسياساتها العمومية إلى الأهداف المرسومة سلفاً من المهيمنين على هذه المؤسّسات المالية، ونعني الولايات المتّحدة الأميركية وبقية الدول الغربية الغنية.

منذ العام 1956، تطوّر البنك الدولي ليصبح مجموعة متكاملة من المؤسّسات المالية، في إطار تقسيم الأدوار بين مكوّنات المجموعة. إذ أصبحت مجموعة البنك الدولي تضمّ خمس مؤسّسات مالية، أهمّها بالنسبة لتونس: البنك الدولي للإنشاء والتعمير، وهو مؤسّسة مالية تختص في إقراض الدول لإنجاز مشاريع تنموية، وكذلك مؤسّسة التنمية الدولية التي تأسّست في العام 1960 وتُعنى بإقراض الدول الفقيرة.

تونس والبنك الدولي: بداية العلاقة وصعوبة نهايتها؟

بدأت العلاقة بين تونس والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في نيسان/أبريل 1958، تاريخ انضمامها فيهما. ومن نتائج هذا الانخراط تأسيس البنك المركزي التونسي في 19 أيلول/سبتمبر 1958، وإعداد أول ميزانية لتونس كدولة مستقلة عن سلطة الاستعمار الفرنسي لسنة 1959 الإدارية، بالإضافة إلى إصدار العملة الوطنية الدينار التونسي.

وأمام فشل الرئيس الحبيب بورقيبة آنذاك، في دفع البورجوازية المحلّية ذات الطابع «المركنتي» للاستثمار في اقتصاد ليبرالي منفتح، وخصوصاً في المجال الصناعي، وجدت الدولة ضالتها في مشروع الاتحاد العام التونسي للشغل الذي صادق عليه مؤتمره سنة 1955 تحت شعار «التعاضد».6

ونظراً لما يتطلّبه مثل هذا البرنامج من تمويلات كبرى، خصوصاً بالنسبة لدولة ما زالت تتلمّس طريقها في البناء، فإنه لم يكن من حلّ أمام الدولة التونسية آنذاك، سوى الاستعانة بالولايات المتّحدة الأميركية، التي كانت تعتبر بورقيبة صديقاً لها. زار بورقيبة الولايات المتّحدة الأميركية في العام 1961، وحصل على جزء من تمويل البرنامج بقيمة 238 مليون دولار. خمس المبلغ، أي 47.5 مليون دولار، كان قرضاً ثنائياً. والباقي، أي نحو 190.5 مليون دولار في شكل منح ومساعدات أميركية لتونس.7

ومن خلال الأرقام المتداولة عن برنامج التعاضد وكلفته، فإنها تتقاطع كلّها على نحو 620 مليون دولار على امتداد 9 سنوات بين عامي 1961 و1969، من ضمنها 238 مليون دولار من الولايات المتّحدة الأميركية، و30 مليون دولار من صندوق النقد الدولي على ثلاث سنوات (1964-1966)، وباقي الكلفة تم تغطيتها من البنك الدولي، وتُقدَّر بحوالي 352 مليون دولار، وهي قيمة الأموال الأولى التي ضخّها البنك الدولي في تونس في بداية العلاقة بينهما.8

برنامج التعاضد، ومن خلال بنيته الاقتصادية والمؤسّساتية، لم يكن برنامجاً اشتراكياً، بل كان برنامجاً لتأسيس رأسمالية الدولة، وقد مكّن من تأسيس المنشآت الوطنية الخدماتية والإنتاجية والتجارية. وكان واضحاً للبنك الدولي أنّ هذه المرحلة ضرورية لبلد مثل تونس لبناء جهاز تكنوقراطي بيروقراطي قادر على أن يتحوّل في أول فرصة إلى مستثمر خاص، مستفيداً من التغلغل في مفاصل الدولة ومن إمكاناتها المالية والإدارية واللوجستية. وهذا ما حصل فعلاً أواخر العام 1970 وبداية العام 1971، إبّان انطلاق سياسة الانفتاح كردّة فعل على ما وُصِف بفشل سياسة التعاضد.9

ولئن تراجع حضور صندوق النقد الدولي في تونس منذ 1966، ولم يعد إلى الواجهة إلّا في العام 1984، بما سُمّيَ «برنامج الإصلاح الهيكلي»، فإنّ البنك الدولي واصل إقراضه للدولة في العديد من المجالات الاقتصادية، وخصوصاً الفلاحة والموارد المائية والصرف الصحّي والتعليم والتكوين المهني ومساندة المؤسّسات الصغرى والمتوسّطة. وتدعّم حضوره المالي والتقني واللوجستي بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011 بعد الإطاحة بالرئيس بن علي، وأطّر علاقته المالية بتونس عبر تأسيسه لإطار جديد للإقراض تم تسميته «إطار الشراكة القطرية» (CPF) والذي يدوم خمس سنوات قابلة للتجديد.

طبقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة المالية التونسية (التي تنشر كل ثلاث أشهر على الموقع الرسمي لوزارة المالية التونسية) عن الديون الخارجية للبلاد حتى العام 2019، يتصدّر البنك الدولي قائمة المؤسّسات المانحة متعدّدة الأطراف بحوالي 9456.9 مليون دينار، أي ما يشكّل 33.56% من قيمة القروض مُتعدّدة الأطراف.10

البنك الدولي في تونس

تُعتبر سنوات 2012-2016 الأكثر اقتراضاً لتونس من البنك الدولي، إذ بلغت حوالي 1.15 مليار دولار. هذا مع العلم أن البنك ضاعف من إقراضه للبلاد بعد 2019، خصوصاً في إطار برنامج دعم تونس للحدّ من تداعيات جائحة كورونا. ويمكن تلخيص قروض البنك الدولي خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 و2023 كما يلي.11

البنك الدولي في تونس

وإذا أضفنا إلى مستوى القروض الممنوحة من البنك الدولي حتى العام 2019، التعهّدات والقروض الممنوحة بين عامي 2020 و2023، فإن قائم القروض الممنوحة من البنك الدولي يصل إلى مستوى 14,541.9 مليون دينار (حوالي 4,700 مليون دولار).

بعد تعليق برنامج «إطار الشراكة القطرية» للفترة 2023 و2027 مع تونس في 6 آذار/مارس 2023 بسبب تصريحات رئيس الجمهورية المتعلّقة بالمهاجرين جنوب الصحراء، والتي اعتبرها مسؤولو البنك الدولي تصريحات عنصرية، تراجع البنك الدولي عن قراره ووقّع مع حكومة نجلاء بودن «إطار الشراكة القطرية» الجديد في 22 حزيران/يونيو 2023 وبقيمة مالية حُدِّدَت بحوالي 500 مليون دولار سنوياً.12

شملت قروض البنك الدولي إلى تونس، ومنذ العالم 1959 إلى اليوم، أهم القطاعات الحيوية. لكن هنالك قطاعات لها الأولوية وتستأثر بالنسب الأكبر من التمويل كالمياه والصرف الصحّي بنسبة 30.37%.13

ولتوضيح نسب التمويل الخاصّة بالموارد الطبيعية والصرف الصحّي، فقد استطعنا، من خلال مصادرنا الخاصة أن نحصل على أرقام في غاية الأهمية وتتعلّق بتمويلات البنك الدولي لتونس في خلال الفترة المتراوحة بين 2020 و2026، والتي تخصّ العديد من القطاعات، وخصوصاً قطاعات الماء والموارد الطبيعية والأمن الغذائي والصرف الصحّي.

رصد البنك الدولي ما قيمته 2,148 مليون يورو، لتمويل مشاريع عدّة في قطاعات متعدّدة ومختلفة. وإذا استثنينا التمويلات الاستثنائية الخاصة بالحدّ من التداعيات الاجتماعية لجائحة كورونا، والتي كانت في ثلاث مراحل وبقيمة إجمالية تصل إلى حوالي 708 مليون يورو، فإنّ بقية القطاعات قد حازت على 1,440 مليون يورو. وكان نصيب المشاريع التي لها علاقة بالماء (تكثيف الفلاحة السقوية ومجابهة الكوارث الطبيعية والأمن الغذائي)، وتمويل الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الصرف الصحّي نحو 435 مليون يورو. أي حوالي 30.2% من مجمل التمويلات سالفة الذكر. وهو يطرح علينا جملة من الأسئلة: ما سبب أهمّية قطاع الماء والصرف الصحّي بالنسبة لمجموعة البنك الدولي؟ وماذا عن سياساته تجاه هذين المجالين؟ وكيف أثّرت هذه السياسات على مردودية قطاع المياه والصرف الصحّي باعتبارهما من أهم الخدمات المباشرة للمواطنين؟

سياسات البنك الدولي في مجال الموارد المائية التونسية

مثّل الماء في تونس، وما زال، العنصر الحيوي للاقتصاد والإنتاج الفلاحي خصوصاً. وتناسقاً مع هذه الأهمية، أعدَّت الكثير من المخطّطات الوطنية العشرية لتعبئة هذه الموارد وتنظيم استعمالاتها الاقتصادية والبشرية. فكانت أولى البرامج المائية على المستوى الوطني، في خلال الفترة بين عامي 1961 و1990، متمحورة حول تعبئة الموارد المائية المتاحة من خلال بناء السدود، ومدّ قنوات نقل المياه وإنجاز المناطق السقوية المرتبطة بهذه السدود، إضافة إلى برامج نقل مياه الشمال والوسط والجنوب.14  تطلبّت كلّ هذه المشاريع تمويلات ضخمة، كانت في غالبيتها موجّهة للإنتاج المُعَدّ كلّياً أو جزئياً للتصدير من أجل توفير العملة الصعبة، أي تصدير فائض قيمة الاقتصاد المحلّي نحو اقتصاديات الدول الغنية.

وكان البنك الدولي منذ بداية الستينيات المموّل الأكبر لهذه المشاريع المائية والفلاحية. وعلى الرغم من صعوبة الحصول على المعطيات المتعلّقة بالقروض الممنوحة من تونس من المواقع الرسمية للدولة التونسية، وخصوصاً وزارتي المالية والفلاحة، بالإضافة إلى غياب المعطيات من المواقع الرسمية للبنك الدولي نفسه، الّا أنه، ومن خلال بعض الدراسات المنشورة، تمكنّا من التعرف على أنّ  البنك الدولي  ساهم في خلال الفترة بين عامي 1961 و1969 بتمويلات قُدّرَت بحوالي 352 مليون دولار،15  كانت موجَّهة إلى القطاع الفلاحي والبُنى التحتية المتعلقة بتعبئة الموارد المائية ونقلها، في إطار إحداث التعاضديات الفلاحية المندمجة، التي كانت إحدى أهم مكوّنات تجربة تأسيس رأسمالية الدولة. فتم إنجاز سدود عدّة بتمويل كامل أو جزئي من طرف البنك الدولي، منها سدّ الأخماس في العام 1966، وسدّ كساب بباجة في العام 1969، وسد نبهانة بالقيروان في العام 1965، وسدي شيبة والمصري بنابل في عامي 1963 و1968.16  وكانت هذه السدود المصدر الرئيسي للماء للمناطق السقوية الجديدة والمشاريع الصناعية التي كانت مرتبطة بالإنتاج الفلاحي آنذاك في إطار الفلاحة المندمجة.

في خلال السبعينيات، واصل البنك الدولي دعمه لسياسة الانفتاح الاقتصادي في تونس من خلال مواصلته تمويل المشاريع المائية، وخصوصاً تلك المتعلّقة بالبنى التحتية المرتبطة بالمياه، كإنجاز سدود جديدة ومدّ قنوات نقل المياه إلى الوطن القبلي والساحل ومدينة صفاقس، بالإضافة إلى دعم تمويل إنجاز المناطق السقوية العمومية والخاصة. وهو ما جعل قروض البنك الدولي في مجالي الماء والصرف الصحّي منذ العام 1961 إلى اليوم، تبلغُ حوالي 4,383.33 مليون دينار أي حوالي 1,423.15 مليون دولار حالياً. وقع صرف 80% من هذه القروض في مجال المياه، و20% فقط للصرف الصحّي.17

وعلى الرغم من تراجع حضوره المالي عموماً في خلال الفترة 1995-2010، فإنّه حافظ على تمويل المناطق السقوية ومشاريع نقل المياه، باعتبارها مشاريع بنى تحتية أساسية وذات أهمّية كبيرة في توجيه السياسات المائية على المستوى الوطني.

وإذا أردنا إجراء تقييم كميّ لتمويلات البنك الدولي لقطاع المياه في تونس، فإنّه يجب علينا أن نعتمد فترة 1961-1969 كمرجع أساسي. إذ قدّم البنك الدولي في خلال تلك الفترة تمويلات تُقَدَّر بحوالي 352 مليون دولار، أي ما يعادل تمويل سنوي يقدّر بحوالي 39 مليون دولار. منها على الأقل 30% موجّهة للمياه، أي ما يعادل 13 مليون دولار آنذاك. وهو مبلغ كبير إذا ما قارناه بالمبالغ المرصودة حالياً من البنك الدولي في مجال الماء.

بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011، وفي إطار دعم ما سُمِّي بالانتقال الديمقراطي بعد الثورة، وفّر البنك الدولي لتونس في خلال الفترة 2012-2016 خطّ تمويل ناهز 1150 مليون دولار، موزّعة على مجالات متعدّدة، كما يظهر في الرسم البياني التالي.18

البنك الدولي في تونس

تم تخصيص 210 ملايين دولار لتمويل مشاريع الماء والصرف الصحّي في خلال الفترة 2012-2016، منها 100 مليون دولار لمشاريع الماء و110 ملايين دولار للصرف الصحّي (المصدر السابق نفسه).

كما بقي البنك الدولي وفياً لتمويل المياه الصالح للشرب والمناطق السقوية في خلال الفترة 2017-2019 بمعدّلٍ 23.7 مليون دولار سنوياً، وهي قيمة متواضعة بالمقارنة مع ما كان يموّله البنك الدولي في سنوات الستينييات والسبعينيات.

وفي مجال مياه الشرب، تحصّلت الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه SONEDE على تمويل من البنك الدولي لإنجاز أحد أهم مشاريعها في تونس، وهو مشروع «إيصال الماء الصالح للشرب للمراكز العمرانية وتونس الكبرى». وقام البنك الدولي بتمويل هذا المشروع بالكامل مع المكوّنات الإضافية، إذ انطلق المشروع في العام 2005 واستمرّ حتى العام 2015. وقد بلغت التكلفة الأولية للمشروع 59 مليون دولار، فيما تكلّفت مكوّناته الإضافية 20 مليون دولار. وبذلك تكون الكلفة الإجمالية للمشروع حوالي 79 مليون دولار، أي 217 مليون دينار.19

كما عمل البنك الدولي خلال الفترة 2005-2015 على تنظيم لقاءات بين الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه وعدد من المموّلين الدوليّين بإشراف مؤسّسة التمويل الدولي SFI التي تمثّل الضمان المالي للمُقرضين. ولعلّ ما أقدمت عليه مجموعة البنك الدولي، ممثلة في مؤسّسة التمويل الدولية SFI في 7 آب/أغسطس 2023، من إعطاء منحة بقيمة 7 ملايين دينار (حوالي 2.27 مليون دولار) لشركة فسفاط قفصة لإنجاز الدراسة المتعلّقة بمشروع «النقل الهيدروليكي» للفسفاط من مواقع الإنتاج إلى مواقع التحويل والمكوّنات المرتبطة به، يعتبر حدثاً هاماً وخطيراً في الوقت نفسه. إذ تهدف هذه المنحة، وفق الموقف الرسمي، إلى مساعدة شركة فسفاط قفصة على دراسة سيناريوهات استعمال تقنيات ضخّ الفسفاط بالمياه (من محطّة تحلية مياه البحر المبرمج إنجازها بمنطقة الصخيرة الساحلية) من الحوض المنجمي، والمكوّنات المرتبطة بها، وذلك بكلفة تقديرية تبلغ حوالي 1,100 مليون دينار.20

أمّا القراءة المُعَمَّقة لهذا التوجّه فتصبُّ حتماً فيما يتطلّع إليه البنك الدولي من اختراق منظومة استغلال الفسفاط عبر هذا المشروع. وذلك من خلال فرض شراكات بين شركة فسفاط قفصة والرأسمال الأجنبي، الذي سيكون له دور في مكوّنات هذا المشروع على مستوى الإنجاز والاستغلال، وبالتالي بداية الخصخصة التدريجية لقطاع الفسفاط الاستراتيجي من خلال أزمة المياه بالحوض المنجمي.

ويمكن القول إنّ تمويل البنك الدولي أو ضمان تمويلات لفائدة المؤسّسة العمومية المكلفة بمياه الشرب في تونس، يُعَدُّ تحوّلاً استراتيجياً في سياسة البنك واهتماماته بالمياه بشكل مغاير لما كان عليه سابقاً. إذ بدأ البنك الدولي ومموّلين آخرين، على غرار البنك الألماني للتنمية KFW، يطرحون فكرتين أساسيتين عن مياه الشرب: حوكمة المؤسّسة المعنية بالمياه، والدفع نحو اعتماد الأسعار الحقيقية لمياه الشرب. وهو التوجّه المباشر نحو خصخصة مياه الشرب في المستقبل.

سياسات البنك الدولي في مجال الصرف الصحّي

مرّ قطاع الصرف الصحّي في تونس بالعديد من المراحل، إذ كانت انطلاقته في العام 1974 بتأسيس الديوان الوطني للتطهير، الذي كُلّف آنذاك بمهام تجميع ومعالجة مياه الصرف الصحّي بالمدن. ثم أُسنِدَت إليه في العام 1993 مهمّة حماية الوسط المائي بشكل عام، وهو ما مثّل تحوّلاً نوعياً في مهام هذه المؤسسة العمومية المعنيّة بالصرف الصحّي. ويمكن إرجاع هذا التحوّل النوعي في مجال الصرف الصحّي إلى عامليْن أساسيّيْن:

  • إلحاق الديوان الوطني للتطهير بالوزارة المكلفة بالبيئة، ممّا أعطاه بُعداً بيئياً مكّنه من الحصول على تمويلات كبيرة، خصوصاً بعد قمّة الأرض في ريو في العام 1992. 
  • دخول البنك الدولي كمموِّل مهمّ لمشاريع الصرف الصحّي.

إذ قامت مجموعة البنك الدولي بتمويل تهيئة المحطّات الكبرى لمعالجة مياه الصرف الصحّي، على غرار مشروع تهيئة وتوسعة محطّة معالجة مياه الصرف الصحّي بمنطقة شطرانة في شمال العاصمة تونس (1996-1999)، والتي وصلت طاقة معالجتها بعد التوسعة إلى 40 ألف متر مكعب في اليوم، بالإضافة إلى تركيز هاضم للحما في إطار تثمينه. وكانت كلفة هذا المشروع، الذي مُوِّل بقرض من البنك الدولي حوالي 40 مليون دينار (32 مليون دولار آنذاك)، كما مَوّل البنك الدولي مشروع محطّة العطار للصرف الصحّي في المنطقة الغربية للعاصمة تونس، بكلفة 130 مليون دينار (حوالي 104 مليون دولار في العام 2005)، والتي تُعتبر محطّة المعالجة الأكبر بالبلاد بطاقة وتصل إلى 60 ألف متر مكعب في اليوم. وذلك من خلال ربط حوالي 600 ألف مقيم في الجهة الغربية للعاصمة تونس بالشبكة العمومية للصرف الصحّي.21

ومَوّل البنك الدولي كذلك محطّة معالجة مياه الصرف الصحّي في مدينة صفاقس الشمالية، ومحطات صغرى ومتوسطة عدّة في محافظات سوسة والمنستير والقيروان وتطاوين. وموّل أيضاً مشروع قناة بحرية لتصريف المياه المعالجة من محطّة التطهير بسوسة الشمالية. يُضاف إلى ذلك تمويله دراسات عدّة متعلّقة بتطوير خدمات الصرف الصحّي واستعمال المياه المعالجة في الأنشطة الفلاحية.22

كما يقوم البنك الدولي منذ العام 1995 بالمساندة الفنية واللوجستية للديوان الوطني للصرف الصحّي في مجال خصخصة خدمات الصرف الصحي، أو ما سُمِّي في البداية «الإفراق»، الذي انطلق في العام 1997 في إطار إعادة هيكلة الديوان الوطني للصرف الصحّي. كما سعى البنك الدولي منذ انطلاق البرنامج الوطني للتصرّف في النفايات في العام 1996 إلى الربط العضوي بين مجالي الصرف الصحّي والتصرّف في النفايات الصلبة، وذلك حتى يَسهُل إدخال القطاع الخاص في المجاليْن تحت شعار «الشراكة بين القطاعين العام والخاص».

ولجعل هذه السياسة نابعة من اقتراحات محلّية، عمل البنك الدولي في هذا المجال على خلق مجموعة من «الخبراء» المحلّيين لإنجاز التقارير والدراسات المبشّرة بفوائد خصخصة قطاع الصرف الصحّي والتصرف في النفايات، تحت مسمّيات وشعارات متعدّدة، والتي كانت في غالبيتها في مواقع هامّة بالإدارة العمومية، وبالتالي لها العلاقات والمعطيات الكافية لاختراق الإدارة وإقناعها بتوجّهات البنك الدولي. ويمكن استعراض بعض الدراسات على سبيل الذكر فقط: دراسة «من الأفراق إلى اللزمة في مجال الصرف الصحي» الديوان الوطني للتطهير، 1999؛ دراسة «الجدوى الاقتصادية لمركز معالجة النفايات الخطرة»، الوكالة الوطنية للتصرّف في النفايات، 2000؛ دراسة «الآليات المالية والجبائية لتشجيع القطاع الخاص في المجال البيئي: صندوق مقاومة التلوث نموذجاً»، وزارة البيئة والتنمية المستدامة، 2005.

وكنتيجة مباشرة لكل هذا الضغط المباشر وغير المباشر من طرف البنك الدولي و«خبرائه المحلّيين» في مجال الصرف الصحّي، تمّ تنقيح مجلّة المياه الصادرة بالقانون عدد 16 في العام 1975 المؤرّخ في 31 آذار/مارس 1975 في إطار فتح مجال المياه للقطاع الخاص، ولو مرحلياً، من خلال القانون عدد 116 لعام 2001 المؤرّخ في 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2001. فتمّ تنقيح الفصل 86 ليؤكّد على أنّ المياه ثروة وطنية «يجب تنميتها وحمايتها واستعمالها بطريقة تضمن الاستجابة المستديمة».23  كما تم تنقيح الفصل 88، والذي نصّ صراحة على أنّه «يمكن الترخيص في إنتاج واستعمال الموارد المائية غير التقليدية (مياه الصرف الصحّي المعالجة)، التي تستجيب للشروط الخاصة باستهلاك الماء واستعماله للحساب الخاص أو لفائدة الغير في منطقة صناعية أو سياحية مندمجة معيّنة».

وكانت محطّة معالجة مياه الصرف الصحي بمحافظة تطاوين والمنجزة بتمويل من البنك الدولي أولى المحطّات التي يتمّ إسنادها لشركة خاصّة لاستغلالها. وهو ما يعني رسمياً فتح كلّ الأنشطة الرئيسية والثانوية للمؤسّسة العمومية للقطاع الخاص في إطار لُزمة. وكانت شركة SEGOR الفرنسية، الشركة الأولى التي تفوز بهذه اللزمة.24

وتَواصل التفويت في استغلال محطّات معالجة مياه الصرف الصحّي إلى القطاع الخاص بالعديد من المدن حتى العام 2010. إلّا أنّ محطات المعالجة الصغرى، ونظراً لمحدودية جدواها الاقتصادية، فإنّها لا تغري لا الشركات الخاصّة من ناحية، ولا تعني البنك الدولي وسياساته من ناحية أخرى.

بعد صدور القانون عدد 49 لعام 2015 المؤرّخ في 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2015، والمتعلّق بالشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص، نجح البنك الدولي أخيراً في أيار/ماي 2023، في تأسيس أول شراكة بين القطاع العام، مُمَثَّلاً في الديوان الوطني للصرف الصحّي، والقطاع الخاص الأجنبي مُمَثَّلاً في الشركة الفرنسية SUEZ والمعروفة بعملاق المياه والصرف الصحّي في أفريقيا، من خلال قرض يساوي 126 مليون دولار، أي حوالي 377 مليون دينار تونسي.25

ويتمثّل المشروع في تهيئة واستغلال وتطوير 15 محطّة لمعالجة مياه الصرف الصحّي بمحافظات تونس وأريانة بالشمال، وصفاقس وقابس ومدنين وتطاوين بالجنوب الشرقي. ويهدف إلى تطوير معالجة مياه الصرف الصحّي بهذه المحطّات عبر إضافة المعالجة الثلاثية حتى تكون المياه المعالَجة مطابقة للمواصفات المتعلّقة بإعادة استعمالها في الأنشطة الفلاحية.

لكن لماذا لم يقدّم البنك الدولي هذا القرض مباشرة إلى المؤسّسة العمومية حتى تقوم بالتحسينات الكفيلة بجعلها قادرة مستقبلاً على إنتاج مياه معالَجة مطابقة للمواصفات وقابلة للاستعمال الصناعي والفلاحي؟ الإجابة ببساطه: لأن سياسته لا تهدف إلى دعم قدرات المؤسّسات العمومية، بل هدفها اختراق القطاع العام لصالح القطاع الخاص، وخصوصاً الأجنبي منه. كما أنّ نجاح القطاع الخاص في اختراق مجال الصرف الصحّي لأكثر من 20 عاماً قد سهّل على البنك الدولي أن يغامر بهذه الشراكة الكبيرة بين القطاعين العام والخاص في تونس.

بعد استعراضنا لكلّ القروض والمنح والتدخّلات التقنية واللوجستية للبنك الدولي في مجالي المياه والصرف الصحّي، في إطار سياساته، فإنّه بات من الضروري عرض وتحليل انعكاسات هذه السياسات وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على قطاعي الماء والصرف الصحّي 

3. نتائج سياسات البنك الدولي في مجالي الماء والصرف الصحّي في تونس

في البداية وجب التذكير بأنّ البنك الدولي، وبقية المؤسّسات المالية المانحة، لا تموّل المشاريع التي لها علاقة مباشرة بالخدمات المواطنية في مجالي الماء والصرف الصحّي، بل تُموِّل التجهيزات والبُنى التحتية الكبرى والمحطّات المركزية لمعالجة مياه الشرب، أو إنجاز محطّات معالجة مياه الصرف الصحّي. أمّا الأشغال المتعلّقة بالبُنى الاساسية والقاعدية للخدمات في مجال الماء والصرف الصحّي كقنوات ربط المساكن بالمياه، وقنوات ربط المساكن بشبكة الصرف الصحي، فهي موكلة للشركات العمومية المكلّفة بالخدمة. ذلك أنّ القروض الممنوحة تكون دوماً موجّهة بمؤشّرات المردودية الاقتصادية للمشروع، أو إمكانية أن تكون التجهيزات والمحطّات المنجَزة مشاريع مستقبلية للاستغلال من القطاع الخاص، في شكل لزمة أو في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص. ويلخّص الجدول التالي طبيعة المشاريع المُمَوَّلة بقروض خارجية في مجالي الماء والصرف الصحي في خلال الفترة 2017-2019.26

البنك الدولي في تونس

يتبيّن من خلال هذا الجدول أن مشاريع محطّات معالجة المياه والقنوات الرئيسة لنقل الماء إلى المناطق السقوية العمومية والخاصة، أو لنقلِ مياه الصرف الصحّي إضافة إلى مشاريع التصرّف والسياسات المائية، تستحوذ على 93.89% من التمويلات الأجنبية متعدّدة الأطراف في خلال الفترة 2017-2019. أمّا بالنسبة للمشاريع المرتبطة بخدمات القُرب للمواطنين في مياه الشرب والصرف الصحّي، بالإضافة إلى مشاريع حماية الأحواض المائية وحماية الموارد المائية والتكوين والتربية في مجالي المياه والصرف الصحّي، فإنها لا تتجاوز 6% من مجموع التمويلات الأجنبية في المجال. وبالتالي، وأمام الإشكالات الهيكلية التي تعاني منها المؤسّسات العمومية بسبب الفساد والخيارات الخاطئة، فإنّ قنوات إيصال مياه الشرب تبقى خارج الاستثمار، وهو ما يؤثّر فعلياً وبشكل مباشر على نوعية المياه. وهذا ما يساعدنا على فهم تجاوز معدّل استغلال قنوات إيصال مياه الشرب للسكان 20 عاماً، وهناك مناطق يتجاوز فيها هذا المعدل 40 عاماً، مع العلم أن معدّل استغلال قنوات نقل مياه الشرب مرتبطة بعنصرين هامين: نسب الملوحة والكربونات من ناحية، ودرجات الحرارة من ناحية أخرى، فكلّما كانت هذه النسب مرتفعة ودرجات الحرارة كبيرة كلّما ساهمت في ترسّب المواد العالقة بالقنوات. ممّا يؤثر على نوعية مياه الشرب، بالإضافة إلى ضياع المياه من كثرة التسرّبات والأعطاب، على الرغم من أنّ الشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه تبرّر هدر مياه الشرب وضياعه بالسرقات واختراق شبكة إيصال المياه.27

أمام ضعف موارد التمويل بالنسبة للخدمات الأساسية لمياه الشرب ومياه الصرف الصحّي، تُحمّل المؤسّسات المكلّفة بالمجالين تكاليف هذه البُنى والخدمات الأساسية على كاهل السكان. وهو ما أكّده تقرير أعدّه البنك الدولي عن مياه الشرب والصرف الصحّي في تونس في العام 2019، إذ أقرّ بأنّ 94% من كلفة خدمات الصرف الصحّي تُموّل من العائلات عبر معلوم الصرف الصحّي الذي يُستخلص مع فاتورة مياه الشرب، فيما تقع 6% فقط على كاهل الدولة.28  أمّا بالنسبة للإنفاق على مياه الشرب، فقد أكّد التقرير أنّ العائلات تنفق نسبة 75% من الكلفة الإجمالية. وتبعاً لذلك خلُص التقرير إلى أنّ مبلغ إنفاق العائلات التونسية على خدمتي مياه الشرب والصرف الصحّي في خلال العام 2015 كان حوالي 671 مليون دولار، وهو ما يمثّل 1.5% من إجمالي الإنفاق العمومي الوطني للعام نفسه. وهو ما يعطي معدّل إنفاق للفرد في السنة بحوالي 66 دولاراً في المناطق العمرانية، و38 دولاراً في المناطق الريفية.

في مقابل ارتفاع الإنفاق الفردي على مياه الشرب والصرف الصحّي في تونس، لم يتجاوز الاستثمار العمومي 17 دولاراً للفرد الواحد في العام 2017، وهو أقلّ بكثير من الاستثمار في الأردن (55 دولاراً) ولبنان (102 دولار).29  مع العلم أن المقارنة مع الأردن ولبنان مرتبط بتشابه السياسات العمومية في مجال المياه والصرف الصحي.

يندرج ما سبق التعرّض إليه ضمن الإطار العام لسياسات البنك الدولي، سواء من خلال اختيار طبيعة المشاريع المُمَوَّلة، أو عبر التركيز على المجالات التي يمكن أن تمثّل في المستقبل فرصاً للقطاع الخاص المحلي أو الأجنبي. إلّا أنّ نتائج هذه السياسات والتوجّهات والإملاءات، منذ العام 1959 حتى اليوم، كانت وخيمة وكارثية في بعض الأحيان على القطاعات الإنتاجية والموارد المائية. إضافة إلى تأثيراتها الاجتماعية والاقتصادية المباشرة على المواطنين في أدقّ تفاصيل حياتهم وحاجياتهم. وسنحاول تلخيص أهمها في النقاط التالية.

بالنسبة للموارد المائية: 

فشل السياسات العمومية المتعلّقة بالموارد المائية، والتي قام البنك الدولي بتمويلها منذ الستينيات، ومصر حتى اليوم على مواصلة النهج نفسه. ممّا جعل تونس تخسر سنوياً أكثر من 30% من مواردها المائية المُخزَّنَة بالسدود بسبب التبخّر.30  كما أنّ ضعف الاستثمارات العمومية في مجال حماية السدود والأحواض الدافعة من الانجراف، كبّد المجموعة الوطنية تراجع طاقة خزن السدود من الماء بسبب ارتفاع كمية الأوحال. وهو ما جعل العديد من السدود تخرج مبكراً من المنظومة المائية الوطنية. ويضيع بقنوات الريّ أكثر من 700 مليون متر مكعب سنوياً. كذلك، يُكلّف تقادم شبكات مياه الشرب حوالي 120 مليون متر مكعب سنوياً، ممّا يعني أنّه يقع هدر حوالي 1.3 مليار متر مكعب سنوياً بسبب السياسات المائية الفاشلة، والتي تعود في جزء منها لسياسات البنك الدولي. وعليه، فإنّ الشح المائي الذي نعيشه في تونس، ليس بسبب الظروف المناخية أو الموقع الجغرافي، بل بسبب فشل هذه السياسات.31

تغيير هيكلي لمنظومة الإنتاج الفلاحي على المستوى الوطني، إضافة إلى التخريب الممنهج للقطاع. وذلك ارتباطاً بخطوط القروض التي وضعها البنك الدولي منذ بداية السبعينيّات على ذمة الاستثمارات الفلاحية المعدّة للتصدير. وما زال البنك يواصل تمويل مشاريع تكثيف الفلاحة السقوية في خلال الفترة 2022-2024 بقرض بقيمة 113.6 مليون يورو.32

هيمنة جيل جديد من المستثمرين الذين ليس لهم علاقة لا بالفلاحة ولا بالأرض. بل هم مجرّد أشخاص استفادوا من مناصبهم ومن خطوط القروض الموضوعة على ذمتهم للاستثمار في المناطق السقوية. فتمّ تبعاً لذلك إهمال الفلاحين الصغار ومنتجي الحبوب والدواجن واللحوم الحمراء والألبان، وغيرها من منظومات الإنتاج الاجتماعي. فبدأ الفلاحون الصغار في مغادرة مناطقهم وهجر فلاحتهم للبحث عن نشاط أكثر مردودية خصوصاً أواسط السبعينيات والثمانينيات، والتي سُمّيت بفترات الهجرة الداخلية القصوى.33

تراجعت تبعاً لذلك أهمية القطاع الفلاحي على المستوى الاقتصادي، إذ لم يعد يساهم سوى 8% من الناتج المحلي الخام لعام 2022، في مقابل 17% في بداية التسعينيات. وكذلك على المستوى الاجتماعي من خلال تراجع قدرته التشغيلية إلى 12% فقط لعام 2022 في مقابل 23% بداية التسعينيّات.34

كنتيجة حتمية لهذا التمشي، تراجع الإنتاج الوطني من الحاجيات الأساسية للسكان من خضر وغلال وحبوب وأعلاف. إذ أنّ كلّ ما بقيَ يتمتع بالمياه والإنتاج هو ما كان مُعداً للتصدير. ممّا عمق تبعية البلاد إلى الأسواق العالمية، وخصوصاً الدول المنتجة للحبوب والأعلاف. ولعل ما نعيشه حالياً من أزمات متتالية في مجال الخبز والزيت النباتي والسكر وغيرها من المواد الأساسية الحياتية خير دليل على ما نقول.

أمّا بالنسبة لمياه الشرب، فلقد تم الترفيع في الفترة الأخيرة في أسعارها ثلاث مرات متتالية (في الأعوام 2020 و2021 و2022). إذ رفعت الشركة العمومية المكلفة بمياه الشرب سعر المتر المكعب من مياه الشرب من 200 إلى 665 مليم في ثلاث سنوات بالنسبة لشريحة الاستغلال 20-40 متر مكعب  في الثلاثي. وهي الشريحة الأكثر انتشاراً على المستوى الاجتماعي.

تردّي نوعية مياه الشرب بسبب تقادم الشبكات وضعف الاستثمار العمومي في مجال تحسين نوعيتها، خصوصاً أمام ارتفاع ملوحة مياه السدود بسبب ارتفاع المواد الصلبة المترسّبة بقاعها. ممّا دفع المواطن في غالبية البلاد إلى استهلاك المياه المعلَّبة، فأصبح المواطن التونسي في المرتبة الرابعة عالمياً في استهلاك المياه المعلّبة حسب عدد السكان (تقرير المعهد الوطني للاستهلاك لعام 2021).

بالنسبة للصرف الصحّي: 

تُعتبر خدمات الصرف الصحّي في تونس من الكماليات. إذ أنّ سياسات البنك الدولي متوافقة على مستوى التمويل مع خيارات السَاسة. فخدمة الصرف الصحّي ليست خدمة متلازمة مع خدمات مياه الشرب مثلما هو معمول به في جل بلدان العالم. كما أنّها ليست مرتبطة بتحسين إطار العيش الصحّي للمواطنين، ولا بحماية الموارد المائية من التلوث، بل ما زالت مرتبطة بالمناطق السياحية والصناعية.

في ظلّ تراجع التمويل لخدمات الصرف الصحّي الأساسية، إضافة إلى غياب التمويل الأجنبي لإنجاز وتطوير تقنيات معالَجة متطورة، وتطبيقاً لتعليمات ونصائح البنك الدولي المتعلقة بالعمل على تحقيق التوازنات المالية للمؤسّسة العمومية المكلفة بالمجال، يقوم الديوان الوطني للصرف الصحّي منذ سنوات عديدة بالاقتصار على استعمال المعالجة الثنائية فقط، والترفيع الدوري في معلوم الصرف الصحّي، بالإضافة إلى اعتبار كلّ الأنشطة التجارية والخدماتية وكأنها أنشطة صناعية. وهو ما أثقل كاهل أصحاب المشاريع الصغيرة، مثل المقاهي ورياض الأطفال والمطاعم والمتاجر الصغيرة ومحلات بيع اللحوم والخضر والغلال وغيرها من المهن والمشاريع، التي تصارع الظروف الاقتصادية الصعبة لضمان البقاء.

نظراً لعدم نجاعة تقنيات المعالجة لمياه الصرف الصحّي واقتصارها على المعالجة الثنائية فقط، فإنّ نوعية المياه المنتَجَة من محطات المعالجة تكون في الغالب غير مطابقة للمواصفات الوطنية، وبالتالي غير قابلة للاستعمال الصناعي والفلاحي. لذلك، وبسبب هذا التمشّي، يتم هدر حوالي 270 مليون متر مكعب من المياه المعالجة سنوياً في البحر أو في الأودية والسباخ. ولا يعاد استعمال إلّا نسبة قليلة منها تقدّر بحوالي 4%.

بحجّة غياب التمويلات الخارجية، وضعف الاستثمار العمومي، يجد الديوان الوطني للصرف الصحّي نفسه مُجبَرا على تقليص دوره في البلديات الصغيرة والداخلية في حدود تجميع مياه الصرف الصحّي وبنسب ضعيفة، وإلى تصريفها خاماً دون معالجة بالمحيط الطبيعي، ممّا فاقم من حالة التلوث بهذه المناطق، وأثر على إطار عيش السكان فيها (انتشار الباعوض والروائح الكريهة بمناطق تصريف هذه المياه الخام والتي في الغالب ما تكون في الاودية القريبة من المدن. مما يهدد سلامة الموائد المائية السطحية، ويفاقم من إمكانية انتشار الامراض الجلدية وغيرها من التأثيرات السلبية الناجمة عن تصريف هذه المياه دون معالجة في المحيط الطبيعي).

لم تطوّر تجارب الإفراق واللزمات، التي طُبقت في مجال الصرف الصحّي في تونس منذ العام 1997، لا من جهة تقنيات معالجة مياه الصرف الصحّي ولا لناحية تحسين نوعية المياه المعالَجة. بل كان الرابح الأكبر منها القطاع الخاص والرأسمال الأجنبي، الذي جنى الأرباح ولم يطوّر لا تقنياً ولا تكنولوجياً محطات معالجة المياه التي استغلّها وأبقى عليها كما تسلّمها من المؤسسة العمومية المكلفة بمجال الصرف الصحّي.

4. خلاصة

إذا كانت نُدرة المياه في تونس مرتبطة بالمناخ والموقع الجغرافي، فإنّ الشحّ المائي وأزماته التي تكرّرت خلال الفترات الأخيرة، ليست إلّا نتيجة منطقية، إن لم نقل حتمية، للسياسات العمومية المرتبطة بالمياه من ناحية، والخيارات الاقتصادية، خصوصاً تلك المرتبطة بالإنتاج الفلاحي والصناعي من ناحية أخرى. أمّا بالنسبة لخدمات الصرف الصحّي، التي كانت وما زالت في جلّ بلدان العالم مرتبطة بالماء وحمايته من التلوث، فإنها في تونس ومنذ انطلاقتها في العام 1974 وحتى الآن، ما تزال من الخدمات الكمالية وليست الأساسية. 

لقد حاولنا من خلال هذه الورقة البحثية أن نقدّم عرضاً مفصّلاً لسياسات البنك الدولي، ونتائج هذه السياسات والخيارات المفروضة بشكل مباشر أو غير مباشر في مجاليْ الموارد المائية والصرف الصحّي على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان باعتبارهم الحلقة الأضعف في هذه السياسات.

ففي مجال الماء، تم التأكيد على أنّ أزمة المياه في تونس هي أزمة هيكلية متمحورة حول فشل السياسات العمومية والخيارات الاقتصادية المرتبطة بالماء. وما ندرة الماء سوى واقعاً جغرافياً استطاع الانسان في تونس طوال تاريخه أن يتأقلم معه.

أمّا بالنسبة للصرف الصحّي، فإنّ هذه الخدمة العمومية مازالت في مستوى الكماليات. إذ أنّ عدد البلديات المُتبنّاة من طرف الديوان الوطني للتطهير لا يتجاوز 193 بلدية من جملة 350 على المستوى الوطني.35  كما أنّ خدمات الصرف الصحّي مركّزة أساساً بالمناطق الساحلية والسياحية. وذلك في علاقة مباشرة بخيارات «سوْحلة» التنمية التي وقع تنفيذها في تونس منذ الستينيات حتى اليوم. 

بالنسبة لتمويلات البنك الدولي للمشاريع في تونس، وخصوصاً في مجالي الماء والصرف الصحّي، فقد حاولنا رصد مسار هذا التواجد المكثّف للبنك العالمي ومؤسّساته المالية منذ بداية الستينيات حتى الساعة. كما حاولنا رصد طبيعة المشاريع المُمَوّلة وأهدافها في علاقة بالتشجيع على الخيارات والتوجّهات الرأسمالية القائمة على دفع الدولة للتخلي عن أدوارها لصالح القطاع الخاص. ولعلّ ما تم تقديمه من أمثلة وأرقام، يتيح لنا أن نستنتج أنّ سياسات البنك الدولي في تونس في مجاليْ الماء والصرف الصحّي كانت مبنية على الأهداف التالية:

  • استهلاك الموارد المائية المحلية لفائدة إنتاج مواد فلاحية وصناعية موجهّة كلّياً للتصدير. 
  • تشجيع الاستثمار الخاص المحلّي والأجنبي على استغلال المناطق السقوية المنجزة بقروض البنك الدولي، لتلبية حاجيات الخارج. 
  • عدم إسناد قروض بالنسبة لمشاريع الخدمات المباشرة للمواطنين في مجال مياه الشرب والريّ للفلاحين الصغار.
  • التركيز في التمويل على البُنى التحتية الكبرى في مجالي المياه والصرف الصحّي، باعتبارها مشاريع قابلة أن تتحوّل إلى أهداف خصخصة. 
  • توجيه الدعم التقني واللوجستي والدراسات القطاعية نحو خصخصة قطاعي الماء والصرف الصحّي.

وكان لهذه السياسات تأثيرات كبيرة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي للسكان، سواءٌ بشكل مباشر أو غير مباشر. إذ كان لهذه السياسات، وما تبعها من تخلي الدولة التدريجي عن أدوارها الاجتماعية والأساسية في مجال خدمات الماء والصرف الصحّي، الأثر البالغ على مستوى:

  • ارتفاع أسعار مياه الشرب. 
  • تراجع نوعية المياه بسبب ضعف الاستثمارات العمومية في مجال تجديد الشبكات الأساسية لنقلها وإيصالها.
  • ارتفاع إنفاق العائلات التونسية على خدمات الماء والصرف الصحّي.
  • تراجع إنتاج المواد الأساسية من حبوب وأعلاف وخضر وغلال في خلال السنوات الأخيرة، بسبب تراجع مخزونات السدود وارتفاع الإجهاد المائي للموائد الجوفية. 
  • تأثيرات سلبية كبيرة على المنظومات الأيكولوجية، جراء تصريف مياه صرف صحي غير مطابقة للمواصفات، أو تصريفها من دون معالجة في غالبية البلديات الصغيرة، ممّا فاقم من المخاطر البيئية التي تهدّد هذه المنظومات الهشة في ظلّ استفحال مظاهر التحوّلات المناخية في الفترة الأخيرة.

وفي الختام، ولئن استطاع البنك الدولي، من خلال قروضه وسياساته المعلنة وغير المعلنة، دفع الساسة في تونس إلى خصخصة جزء من خدمات الصرف الصحّي، ليتوّج مجهوداته بإنجاز مشروع الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال شهر أيار/مايو 2023، فإنّه لم يستطع أن يخصخص قطاع الماء بشكل عام، ولا حتى مياه الشرب بشكل خاص. ومردُّ ذلك إلى العمل الجبّار الذي أنجزته جمعيات المجتمع المدني والمنظمات التقدمية والأحزاب الديمقراطية، خصوصاً في خلال العشرية الأخيرة.


أُعدَّت هذه الورقة بالشراكة بين «المعهد العابر للقوميات» و«المرصد التونسي للمياه»، وتنشر بالتزامن مع «موقع صفر». 

حمزة حموشان

باحث وناشط وكاتب جزائري مقيم في لندن، وعضو مؤسّس لـ«حملة التضامن الجزائرية» و«العدالة البيئية في شمال أفريقيا» و«شبكة شمال أفريقيا للسيادة الغذائية». هو حالياً منسّق برنامج شمال أفريقيا في المعهد الدولي (TNI). كتب وحرّر كتباً عدّة منها «الانتفاضات العربية: عقد من النضالات» (2022)، و«الكفاح من أجل ديمقراطية الطاقة في المنطقة المغاربية» (2017)، و«الثورة القادمة في شمال أفريقيا: الكفاح من أجل العدالة المناخية» (2015).