
هل حسمت «أمازون» سباق البشر والآلة؟
أعلنت شركة «أمازون» أنها باتت تشغّل حالياً مليون روبوت في مختلف مراكزها ومستودعاتها حول العالم. كما كشفت عن نظام جديد للتحكّم الذكي بأسطول الروبوتات هذا، يُسمّى DeepFleet، وهو نظام يعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI لإدارة حركة الروبوتات داخل مراكز الشحن والتوزيع. يعتمد DeepFleet على كميات هائلة من البيانات الداخلية وعلى تقنيات الحوسبة ليحلّ مكان آلاف عمّال التخزين من العاملين في الشركة.
وقد ارتفعت نسبة الاعتماد على الروبوتات والتكنولوجيا خصوصاً في المستودعات حيث يتركّز العدد الأكبر من العمّال، حتى باتت 75% من عمليات الشحن والتوصيل في المستودعات الكبرى تؤدّيها روبوتات و80% من خطوط النقل فيها تُشَغّل تكنولوجياً.
ساهم الاعتماد المتزايد على أنظمة التوجيه الآلي في خفض عدد العمّال بنسبة كبيرة وأجبر مَن تبقّى منهم على مجاراة وتيرة عمل أسرع، ما دفع بعض المجموعات العمّالية إلى رفع دعاوى قضائية ضد الشركة في الولايات المتحدة، متّهمين إيّاها بفرض ظروف عمل مجحفة وممارسات تمييزية. كما شهدت مواقع مختلفة تنظيم إضرابات واعتصامات ولجأ بعض العمّال إلى أساليب مقاومة داخل المستودعات مثل إبطاء وتيرة العمل بشكل متعمَّد لإرباك النظام الآلي وتسجيل شكاوى جماعية بشكل يومي.
وبعكس ما تدّعي الشركة تُظهر هذه التحرّكات العمّالية أنّ أتمتة العمل داخل «أمازون» باتت تشكّل تهديداً مضاعفاً لظروف العمل ومعيشة العمّال. فإلى جانب تقليص الوظائف، أجبر الاعتماد على التكنولوجيا العمّال المتبقّين على تحمّل وتيرة عمل أسرع تحت وطأة إنذارات مدوّية تطلقها أنظمة الإنذار الآلي في حال لم تُلبَّ السرعة المطلوبة.
وفق أنظمة الأتمتة الجديدة، يُطلَق صوت إنذار عالٍ كلّما تعطّلت حركة الطرود أو تأخّر العامل في تفريغ الصناديق وإعادة توجيهها بالسرعة المطلوبة، ولا تتوقّف تلك الصافرات إلا عند إنجاز المهمّة. ومع توسّع استخدام الروبوتات وخطوط النقل المؤتمتة، أصبح صوت الصافرات العالي مرافقاً لكلّ لحظة عمل تقريباً. يجد العامل نفسه مضطراً لإسكات هذا المنبّه بأيّ ثمن، فعليه مثلاً أن يُسرع في رفع الأحمال وترتيبها وتفريغها في وقت قياسي كي لا يتصاعد صوت الإنذار أكثر، كلّ ذلك وسط ممرّات ضيّقة وأكوام طرود تتدفق بلا توقّف.
وفي حين يُروَّج للأتمتة على أنّها تخفّف من الأعباء الجسدية إلا أنّها أدخلت عنصراً جديداً من الضغط النفسي اليومي وفرضت إيقاعاً حادّاً من المراقبة والتنبيه المستمرّ، ما حوّل بيئة العمل إلى مساحة توتر وإجهاد نفسي وجسدي متواصل.
وفي خلال الشهر الماضي تقدّم أكثر من 200 موظّف من ذوي الإعاقة الجسدية بدعوى جماعية يتّهمون فيها «أمازون» بممارسة «تمييز مؤسّسي» من خلال رفضها توفير ترتيبات عمل مناسبة أو تكييف بيئة العمل مع احتياجاتهم، لا سيّما في ظلّ الأنظمة المؤتمتة التي تُفرَض تعليماتها الصارمة على الجميع دون مراعاة للفروق الفردية.
تعود بداية توسّع أسطول «أمازون» من الروبوتات إلى عام 2012 حين استحوذت على شركة Kiva للروبوتات. منذ ذلك الحين، نمت قدراتها لتشمل نماذج متنوّعة من «الرجال الآليين» الذين باتوا يؤدّون مهام مختلفة. من جهتها تشدّد «أمازون» أن زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي والروبوتات هو «لتحقيق كفاءة أعلى في تسليم الطلبات وتقليل التكاليف مع نقل الأعمال المتكرّرة إلى الروبوتات».
وتظهر الأرقام أنه بين عامَي 2021 و2025 انخفض عدد موظفي أمازون البشريين بأكثر من 100 ألف عامل بينما قفز عدد الروبوتات في نفس الفترة من حوالي 200 ألف إلى مليون.
وانخفض متوسط عدد العاملين في كل مركز توزيع تابع لأمازون إلى حوالي 670 موظفاً في عام 2024، وهو أدنى معدل يتمّ تسجيله منذ 16 عاماً.