مصرف لبنان: تحليل جنائي

لتنزيل الورقة كنسخة PDF

لقراءة الورقة كاملة

 

ملخّص تنفيذي

يعتبر تقرير التدقيق (يشار إليه لاحقًا بالتقرير) الذي أجرته شركة «ألفاريز آند مارسال» (Alvarez & Marsal) في حسابات مصرف لبنان عن الفترة المُمتدة بين العامين 2015 و2020، التقرير الرسمي الوحيد الصادر عن جهة تدقيق خارجية في حسابات مصرف لبنان منذ تأسيسه وبدء عمليّاته في العام 1964. 

مصرف لبنان مؤسّسة مستقلّة تتمتّع بالصلاحيّات الأوسع بين المصارف المركزية، قانونًا وممارسةً. تناط سلطة وضع سياساته بالمجلس المركزي الذي يتكوّن من أعضاء مستقلّين ويرأسه حاكم المصرف المركزي. يستنتج التقرير أن الحاكم كان يدير مصرف لبنان بشكل أحادي، معتمدًا أساليب محاسبية اعتباطية، وخافيًا خسائره المُتزايدة تحت بنود نفقات مؤجّلة وإيرادات غير مُبرّرة ناجمة عن طبع العملة وعن غيرها. لم يسائل أي عضو في المجلس المركزي أو أي مسؤول حكومي أيًا من هذه الممارسات.

يذكر التقرير أن مبلغًا أكثر من 111 مليون دولار أميركي دُفِعَت على شكل «عمولات غير مشروعة» رفض مصرف لبنان تحديد المستفيدين منها أو طبيعة المعاملات التي أنجزت. وتبرز عمليّات ومعاملات عدّة، تقدّر قيمتها بمئات ملايين الدولارات، استفاد منها أفراد من عائلة حاكم المصرف المركزي نفسه.

درج مصرف لبنان على نشر ميزانيات بوضعيات مالية إيجابية، لكن التقرير كشف خسائر كبيرة مُترتبة عليه، وأموال خاصة سالبة، فضلًا عن صافي احتياطي بالعملات الأجنبية سلبي وصل إلى عجز مقداره 60 مليار دولار بحلول نهاية العام 2019. المذنب الرئيس هو «الهندسات المالية» المُكلفة التي نفّذها مصرف لبنان بإغراء المصارف لتحويل سيولتها بالدولار من المصارف الأجنبية المراسلة إلى مصرف لبنان، مقابل الحصول على معدّلات فائدة عالية وعلاوات غير اعتيادية. فكانت النتيجة انخفاض سيولة المصارف بالدولار بشكل حادّ، وصلت إلى نحو 7%، وهذا هو العنصر الأهم الذي أدّى إلى الانهيار المصرفي.

الانهيار المصرفي هو نتيجة سياسة «الهندسات المالية» المدمّرة التي انتهجها مصرف لبنان، وشاركت فيها المصارف طواعية، مسيئة إدارة سيولتها بالدولار وسياستها الائتمانية، فيما تكمن مسؤولية الحكومة اللبنانية عن هذا الانهيار في فشلها المنهجي كسلطة رقابية على المصارف. أمّا انهيار الليرة اللبنانية فهو حدث منفصل نتج عن انعدام المسؤولية المالية للحكومة والممارسات الفاسدة.

في خلال الفترة الممتدة بين العامين 2015 و2019، يكشف تحليل لمصادر العملات الأجنبية لدى مصرف لبنان ووجهات استخدامها عن رصيد متبقي لا يقلّ عن 25 مليار دولار وغير قابل للتفسير محاسبيًا. ولكن يرجّح أن المصارف اشترتها وحوّلتها إلى الخارج إلى مساهميها، لا إلى المؤسّسات المصرفية نفسها.

منذ أواخر العام 2019، يشهد لبنان «سنة صفر» مالية. فالودائع المصرفية مجمّدة عمليًا، ولا يزال المودعون، والمقيمون عمومًا، يتحمّلون كل كلفة الانهيار المالي. لم يُتّخذ أي إجراء تصحيحي رسمي، ولم يُحاسَب أي مسؤول عام أو مصرفي، وتستمر المصارف المُفلسة في العمل بشكل عادي، فيما هي فعليًا «مصارف زومبي».

التعافي المالي مُمكن. تقترح الدراسة إجراءات قانونية ومعيارية عاجلة من أجل استعادة بعض من أموال المودعين وإعادة القطاع المصرفي إلى العمل بشكل طبيعي، وهو شرط ضروري للنمو الاقتصادي. لكن مفتاح الحل هو وجود قيادة سياسية «شريفة» للبدء في تنفيذ العلاجات المعروفة، فيتبعها حكمًا مسار طبيعي للتعافي على جميع الجبهات. 

 

صدرت هذه الدراسة باللغة الإنكليزية عن معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية (IFI) في الجامعة الأميركية في بيروت، وتولّى موقع صفر ترجمة الدراسة إلى اللغة العربية

توفيق كسبار

حائز على شهادة دكتوراه في الاقتصاد من جامعة «ساسكس» (Sussex) في المملكة المتّحدة.
شغل منصب كبير المستشارين الاقتصاديين لوزير المالية في لبنان، وعمل مستشارًا في صندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة بالولايات المتّحدة، كما عمل مصرفيًا في نيويورك وبروكسل وبيروت، ومدير الإحصاءات والدراسات الاقتصادية في مصرف لبنان، ومحاضرًا في الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة القديس يوسف.
صدر له في العام 2004 كتاب «اقتصاد لبنان السياسي 1948-2002: في حدود الليبرالية الاقتصادية»، عن دار «بريل أكاديمك» للنشر (Brill Academic Publishers) (ونشر في اللغة العربية أيضًا). قدّم خدمات استشارية للمفوضية الأوروبية والأمم المتّحدة في العديد من القضايا الاقتصادية والاجتماعية في لبنان والمنطقة. وفي الآونة الأخيرة، صدرت له العديد من الدراسات بشأن الأزمة المالية في لبنان عن مؤسّستي «كونراد أديناور» (Konrad Adenauer Foundation) و«بيت المستقبل» (Maison du Futur)، ولا سيما دراسة العام 2017 بعنوان «الأزمة المالية في لبنان» التي حذّرت من الانهيار الوشيك للقطاع المصرفي والليرة اللبنانية.