
ماذا لو أغلقت إيران مضيق هرمز؟
مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على إيران واستهداف منشآتها النووية واغتيال عدد من قادتها العسكريين وخبرائها النووين، عاد سيناريو إغلاق إيران لمضيق هرمز إلى الواجهة، ولا سيما أن إيران هددت في السابق بإغلاق هذا المضيق أمام حركة الملاحة كجزء من ردّها.
أقرب مثال شهده العالم لما قد يعنيه إغلاق مضيق هرمز هو ما قامت به حركة أنصار الله اليمنية عبر إغلاق مضيق باب المندب، وما ترتب على ذلك من تداعيات قاسية على حركة التجارة العالمية. إلا أن السيناريو الأكثر تعقيداً وخطورة، في ظل تصاعد التهديدات التي تواجه إيران، يتمثل في احتمال إغلاق كلا المضيقين معاً. فما الذي قد يترتب على هذا السيناريو من تأثيرات على التجارة العالمية؟
ما أهمية مضيق هرمز؟
يقع مضيق هرمز بين سلطنة عُمان وإيران، يبلغ عرضه عند أضيق نقطة نحو 33 كيلومتراً، فيما لا يتجاوز عرض ممرات الشحن 3 كيلومترات في كل اتجاه. يعد ممراً استراتيجيا لتجارة الطاقة بين الخليج العربي وباقي العالم، ويمثّل المضيق المنفذ البحري الوحيد لكل من العراق والكويت والبحرين وقطر، وهي دول تعتمد بشكل كبير على الواردات لتأمين احتياجاتها الأساسية
في خلال الأشهر العشرة الأولى من العام 2023، مرّ عبر المضيق ما يقرب من 30% من إجمالي تجارة النفط العالمية، وذهبت 70% من هذه الكميات إلى الأسواق الآسيوية. كما تمر عبره جميع صادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر والإمارات، بما يمثل نحو 20% من تجارة الغاز الطبيعي المسال عالمياً. وكانت الأسواق الآسيوية الوجهة الرئيسة لهذه الصادرات، حيث استحوذت على 80% من الكميات المنقولة عبر المضيق، في مقابل نحو 20% فقط ذهبت إلى أوروبا.
تبرز أهمية المضيق بشكل خاص للصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم والمركز الصناعي الأبرز، حيث أن 44% من وارداتها المُعلنة من النفط الخام في العام 2023 جاءت من الدول العربية (باستثناء سلطنة عُمان)، فضلاً عن كميات إضافية غير مُعلنة من إيران الخاضعة للعقوبات الدولية.
على الجانب الآخر من شبه الجزيرة العربية، يقع باب المندب بين اليمن والقرن الأفريقي، وهو نقطة وصل بين المحيط الهندي والبحر الأحمر، يمثّل باب المندب مساراً مباشراً للشحن التجاري البحري إلى أوروبا وأميركا، ويمر عبره ما بين 6% إلى 7% من تجارة النفط العالمية. يعبر المضيق يومياً حوالي 50 سفينة تجارية تحمل النفط والغاز والبضائع في الحاويات والبضائع السائبة. وفي حال إغلاق باب المندب، تضطر الناقلات إلى الانعطاف حول رأس الرجاء الصالح، ما يزيد مسافة الرحلة بحوالي 5,000 ميل بحري، ويترتب عليه زيادة في التكاليف والوقت المستغرق.
أدّت هجمات أنصار الله عند باب المندب - التي بدأت في أواخر العام 2023 - إلى تجنّب معظم السفن العبور من البحر الأحمر، ففي شهرين فقط تراجعت أعداد السفن المارّة من خليج عدن، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، بنحو النصف، وبحلول منتصف العام 2024، تراجعت حمولة السفن المارة من خليج عدن بنسبة 76%، وفقاً لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية. أما قناة السويس، المدخل الشمالي للبحر الأحمر، فوصل التراجع في الحمولة المارة إلى 70% في الفترة نفسها.

هل تستطيع إيران إغلاق مضيق هرمز؟
بالفعل، تمتلك إيران القدرة على إغلاق مضيق هرمز إذا رغبت في ذلك. فالساحل الإيراني يطل على المضيق لأكثر من 100 ميل بحري، وتمتلك إيران عدداً كبيراً من الصواريخ والطائرات المسيرة والأنظمة البحرية والجوية التي يمكن أن تهدّد السفن المارة في المضيق، وتمتلك إيران أيضاً بطاريات صاروخية على الشاطئ تغطي المضيق لمهاجمة السفن بالإضافة إلى الفرقاطات والزوارق. وقد تكفي هجمات إيرانية محدودة لإيقاف حركة الملاحة، خاصة إذا شعرت شركات الشحن بارتفاع المخاطر وارتفاع تكاليف التأمين.
لماذا لا تفعل إيران ذلك؟
أولاً، إن أي هجوم إيراني على المضيق هو خط أحمر بالنسبة إلى دول الخليج، فضلاً عن أنه سيستثير الولايات المتحدة الأميركية، خصوصاً وأن الأسطول الأميركي الخامس، متمركز حالياً في البحرين.
أيضاً، سيؤدي إغلاق المضيق إلى تعطيل قدرة إيران على استخدام المضيق لصادراتها من النفط. وفقاً لبيانات شركة كبلر، المتخصصة في تجميع البيانات والبحوث الصناعية، صدّرت إيران في المتوسط 1.65 مليون برميل يومياً من النفط الخام ومكثفات الغاز في خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام 2024. تعتمد إيران على هذه الصادرات في توليد 65% من إيرادات الحكومة و8% من الناتج المحلي الإجمالي. من دون عائدات النفط، ستضطر الحكومة الإيرانية إلى خفض الدعم على الوقود والمواد الغذائية الأساسية، التي تساهم في الحفاظ على انخفاض الأسعار التي يستفيد منها 91 مليون نسمة من سكان إيران.
إضافة إلى ذلك، تذهب الغالبية العظمى من صادرات النفط الإيرانية إلى الصين، حيث تشير التقديرات إلى أن النسبة تصل إلى 90%. ولهذا السبب تخشى إيران من أن يؤدي إغلاق المضيق إلى استياء الصين، ما قد يضعف علاقتها مع حليف أساسي وقوي، خصوصاً في ظل العزلة الدولية والحصار الذي تواجهه إيران.
في المقابل، تشير بعض التحليلات إلى أن إيران قادرة على التخفيف من تأثيرات إغلاق مضيق هرمز عليها. ففي تشرين الأول/ أكتوبر 2024، وبعد أن بدأت إيران تصدير النفط من منشآتها في «جاسك» على سواحل بحر عمان خارج منطقة الخليج العربي، توقع محللون أن تستعد إيران لإغلاق المضيق عبر استراتيجية تطوير مرافق بديلة تضمن استمرار تصدير النفط.
أيضاً، لطهران طريقة أخرى لتعطيل حركة الملاحة البحرية والتجارة العالمية من دون الإضرار بمصالحها الخاصة، وهي احتجاز السفن التجارية التابعة لدول منافسة مثل إسرائيل والولايات المتحدة، رداً على ما تعتبره أعمالاً استفزازية.
ما يقلل من تبعات إغلاق مضيق هرمز على دول الخليج والعالم هو أن السعودية والإمارات لديهم خطوط أنابيب بديلة يمكن الاعتماد عليها. ففي حالة السعودية، يمكن نقل 5.1 مليون برميل يومياً عبر خط أنابيب الشرق-الغرب وتحميلها من البحر الأحمر، إلا أن هذا الخط عرضة لهجمات من قِبل حركة أنصار الله. أما الإمارات فتتمتع بوضع أفضل، حيث تمتلك خط أنابيب من أبوظبي إلى الفجيرة، الذي بدأ العمل به في 2012، بسعة تصل إلى 1.5 مليون برميل يومياً. ويقع ميناء الفجيرة على خليج عُمان، وليس على الخليج العربي الذي تهدد إيران بإغلاقه. ويملك الميناء القدرة على تصدير نحو 75% من إجمالي إنتاج الإمارات من النفط الخام إذا دعت الحاجة.