الهجمات في البحر الأحمر تربك أسواق النفط
تشهد أسعار النفط تذبذبات مستمرة على إيقاع الهجمات التي تشنّها حركة «أنصار الله» اليمنية ضد السفن ذات الصلّة بإسرائيل التي تعبر البحر الأحمر. وارتفع سعر خام برنت 9 سنتات إلى 78.04 دولار للبرميل، في حين انخفض سعر خام غرب تكساس الوسيط الأميركي المفترض تسليمه في يناير/ كانون الثاني إلى 72.46 دولاراً، بعدما ارتفع في بداية التعاملات أمس إلى أكثر من 74 دولاراً، وهو ما شكّل ارتفاعاً بنسبة 6.1% بالمقارنة مع الأسعار المسجّلة في 12 كانون الأول/ديسمبر الحالي، والتي تعدّ الأدنى منذ بدء الحرب على غزّة.
يبدو أن الهجمات في البحر الأحمر المساندة للمقاومة الفلسطينية تجهض المساعي الحثيثة التي بذلتها الولايات المتّحدة لرفع إمدادات النفط الصخري، وكذلك تعهّدات دول أوبك+ بعدم استخدام النفط كسلاح في الحرب، إذ أُجبرت شركات الملاحة وشركات نقل النفط والغاز على تعليق عمليّاتها في البحر الأحمر مؤقّتاً أو تعليق عملياتها مع الموانىء الإسرائيلية، فيما لجأت الولايات المتّحدة إلى تكرار التجارب العسكرية السابقة بحجّة حماية التجارة البحرية، إذ أعلنت عن عملية متعدّدة الجنسيات، تضمّها إلى المملكة المتّحدة والبحرين وكندا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والنرويج وسيشيل وإسبانيا.
إلا أن الشركات لا تزال غير مطمئنة لتحدّي قدرات حركة «أنصار الله». فقد أعلنت شركة «بريتيش بتروليوم» البريطانية مساء أمس، وقف جميع الشحنات عبر البحر الأحمر، وحذت حذوها كلّ من شركة النفط النرويجية «إكوينور» (ستات أويل سابقاً)، وشركة «يوروناف» البلجيكية المتخصّصة بشحن النفط، ومجموعة ناقلات النفط «فرونت لاين» (FRO.OL)، بالإضافة إلى شركات الشحن البحري الكبرى.
وعلى الرغم من أن أسعار النفط لا تزال أدنى بنسبة 12% عن مستوياتها المسجّلة مع اندلاع الحرب على غزّة في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي (82.79 دولاراً)، وأدنى بنسبة 24,7% من المستويات الأعلى المسجلة هذا العام في 27 أيلول/سبتمبر الماضي (93.68 دولاراً)، إلا أن إعاقة الشحن عبر البحر الأحمر يهدّد بمزيد من الارتفاعات خصوصاً أن 8% إلى 10% من النفط الخام العالمي يمرّ عبر البحر الأحمر، ومعظمه يذهب إلى روسيا والهند والصين. كما أن مصدّري الغاز الطبيعي المسال الأميركي كانوا يخطِّطون لاستخدام قناة السويس-البحر الاحمر لنقل الشحنات إلى آسيا وتخفيف الضغط على قناة بنما، في ظل الجفاف الذي تعاني منه، وتفادي الانتظارات الطويلة.
لا يرجّح محللو بنك «غولدمان ساكس» أن يكون للهجمات في البحر الأحمر تأثير كبير على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال. إلا أن هذه الترجيحات تستند إلى سيناريو عدم اللجوء إلى عمليات حربية لوقف هجمات «أنصار الله»، وبالتالي عدم تأثّر الإنتاج، وهو ما لا يمكن الجزم به، إذ أن الاحتمالات مفتوحة على تصعيد غير محسوب.
وعلى الرغم من أن أسعار النفط لا تزال أدنى من مستوياتها المسجّلة مع اندلاع الحرب على غزّة، إلا أن إعاقة الشحن عبر البحر الأحمر يهدّد بمزيد من الارتفاعات خصوصاً أن 8% إلى 10% من النفط العالمي يمرّ عبره
يُعتبر ممر البحر الأحمر أسرع طريق بحري بين آسيا وأوروبا. وتعد قناة السويس إحدى نقاط الاختناق الجغرافية السبعة ذات الأهمية البالغة لتجارة النفط العالمية، إذ تدفق نحو 9.2 مليون برميل من النفط يومياً عبر القناة في النصف الأول من العام 2023، وهو ما يمثل حوالى 9% من الطلب العالمي.
على سبيل المثال، تقطع السفينة التي تحمل الخام السعودي من الخليج العربي إلى روتردام مسافة 6436 ميلاً بحرياً إذا عبرت قناة السويس. إلّا أن تفادي عبور القناة والدوران حول أفريقيا يزيد الرحلة إلى 11,169 ميلاً بحرياً، مما يضيف الوقت والتكلفة، ولا سيما الوقود والتأمين ونفقات الحماية والمناورة التي تفرضها توجيهات تغيير مسار السفينة.
في 17 كانون الأول/ديسمبر، قالت هيئة قناة السويس إنه منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني، غيّرت 55 سفينة مسارها نحو رأس الرجاء الصالح، بينما مرّت 2128 سفينة عبر القناة في الفترة نفسها، ما يعني أن الشركات، بما فيها التي أعلنت تعليق عبور سفنها من البحر الأحمر، كانت لا تزال تستخدم قناة السويس، وبالتالي تفادت تسديد أكلاف باهظة لتغيير مساراتها، إلا أن اشتداد الهجمات قد يغيّر المشهد كلياً، وعندها قد لا يكون لترجيحات عدم ارتفاع الأسعار بشكل كبير أي معنى.
تنقل وكالة «رويترز» عن مصادر في صناعة النفط إن التأثير على التجارة العالمية والاسعار يعتمد على مدة استمرار الأزمة، لكن أقساط التأمين والطرق الأطول ستشكّل أعباءً فورية. وقال باباديميتريو من شركة فورتيكسا إن سعر ناقلة سويزماكس لنقل النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا ارتفع بنسبة 25% خلال أسبوع.
لا يرجّح بنك «غولدمان ساكس» في تحليل له أن يكون لتعطيل تدفقات الطاقة في البحر الأحمر آثار كبيرة على أسعار النفط الخام والغاز الطبيعي المسال، باعتبار أنه يمكن إعادة توجيه السفن نحو ممرات أخرى. وقال محلّلو البنك إن «إعادة التوجيه الافتراضية الطويلة الأمد لجميع تدفقات النفط الإجمالية، البالغة 7 ملايين برميل يومياً (شمالاً وجنوباً)، من شأنها أن ترفع أسعار النفط الخام الفورية مقارنة بالأسعار طويلة الأجل بمقدار 3-4 دولارات للبرميل».
وقال سماسرة سفن إن بعض مالكي ناقلات النفط يقومون بإدخال بند جديد لإدراج خيار رأس الرجاء الصالح في عقود الشحن الخاصة بهم كإجراء احترازي.