ما حجم الضرر في قطاع النقل السوري؟
تعرّض قطاع النقل في سوريا لأضرار فادحة بسبب الحرب المستمرة منذ العام 2012 والعقوبات الغربية، التي اعتبرها وزير النقل في حكومة تصريف الأعمال السورية، بهاء الدين شِرِم، تثقل كاهل القطاع، لا سيما أن 70% من مرافق النقل والمواصلات تحتاج إلى إعادة بناء وتأهيل، وفق تقديراته.
حتى الآن، لا توجد تقديرات دقيقة وموثوقة عن حجم الأضرار وكلفتها، وبانتظار إجراء مسوحات شاملة، تبقى التقديرات المتداولة ناقصة أو مبالغ فيها، إلا أن البنك الدولي نشر في كانون الأول/ديسمبر 2022 «التقييم المشترك»، الذي قدّر كلفة الأضرار التي لحقت بالأصول والبنية التحتية لقطاع النقل بما بين 1.2 مليار و1.7 مليار دولار أميركي في 14 مدينة سورية فقط تمت دراستها في العام 2021.
لا شك أن الأضرار تزايدت بفعل استمرار الحرب حتى سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024. وتمثّل هذه الأضرار إرثاً ثقيلاً وترتّب مسؤولية كبيرة على الإدارة الجديدة، نظراً للدور المحوري الذي يؤدّيه قطاع النقل والمواصلات على الصعد المختلفة، ولا سيما وحدة الأراضي السورية وحقوق السكان بحرية التنقل والوصول إلى الخدمات والمرافق العامّة ونمو الاقتصاد والتخفيف من الأزمات المعيشية.
الكلفة الأعظم في إصلاح سكك الحديد
قبل الحرب، كان لدى سوريا أحد أنظمة السكك الحديدية الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، وكانت خطوط السكك الحديدية تربط المدن الرئيسة في سوريا، كما كان خط شحن الفوسفات يربط حمص بميناء طرطوس. ففي العام 2010، نقلت القطارات في سوريا أكثر من 3.5 مليون مسافر وأكثر من 8 ملايين طن من البضائع.
أحدثت الحرب أضراراً جسيمة وجمّة في سكك الحديد السورية. على سبيل المثال، أصبحت محطة قطار درعا خط تماس ما بين قوات النظام السابق والمعارضة في المدينة، وتعرّضت محطتا القطار في الرقة وداريا أيضاً لأضرار. إلى ذلك، أشار الإعلام المحلي إلى نهب خطوط السكك الحديدية ومعدات الصيانة بين الحسكة ودير الزور، وبيع المعدن كخردة في تركيا وسوريا ولبنان. يقدّر تقرير البنك الدولي قيمة الأضرار في السكك الحديدية بين مليار ومليار ونصف مليار دولار أميركي في 14 مدينة سورية فقط.
يلي ذلك الأضرار في الطرقات والجسور التي تقدّر بنحو 149 مليون دولار أميركي في 14 مدينة كحلب والرقة ودير الزور. فضلاً عن 30 مليون إلى 40 مليون دولار أضرار في الموانىء، والتقدير نفسه في المطارات. يصل إجمالي الضرر في موجودات قطاع النقل في 14 مدينة سورية إلى 1.2 كحد أدنى أو 1.7 مليار دولار كحد أقصى.
تدمير الطرقات يحرم السوريين من الوصول إلى الخدمات
طبعاً، لم تتضرّر الطرقات السورية بالتساوي ما بين المدن، تضرّرت 3% فقط من شبكة الطرقات في الحسكة وتقدّر قيمة الأضرار بنحو 700 ألف دولار، بينما تضّرر 28% من شبكة الطرقات في الرقة وقيمة الأضرار تساوي 15.6 مليون دولار، وتشكّل الأضرار في مدينة الرقة 42% من إجمالي الأضرار التي لحقت بالطرق في المدن الأربع عشرة، أما كلفة الأضرار في شبكة طرقات حلب فتلامس 90 مليون دولار.
وهذا يعني صعوبة وصول سكان سوريا إلى المرافق العامة والخدمية في المدن الـ 14 التي تمت دراستها في العام 2021، اذ لا يتمكن حوالي 1.15 مليون شخص، أو 23% من سكان هذه المدن، من الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية في غضون 20 دقيقة، ومن بينهم نحو 550 ألف شخص، أو 11% من سكان هذه المدن، غير قادرين على الوصول إلى مرافق الرعاية الصحية في غضون 30 دقيقة، ولا سيما في إدلب. أما في داريا، فإن 43% من السكان غير قادرين على الوصول إلى أقرب مرفق للرعاية الصحية في غضون 20 دقيقة. في حلب، فإن 29% من السكان لا يستطيعون الوصول إلى أقرب مرفق لهم في غضون 20 دقيقة، و14% (أكثر من 180 ألف شخص) لا يمكنهم الوصول إليها في غضون 30 دقيقة.
أيضاً، تختلف القدرة على الوصول إلى المدارس داخل المدن، ففي المدن الأربع عشرة، يجب على 18%، أو أكثر من 900 ألف طفل وآخرين، السفر لمدة تزيد عن 10 دقائق بالسيارة للوصول إلى مرفق تعليمي.
ماذا الدور الذي يقوم به وزير النقل السوري؟
يصرّح الوزير الجديد أنه في صدد إعادة هيكلة وزارة النقل التي منيت بـ «فساد كبير في أيام نظام بشار الأسد»، وما يأتي مع ذلك من ترتيب ودراسة الملفات الضخمة والمتشعبة مثل العقود التي سبق توقيعها مع الجانب الروسي لاستثمار الموانئ في سوريا، دع عنك المشقّات التي تقوم بها حكومة الشرع في رفع العقوبات الغربية، التي اعتبر وزير النقل أنها «تثقل كاهل قطاع النقل والمواصلات وتعيق عمليات الإصلاح في البلاد».
بحسب وزير النقل بهاء الدين شرم فإن الوزارة ستعمل على ضبط تسعيرة تشمل كافة خطوط النقل للحافلات الصغيرة والكبيرة خلال أيام، وتشمل مشاريعها إنشاء سوق حرة للسيارات المستعملة في ميناء اللاذقية، يشار ألى أن معظم السوريين يعتمدون على سيارات الأجرة الصغيرة والكبيرة في التنقل لعدم قدرتهم على امتلاك سيارة خاصة.
طبعاً، هذه مجرّد مشاريع على المدى القريب، لكن ذلك لا يعني أن تمويلها بسيط، يتكلم وزير النقل في حكومة تصريف الأعمال عن الحاجة إلى استثمارات بين 100 و200 مليون دولار لتسيير الأمور على وضعها الراهن فقط، أي من دون إحداث تغيّر نوعي في القطاع.
أما بالنسبة إلى المشاريع المستقبلية، فتطمح الحكومة الجديدة لتأمين سكك قطارات بسرعات 120 كيلومتر بالساعة كمرحلة أولى ثم 300 كيلومتر بالساعة، ويتكلم وزير النقل عن إنشاء موانئ جديدة بعمق 17 متراً لتستقبل البواخر الكبيرة. لكن، إن كانت أضرار قطاع النقل السوري تقدر بـ 1.2 إلى 1.7 مليار - في 14 مدينة - فما حجم الاستثمارات التي يحتاجها قطاع النقل للقيام بهذه المشاريع النوعية؟