
«الناتو» في عهد ترامب: مزايدات أوروبية في الإنفاق العسكري
انطلقت قمّة منظمة «حلف شمال الأطلسي» (الناتو) في لاهاي يوم أمس الثلاثاء 24 حزيران/يونيو 2025، وسط ضغوط أميركية متزايدة على الحلفاء الأوروبيين لتعزيز مساهماتهم العسكرية. تأتي القمة في وقت تشهد فيه أوروبا استمرار الحروب على حدودها الشرقية وتصاعد التوترات مع إيران وروسيا ما فتح الباب أمام نقاشات حادّة بشأن الإنفاق العسكري.
«أوروبا بحاجة إلى إعادة التسلّح ليس لأن أحداً يفرض علينا ذلك، بل لأننا واعون بواجبنا تجاه مواطنينا»، هكذا عبّر كلٌّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، في مقالٍ مشترك نُشر بالتزامن مع انطلاق قمة «الناتو»، عن موقفهما من الإنفاق العسكري في ما يوحي بنبرة «سيادية» بوجه تصعيد اللهجة والضغوط من الرئيس الأميركي دونالد ترامب بهذا الخصوص. كما وجّها رسالة مباشرة إلى الرئيس الأميركي مفادها أن «المصدر الرئيسي لعدم الاستقرار في أوروبا هو روسيا»، ودعاه إلى «زيادة الضغط على موسكو، بما في ذلك من خلال العقوبات» لتحقيق وقف لإطلاق النار في أوكرانيا.
وكانت الولايات المتحدة الأميركية برئاسة ترامب دفعت بشدّة نحو تبنّي هدف جديد للإنفاق الدفاعي يصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة عضو بحلول العام 2035. وفي هذا السياق، توصّل الأعضاء الـ32 إلى تسوية تقضي بتخصيص 3.5% من الناتج المحلّي للإنفاق العسكري المباشر، و1.5% إضافية لتغطية مجالات أمنية أوسع مثل الأمن السيبراني والتنقّل العسكري، وذلك بحلول العام 2035. يُذكر أن الكثير من الدول لا تزال «تكافح» للوصول إلى الحد الأدنى المتّفق عليه في العام 2014 والبالغ 2%.
ومع وصول عدد الدول التي حققّت هدف الـ 2% من الناتج المحلي المخصص للنفقات الدفاعية إلى 23 دولة في العام 2024 (مقارنة بـ6 فقط في العام 2021)، يتّجه «الناتو» نحو مرحلة جديدة شعارها «الاستعداد المستدام والموسّع». كما تحتل دول الشمال الأوروبي — مثل الدنمارك، النرويج، وفنلندا — صدارة الحلف من حيث الإنفاق الدفاعي لكل مواطن.
وبحسب الأرقام المعلنة لعام 2024 تحتلّ الولايات المتحدة المركز الأول عالمياً من حيث الإنفاق على التسلّح بنسبة 37% من الإنفاق العسكري العالمي، ومن بين الدول التي أعلنت التزامها بزيادة ميزانية الإنفاق العسكري في السنوات القادمة للوصول إلى نسبة الـ5%: ألمانيا التي ستضاعف إنفاقها في خلال السنوات القادمة والذي يشكّل حالياً 2.1% من الناتج المحلي، بريطانيا التي يبلغ إنفاقها العسكري نحو 2.3% من ناتجها المحلي، فرنسا حيث يشكّل الإنفاق على التسلّح 2.6% من الناتج المحلي، وبولندا صاحبة أكبر إنفاق عسكري نسبة إلى الناتج المحلي والذي بلغ 4.12%.
وفيما يرى البعض أن رفع سقف الإنفاق إلى 5% يهدّد التوازنات الاقتصادية والاجتماعية داخل أوروبا، خصوصاً مع ارتفاع نسبة البطالة وتراجع الخدمات الاجتماعية وغلاء المعيشة في معظم الدول الأوروبية، يعتبره آخرون ضرورة استراتيجية لمواجهة التحدّيات الأمنية الجديدة، خصوصاً في ظل تراجع الثقة الأميركية باستقلالية الدفاع الأوروبي وتكرار ترامب القول إن الولايات المتحدة «تتحمّل العبء الأكبر في ميزانية الناتو» وأنه «على الدول الأوروبية أن تدفع ما عليها».
تلك التصريحات أعادت النقاش في أوروبا بشأن الاستقلال الدفاعي و«تفعيل الركيزة الدفاعية للاتحاد الأوروبي»، خصوصاً أن الموقف الأميركي في عهد ترامب زاد من قلق حلفاء «الناتو» من احتمال انسحاب أميركي فعلي أو تقليص التزامات واشنطن تجاه الحلف.