حلف الناتو: 75 عاماً من الهيمنة العسكرية على العالم
يحتفل حلف شمال الأطلسي (الناتو) بعيده الـ75، ويعقد أعضاؤه قمة في واشنطن بين 9 و11 تموز/يوليو الجاري، في ظل أخطر تصعيد عسكري وأمني يتورّط به الحلف منذ الحرب الباردة، ولا سيما في أوكرانيا في مواجهة روسيا، وفي المحيطين الهادئ والهندي ضد الصين، فضلاً عن الشرق الأوسط في البحر المتوسط والبحر الأحمر والخليج مع إسرائيل ضدّ إيران وحماس وحزب الله وأنصار الله في اليمن.
تنعقد قمة الناتو بحضور إسرائيل، التي تحظى بدعم مباشر من أعضاء الحلف لمواصلة حربها لإبادة الفلسطينيين في قطاع غزّة. ويرتبط حلف الناتو بعلاقة شراكة مميزة مع إسرائيل في المجالات العسكرية والإستخباراتية والنووية. ودعت الولايات المتحدة وزراء خارجية ما يصل إلى 31 دولة لديها شراكات مع الحلف، بما في ذلك اليابان وأستراليا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، في محاولة لتجنّب التوترات المحتملة بشأن دعوتها لإسرائيل. كما دعت مصر والأردن وقطر وتونس والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
يتمثل دور حلف الناتو كأداة عسكرية لهيمنة الولايات المتّحدة على العالم. وقد توسّع الحلف كثيراً ليضم 32 دولة، من ضمنها 29 دولة أوروبية بالإضافة إلى الولايات المتحدة وكندا في أميركا الشمالية، وتركيا التي تقع بين آسيا وأوروبا. كما وسّع شراكاته مع الكثير من الدول، من شمال الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ والبحر الأبيض المتوسط، واكتسب المزيد من القدرات للتدخّل وإخضاع العديد من البلدان.
يحتوي السجل الأسود لحلف الناتو على مجموعة واسعة من التدخّلات العسكرية منذ نهاية الحرب الباردة، والعديد منها خارج المنطقة الأطلسية، في ليبيا ويوغوسلافيا السابقة على سبيل المثال، حيث تم استخدام القوّة العسكرية الجوّية، وخاض الحلف حرباً برّية في أفغانستان إلى جانب الجنود الاميركيين، وهو الآن يدعم أوكرانيا ضد روسيا، ويشارك في التحضير للحرب المقبلة ضدّ الصين.
بعد غزو روسيا لأوكرانيا في العام 2022، حضر زعماء اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا ونيوزيلندا قمة حلف شمال الأطلسي للمرة الأولى. واتهمت الصين حلف شمال الأطلسي «بالتعاون مع الحكومة الأميركية لقمع الصين بشكل شامل». وتشعر بكين بالقلق من أن واشنطن تعمل على تشكيل تحالف شبيه بحلف شمال الأطلسي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من أجل الحفاظ على الهيمنة التي تقودها الولايات المتحدة.
ويخطط زعماء حلف شمال الأطلسي لمواصلة ضخّ الأسلحة والذخيرة إلى أوكرانيا بالمستويات الحالية لمدة عام آخر على الأقل. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ إن الدول الأعضاء في الحلف تنفق نحو 40 مليار يورو (43 مليار دولار) سنوياً على المعدات العسكرية لأوكرانيا منذ بدء الحرب في فبراير/شباط 2022 وأن هذا يجب أن يكون «حداً أدنى أساسياً» للمضي قدماً.
بين الناتو وروسيا
تنظر موسكو بقلق بالغ إلى توسّع حلف شمال الأطلسي في مرحلة ما بعد الحرب الباردة في أوروبا الوسطى والشرقية. ويعتقد العديد من القادة الروس الحاليين والسابقين أن اختراقات التحالف في المجال السوفياتي السابق تمثل خيانة للضمانات الأميركية بعدم التوسّع شرقاً بعد إعادة توحيد ألمانيا في العام 1990، علماً أن المسؤولين الأميركيين يشكِّكون بوجود هذه الضمانات.
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، توسّع حلف شمال الأطلسي ليشمل فنلندا والسويد.
في بداية هذا العام وحتى أيار/مايو الماضي، نفّذ حلف شمال الأطلسي أكبر مناورات له منذ الحرب الباردة للتدريب على كيفية قيام القوات الأميركية بتعزيز حلفائها الأوروبيين في الدول المتاخمة لروسيا وعلى الجناح الشرقي للحلف إذا اندلع صراع مع خصم «قريب». وقال القائد الأعلى للحلف كريس كافولي إن نحو 90 ألف جندي شاركوا في المناورات، بالإضافة إلى أكثر من 50 سفينة من حاملات الطائرات إلى المدمرات، وأكثر من 80 طائرة مقاتلة ومروحية ومسيّرة، وما لا يقل عن 1,100 مركبة قتالية بما في ذلك 133 دبابة و533 مركبة مشاة قتالية.
آخر المناورات العسكرية بهذا الحجم، أجراها حلف الناتو خلال الحرب الباردة في العام 1988 بمشاركة 125 ألف جندي.
حروب حلف الأطلسي
إن مفتاح معاهدة واشنطن، التي أنشأت حلف الناتو، يكمن في المادة الخامسة التي تنص على «أن الأطراف تتفق على أن أي هجوم مسلح ضدّ واحد أو أكثر منها، في أوروبا أو أميركا الشمالية، يعتبر هجوماً ضدها جميعاً».
المرة الوحيدة التي استند فيها حلف شمال الأطلسي إلى المادة الخامسة لتبرير حروبه كانت في غزو أفغانستان، على إثر أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، وإعلان ما سمّي «الحرب العالمية على الارهاب».
إلا أن حلف الناتو تدخّل عسكرياً وأمنياً وسياسياً في الكثير من الحروب والصراعات على مدار تاريخه. وبعد نهاية الحرب الباردة أصبح الحلف أكثر ميلاً إلى التدخل العسكري والقيام بعمليات أمنية خارج أوروبا. ففي العقود الثلاثة الماضية خاض الحلف 4 حروب بشكل رسمي ومعلن: في البلقان، ولا سيما في البوسنة وكوسوفو، وفي أفغانستان وليبيا. واستخدم في 3 منها القوات البرية.
اليوم، ينشط ما يقرب من 4,500 جندي من قوات حلف الأطلسي وشركاؤه في كوسوفو، ويعمل الحلف على تعزيز علاقاته مع مؤسسات ودول مختلفة، كالاتحاد الأفريقي الذي سانده الناتو سابقاً عند الصراع في دارفور في العام 2005، ومكافحة القرصنة في القرن الأفريقي، فضلاً عن استمرار دور الناتو الاستشاري في بناء الجيش العراقي تحت حجة تمكين العراق من منع عودة داعش.
الناتو في البحر المتوسط
يُجري حلف شمال الأطلسي ثلاث عمليات وأنشطة رئيسة في المجال البحري: تلك المتعلقة بالقوات البحرية الدائمة للحلف، وعملية حارس البحر في البحر المتوسط، بالإضافة إلى نشاطه في بحر إيجه. وقد كان الناتو مشارك أساسي في عمليات مكافحة القرصنة في خليج عدن وقبالة القرن الأفريقي.
يستمر حلف الناتو بعملية حارس البحار التي تم إطلاقها في تشرين الثاني/نوفمبر 2016، وذلك بحجة الحفاظ على بيئة بحرية آمنة في البحر الأبيض المتوسط. ففي كل عام، تجري عملية حارس البحار خمس أو ست عمليات مركزة في مناطق محددة ذات أهمية في البحر الأبيض المتوسط، وتستخدم هذه العمليات الإمكانات البحرية والجوية وغيرها لجمع وتطوير والحفاظ على صورة دقيقة للنشاط اليومي في أجزاء مختلفة من البحر الأبيض المتوسط.
عملية حارس البحر، هي جزء من استراتيجية ينفّذها حلف الناتو للسيطرة على البحار المهمّة، بذريعة حماية التجارة البحرية التي تمثّل 90% من التجارة العالمية وتجري عبرها 50% من تجارة النفط. إلا أن أهداف العملية المعلنة تتضمن إجراء عمليات حظر بحري والسيطرة على الممرات الرئيسة أو «نقاط الاختناق».
ومن المتوقع أن يصل إنفاق حلف الناتو العسكري إلى 1.18 تريليون دولار في العام 2024، 63% منها هو إنفاق أميركي، علماً أن إنفاق الناتو العسكري كان أقل بـ275 مليار دولار في العام 2014! بهذا الإنفاق الكثيف والمتزايد، يستمر الحلف في الحفاظ على قدراته الدفاعية الجوية والبحرية والبرية، سواء النووية أو التقليدية، فضلاً عن قدراته الفضائية والسيبرانية، ويستطيع الناتو إبقاء 1.9 مليون فرد في الخدمة الفعلية، هذا من دون احتساب الذين يخدمون في الجيش الأميركي. وللمقارنة يصل أفراد الخدمة الفعلية في روسيا إلى 1.1 مليون فرد. أيضاً، إذا استثنينا الولايات المتحدة الأميركية، يمتلك الناتو في العام 2024 حوالي 2,500 طائرة مقاتلة، و6,652 دبابة قتال رئيسة في مقابل امتلاك روسيا لنحو 1,300 طائرة و2,000 دبابة.
تمتلك ثلاث دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي أسلحة نووية وهي الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة.