معاينة nuclear warhead

عودة سباق التسلّح النووي

تشنّ إسرائيل، بدعم ومشاركة الولايات المتحدة، حرباً على إيران لتدمير برنامجها النووي و«تغيير الشرق الأوسط»، في الوقت الذي تعمل القوى النووية القائمة، بما فيها إسرائيل، على تسريع وتيرة التسلّح النووي، وإنهاء عصر نزع السلاح النووي والحدّ من انتشاره. فبحسب أحدث تقارير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، باتت وتيرة إعادة التسلّح لدى الدول النووية تفوق الوتيرة التي كانت تُفكّك بها الرؤوس النووية في خلال السنوات الماضية. وهذه هي المرّة الأولى التي يُرصد فيها هذا الاتجاه منذ نهاية الحرب الباردة، والخطير أنه يترافق مع تزايد خطاب التهديد باللجوء إلى السلاح النووي، والتخلي عن اتفاقيات ضبط التسلح التي حكمت العالم منذ تسعينيات القرن الماضي. 

في تقريره السنوي حول حالة الأمن العالمي والتسلّح، يذكر معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام أن الدول النووية التسع في العالم (وهي: الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين، والهند، وباكستان، وكوريا الشمالية، وإسرائيل) واصلت تحديث ترساناتها العسكرية النووية في خلال العام الماضي، ونشرت بعض هذه الدول أنظمة أسلحة جديدة مزوّدة برؤوس نووية أو قادرة على حملها. 

يُقدّر العدد الإجمالي للرؤوس النووية في العالم اليوم بنحو 12,241 رأساً، من ضمنها نحو 9,614 رأسًا نوويًا مخزّنة في الترسانات العسكرية وجاهزة للاستخدام المحتمل أي بزيادة تقدّر بنحو 29 رأساً عن العام السابق. ويُقدّر أن حوالي 3,912 من هذه الرؤوس منتشرة بالفعل مع الصواريخ والطائرات، بينما البقية محفوظة في مخازن مركزية. كما يُحتفظ بنحو 2,100 رأس من هذه الرؤوس المنتشرة في حالة تأهب عالٍ على صواريخ باليستية. وتعود الغالبية العظمى من هذه الرؤوس إلى روسيا أو الولايات المتحدة، إلا أن فرنسا وبريطانيا الصين قد تحتفظ الآن ببعض الرؤوس المثبتة على صواريخ.

سباق نووي جديد

منذ نهاية الحرب الباردة، تجاوز معدل تفكيك الرؤوس النووية المتقاعدة لدى روسيا والولايات المتحدة معدل نشر رؤوس جديدة، ما أسفر عن انخفاض سنوي تدريجي في المخزون النووي العالمي من نحو 64 ألف رأس نووي في منتصف الثمانينيات إلى حوالي 12,241 رأسًا نوويًا اليوم. غير أن هذا الاتجاه مرشح للعكس في السنوات المقبلة مع تباطؤ وتيرة التفكيك وتسارع نشر الأسلحة النووية الجديدة.

تمتلك روسيا والولايات المتحدة معًا حوالي 90% من إجمالي الأسلحة النووية في العالم (10,636 رأساً نووياً). ويبدو أن حجم الترسانتين العسكريتين لكل منهما (أي الرؤوس الجاهزة للاستخدام) بقي مستقرًا نسبيًا في خلال العام 2024، لكن الدولتين تنفذان برامج تحديث واسعة قد تزيد من حجم وتنوع ترساناتهما في المستقبل. ومن المرجح أن تشهد كل من روسيا والولايات المتحدة زيادة في نشر الأسلحة النووية في السنوات المقبلة. وستأتي الزيادة الروسية أساسًا نتيجة تحديث ما تبقى من القوات الاستراتيجية لتكون قادرة على حمل عدد أكبر من الرؤوس لكل صاروخ، وإعادة تحميل بعض الصوامع التي أُفرغت في السابق. أما الزيادة الأميركية فقد تتحقق عبر نشر مزيد من الرؤوس على القاذفات الحالية، وإعادة تفعيل قاذفات فارغة، وإضافة أسلحة نووية غير استراتيجية جديدة إلى الترسانة. ويدفع مؤيدو التوسع النووي في الولايات المتحدة باتجاه هذه الخطوات كرد فعل على نشر الصين أسلحة نووية جديدة.

في المقابل، تشير التقديرات إلى أن الصين باتت تمتلك الآن ما لا يقل عن 600 رأس نووي. وتعد الترسانة النووية الصينية الأسرع نموًا بين جميع الدول، إذ زادت بمعدل 100 رأس نووي سنويًا منذ العام 2023. وبحلول كانون الثاني/يناير 2025، كانت الصين قد أنجزت أو شارفت على إنجاز نحو 350 صومعة جديدة للصواريخ الباليستية العابرة للقارات موزعة على 3 حقول صحراوية كبيرة في شمال البلاد وثلاث مناطق جبلية في شرقها. ووفقاً للطريقة التي ستنظم بها الصين قواتها النووية، فمن المحتمل أن يكون لديها عدد من الصواريخ الباليستية العابرة للقارات مماثل لما لدى روسيا أو الولايات المتحدة بحلول نهاية العقد. ومع ذلك، حتى إذا بلغت الصين الحد الأقصى المتوقع وقدره 1500 رأس نووي بحلول العام 2035، فإن ذلك سيشكل نحو ثلث المخزون الحالي لكل من الترسانتين الروسية والأميركية فقط.

أما بريطانيا التي تمتلك 225 رأساً نووياً، فلا يُعتقد أنها زادت ترسانتها في عام 2024، لكن من المتوقع أن يرتفع عدد الرؤوس النووية في المستقبل، بعدما أكد التحديث المتكامل لمراجعة السياسة الدفاعية لعام 2023 خططًا سابقة لرفع الحد الأقصى لعدد الرؤوس النووية. وفي خلال الحملات الانتخابية، أعلنت حكومة العمال المنتخبة في يوليو/تموز 2024 التزامها باستكمال بناء 4 غوّاصات جديدة تعمل بالطاقة النووية وتحمل صواريخ باليستية، والإبقاء على الردع النووي البحري المستمر لبريطانيا، وتنفيذ «جميع الترقيات اللازمة» لترسانتها النووية مستقبلًا. كما واصلت فرنسا، التي تملك 290 رأساً نووياً، تنفيذ برامجها لتطوير غواصة نووية جديدة من الجيل الثالث وصاروخ كروز جديد يُطلق من الجو، إلى جانب أعمال إعادة تأهيل وترقية للأنظمة القائمة، بما في ذلك تطوير صاروخ باليستي محسّن مع تعديل جديد للرأس الحربي.

إلى ذلك، يُعتقد أن الهند (تملك 180 رأساً نووياً) قد وسّعت ترسانتها النووية مرة أخرى في العام 2024، مع استمرارها في تطوير أنواع جديدة من أنظمة إيصال الأسلحة النووية. ويُتوقع أن تتيح الصواريخ الهندية الجديدة ذات «التخزين في حاويات» نقل الرؤوس النووية وهي مركّبة بالفعل على الصواريخ، ما قد يسمح بحمل الرؤوس في أوقات السلم وربما حمل رؤوس عدة على كل صاروخ عند دخولها الخدمة. كما واصلت باكستان (تملك 170 رأساً نووياً) تطوير أنظمة إيصال جديدة وتكديس المواد الانشطارية في عام 2024، مما يشير إلى احتمال توسع ترسانتها النووية خلال العقد المقبل. وفي أوائل عام 2025، تصاعدت التوترات بين الهند وباكستان إلى نزاع مسلح قصير الأمد.

تواصل كوريا الشمالية إعطاء أولوية قصوى لبرنامجها النووي العسكري باعتباره عنصرًا أساسيًا في استراتيجيتها للأمن القومي. ويقدّر أن بيونغ يانغ قد جمعت الآن حوالي 50 رأسًا نوويًا، وتمتلك ما يكفي من المواد الانشطارية لإنتاج ما يصل إلى 40 رأسًا إضافيًا، وتسرّع إنتاج المزيد من المواد الانشطارية. وقد حذّر مسؤولون كوريون جنوبيون في تموز/يوليو 2024 من أن كوريا الشمالية باتت في «المراحل النهائية» لتطوير «سلاح نووي تكتيكي». وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2024، دعا الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى «توسيع غير محدود» للبرنامج النووي للبلاد.

أما إسرائيل — التي لا تعترف رسميًا بامتلاكها أسلحة نووية ولكن يرجح أن لديها 90 رأساً نووياً— فيُعتقد أيضًا أنها تواصل تحديث ترسانتها النووية. ففي العام 2024 أجرت اختبارًا لنظام دفع صاروخي يُرجح أن يكون مرتبطًا بعائلة صواريخ «أريحا» القادرة على حمل رؤوس نووية. كما يبدو أن إسرائيل تعمل على ترقية موقع مفاعل ديمونة لإنتاج البلوتونيوم.

تزداد خطورة هذه التطورات بسبب ازدياد السرية التي تتبعها الدول حيال أسلحتها النووية، فضلاً عن تدهور اتفاقيات ضبط التسلح مثل اتفاقية «نيو ستارت» التي تضمنت تدابير تلزم الدول بتبادل البيانات المتعلقة بأسلحتها، وقيام الدول الكبرى بتغيير العقائد النووية فيها، أي الأسباب الموجبة التي تسمح لها بتكييف استخدام السلاح النووي تبعاً للتطورات الجيوسياسية .

يرى دان سميث، مدير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام، أنّ «الرقابة الثنائية على الأسلحة النووية بين روسيا والولايات المتحدة دخلت مرحلة أزمة منذ سنوات» وهي الآن تقترب من الانهيار التام. فالاتفاق الأخير بين واشنطن وموسكو في هذا الإطار، وهو معاهدة «ستارت الجديدة» التي أُبرمت في العام 2010، سيظلّ سارياً رسمياً حتى شباط/فبراير 2026، لكن لا مؤشرات على استعداد أيّ من الطرفين لتجديده أو استبداله بأداة ملزمة جديدة. أما الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فلا يعتزم تقييد البنتاغون إلّا إذا وافقت الصين أيضاً على تقليص ترسانتها النووية، وهو احتمال بعيد من الواقعية.

يضاف إلى ذلك، لجوء الدول إلى تغيير عقائدها النووية. ففي العام 2024، وسّعت روسيا الظروف التي قد تبرر استخدام الأسلحة النووية، لتشمل الدفاع عن روسيا وبيلاروس ضد هجمات تقليدية إذا شكّلت تهديدًا حرجًا، أمّا الولايات المتحدة فقد أبقت على عقيدتها التي تسمح باستخدام الأسلحة النووية بشكل متزامن لردع روسيا والصين وكوريا الشمالية مع الالترام بضمان أمن الحلفاء وتحديث الأسلحة التكتيكية في أوروبا، فيما تتبنى الصين سياسة الردع الأدنى الكافي مع الترام معلن بسياسة عدم الاستخدام الأول وعدم التهديد باستخدام الأسلحة النووية ضد دول غير نووية، ولكنها في المقابل تتوسع في ترسانتها وتنشئ صوامع إطلاق صواريخ وتقيم دوريات ردع بحرية شبه مستمرة للغواصات النووية، وتدريب وحدات صواريخ على الجاهزية العالية، واختبارات إطلاق متتالية لصواريخ عابرة للقارات. 

وبحسب سميث، فإن «سباق تسلّح جديداً بات يتبلور، محمّلاً بمخاطر أكبر بكثير وعدم يقين أكثر من السباق السابق»، أي ذلك الذي جرى في فترة ما بين الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفياتي. وتؤدي التطورات التكنولوجية دوراً حاسماً في تغيير قواعد اللعبة، بفضل التقدّم في الذكاء الاصطناعي، وقدرات الدوائر الإلكترونية، وأنظمة الصواريخ، والإمكانات الفضائية، والتقنيات الكمية.