معاينة أحوال عمَّال مصر 2025

أحوال عمَّال مصر 2025

مرّت الطبقة العاملة المصرية بتغيرات كبرى في خلال العقود الثلاث الأخيرة على مختلف المستويات وتغيّر مراكز الاحتجاج بين القطاعات الاقتصادية كافة. نعرض في هذا المقال تطوّر التركيب الاجتماعي للطبقة العاملة وقضايا الأجور والبدلات وأوضاع الحريات النقابية والتنظيم النقابي وسيطرة الدولة على قطاع كبير من الطبقة العاملة.

التركيب الاجتماعي 

علي مدى العقدين الأخيرين، تغيّر تركيب الطبقة العاملة المصرية وهيكلها ربطاً بتطور الحركة النقابية والحركات الاحتجاجية. وفي العام 2022، بلغ عدد العاملين بأجر في مصر نحو 20.6 مليون عامل موزّعين على النحو الآتي: 4.9 مليون يعملون في الحكومة، و607 ألف يعملون في القطاع العام، ونحو 7.4 مليون يعملون في القطاع الخاص المنظّم، بالإضافة إلى 7.5 مليون يعملون في القطاع الخاص غير المنظّم. 

يصنّف الجهاز المركزي للتعبئة العامّة والإحصاء عمّال مصر وفقاً لأقسام المهن الرئيسة، إذ يوجد 3.2 مليون يعملون في الخدمات ومحلات البيع، و2.6 مليون يعملون في الزراعة والصيد، و2.6 مليون يعملون في تشغيل المصانع والماكينات، بالإضافة إلى 4.4 مليون حرفي و1.1 مليون يعملون في مهن عادية. 

أما لناحية تصنيف العاملين بأجر وفقاً للنشاط الاقتصادي، فنجد أن 2.7 مليون يعملون في الزراعة وصيد الأسماك واستغلال الغابات، 61.1 ألف يعملون في المناجم والمحاجر، و3 مليون يعملون في الصناعات التحويلية، فضلاً عن 3.4 مليون يعملون في التشييد والبناء، و2.2 مليون يعملون في تجارة الجملة والتجزئة، و2.1 مليون يعملون في التعلي، بالإضافة إلى 943.4 ألف يعملون في الصحة والعمل الاجتماعي.

شكلت الأجور والبدلات أكثر من 85% من أسباب الاحتجاجات العمالية منذ مطلع الألفية الثالثة، وبعد ربع قرن لا تزال قضايا الأجور محرّك الاحتجاجات

وفق بيانات آخر تعداد اقتصادي في مصر لعام 2017 يتضح أن 99% من المنشآت العاملة في مصر تابعة للقطاع الخاص، الذي يستوعب 73% من الطبقة العاملة سواء داخل المنشآت أو في القطاع غير المنظّم. كما أن 90% من المنشآت فردية، بينما تشكّل الشركات 10% فقط من المنشآت، كما أوضح التعداد الاقتصادي أن المنشآت المسجّلة تمثّل 47% من المنشآت، في مقابل 53% منشآت غير مسجلة. كذلك فإن 98.9% من المنشآت يعمل فيها أقل من 10 عمّال. 

حدثت تغيرات في مراكز الاحتجاج العمّالي، من عمال القطاع العام منذ سبعينيات وحتى تسعينيات القرن الماضي، ثم موظّفي الحكومة وعمال القطاع الخاص، وتصاعدت الاحتجاجات لتبلغ ذروتها في رفض قانون الخدمة المدنية والإصرار على تعديله وكذلك قانون النقابات العمالية. 

أما في الفترة من 2014 وحتى الآن فنجد أن عمال القطاع الخاص كانوا في مقدّمة الحراك العمّالي مع تراجع عمّال الحكومة والقطاع العام. بالإضافة إلى تضخم العمالة في القطاع غير المنظّم، وتصفية الشركات ذات العمالة الكثيفة مثل مصر حلوان للغزل والنسيج وإسكو والحديد والصلب وغيرها من القلاع الصناعية. 

الأجور والبدلات 

شكلت الأجور والبدلات أكثر من 85% من أسباب الاحتجاجات العمالية منذ مطلع الألفية الثالثة وحتى الآن، وبعد ربع قرن لا تزال قضايا الأجور هي المحرّك الرئيس للاحتجاجات. سواء من حيث عدم التزام أصحاب العمل بصرف الحد الأدنى للأجور أو التلاعب بالأجور وعدم صرف الأرباح أو تخفيضها أو الانتقاص من المزايا النقدية ومنح الأعياد والمناسبات وتخفيض المنح أو إلغائها وتأخير صرف المرتبات وتراكمها لشهور في بعض المواقع.

وعلى الرغم من وجود مجلس أعلى للأجور والأسعار، لم يكن يجتمع، وعندما يجتمع فإنه يقرّر زيادات في الأجور ويفتح الباب لأصحاب العمل للتهرب بحجة تحقيق خسائر لكي يتم إعفاؤهم من تطبيق الحد الأدنى للأجور. وعلى الرغم من أن الحد الأدنى للأجور في القطاع الحكومي وصل إلى 7,000 جنيه في العام 2025، إلا أن غالبية عمّال القطاع الخاص تقل أجورهم عن 3,500 جنيه، وكذلك بعض شركات القطاع العام كما حدث في إضراب عمّال وعاملات وبريات سمنود، الذي تم القبض على 9 عاملات من منازلهم للمرة الأولى في تاريخ مصر.

يعد نظام الأجور في الحكومة أفضل كثيراً من نظم الأجور في القطاع الخاص وخصوصاً القطاع غير المنظّم البعيد من الرقابة والحماية. وعلى الرغم من الزيادات المتوالية على الحد الأدنى لأجور الحكومة، انخفضت الأجور إلى إجمالي مصروفات الموازنة من 24% في 2010-2011 إلى 14.8% فقط في موازنة 2025-2026، وكذلك انخفضت أهمية أجور الحكومة إلى الناتج المحلي الإجمالي في خلال الفترة نفسها من 7% إلى 3.3%، بما يعكس أن الأجور تشكّل مشكلة لجميع عمال مصر في الحكومة والقطاع الخاص.

تشريعات العمل 

حرص صندوق النقد الدولي في اتفاقه مع مصر في العام 2016 على أهداف عدّة منها تخفيض العمالة في القطاع الحكومي والاستمرار في وقف التعيينات، ما أدّى إلى غياب مسؤولي الإرشاد الزراعي ومأموري الضرائب والعشرات من الوظائف الحيوية ومنها المعلّمين والأطباء والتمريض. بالإضافة إلى صدور 4 تشريعات عمالية هي قانون التأمينات الاجتماعية رقم 148 لعام 2019، الذي أطاح بالكثير من المكتسبات في القانون القديم، بالإضافة إلى تقسيم العاملين بالدولة إلى فئات، كل فئة يحسب معاشها بطريقة مختلفة، وهو ما طعنت دار الخدمات النقابية والعمالية بعدم دستوريته، كما قنن الاستيلاء على مدخرات صناديق المعاشات وتعهّد بدفع مبلغ شهري لردّ الدين على 50 عاماً، بالإضافة إلى تحويل النظام من تأمين اجتماعي إلى تأمين تجاري وتدمير نظام مكافأة نهاية الخدمة، بالإضافة إلى عرقلة حصول العمّال على معاش مبكر. 

حرص صندوق النقد الدولي على تخفيض العمالة في القطاع الحكومي والاستمرار في وقف التعيينات، ما أدّى إلى غياب مسؤولي الإرشاد الزراعي ومأموري الضرائب والمعلّمين والأطباء والتمريض

كما صدر قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل رقم 2 لعام 2018، الذي حوّل التأمين الاجتماعي التكافلي إلى تأمين تجاري وألغى التزام الدولة بالتأمين على الأطفال دون السن المدرسي وإلغاء التأمين على أطفال المدارس وحمل الآباء نسبة اشتراك الزوجة غير العاملة والأطفال، بالإضافة إلى مساهمات يتحمّلها المشترك عند الحصول على الخدمة بما يشكل عبئاً إضافياً على العمّال وأسرهم.  وعلى الرغم من كل هذه العيوب لا يزال القانون لا يطبق إلا على أقل من 5% فقط من السكان وباقي السكان خاضعين للقانون القديم أو غير متمتعين بمظلة التأمين الصحي. 

حرصت التشريعات الجديدة على العسف بالاستقرار الوظيفي والتحول إلى العمل المؤقت، وصدر قانون الخدمة المدنية رقم 18 لعام 2015، الذي شكل عدواناً كبيراً على حقوق عمّال الحكومة وفجّر حركة احتجاجية كبرى ضدّ القانون انتهت بإسقاطه وصدور القانون رقم 81 لعام 2016 الذي قنّن الكثير من أوضاع العمل المؤقت وثبّت الأجور للملايين من المعلمين والأطباء وشكل إخلالاً كبيراً بالاستقرار الوظيفي لموظفي الحكومة مع الاستمرار في التضييق على التعيينات الجديدة على الرغم من العجز في العشرات من الوظائف الهامة.  

وأخيراً منذ أيام، وافق مجلس النواب على قانون العمل الذي ظل يعرض ثم يختفي منذ ما قبل ثورة 25 يناير، ولكنه أقر في العام 2025، وهو الآن معروض على رئيس الجمهورية للتصديق عليه. وقد عصف القانون بالحماية المقررة للعمال، وحوّل العلاقة إلى تعاقد مؤقت وأطلق يد أصحاب العمل بمزيد من السلطات وأباح عمال وكالات تشغيل العمالة التي أعادتنا لعصور السخرة وعمّال التراحيل، كما تم تخفيض العلاوة السنوية للعمّال من 7% من الأجر إلى 3% على الرغم من كل معدلات التضخم التي تشهدها مصر.

الحريات النقابية 

تم تأميم النقابات العمالية في مصر منذ العام 1954. وفي العام 1957 اكتملت المؤامرة بفرض اتحاد عمال حكومي من أعلى كجزء من السلطة التنفيذية والقضاء على نقابات المصانع والمنشآت لصالح نقابات عامة تشكّلها الأجهزة الأمنية وتحكم قبضتها على الحركة العمّالية، وأصبح الاتحاد جزء من الدولة لدرجة أنه في خلال بعض الفترات كان وزير العمل هو رئيس اتحاد العمال، فتحوّل إلى الخصم والحكم.

عاشت الطبقة العاملة نهوضاً نقابياً واحتجاجياً في خلال الفترة الممتدّة بين عامي 2000 و2011، واستطاعت في ظل قانون النقابات العمالية القديم وقيوده انتزاع 4 نقابات عامة مستقلة هي الضرائب العقارية وأصحاب المعاشات والمعلمين والعلوم الصحية.

ثم انتعشت الحركة النقابية بعد ثورة 25 يناير، والتحاق الطبقة العاملة بالحراك الثوري، ثم صدور إعلان الحريات النقابية الذي أتاح للمرة الأولى منذ ثورة يوليو حرية تشكيل النقابات العمالية. وشهدت مصر فترة ذهبية منذ العام 2011 وحتى 2014، وتم تشكيل أكثر من 1,500 نقابة مستقلة، بعدها استعادت الأجهزة الأمنية السيطرة وصدر القانون رقم 213 لعام 2017 الذي وضع الكثير من العراقيل أمام إنشاء النقابات العمالية ومنع تقنين أوضاع المئات من النقابات العمالية المستقلة وظل العمال رافضين القانون ومطالبين بتعديله حتى سقط بالقانون رقم 142 لعام 2019، الذي سمح لكل 50 عامل بتأسيس نقابة عمالية.

ظلت الطبقة العاملة المصرية حبيسة مطالبها الاقتصادية ووعيها الاقتصادي الذي لم يتطور بعد إلى وعي سياسي ورؤية أعمق لأسباب المشاكل الاقتصادية

لكن الرأسمالية المصرية غيّرت من تكتيكها في ظل القانون 213، وسمحت بتأسيس النقابات وأخضعتها للإشهار من خلال وزارة القوى العاملة، ومن بين أكثر من 1,500 نقابة مستقلة لم يستطع تجاوز العقبات الإدارية للوزارة والأجهزة الأمنية سوى 85 نقابة فقط، وعجزت باقي النقابات عن تخطي حاجز الإشهار. بل وعرقلة قيام نقابات عامة مستقلة خارج الاتحاد الحكومي، ولا يزال عمّال الشركة المصرية للاتصالات والضرائب العقارية يكافحون لاستكمال إشهار نقاباتهم وإعلان نقاباتهم العامة المستقلة، كما أجبر عمال البريد والمحاكم والنيابات على إشهار نقاباتهم العامة ودخولهم تحت مظلة الاتحاد الحكومي.   

وإذا كنا نتحدث عن 20 مليون عامل بأجر في مصر، فإن عدد أعضاء النقابات التابعة لاتحاد عمال مصر يتراوح بين 3 و5 مليون عامل موزعين على 27 نقابة عامة. وبالتالي فإن 75% من عمال مصر بلا نقابات عمالية تدافع عنهم. كما تقلص عدد اللجان النقابية التابعة لاتحاد العمال الحكومي من 1,198 لجنة في العام 2010 إلى 978 لجنة في العام 2021. ولذلك فإن العضوية الإجبارية في الاتحاد الحكومي إضافة إلى سيطرة الأجهزة الأمنية تحدّ من نمو الحركة النقابية.

تشدّدت السلطات الإدارية في منح الإشهار لنقابات الفلاحين وعمال الزراعة كما حرمت أصحاب المعاشات وعاملات المنازل من التنظيم النقابي. أما على صعيد توحيد النقابات المستقلة فيوجد الآن 3 اتحادات نقابية مستقلة الأول هو اتحاد تضامن النقابات العمالية، وهو الأكبر من حيث العضوية وعدد اللجان النقابية التابعة والاتحاد المصري للنقابات العمالية، ثم اتحاد عمال مصر الديمقراطي الذي انتزع شرعية واعترافاً دولياً في فترة سابقة على الرغم من انسحاب الكثير من النقابات منه ولكنه لا يزال يدعي تمثيل عمال مصر.

كما يوجد في مصر 25 نقابة مهنية تضم عضوية تصل 8 مليون شخص، ولكن لا يمكن اعتبارها نقابات لأنها تجمع بين العمال بأجر وأصحاب العمل، كما يجمع بعضها بين منح تراخيص ممارسة المهنة والعمل النقابي مثل المهندسين والأطباء والمحامين. ولذلك لا نصف هذه التنظيمات بالنقابات الخاصة وإن كانت غالبيتها خاضعة لسيطرة الأجهزة الأمنية والإدارية. 

وما زالت غالبية الاحتجاجات العمالية لأسباب اقتصادية، وما زال الوجود العمالي داخل الأحزاب السياسية ضعيف ومحدود، وما زال هناك عزوف عمالي عن العمل السياسي والاكتفاء بالحراك دفاعاً عن المطالب الاقتصادية. ويسبّب ذلك ضعفاً كبيراً في وجود وفاعلية الأحزاب السياسية خصوصاً أحزاب الطبقات الشعبية المنحازة للكادحين.

كما لا يزال عمال مصر بعيدين من القضايا الدولية والصراعات الإقليمية خصوصاً قضايا سد النهضة والحرب في غزة. كما أن نشاط حركة مقاطعة الشركات الداعمة للعدو الصهيوني كان يتم استخدام عمال هذه الشركات كأداة في الصراع ولم نسمع صوت لعمال هذه الشركات سواء من الحرب في غزة أو المقاطعة. وظلت الطبقة العاملة المصرية حبيسة مطالبها الاقتصادية ووعيها الاقتصادي الذي لم يتطور بعد إلى وعي سياسي ورؤية أعمق لأسباب المشاكل الاقتصادية.