معاينة palestine wall

التجارة مع المستوطنات: إمعان أوروبي في تمزيق القانون الدولي

لا يمكن الحصول على أرقام دقيقة ومحدَّثة لحجم التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي والمستوطنات الاسرائيلية، لأن هذا الأمر يُعدّ مخالفاً لقوانين الاتحاد والقوانين الدولية التي تجرّم الاستيطان. لكن قبل مدّة وتزامناً مع انعقاد المحادثات الأوروبية ـ الإيرانية في جنيف، دعت 9 دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي المفوضية الأوروبية إلى «تقديم مقترحات عملية لوقف تجارة الاتحاد مع المستوطنات الإسرائيلية». إذ على الرغم من الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الرافض للاستيطان الإسرائيلي والداعي إلى وجوب احترام القوانين الدولية في هذا الخصوص لا تزال العلاقات التجارية بين عدد من دول الاتحاد والمستوطنات قائمة بشكل مباشر وغير مباشر.

تستمرّ بعض الشركات الإسرائيلية العاملة داخل المستوطنات – خصوصاً في الضفة الغربية ومرتفعات الجولان المحتلّ – في تصدير منتجاتها إلى الأسواق الأوروبية، لا سيما المنتجات الزراعية ومستحضرات التجميل والمعدّات الصناعية، وذلك عبر قنوات تصدير تحمل في كثير من الأحيان إشارة «صُنع في إسرائيل»، من دون تمييز واضح لما يُنتَج في المستوطنات أو خارجها. وكان الاتحاد الأوروبي أصدر في العام 2015 توجيهات تطلب من الدول الأعضاء وقطاعات الاستيراد وضع علامات توضيحية على المنتجات القادمة من المستوطنات لتمييزها عن غيرها من المنتجات الإسرائيلية. إلا أن هذه التوجيهات ليست ملزمة قانونياً، وقد فشلت حتى اليوم في منع تدفّق بضائع المستوطنات إلى الأسواق الأوروبية.

المستوطنات والاتحاد الأوروبي: قصّة تجارة غير معلنة

تقدّر منظمات دولية أن عشرات الشركات الأوروبية متورّطة في علاقات تجارية مع المستوطنات، سواء من خلال استيراد المنتجات أو تقديم خدمات لوجستية ومالية أو عبر استثمارات في شركات إسرائيلية تنشط في الأراضي المحتلّة. وتشير تلك التقارير إلى أن هذه العلاقة الاقتصادية تسهم في ترسيخ الاستيطان، بما يتعارض مع القانون الدولي الذي يعتبر المستوطنات غير شرعية.

في المقابل، تؤكد بعض الحكومات الأوروبية أنها تحذّر الشركات من المخاطر القانونية والأخلاقية المرتبطة بالتعامل مع المستوطنات. غير أن غياب آلية رقابة فعّالة، واستمرار تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية، يؤدي إلى استمرار الوضع الراهن.

وفي فلسطين، تطالب مؤسسات اقتصادية وحقوقية بفرض حظر شامل على استيراد منتجات المستوطنات، على غرار العقوبات التي طُبّقت في حالات انتهاكات مشابهة للقانون الدولي في مناطق أخرى من العالم.

بدأت دول أوروبية عدة باتخاذ خطوات عملية لمراجعة اتفاقياتها التجارية مع إسرائيل في ظلّ أعمال الإبادة الجماعية المستمرّة في غزة، وسط مطالبات بفرض قيود على المنتجات القادمة من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. لكن المفوضية الأوروبية ما زالت «تدرس خيارات قانونية وسياسية» للرد، منها فرض قيود تجارية على منتجات المستوطنات، وتجميد بعض برامج التعاون، أو حتى تعليق جزئي للاتفاقية—مع أن مثل هذا الإجراء يتطلّب إجماعاً سياسياً لا يزال غير مضمون.

وفي أحدث تحرّك رسمي أوروبي طالبت تسع دول أوروبية—من بينها إيرلندا، إسبانيا، بلجيكا، والسويد— في 19 حزيران/يونيو بشكل رسمي المفوضية الأوروبية بوضع آليات لمنع التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية، وذلك استناداً إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي أكّد أن استمرار هذه التجارة يشكل خرقاً للقانون الدولي.

وبالتوازي مع المسار الأوروبي الجماعي، اتخذت دول عدة خطوات منفردة. تعتزم إيرلندا تمرير قانون يحظر استيراد منتجات المستوطنات، والمشروع نال دعماً من البرلمان ويُتوقّع التصويت عليه قبل نهاية 2025. فيما دعت إسبانيا إلى تعليقٍ كامل لاتفاقية الشراكة، مع فرض حظر على صادرات الأسلحة، ومبادرة أوروبية للاعتراف بالدولة الفلسطينية.
 بينما أوقفت بريطانيا (على الرغم من خروجها من الاتحاد الأوروبي) مفاوضات اتفاق التجارة الحرة مع إسرائيل، وفرضت عقوبات على مستوطنين متهمين بانتهاكات ضد الفلسطينيين.