
أوروبا ما زالت تعتمد على الغاز الروسي
بعد 3 سنوات تقريباً من بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، لا يزال الغاز الطبيعي الروسي يتدفّق إلى أوروبا، والمفارقة أن جزءاً مهمّاً من صادرات الغاز الروسية لا يزال يتدفّق حتى الآن عبر خط أنابيب يمرّ من أوكرانيا في مقابل رسوم عبور بقيمة 800 مليون يورو سنوياً تدفعها روسيا لأوكرانيا. ووفق تقرير نشرته «بلومبرغ»، أسفرت العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا عن تخفيض حصّة الغاز الروسي من مجمل واردات الغاز الأوروبية من 44.9% في العام 2021، عشية الحرب، إلى 23.6% في العام 2022، و14.8% في العام 2023، إلا أن هذه الحصّة عاودت الارتفاع لتبلغ 20% في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
يتدفّق الغاز الروسي إلى أوروبا حالياً عبر ثلاثة مسارات رئيسة:
1- خط أنابيب يمرّ عبر أوكرانيا إلى سلوفاكيا. ووفق البيانات التي نشرتها وكالة «تاس» الروسية، ارتفع حجم الإمدادات إلى دول أوروبا الغربية والوسطى عبر هذا الخطّ إلى 12.85 مليار متر مكعب بين كانون الثاني/يناير وتشرين الأول/أكتوبر 2024، بزيادة نسبتها 7% عن الفترة نفسها من العام الماضي.
2- خط أنابيب يمرّ عبر تركيا إلى بلغاريا. وقد ارتفع حجم الإمدادات الروسية إلى دول جنوب وجنوب شرق أوروبا إلى 13.66 مليار متر مكعب في الفترة نفسها.
3- ناقلات الغاز الطبيعي المسال عبر ناقلات في البحر، نحو أسواق مختلفة في آسيا وأفريقيا بالإضافة إلى أوروبا.
إلا أن مدّة العقد الذي يسمح بتصدير الغاز الروسي عبر خط الأنابيب إلى أوكرانيا تنتهي في الأول من يناير/كانون الثاني 2025. ومن غير الواضح حتى الآن مصير هذا العقد، إذ أعلن الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أن كييف لن تجدِّد العقد مع شركة «غازبروم» لنقل الغاز الروسي، إلا أنه أشار إلى أن هذا القرار ستتخذه أوكرانيا بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي. وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا لا ترفض إمداد أوروبا بالغاز، حتى عبر الطريق الأوكراني، ولكن أوكرانيا هي التي تفعل ذلك.
يوجد خطّان لأنابيب الغاز عبر أراضي أوكرانيا. أحدهما هو سخرانوفكا، وقد تم إغلاقه منذ فترة طويلة من قبل الجانب الأوكراني. ولا يزال التوريد يتمّ حتى الآن عبر الخط الثاني، سودجا. ويتمتع هذا الخط بأهمّية بالغة بالنسبة إلى أوروبا الشرقية والوسطى، وخصوصاً سلوفاكيا والنمسا. كما تتلقى إيطاليا والتشيك والمجر بعض الإمدادات عبر هذا الخط. وفي وقت سابق من هذا العام، حذّرت الحكومة النمساوية من «خطر هائل» يهدّد أمنها في مجال الطاقة إذا توقف تدفق الغاز الروسي. لقد حافظت فيينا على واحدة من أقدم وأعمق الروابط في أوروبا مع قطاع الطاقة الروسي، وحتى اليوم، لا تزال تعتمد على روسيا في أكثر من 80% من وارداتها من الغاز.
لقد قلّ اعتماد أوروبا على الغاز الروسي كثيراً بالمقارنة مع ما كان عليه الأمر قبل الحرب، إلا أن طروحات الاستغناء كلياً عن هذا المصدر للطاقة باءت بالفشل، فحتى الآن لا تستطيع أوروبا أن تعيش من دون الغاز الروسي إلا بكلفة اقتصادية كبيرة. فأسعار الطاقة ارتفعت في أوروبا، ويعدّ خفض الطلب أمراً صعباً مع بلوغ الاستهلاك الصناعي أدنى مستوياته، وهو ما يترتّب عليه تكاليف باهظة تتمثّل في الإضرار بنشاط التصنيع.