
الرأسمالية الاستخراجية: كيف يغذّي الاستغلال الاقتصاد العالمي
مراجعة لكتاب لالي خليلي «الرأسمالية الاستخراجية» الذي يستعرض دور الصناعات الاستخراجية كالبترول والتعدين في إثراء الشركات والحكومات، وإسهامه في تعميق اللامساواة واستغلال العمّال وإلحاق الضرر بالبيئة. وعلى الرغم من قصره، يشكّل الكتاب نقداً قوياً لنهب الموارد وآثاره العميقة الممتدة.
ينطوي مصطلح «الرأسمالية الاستخراجية» على معنيين متمايزين. يتعلق الأول باستخراج المواد الخام مثل النفط وخام الحديد وتداولها حول العالم. أما الثاني، فيصف نموذجاً اقتصادياً، تبنّته الشركات الكبرى والمصارف الاستثمارية، يقوم على تعظيم الثروة الشخصية من خلال أدوات مالية ومؤسسية تهدف إلى اقتطاع حصة غير عادلة من العوائد الاقتصادية. يركّز كتاب لالي خليلي على الجانب الأول من هذا المفهوم، غير أنه يُبرز أيضاً التداخل العميق بين الاثنين.
على مدى قرون، شكّلت شركات التعدين والتكتلات الاقتصادية الكبرى أحد المحرّكات الأساسية لعمليات الاستحواذ وتعميق اللامساواة، سواء داخل المجتمعات أو على المستوى العالمي. تشرح الكاتبة من خلال مثال النفط والرمال أن «تسليع هذه المواد وتداولها يعكسان بوضوح حجم التفاوت العالمي والنهب الإيكولوجي... تُظهر الرأسمالية الاستخراجية كيف يُعيد تسليع أشياء بسيطة من الحياة اليومية تشكيل حياة البشر، هنا، والآن، وفي أقاصي الأرض».
تُظهر الرأسمالية الاستخراجية كيف يُعيد تسليع أشياء بسيطة من الحياة اليومية تشكيل حياة البشر، هنا، والآن، وفي أقاصي الأرض
تُعتبر صناعات مثل ضخّ النفط واستخراج المعادن وشحن البضائع من أكثر القطاعات ربحية في التاريخ، وقد شكّلت محرّكاً أساسياً للاقتصاد العالمي. في أبحاثها، توضّح لالي خليلي، أستاذة دراسات الخليج في جامعة إكستر وخبيرة بارزة في شؤون النفط والسياسة الإقليمية، كيف تقوم هذه القطاعات، التي تُعد من ركائز العولمة، على «مضاربات مالية ضخمة واستغلال يد عاملة رخيصة وتحكّم شرس من الشركات». كما تكشف عن دورها في توليد ثروات مالية ضخمة ومتنقلة تسيطر عليها شركات كبرى وصناديق استثمار سيادية، وهي ناتج مباشر للرأسمالية الاستخراجية بصيغتيها الصناعية و المالية.
يُسلّط الكتاب، في عرض مقتضب وحاد، الضوء على الآثار السلبية الواسعة التي نتجت عن ممارسات الشركات القائمة على المحاباة في صناعات المواد الخام قديماً وحديثاً. تشمل الأمثلة استعمار الأراضي وتدمير مصادر عيش الناس لتحقيق أرباح مضاعفة واستخدام القوة من الدولة. تاريخ استخراج النفط والرمال مليء بالاستغلال والانتهاك والمراوغات. على سبيل المثال، أدى تعدين الرمال إلى تدمير الأنهار والبيئات الطبيعية في ميانمار وكمبوديا. كما يبرز الكتاب بعض حركات المقاومة، مثل الحملة الشعبية التي قادتها نساء من السكان الأصليين بين عامي 2016 و2017 ضد خط أنابيب داكوتا أكسس، على الرغم من فشلها في إيقاف المشروع. كذلك مشروع غازلينك في كندا، الذي واجه حواجز شعبية متكرّرة، لكنه اكتمل في نهاية المطاف في العام 2024 لنقل الغاز إلى الأسواق العالمية.
يحمل تاريخ التعدين ملامح سطوة وقمع، مارستها الحكومات الغربية والشركات متعددة الجنسيات ضد بلدان الجنوب العالمي، عبر وسائل تمتد من المقاطعات التجارية والتدخل العسكري، إلى الكارتلات العلنية والسرية والملاذات الضريبية والفساد المالي. ومن بين أبرز وجوه هذا التاريخ شخصيات بارزة من كبار أثرياء العالم، مثل قطب النفط في القرن التاسع عشر جون د. روكفلر، الذي عُرف بأساليبه الاستغلالية، ووُصف بأنه من «بارونات السلب» في أميركا. ومع تنامي الاحتكار، قُسّمت شركته ستاندرد أويل بموجب قوانين مكافحة الاحتكار التي أطلقها الرئيس ثيودور روزفلت، والذي كتب في العام 1913: «لقد بلغنا لحظة أصبح فيها شعبنا بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية، ومن بين كل أشكال الاستبداد، يظل استبداد المال هو الأبشع والأكثر ابتذالاً». غير أن الشركات المنبثقة عن تفكك ستاندرد أويل عادت لاحقاً لتندمج في تكتلات جديدة، مثل إكسون موبيل و شيفرون، واستمرت في قيادة سوق النفط العالمي لعقود.
يُعدّ هذا الكتاب تلخيصاً قويّاً لقرون من استخراج الموارد الطبيعية والخامات في العالم، ولتراكم الثروات الفردية والشركاتية الناتجة عن ممارسات تجارية لا تعرف الرحمة
من بين هؤلاء أيضاً أرسطو أوناسيس، رجل الأعمال اليوناني المعروف بانتهازيته، والذي احتكر سوق ناقلات النفط ليصعد بسرعة مذهلة في سُلّم الثروة العالمية. وبعد عقود، ظهر الأوليغارشيون الروس الذين استحوذوا على الثروات الطبيعية لروسيا من خلال خصخصة فوضوية وبأسعار زهيدة لأصول الدولة الكبرى في مجالات الطاقة والصناعة والمال في ظل انهيار الاتحاد السوفياتي وما تلاه من فساد سياسي واقتصادي. لم يكن أي من هؤلاء، من رومان أبراموفيتش إلى عليشر عثمانوف، قد أسّس أو أدار الشركات التي سيطروا عليها.
يُقدّم هذا الكتاب عرضاً مختصراً يستحق التقدير، لكن إيجازه لا يسمح بالتعمّق في تاريخ معقّد من الممارسات الافتراسية التي انتهجتها الشركات والدول. يعتمد الكتاب على مقالات سابقة للكاتبة نُشرت في منصات مثل Jacobin وLondon Review of Books. كما يتفرع أحياناً عن خطه الأساسي ليقدّم موضوعات غير مركزية، مثل إشارة سريعة إلى «رأسمالية الصحوة» وبرنامج الصين «الحزام والطريق» في أفريقيا وآسيا. ويتناول كذلك باختصار الأبعاد الاستعمارية لجزر شاغوس الاستراتيجية، التي أعيد تسليط الضوء عليها بعد قرار بريطانيا إعادة الأرخبيل إلى موريشيوس.
على الرغم من إيجازه، يُعدّ هذا الكتاب تلخيصاً قويّاً لقرون من استخراج الموارد الطبيعية والخامات في العالم، ولتراكم الثروات الفردية والشركاتية الناتجة عن ممارسات تجارية لا تعرف الرحمة. بعض قطاعات هذه الصناعة الضخمة تواجه ضغوطاً ناجمة عن التوجّه نحو الطاقة المتجددة. غير أن تراجع بعض القادة السياسيين والشركات الكبرى – مثل BP وShell – عن التزاماتهم في هذا المجال، يدل على أننا ما زلنا بعيدين جداً عن نهاية هذه القصة.
نُشِر هذا المقال في LSE Review of Books في 13 أيار/مايو 2025 بموجب رخصة المشاع الإبداعي.