معاينة egypt

الاستثمار الأجنبي في مصر: تدفّقات ضخمة وقيمة مضافة محدودة

بلغ صافي تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر نحو 23.7 مليار دولار أميركي بين تموز/يوليو 2023 وآذار/مارس 2024، بزيادة قدرها 200%، بالمقارنة مع 7.9 مليار دولار في الفترة نفسها من العام السابق بحسب «مركز حلول للسياسات البديلة» نقلاً عن بيانات البنك المركزي المصري. 

يأتي ذلك في ظل اهتمام بارز توليه الحكومة المصرية لهذا النوع من التدفقات كركيزة أساسية لدعم الاقتصاد المصري الذي بات رهيناً للحاجة إلى العملات الأجنبية المتدفقة من الخارج لتمويل عجوزاته المتنامية، فقد وجّه الرئيس عبدالفتاح السيسي، مؤخراً، الحكومة إلى ضرورة تكثيف الجهود لزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. وعلى الرغم من أن استقطاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة يعد من هواجس أي اقتصاد، إلا أن مصر في حاجة إلى تحول إستراتيجي نحو استثمار هذه الأموال في قطاعات مولّدة للقيمة المضافة، لكي يساهم الاستثمار الأجنبي المباشر في تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة. 

graph

وبحسب «حلول للسياسات البديلة» تشير الأدلة من مختلف أنحاء العالم إلى أن الاستثمارات في أصول جديدة، التي تنشئ شركات من الصفر، تُولِّد فرص عمل وتُعزِّز نقل التكنولوجيا، وبالتالي تُحدِث أثراً إيجابياً أكبر بكثير على النمو مقارنة باستثمارات المشروعات القائمة بالفعل. فهذا النوع الثاني من الاستثمار، الذي يتمثّل في عمليات الاندماج والاستحواذ للشركات القائمة، غالباً ما يحصر الابتكار داخل الشركات الأجنبية، ويُزاحم الاستثمارات المحلية، ويحد من الفوائد غير المباشرة للشركات الوطنية. ونتيجة لذلك، فإن الاستثمار الأجنبي في المشروعات القائمة يؤثر على النمو الاقتصادي تأثيراً غالباً ما يكون ضئيلاً  أو حتى سلبيّاً. 

لم تُولِ إستراتيجية مصر للاستثمار الأجنبي المباشر أولوية كافية للاستثمارات في الأصول الجديدة. تشير بيانات الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرّة في مصر إلى أن هذه المشروعات (أو زيادات رأس المال) لم تمثّل سوى 37% من إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير النفطية في العام المالي 2023-2022. في المقابل، شهدت استثمارات المشروعات القائمة طفرة كبيرة، حيث ارتفع عدد عمليات الاندماج والاستحواذ العابرة للحدود بنسبة 25% في العام 2024، وهي النسبة الأعلى في الشرق الأوسط. ويعود هذا الارتفاع إلى حد كبير إلى الحوافز الضريبية بالإضافة إلى تعديلات قانون المنافسة المصري (قانون 2005/3) في نيسان/أبريل 2024.

يستهدف الاستثمار الأجنبي المباشر غير النفطي في مصر الأرباح المعاد تدويرها بشكل أساسي إذ تستحوذ على 44% من مجمل هذه الاستثمارات، تليها الاستثمارات الجديدة أو زيادة رأس المال في الشركات القائمة بنسبة 37%، ومن ثم عائدات بيع الكيانات المحلية لغير المقيمين (11%)، وشراء العقارات (5%). والقروض بين الشركات التابعة (3%).  

فضلاً عن ذلك، يتم توجيه معظم الاستثمارات الأجنبية المباشرة حاليّاً، إلى قطاعات ذات قيمة مضافة محدودة. ففي العام المالي 2024-2023، استحوذ قطاع البناء على 58.9% من مجمل هذه الاستثمارات بقيمة 15.4 مليار دولار، من ثم الصناعات التحويلية (13.9%)، والخدمات المالية (8.1%)، السياحة (4.9%)، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (3.3%)، شراء العقارات (3.2%)، الزراعة (0.3%)، وخدمات أخرى (7.5%).   

وعلى الرغم من أهمية مثل هذه الصفقات في توفير السيولة، فإنها غير قابلة للتكرار لأنها تعتمد على مورد محدود وهو الأرض. على سبيل المثال، كان تبنّي نهجاً إستراتيجياً وموجهاً في التعامل مع الاستثمار الأجنبي المباشر مفتاح نجاح اليابان في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبحسب «حلول للسياسات البديلة»، تبنّت اليابان، تحت إشراف وزارة التجارة الدولية والصناعة، «سياسة انتقائية حذرة تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر، حيث قيدت عمليات الاندماج والاستحواذ الأجنبية، في المقابل شجعت الاستثمارات في أصول جديدة تضمنت نقل التكنولوجيا وبناء القدرات المحلية. وتماشت شركات أجنبية مثل «آي بي إم» مع السياسة الصناعية اليابانية، حيث تعاونت مع شركات محلية وقدمت تكنولوجيا متقدمة مقابل حصولها على حوافز حكومية. وقد مكّن هذا النهج اليابان من استيعاب التكنولوجيا الأجنبية وِفق شروطها، بينما نمت شركات محلية عملاقة مثل تويوتا وسوني. لم تكن إستراتيجية الوزارة دفاعية، بل وجهت الاستثمار الأجنبي نحو قطاعات عززت القدرة التنافسية الصناعية طويلة الأجل لليابان».

أيضاً «تحولت الهند، في الفترة الأخيرة، إلى إستراتيجية استثمار أجنبي تستهدف التنمية الصناعية، وقد بدأت تجني ثماراً كبيرة. في صلب هذا النهج يقع نظام الحوافز المرتبطة بالإنتاج PLI الذي أُطلق في العام 2020 لجذب الاستثمار الأجنبي في قطاعات صناعية مختارة. استهدفت المبادرة في بدايتها ثلاثة قطاعات رئيسية: المكونات الإلكترونية، والأدوية، ومنتجات الاتصالات. وقدمت إعانات وحوافز مالية تتراوح بين 4-6% من نمو المبيعات السنوي للشركات العاملة في هذه المجالات. تمنح الحكومة الشركات المؤهلة، التي تعمل في القطاعات المستهدفة وتستوفي الحد الأدنى من الاستثمار - دعماً لتغطية تكاليف البحث والتطوير، والمعدات، ونقل التكنولوجيا. حققت المبادرة نتائج قوية في القطاعات المستهدفة، وبحلول آذار/مارس 2025، جذبت استثمارات بقيمة 18.72 مليار دولار وساهمت في إنتاج محلي تجاوز 162.84 مليار دولار. كما خلقت حوالي 1.15 مليون فرصة عمل، ودعمت صادرات تجاوزت قيمتها 61.76 مليار دولار، ما ضمن أن يخدم رأس المال الأجنبي بناء القدرات المحلية ونقل التكنولوجيا وتعزيز المرونة الصناعية طويلة الأجل».

تُقدم إستراتيجية استثمار أجنبي موجّهة وقائمة على الجودة إلى مصر طريقاً للخروج من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي المستمر. وبحسب «حلول للسياسات البديلة» فإنه «من خلال إعطاء الأولوية للمشاريع الجديدة التي تتماشى مع أهداف التنمية الوطنية، وربط الوصول إلى السوق بشروط تتعلق بالإنتاج المحلي والتدريب والتعاون في البحث والتطوير، يمكن لمصر أن تستفيد من الاستثمارات الأجنبية كأداة لتحفيز التحول البنيوي الحقيقي في الاقتصاد». 

المصدر: عدسة - حلول للسياسات البديلة - حزيران/يونيو 2025