

تعليق المساعدات الأميركية يكشف هشاشة «نموذج» المنظّمات غير الحكومية
68% من المنظّمات غير الحكومية حول العالم تتلقّى تمويلاً من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID، بحسب استبيان عالمي أجراه المجلس الدولي للوكالات التطوعية ICVA في الفترة الممتدّة بين 27 كانون الثاني/يناير و7 شباط/فبراير، وشارك فيه 246 منظمة غير حكومية وشبكات من المنظمات غير الحكومية تعمل على نطاق دولي أو محلي.
استطاع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بشطبة قلم واحدة، أن يزعزع عقوداً من استراتيجيات القوة الناعمة التي تعتمدها الولايات المتحدة لإخضاع الدولة والمجتمعات، وأن يزعزع أيضا قطاعاً واسعاً من المنظمات غير الحكومية، التي جرى تقديمها في نصف القرن الأخير كبديل عن برامج الأحزاب السياسية ونضالات الجماهير وواجبات الدولة تجاه مواطنيها. فبإصداره أمراً بتعليق المساعدات الخارجية الأميركية لمدّة 90 يوماً للتدقيق بها وبتوافقها مع السياسة الخارجية للولايات المتّحدة، أصبحت المنظمات غير الحكومية في العالم تواجه شح السيولة أو التمويل لمواصلة نشاطاتها، توقف الكثير من المشاريع، وتم تسريح الكثير من الموظفين والمتقاعدين، وخسر الكثير من المستهدفين ببرامج هذه المنظمات ومانحيها العون الذي كانوا يحصلون عليه، ومن ضمنهم مرضى ونازحين وجوعى وفئات مهمّشة.
يفيد المسح أن 67% من المنظمات المشاركة في الاستبيان، سواء تتلقى تمويلاً أميركياً أم لا، أبلغت عن تأثيرات سلبية على خدماتها، منها منظمات قلّصت نشاطاتها وأخرى توقفت عن العمل بشكل تام. أكثر من ذلك، أبلغت 80% من المنظمات التي تتلقى تمويلاً من الولايات المتحدة عن تأثيرات على شركائها، بما في ذلك الاضطرار إلى إنهاء اتفاقيات الشراكة. وما يلفت النظر في نتائج هذا الاستبيان أن تأثير القرار الأميركي على قطاع المساعدات الإنسانية يتجاوز المنظمات التي تموّلها الولايات المتحدة بشكل مباشر.
يفيد التقرير أن 67% من المنظمات غير الحكومية تلقّت أوامر بوقف العمل في خلال فترة المسح، لكن النسبة تختلف بين منطقة وأخرى في العالم. ففي منطقة المحيط الهادىء حيث النسبة الأقل، تلقت 63% من المنظمات غير الحكومية المموّلة مباشرة من الولايات المتحدة أوامر بوقف العمل في خلال فترة المسح، ثم الأميركيتان بنسبة 64%، ثم أفريقيا بنسبة 68%، وآسيا 74%، ثم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 76%، والنسبة الأكبر في أوروبا 79%.
طبعاً، تبقى الصورة أعقد على مستوى كل بلد على حدة وبحسب المشروع الذي تعطّل تمويله، مثلاً تشير إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية إلى أن بلدان كأفغانستان أو شمال اليمن تواجه احتمال إنهاء المساعدات بشكل كامل بعد فترة الـ 90 يوماً من تعليق المساعدات، ما يجعل السكان عرضة لخطر عظيم.
كيف تأثر الموظّفون؟ أبلغت 54% من الوكالات التي تلقّت أوامر إيقاف عن العمل عن آثار سلبية شديدة على القوى العاملة لديها، بما في ذلك تعليق أعمالهم أو إنهاء الخدمة كلياً أو إيقاف الإجازات غير مدفوعة الأجر. ما يعتبر ضربة كبيرة للقطاع غير الحكومي، والقوى العاملة فيه، فالمنظمات غير الحكومية تبنّت مفهوم «ريادة الأعمال» وحوّلت العمل الإنساني والنضال الاجتماعي والحقوقي والبيئي إلى وظيفة بأجر. وظيفة جيدة طالما أنها توفّر راتباً ملائماً لفرد مرفّه في أوروبا ليدّعي أنه يقوم بوظيفة إنسانية أو استشارية في بلد أفريقي فقير.
تصرّح إحدى المنظمات الدولية المشاركة في الاستبيان عن عمق ما ناله موظفوها بفعل قرار ترامب: «كانت التداعيات قصيرة الأجل كبيرة في الكثير من البلدان، بعد الأمر الأميركي بوقف العمل على البرامج. في بنغلاديش، هناك 218 موظفاً ممولاً بالكامل، توقفت النشاطات مؤقتاً، وهناك حالة من عدم اليقين. بالمثل، في مصر، يواجه 116 موظفاً التعطيل. في لبنان، تأثر 35 موظفاً في المشروع وتوقفت الأنشطة. في كينيا، يواجه 37 موظفاً التسريح من العمل بالإضافة إلى 130 عاملاً بحوافز. في أفغانستان، تم تعليق عقود 18 موظفاً بسبب التجميد».
ما حجم العقود المتأثرة؟ أثّر القرار الأميركي على المشاريع الكبيرة التي تحتاج إلى تمويل ضخم، ومنظمات ذات خبرة تتجاوز المستوى المحلي. أفاد 39% من المجيبين أن الأمر الأميركي يؤثر على عقود تمويل بقيمة مليون دولار أميركي أو أكثر، بما في ذلك 68% من المجيبين من المنظمات غير الحكومية الدولية، وأفاد 78% من المجيبين بأن أوامر إيقاف العمل تؤثر على عقود تزيد قيمتها عن 100,000 دولار أميركي.