Preview تحويلات المغتربين

المصدر الأساسي للصورة قبل التعديل: جوزف عيد

تحويلات المغتربين ليست المُنقِذ

7% فقط من الأسر المتلقّية لتحويلات العمّال اللبنانيين المهاجرين، والتي يقلّ دخلها عن 5 ملايين ليرة لبنانية شهرياً، تتلقّى هذه التحويلات بشكل منتظم، وغالبيتها تتلقّى تحويلات لا تتجاوز قيمتها 100 دولار شهرياً، في حين أن 60% من الأسر المتلقّية، التي يتراوح دخلها الشهري بين 20 و25 مليون ليرة، تتلقّى تحويلات بشكل مُنتظم وبقيم تزيد عن 500 دولار شهرياً.

هذه التقديرات خلُصت إليها دراسة «التحويلات اللبنانية: تحليل الأُسر المُستفيدة»، المُعدّة من قبل فريق mercy corps، وتستند إلى مسح بالعيّنة، وهي تبيّن أن الأُسر ذات الدخل المُرتفع تستفيد من التحويلات المالية الأعلى قيمة والأكثر انتظاماً، وهذا دليل على انعدام المساواة في كيفية توزّع هذه التحويلات المالية والاستفادة منها، مما ينزع عنها صفة المنقذ للأسر، كونها لا تفيد سوى جزءٍ من الأسر في لبنان، وبالتالي لا يمكن أن تحل بديلاً عن تدخّلات الدولة في تأمين الحماية الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة لجميع السكّان.

الأُسر ذات الدخل المرتفع هي الأوفر حظّاً

توصف التحويلات عادةً بأنها خشبة خلاص للأسر المتلقّية لها، فهي تساعدها على تعزيز استهلاكها وتحسين معيشتها وتسعفها في أوقات الضيق والأزمات. في لبنان، لطالما شكّلت التحويلات سنداً للمُقيمين في خلال الأزمات، وأدّت دوراً مهماً في الحفاظ على سبل عيش العديد من الأسر اللبنانية في فترات الحروب وبعدها، وحالياً وسط انهيار الليرة اللبنانية وتآكل الأجور والقدرة الشرائية. 

أكثر من 70% من السكّان ليس لديهم مصدر دخل خارجي مماثل. وأن مناطق الشمال والبقاع وبعلبك الهرمل تتلقّيان النسبة الأدنى من مجمل التحويلات (15%)لكن بنية التحويلات المالية الواردة وطبيعة توزّعها بين الأسر تعبّر عن تفاوتات فاقعة. إذ تشير التقديرات إلى أن نسبة الذين يتلقّون تحويلات مالية من الخارج يتراوح بين 15% و30% من مجمل السكّان في لبنان، ما يعني أن اكثر من 70% من السكّان ليس لديهم مصدر دخل خارجي مماثل. وأن مناطق الشمال والبقاع وبعلبك الهرمل تتلقّيان النسبة الأدنى من مجمل التحويلات (15%). وأكثر من ذلك، لا تتوزّع هذه التحويلات بالتساوي لا من حيث توزّع قيمها بين الأسر ومدى انتظامها، ولا بالتساوي بين شرائح الدخل المتفاوتة للأسر. 

وتبيّن الدراسة أن 26% من التحويلات المالية التي تلقتها الأسر تقل عن 100 دولار شهريا، و51% منها تتراوح قيمتها بين 100 دولار و300 دولار، في مقابل 15% تتراوح قيمتها بين 300 دولار و500 دولار، و7% فقط تزيد عن 500 دولار. 

تحويلات المغتربين

أيضاً، أظهرت الدراسة أن الأُسر ذات الدخل المرتفع تتلقّى تحويلات بشكل منتظم أكثر من الأسر ذات الدخل المنخفض. إذ تبيّن أن 59% ممن تتراوح مداخيلهم بين 20 و25 مليون ليرة شهرياً، ونصف الذين تزيد مداخيلهم عن 25 مليون ليرة يتلقون تحويلات منتظمة، فيما 7% فقط ممن يقلّ دخلهم عن 5 ملايين ليرة يتلقون تحويلات بشكل منتظم. أما الأشخاص الذين تتراوح مداخيلهم بين 10 و15 مليون ليرة، فإن 63% منهم يتلقون التحويلات بشكل غير منتظم، وأولئك الذين تتراوح مداخيلهم بين الـ15 والـ20 مليون ليرة، فإن 59% منهم يتلقون التحويلات بشكل غير منتظم أيضاً.

تحويلات المغتربين

وأكثر من ذلك، بيّنت الأرقام أن الذين حصلوا على أعلى المبالغ كانوا من بين أولئك الذين يتلقون تحويلات منتظمة؛ مثلاً 25% من هؤلاء تلقّوا مبالغ تتراوح بين 300 دولار و500 دولار، و11% منهم تلقوا مبالغ تتجاوز الـ500 دولار.  

في المُقابل، حصلت العائلات التي تتلقّى تحويلات غير منتظمة على أدنى القيم المالية. في الواقع، يتبيّن أن 75% من هؤلاء تلقّوا التحويلات لا تتجاوز الـ100 دولار، فيما لم تتجاوز نسبة الذين تلقّوا تحويلات تتجاوز الـ500 بشكل منتظم ممن يحتاجون نفقات استثنائية الـ5%. 

الأُسر ذات الدخل المرتفع تتلقّى تحويلات بشكل منتظم أكثر من الأسر ذات الدخل المنخفضيتبيّن مما تقدّم أن المعادلة تقوم على أنه كلّما كانت التحويلات مُنتظمة كلّما زادت قيمتها والعكس صحيح، ما يعني حكماً أن العائلات ذات الدخل المرتفع هي الأكثر حظاً. وهذه النتيجة تؤكّد، وفق الدراسة، انتشار عدم المُساواة في التحويلات، وينفي عنها صفة المنقذ إلا لفئة محدّدة من المجتمع.

الأزمة تغيّر دور التحويلات: الغذاء والدواء أولاً

يسجّل صافي التحويلات المالية في لبنان ارتفاعاً منذ عام 2019 (يعني الصافي الفارق بين التحويلات الداخلة والتحويلات الخارجة من لبنان)، وترافق ذلك مع زيادة وزنها من حجم الاقتصاد (ارتفع من 14% إلى 28% من مجمل الناتج المحلي بين عامي 2019 و2022)؛ لكن لا يعود ذلك إلى ارتفاع التحويلات الواردة من اللبنانيين المغتربين إلى أسرهم في لبنان، التي تراجعت فعلياً من 7.4 مليار دولار في عام 2019 إلى 6.8 مليار في عام 2022 بفعل الأزمات المعيشية وموجات التضخّم التي تمرّ بها مختلف البلدان بما فيها التي يقيم بها المغتربون اللبنانيون، وإنّما سببه انخفاض التحويلات الخارجة من العاملين الأجانب في لبنان إلى أسرهم في الخارج، بسبب ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان وتراجع قدرتهم على الادخار والتحويل إلى الخارج.

انخفاض التحويلات الخارجة من العاملين الأجانب في لبنان إلى أسرهم في الخارج، بسبب ارتفاع كلفة المعيشة في لبنان وتراجع قدرتهم على الادخار والتحويل إلى الخارجبالنتيجة، يبيّن التقرير أن دور التحويلات المالية تغيّر منذ الانهيار المالي والاقتصادي الذي شهدته البلاد أواخر عام 2019، فبعد أن كانت التحويلات سابقاً مُحرّكا للاستهلاك وشراء العقارات والادخار، أصبحت في الوقت الراهن وسيلة لتأمين المواد الأساسية مثل الغذاء والدواء. 

تحويلات المغتربين

وفي هذا الصدد، بيّنت الدراسة أن التحويلات استخدمت في المقام الأول لشراء المواد الغذائية والنفقات الأساسية (65%)، ومن ثم الأدوية (59%)، فيما لم تتجاوز نسبة التحويلات التي استخدمت لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الـ1%. وفيما خصّ الرعاية الصحية، فقد بلغت نسبة التحويلات التي استخدمت لتغطيتها نحو 46%، فيما 16% من التحويلات استخدمت لسداد الديون ومعظمها ديون متعلقة بشراء الأدوية والمواد الأساسية.

في الخلاصة، فيما تذكر الدراسة أن الأزمة الاقتصادية لم تؤثّر على استخدامات التحويلات فحسب بل على وتيرتها وكمّياتها، تلفت إلى أن عدد الأشخاص الذين يمكنهم الاستعانة بها انخفض في العام الماضي، لتخلُص إلى أنه وبالرغم من أن التحويلات المالية ستبقى على الأرجح استراتيجية تكيّف مهمة للأسر، إلا أنها لا تقدّم بديلاً قابلاً للتطبيق عن سياسات الحماية الاجتماعية التي يجب على الدولة توفيرها. 


التحويلات العينية من نصيب الشمال

أدّت الأزمة الاقتصادية الى انخفاض عدد الأشخاص المشمولين بـ «دائرة الحماية الاجتماعية». بمعنى أنه أصبح لدى الناس دوائر دعم أصغر مُقارنةً بما كانت عليه قبل الأزمة، وقد أفاد 62% من الأشخاص الذين سُئلوا عن الموضوع، أن دائرة دعمهم في الداخل انكمشت. وبخلاف ذلك، تبيّن أن الأشخاص الذين يتلقون دعماً من الخارج يتمتعون باستقرار نسبي، إذ أفاد 60% من هؤلاء بأن دائرة دعمهم من خارج لبنان ظلت على حالها و18% منهم قالوا إنها ارتفعت. 

إلى ذلك، يعدّ الدعم العيني من أكثر أشكال المساعدات شيوعاً بين دوائر الدعم داخل لبنان، وقد أفاد 17% من المُشاركين تلقيهم مُساعدات عينية من المغتربين، علماً أن النسبة الأعلى منهم يقيمون في شمال لبنان (40%)، فيما سجلت محافظة الجنوب النسبة الأقل (3%).

إلى ذلك، يتبيّن أن 62% من الأشخاص الذين يتلقّون مساعدات عينية قالوا إنها كانت أدوية، و28% منهم قالوا إنها عبارة عن طعام ومنتجات أخرى.

تحويلات المغتربين