Preview التطبيع مع إسرائيل

المطبّعون العرب: ثمن فلسطين البخس

بدأ مسار التطبيع مع إسرائيل في العام 1979 من مصر، حينما وقّع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل، ليمهّد بذلك الطريق أمام توقيع اتفاقية سلام ثانية مع الأردن في العام 1994، واتفاقيات «أوسلو» بين عامي 1993 و1995 مع السلطة الفلسطينية. طول العقدين الأولين من الألفية الثانية، تجمّد ما سمّي «مسار السلام» في الشرق الأوسط، إلا أنه لم يغب تماماً، إلى أن أعيد إحياؤه في العام 2020 بموجب اتفاقيّات «أبراهام»، التي وقّعت عليها كلّ من المغرب والبحرين والإمارات العربيّة المتّحدة، فيما المفاوضات كانت جارية مع السودان والسعودية لضمّهما إليها، إلى حين إطلاق إسرائيل جولة جديدة من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي لتصفية القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين. 

لقد قامت الاتفاقيات مع مصر والأردن على وهم «الأرض مقابل السلام»، وقامت مع منظّمة التحرير الفلسطينية على وهم «حلّ الدولتين»، في حين قامت اتفاقات «أبراهام» على وهم «السلام الاقتصادي»، أي مبادلة التطبيع مع إسرائيل بالدعم المالي والمساعدات الاقتصادية للتخفيف من حدّة الأزمات في بلدان المنطقة، أو بالاعتراف بالطموح الاقتصادي الإقليمي في حالة السعودية.

فماذا حقّقت هذه الاتفاقيات للمطبّعين في مقابل السماح لدولة الاحتلال بتدمير أي فرصة لقيام دولة فلسطينية وحصار غزّة وإبادة سكّانها وتقطيع أوصال الضفّة الغربية وإخضاع سكّانها.

التطبيع مع إسرائيل

الإمارات وإسرائيل

طبّعت الإمارات العربية المتّحدة علاقاتها مع إسرائيل في العام 2020 ضمن إطار اتفاقيّات «أبراهام»، ما سمح بتطوّر العلاقات بين البلدين تدرّجياً، ولا سيّما على الصعيد الاقتصادي والاستثمارات المباشرة والتعاون في مجالات التكنولوجيا والبحث والتطوير. 

في خلال ثلاث سنوات، ارتفعت قيمة التبادلات التجاريّة بين البلدين من 11 مليون دولار في العام 2019 إلى 2,6 مليار دولار في العام 2022، وقد بلغت قيمتها التراكميّة نحو 3,9 مليار دولار أميركي. والإمارات هي البلد العربي الأوّل لناحية حجم التبادلات التجاريّة مع دولة الاحتلال. ففي حين استحوذت تجارة الألماس وحدها على 64% من هذه التبادلات التجاريّة، كانت الصادرات الإماراتيّة بمعظمها عبارة عن سلع مُعاد تصديرها ومستوردة بالأساس من دول آسيويّة. في الواقع، سمح التطبيع الإماراتي لدولة الاحتلال بالحصول على هذه السلع بسرعة أكبر وبكلفة أقل. مع ذلك، لا تعبّر هذه الأرقام عن حجم التبادلات التجاريّة الكاملة بين البلدين، خصوصاً أنّها لا تشمل تجارة الخدمات بما فيها الخدمات عبر الإنترنت والشركات الإسرائيليّة التي تستخدم الإمارات كمقر لإطلاق أعمالها في بلدان الشرق الأوسط ودول آسيويّة وأفريقيّة.

تعد الإمارات من أكثر الدول العربيّة اندفاعاً في مسارها التطبيعي، فعدا عن الشراكات الخارجية مع إسرائيل وخصوصاً في القارة الأفريقيّة، وقّعت في سنتين اتفاقيّات اقتصاديّة عدّة مع إسرائيل، ولعل أبرزها اتفاقيّة التجارة الحرّة

تعد الإمارات من أكثر الدول العربيّة اندفاعاً في مسارها التطبيعي، فعدا عن الشراكات الخارجية مع إسرائيل وخصوصاً في القارة الأفريقيّة، وقّعت في سنتين اتفاقيّات اقتصاديّة عدّة مع إسرائيل، ولعل أبرزها اتفاقيّة التجارة الحرّة، وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل وبلد عربي، وألغيت بموجبها الرسوم الجمركيّة عن 96% من المنتجات المتبادلة بين الطرفين. ويتوقّع الطرفان أن ترفع هذه الاتفاقيّة التبادلات التجارية بينهما إلى نحو 5 مليارات دولار في السنوات القليلة المقبلة. وإلى ذلك، جرى التوقيع على نحو 35 اتفاقيّة اقتصاديّة في العام 2022، في مجالات الصحّة والبيئة والزراعة والأمن السيبراني والمياه والتكنولوجيا والاستثمار في الشركات الناشئة. يضاف إليها أيضاً اتفاقات أمنيّة، بما فيها عقداً بقيمة 53 مليون دولار مع شركة «إلبيت سيستمز» لشراء أنظمة الأشعة تحت الحمراء وأنظمة دفاعيّة جويّة، فضلاً عن عقد مع شركة DSIT التي تطوّر أنظمة الدفاع والحلول الأمنيّة البحريّة.

أيضاً، ارتفع عدد الرحلات الجويّة بين البلدين بشكل كبير، وحالياً يقيم الطرفان نحو 70 رحلة مباشرة أسبوعياً. بالنتيجة، تعزّز قطاع السياحة لدى الطرفين، فقد بلغ العدد التراكمي للسيّاح الإسرائيليين في الإمارات منذ توقيع اتفاقيّات أبراهام نحو 405,600 سائح، في مقابل 1,900 سائح إماراتي في فلسطين المحتلة. وحالياً تحل إسرائيل في المرتبة الـ14 في سوق السياحة الإماراتيّة. كذلك سهّل التواصل بين الطرفين رحلات الأعمال وبالتالي إقامة الشراكات الاقتصاديّة. فعدا عن المشاركة الإسرائيليّة النشطة في عدّة منتديات إماراتيّة، سمحت اتفاقيّة التطبيع بتأسيس عدّة شركات إسرائيلية في الإمارات، وقد وصل عددها منذ العام 2020 إلى 78 شركة إسرائيليّة في المنطقة الحرّة في دبي.

البحرين وإسرائيل

بعد تطبيع البحرين علاقاتها مع دولة الاحتلال في العام 2020، تقدّمت العلاقة بين إسرائيل والبحرين باطراد. بلغ الحجم التراكمي للتبادلات التجارية بين إسرائيل والبحرين نحو 19.2 مليون دولار منذ توقيع اتفاقيّات «أبراهام». فناهزت الصادرات الإسرائيليّة إلى البحرين في هذه الفترة 5.9 مليون دولار، في مقابل 13.3 مليون دولار صدّرتها البحرين إلى إسرائيل. 

ووفقاً لمكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، زار حوالى 400 بحريني فلسطين المحتلة في العام 2022، وزار نحو 2700 إسرائيلي البحرين في العام نفسه. ارتفاعاً من 114 سائح في العام 2020.

إلى ذلك، ارتفع عدد الصفقات والشراكات التجاريّة تدرجياً خلال العام 2022، وكذلك ازداد عدد رجال الأعمال الإسرائيليين الذين يزورون البحرين، ولا سيّما في ما يتعلّق بمجالات التكنولوجيا المتقدّمة والأمن الغذائي والصحّة والأبحاث والتكنولوجيا الماليّة. 

المغرب وإسرائيل

لطالما كان للمغرب علاقات مع إسرائيل، ولا سيّما في ثمانينيات القرن الماضي، إلا أن التطبيع الرسمي للعلاقات وفتح سفارات متبادلة لم يحصل إلا في العام 2020 ضمن إطار اتفاقيّات «أبراهام». وفي خلال ثلاث سنوات، بلغ حجم التبادلات التجارية بين إسرائيل والمغرب نحو 133,6 مليون دولار. وبلغت الصادرات الإسرائيليّة إلى المغرب 82.8 مليون دولار، بينما ناهزت الصادرات المغربيّة إلى إسرائيل 48.8 مليون دولار. كذلك تسعى الدولتان إلى زيادة التبادلات التجاريّة إلى 500 مليون دولار.

إلى ذلك، تعد السياحة عنصراً أساسياً في الاقتصاد المغربي. إذ أسهم قطاع السياحة في المغرب بنسبة 8.8% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2021، أي ما يعادل 8.9 مليار دولار أميركي، ما يجعله أحد أكبر مصادر الإيرادات للمملكة. ومنذ التطبيع، زادت السياحة الإسرائيليّة إلى المغرب بشكل كبير، فارتفعت من 39.900 سائح في العام 2019 إلى أكثر من 70 ألف في العام 2022. وبلغ العدد التراكمي للسياح الإسرائيليين في المغرب نحو 354,900 شخصاً، في مقابل 7,700 مغربي زاروا الأراضي الفلسطينية المحتلة في خلال الفترة نفسها.

قامت الاتفاقيات مع مصر والأردن على وهم «الأرض مقابل السلام»، وقامت مع منظّمة التحرير الفلسطينية على وهم «حلّ الدولتين»، في حين قامت اتفاقات «أبراهام» على وهم «السلام الاقتصادي»

يضاف إلى ذلك، توقيع اتفاقيات في مجالات عدّة منها الذكاء الاصطناعي وتحلية المياه وتصنيع الأغذية، والتقنيّات الطبيّة وصناعة الأدوية وغيرها، إلا أن مجال الطاقة يبقى أبرزها، ففي شباط/فبراير، أعلنت شركة الطاقة الإسرائيليّة NewMed Energy عن خططها للشروع بأنشطة تنقيب في المغرب. وفي كانون الأوّل/ديسمبر، أعلنت شركة NewMed مع شريكتها Adarco Energy في جبل طارق، عن توصّلهما إلى اتفاقيّة مع الحكومة المغربيّة للتنقيب عن النفط والغاز. وسوف تمتلك كلّ من NewMed Energy وAdarco حصّة قدرها 37.5% في المشروع، بينما يمتلك المغرب النسبة المتبقية البالغة 25%. وستُجرى عمليّات التنقيب قبالة ساحل المغرب في المحيط الأطلسي. والجدير بالذكر أنّ صفقات شراء الأسلحة الإسرائيلية من قبل المغرب ناهزت 500 مليون دولار.

مصر والأردن وإسرائيل

على الرغم من أن مصر والأردن طبعتا علاقاتهما مع إسرائيل منذ عقود، إلا أن التبادلات التجارية بينهم لا تزال ضئيلة، بين عامي 2019 و2020، بلغ المجموع التراكمي للتبادلات التجارية لمصر وإسرائيل نحو 900 مليون دولار، في مقابل 1,4 مليار دولار للأردن. 

أما بالنسبة للسياحة، فهي نشطة في مصر، إذ بلغ عدد السياح الإسرائيليين في خلال الفترة نفسها نحو 1,054,500 (على الرغم من فترة الإغلاق التي أعقبت تفشي الجائحة في العام 2020). في مقابل 46,900 سائح مصري في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أما فيما يتعلق بالسياحة الإسرائيلية في الأردن فسجلت وصول 164,100 إسرائيلي، في مقابل 44,100 أردني. 

لا يلغي ذلك، وجود تعاون في مجالات أخرى بين مصر والأردن من جهة وإسرائيل من جهة ثانية، ولا سيما في مجال الطاقة، إذ تتعامل إسرائيل مع الأردن كسوق للطاقة، ففي حين تصدّر لها الغاز، تستخدم أراضيها لبناء مشاريع طاقة شمسية (من ضمنها مشاريع بقدرة 600 ميغاواط بأموال إماراتية) لتصدير الطاقة إلى إسرائيل. وتتعامل بالمثل مع مصر التي تصدّر إليها الغاز من جهة وتستخدمها كممرّ أو وسيط لتصدير الغاز المنتج من حقول تامار وليفياتان إلى أوروبا عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط (إي.إم.جي) البحري بين إسرائيل ومصر.