الحروب تعدّل خارطة تجارة النفط في العالم
أظهرت بيانات الشحن أن حجم صادرات النفط الخام العالمية انخفض بنسبة 2% في العام 2024، وهو أول انخفاض منذ جائحة كوفيد-19 في عامي 2020 و2021. يأتي هذا الانخفاض تعبيراً عن تحوّلات وتغييرات طرأت على خارطة إنتاج النفط وتكريره وشحنه، بما في ذلك ضعف نمو الطلب وإعادة ترتيب طرق التجارة وإقفال عدد من المصافي الأوروبية.
تأثرت تدفقات النفط الخام العالمية للعام الثاني على التوالي بسبب الحرب في أوكرانيا والشرق الأوسط، إذ تم إعادة توجيه شحنات الناقلات وانقسام الموردين والمشترين بين المناطق. كما انخفضت صادرات النفط من الشرق الأوسط إلى أوروبا، وذهب المزيد من النفط الأميركي ونفط أميركا الجنوبية إلى أوروبا. وتم إعادة توجيه النفط الروسي الذي كان يذهب سابقاً إلى أوروبا إلى الهند والصين. وأصبحت هذه التحوّلات أكثر وضوحاً مع إغلاق مصافي النفط في أوروبا في ظل استمرار الهجمات على الشحن في البحر الأحمر. وأظهرت بيانات تتبع السفن من شركة الأبحاث كبلر أن صادرات النفط الخام من الشرق الأوسط إلى أوروبا انخفضت بنسبة 22% في العام 2024.
أصبحت الولايات المتحدة بفضل إنتاجها المتزايد من النفط الصخري من بين الفائزين في تجارة النفط العالمية. حيث تصدر 4 ملايين برميل يومياً، ما يرفع حصتها في تجارة النفط العالمية إلى 9.5%، خلف السعودية وروسيا.
كما شهدت طرق التجارة إعادة ترتيب بسبب بدء تشغيل مصفاة دانجوتي النفطية الضخمة في نيجيريا، وتوسيع خط أنابيب ترانس ماونتن الكندي إلى الساحل الغربي للبلاد، وانخفاض إنتاج النفط في المكسيك، وتوقف صادرات النفط الليبية لفترة وجيزة، وارتفاع أحجام النفط في غيانا.
في العام 2025، سيستمر الموردون في مواجهة انخفاض الطلب على الوقود في مراكز الاستهلاك الرئيسة مثل الصين. كما ستستخدم المزيد من البلدان كميات أقل من النفط ومزيد من الغاز، في حين ستستمر الطاقة المتجدّدة في النمو. وانخفضت واردات الصين بنحو 3% في العام الماضي مع تزايد الاعتماد على السيارات الكهربائية والهجينة، والاستخدام المتزايد للغاز الطبيعي المسال في شاحناتها الثقيلة. وفي أوروبا، أدّى انخفاض القدرة التكريرية والتفويضات الحكومية للحد من الكربون إلى خفض واردات الخام بنحو 1%.
وخفضت مصافي التكرير الأوروبية وارداتها من روسيا وزادت مشترياتها من النفط من الولايات المتحدة والشرق الأوسط بعد غزو روسيا لأوكرانيا. كما أدّت الهجمات على السفن في البحر الأحمر في أعقاب حرب إسرائيل على غزة إلى ارتفاع تكلفة الشحن من الشرق الأوسط. وزادت مصافي التكرير وارداتها من الولايات المتّحدة وغويانا إلى مستويات قياسية.
وانخفضت صادرات العراق بمقدار 82 ألف برميل يومياً، وانخفضت صادرات الإمارات العربية المتحدة بمقدار 35 ألف برميل يومياً في العام 2024. وأضافت أوروبا 162 ألف برميل يومياً من غيانا و60 ألف برميل يومياً من الولايات المتحدة.
وقد أدّى تصاعد الحرب الإسرائيلية في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، والمخاوف من فرض الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب المزيد من العقوبات، إلى تقليص المعروض وارتفاع أسعار النفط الإيراني. وقد دفع هذا المصافي الصينية إلى النظر إلى النفط من غرب أفريقيا والبرازيل.
وبحسب شركة كبلر، استهلكت مصفاة دانجوتي الجديدة في نيجيريا ما يكفي من الإمدادات المحلية للاحتفاظ بنحو 13% من صادرات نيجيريا من الخام في البلاد في العام 2024، ارتفاعاً من 2% في العام 2023. وتسبّب ذلك في خفض صادرات نيجيريا إلى أوروبا، كما استوردت نيجيريا 47 ألف برميل يومياً من خام غرب تكساس الوسيط الأميركي، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لمصدر صاف رئيسي.
ومن المرجح أيضاً أن تؤدي زيادة قدرات التكرير الجديدة في البحرين وسلطنة عمان والعراق، فضلاً عن دوس بوكاس في المكسيك، إلى امتصاص إنتاج النفط في تلك المناطق.
وفي كندا، أصبح بإمكان خط أنابيب ترانس ماونتن الموسع الآن شحن 590 ألف برميل إضافي يومياً إلى ساحل المحيط الهادئ، وهو ما يرفع صادرات البلاد المنقولة عبر المياه إلى مستوى قياسي يبلغ 550 ألف برميل يومياً في العام 2024.
وكان لهذا تأثير متتالي: فمع زيادة تدفق الخام الكندي إلى الساحل الغربي للولايات المتّحدة، اشترت المصافي في المنطقة كميات أقل من الخام السعودي وأميركا اللاتينية، في حين أدت الشحنات المباشرة من كندا إلى الدول الآسيوية إلى خفض إعادة التصدير من ساحل الخليج الأميركي.
وعلى الرغم من أن الصين كانت المشتري الرئيس للنفط الكندي، فإن الخام وجد أيضاً مستوردين في الهند واليابان وكوريا الجنوبية وبروناي، ومن المرجح أن تشتري المزيد من المصافي الآسيوية النفط، بحسب المحلّلين، الذين يتوقعون أن تؤدّي التعريفات الجمركية التي اقترحها ترامب بنسبة 25% على الخام الكندي والمكسيكي، أكبر موردي النفط الأجانب للولايات المتّحدة، إلى المزيد من التغييرات في تدفقات النفط في العام 2025.
المصدر: رويترز - 07/01/2025