Preview كارتيل النفط في لبنان

كم ندفع لكارتيل النفط في كلّ صفيحة بنزين؟

علينا أن نعلم أولاً، أن أسعار المحروقات في لبنان (البنزين 95 أوكتان، والبنزين 98 أوكتان، والمازوت، والفيول أويل، والغاز… إلخ) تتحدّد وفق قرارات تصدر من وزارة الطاقة والمياه مرّة أو مرتين أو أكثر في الأسبوع، فالسعر الذي يدفعه المستهلّكون لشراء الوقود على أنواعه، ولأي غرض كان، هو سعر مُحدّد وموحّد بين جميع حلقات سوق الاتجار بالمشتقّات النفطية. وبالتالي، هذه السوق ليست حرّة، والأسعار فيها لا تحدِّدها المنافسة بين اللاعبين في ميادين الاستيراد والتوزيع والبيع بالتجزئة.  

ثانياً، تُحدِّد وزارة الطاقة والمياه أسعار المحروقات بناءً على جدول، يُسمّى جدول تركيب أسعار مبيع المحروقات السائلة. وهذا الجدول يتضمّن بنود الكلفة والأعباء والأرباح والعلاوات والعمولات والضرائب وغيرها، وجميعها مبنية على فرضيات وتقديرات اعتباطية وحيل رياضية، جرى وضعها من قِبَل الكارتيل النفطي نفسه بالتعاون مع جهاز الدولة المتمثّل بالمديرية العامّة للنفط في وزارة الطاقة والمياه. وبالتالي، لا تستند أسعار المشتقّات النفطية في لبنان إلى الكلفة الفعلية وإنّما إلى الكلفة المُصطنعة، فضلاً عن أن بعض بنود الكلفة التي يتضمّنها الجدول وهمية، بمعنى أنها ليست مقابل أي أكلاف، سواء كانت مضخّمة أم لا، وإنما هي عبارة عن علاوات إضافية لا يوجد مبرّر لها.

ثالثاً، لا نعرف قيمة الأرباح الفعلية التي تحقّقها شركات استيراد النفط، ولكن قرارات وزارة الطاقة والمياه تحدِّدها بنسبة 5% فقط، علماً أن جدول تركيب الأسعار لا يحتسب هذه النسبة من سعر الاستيراد وإنّما من السعر مضافاً إليه جميع بنود الكلفة الأخرى الحقيقية والوهمية والمضخمّة. ولكن، هذه الأرباح هي الأرباح العلنية فقط، التي يجري التصريح عنها، أمّا الأرباح المخفية فهي أكبر وتجسّد قوّة الاحتكار ونفوذه في الدولة.

جدول تركيب سعر صفيحة بنزين 95 اوكتان

أنشأت وزارة الطاقة والمياه أخيراً تطبيقاً خاصاً ينشر جدول تركيب أسعار المحروقات، الذي بات يصدر مرّتين في الأسبوع (كل ثلاثاء وجمعة) بدلاً من مرّة واحدة في الأسبوع كما درجت العادة لسنوات طويلة.

يمكن لأي كان الولوج إلى هذا التطبيق للإطلاع على تغيّرات أسعار البنزين والمازوت والغاز والفيول أويل. لكن التطبيق الجديد ليس إلّا نسخة (ولو أكثر تفصيلاً) عن البيان الذي كانت تنشره الوزارة سابقاً على موقعها الالكتروني. وهو مصمّم كي لا يفهمه معظم الناس. 

لذلك، تسهيلاً لفهم بنية الأرباح الفعلية ومصادرها وكيفية الاستحواذ عليها، سنعيد بناء جدول تركيب الأسعار بصورة أوضح، على أساس الصفيحة الواحدة (20 ليتر)، وليس الطن أو الكيلوليتر كما في الجدول الرسمي، وعلى أساس تحويل الأسعار على سعر صرف الليرة المُحدّد في الجدول الرسمي بـ89 ألف و700 ليرة في مقابل الدولار الأميركي، أي بزيادة 200 ليرة عن السعر الرائج، وهذه واحدة من هدايا كثيرة يحصل عليها تجّار المحروقات في لبنان، كما سنبيّن لاحقاً.

للمزيد من التسهيل سنتخذ من تركيب سعر صفيحة البنزين من عيار 95 أوكتان مثالاً، كون هذا النوع من الوقود هو الأكثر استهلاكاً من جانب فئات واسعة من المجتمع اللبناني، التي اضطرتها سياسات الدولة والسوق للارتكاز في تنقّلاتها على السيارة الشخصية أو سيارات الأجرة، وبالتالي يُعتبر سعر هذا النوع من البنزين عاملاً مؤثراً جدّاً في كلفة نقل الأفراد. 

حدّد القرار الصادر في 30/1/2024 سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان بمليون و525 ألف ليرة، أو ما يعادل 17 دولاراً. ووفق جدول تركيب الأسعار المرفق بالقرار، يجب ألاّ تربح شركات الاستيراد أكثر من 53 ألفاً و569 ليرة فقط من كلّ صفيحة، وألّا تربح المحطّات أكثر من 89 ألفاً و700 ليرة، أي أن الأرباح المُعلنة التي يحدِّدها قرار وزارة الطاقة للمستورد (بائع الجملة) والمحطّة (بائع المفرّق) يجب ألّا تتجاوز 143 ألفاً و269 ليرة، أي ما نسبته 9.39% من السعر للمستهلك، أمّا الباقي (مليون و381 ألفاً و731 ليرة) فيُفترض أنه يمثّل الكلفة الفعلية لاستيراد ونقل وتوزيع كل صفيحة من المنشأ وصولاً إلى خزّان الوقود في السيارة.

هل حقاً هذه هي الكلفة الفعلية لكلّ صفيحة بنزين؟ أم أنها كلفة مُصطنعة وتخفي الكثير من الأرباح التي يستعين «الكارتيل النفطي» بقرارات الدولة لتحصيلها من المستهلكين تحت مسميات ومبرّرات وهمية.

لنلقي نظرة على كل بند من بنود جدول تركيب سعر صفيحة البنزين 95 أوكتان، ولنتبيّن ما الذي يدفعه المستهلك وفي مقابل ماذا، وما الذي تقبضه الشركات ولماذا!

جدول تركيب أسعار صفيحة البنزين

متوسط سعر استيراد الصفيحة:

تبدأ القصّة من الطريقة التي يتم فيها احتساب ثمن البضاعة المستوردة بالدولار الأميركي. فقد درجت العادة منذ ما قبل أزمة 2019، عندما كان سعر الصرف ثباتاً، على أن يتمّ احتساب سعر الاستيراد بناء على متوسط الأسعار العالمية في الأسابيع الأربعة الأخيرة، وليس بناءً على سعر الشراء الفعلي من المنشأ. 

في خلال الأزمة، وبضغط من الشركات، عمّت الفوضى، وأصبح ثمن البضاعة يُحتسب وفق المتوسّط الزمني الذي يدرُّ فائدة أكبر على أعضاء الكارتيل، فتارةً يحتسب متوسّط أسبوعين أو ثلاثة، وطوراً عشرة أيام أو أقلّ. ومؤخراً، أصبح الجدول يعتمد فترة 17 يوماً لاحتساب متوسّط السعر، وكل ذلك من دون الحاجة إلى اختراع أي مبرر أو توضيح.

ماذا يعني ذلك؟ يعني قبل أي أمر آخر، أن سعر استيراد صفيحة البنزين 95 أوكتان، الذي حدّده جدول تركيب الأسعار بمليون و39 ألف و126 ليرة، لا يعبّر أبداً عن السعر الحقيقي الذي دفعه المستورد ثمناً للبضاعة. فالجدول لا يُبنى على فواتير المنشأ، وإنّما على مؤشّرات أسعار سوقية مبنية أيضاً على متوسّطات الأسعار في أسواق التداول العالمية.

لنفترض أن متوسط سعر استيراد صفيحة البنزين 95 أوكتان مضخّم بنسبة 10% عن السعر الفعلي، فهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن 104 آلاف ليرة ربح مخفي في هذا البند وحده

أسواق المتاجرة بالبنزين (النفط عموماً) في مثل أي سوق لتداول السلع، يوجد الكثير من المصافي التي تبيع البنزين والكثير من الوسطاء والكثير من أشكال التداول الفوري والعقود الآجلة، ويوجد أسواق البنزين المحمّل على الناقلات الشاردة في البحر أو المرفوضة من جهة مستوردة أخرى، ويوجد أسواق للمشتقّات النفطية المنتجة في بلدان محاصرة بالعقوبات الأميركية. وبالتالي، يسعى التجّار دائماً للحصول على أدنى الأسعار في الأسواق العالمية من أجل تحقيق أعلى الأرباح الممكنة، ولو على حساب نوعية البنزين المستورد.

يجدر الانتباه هنا إلى أن صفيحة البنزين التي نشتريها اليوم هي من مخزون سابق، لا نعلم على أي سعر جرى استيراده، ولا نعلم متى جرى التعاقد على استيراده: شهر أو ثلاثة أو ستة أشهر أو أكثر. ووفق حسابات جرت على سنوات عدّة سابقة، استنتج محلّلون أن الجزء الأهم من ربح شركات الاستيراد المخفي يكمن في التلاعب بمتوسط سعر الاستيراد لمصلحة تعظيم أرباح هذه الشركات، ومن خلال التلاعب أيضاً بالمواصفات عبر استيراد البنزين الرخيص، ومن خلال إدارة عمليات الاستيراد على المدى الطويل لتحقيق أكبر قدر ممكن من الربح.

هذه الطريقة بتحديد متوسط سعر الاستيراد أفقد الشركات أي حافز للمنافسة فيما بينها، وباتت مصالح اللاعبين تفرض عليهم التكتل لتحقيق ربح مضمون، والقبول بتوزيع السوق وفق حصص متفق عليها لكل منهم. والمعروف أن شركات الاستيراد تتعاون فيما بينها لاستيراد المحروقات، إذ تتوزّع هذه الشركات على 3 مجموعات، وفي كل مجموعة تقوم الشركة التي تحصل على أدنى الأسعار بالاستيراد نيابة عنها وعن الشركات الأخرى في المجموعة، ولذلك يُعتبر التوزيع في السوق المحلية هو أحد مصادر الأرباح المهمّة التي يسعى الكارتيل لتعظيمها.

لنفترض أن متوسط سعر استيراد صفيحة البنزين 95 أوكتان مضخّم بنسبة 10% فقط عن السعر الفعلي، فهذا يعني أن هناك ما لا يقل عن 104 آلاف ليرة ربح مخفي في هذا البند وحده، ولكن هذه مجرد فرضية واحدة، فإذا اعتمدنا فرضية أن السعر مضخّم بنسبة 20% مثلاً فسيكون الربح المخفي بقيمة 207 آلاف و825 ليرة عن كل صفيحة… وهكذا دواليك. وبالتالي هذا التقدير هو فقط لتوضيح كم يمكن أن تبلغ قيمة الربح المخفي وفق كل فرضية يمكن اعتمادها حول التلاعب الحاصل في هذا البند.

ملاحظتان أخيرتان، يحدّد جدول تركيب الأسعار سعر واحد لاستيراد صفيحة البنزين سواء من عيار 95 أوكتان أو من عيار 98 أوكتان، إلا أن المستهلك يدفع سعر للصفيحة من نوع الثاني أعلى بـ40 ألف ليرة من النوع الأول. والملاحظة الثانية، أن وزارة الطاقة والمياه خلقت سعر صرف خاص للبنزين هو 89 ألف و700 ليرة، بدلاً من 89 ألف و500 ليرة المعتمد بصورة شبه رسمية.

العلاوات (Premium) والأكلاف المنفوخة: 

في اللغة، تعني «العلاوة»: ما زاد على الشيء، مثل «أعطاه كذا من المال علاوة»، أي زيادة. فالعلاوات، مهما كان مبرّرها، هي ليست أكلافاً مُحقّقة تُسدِّدها الشركات لاستيراد البنزين وتستحق تعويضاً عنها، وإنّما زيادات على متوسط السعر تتقاضاها الشركات من المستهلكين وتتحوّل إلى أرباح مخفية غير مُصرّح عنها، ولا يجري تسديد الضريبة عليها.

يتضمّن جدول تركيب الأسعار 3 علاوات بقيمة 85 ألف و331 ليرة عن كلّ صفيحة بنزين 95 أوكتان. ولا يتضمّن الجدول أي توضيح لماهية هذه العلاوات أو مبرّراتها، إلا أن تتبع الأوقات التي تمّ فيها إدراج هذه العلاوات كبنود إضافية في جدول تركيب الأسعار يبيّن أن إضافتها (واحد منها مؤقّت صار له مدّة!) جرت بضغوط من كارتيل شركات استيراد النفط، في سياق استغلال ظروف الأزمات لتعظيم الأرباح.

مجموع العلاوات والأكلاف والعمولات الواردة في جدول تركيب الأسعار، يزيد سعر استيراد كل صفيحة بنزين من عيار 95 أوكتان بقيمة 126,910 ليرات، وهي بمعظمها أكلاف وهمية أو مُتكرّرة بغرض منح شركات الاستيراد المزيد من الأرباح

هذه العلاوات أدرجت على الرغم من أن الجدول يتضمّن 10 بنود كلفة مختلفة غيرها، تغطّي كل ما يمكن أن يخطر على البال من مخاطر وأكلاف وتحوّطات في عملية الاستيراد والنقل البحري وصولاً إلى خزّانات الشركات في لبنان. وهذا يعزّز فرضية أن العلاوات هي أرباح مخفيّة تُضاف إلى فروقات سعر الاستيراد. فمخاطر الاستيراد والتجارة مُغطاة في بند كلفة التأمين (3,427 ليرة على كلّ صفيحة بنزين)، وكلفة النقل ومخاطر النقل بما في ذلك تأمين الناقلات البحرية مُغطاة في بند النقل (16 ألف و250 ليرة على كل صفيحة)، ومخاطر التمويل وكلفة الاعتمادات وتحويل ثمن البضاعة وغيرها مغطّاة في بند «مصاريف مصرفية» (5,716 ليرة)... ليس هذا فحسب، بل إن الجدول يتضمّن تعويضاً مسبقاً لشركات الاستيراد بقيمة 5,702 ليرة عن كل صفيحة تحت اسم «نقص وتبخّر»، أي أن المستهلك يسدّد عند ملء خزّان الوقود في سيّارته مبلغاً من المال لتعويض أي فاقد يمكن أن تنجم عن عوامل التبخّر عند تحميل البنزين ونقله وتفريغه!

لا ينتهي الأمر عند هذا الحد، إذ أن المستهلك يسدّد أيضاً وأيضاً نحو 10 آلاف و470 ليرة عند شراء كلّ صفيحة بنزين 95 أوكتان لتغطية كلفة ربط الباخرة عند تفريغها في خزانات شركة الاستيراد، بل وتغطية احتمال أن تتكبّد هذه الشركة «غرامة تأخير» مثلاً، وكذلك كلفة إجراء الفحوص للبنزين في المختبر وتلوينه وتخزينه في خزّانات الشركة المستوردة.

إن مجموع هذه العلاوات والأكلاف والعمولات وغيرها، الواردة في جدول تركيب الأسعار، يزيد سعر استيراد كل صفيحة البنزين من عيار 95 أوكتان بقيمة 126 ألفاً و910 ليرات، وهي بمعظمها أكلاف وهمية أو منفوخة أو مُتكرّرة بغرض وحيد هو منح شركات الاستيراد المزيد والمزيد من الأرباح، وتمثّل هذه البنود المضافة ما نسبته 16.3% من متوسط سعر الاستيراد، ونحو 8.32% من السعر للمستهلك.

يوجد أمر لافت في جدول تركيب الأسعار، فهو يحدّد الأكلاف (مثل التأمين، المصاريف المصرفية، التبخّر…) كنسب مئوية (مثلاً التبخّر يساوي 0.50%)، ولكنه لا يحتسب هذه النسب من متوسط سعر الاستيراد، وإنما يحتسبها بعد إضافة العلاوات إلى هذا المتوسط، ما يعني أن قرار وزارة الطاقة والمياه لا يعطي الشركات زيادات على سعر الاستيراد بل يعطيها أيضاً زيادات غير مستحقة أيضاً على أكلاف التأمين والمصارف والتبخّر… قد يظن البعض أن هذه الزيادات لا تساوي الكثير، وهذا غير صحيح، إذ أن الفارق بين احتساب نسب بنود التأمين والمصارف والتبخّر من متوسط سعر الاستيراد وبين احتسابها من هذا المتوسط مضافاً إليه العلاوات يساوي أكثر من 1350 ليرة في كل صفيحة، أو عشرات مليارات الليرات سنوياً تتحوّل كأرباح مخفية.

أرباح شركات الاستيراد المعلنة أو المُصرّح عنها:

تحدّد قرارات وزارة الطاقة والمياه ربح شركة الاستيراد بنسبة 5%، ولكن عمليات التلاعب بجدول تركيب الأسعار لتعظيم هذا الربح لا تتوقف عند حدّ معين، فبدلاً من احتساب ربح الشركة على أساس متوسط سعر الاستيراد (أي 5% من متوسط السعر المُحدّد بمليون و39 ألف و126 يساوي ربح بقيمة 51 ألفاً و956 ليرة) يجري احتساب هذه النسبة بعد إضافة كل العلاوات والأكلاف والتحوّطات (أي 5% من مليون و166 ألفاً و28 ليرة يساوي ربح 53 ألفاً و569 ليرة). تخيّلوا أن الشركات تسجِّل ربحاً من فاقد التبخّر مثلاً أو من بوليصة التأمين أو من المختبر التي تعتمده لإجراء الفحوص على شحناتها؟ وهذه الحيلة الحسابية وحدها تمنح شركة الاستيراد ربحاً إضافياً غير مستحق بقيمة 1,613 ليرة على صفيحة بنزين. وبما أن كارتيل استيراد النفط يمارس قوّته الاحتكارية، فقد أضافت له وزارة الاقتصاد بندين آخرين في الجدول بقيمة 896 ليرة، واحد تحت مسمّى «إجازة الاستيراد» والآخر «معاملات جمركية»، وهما البندين الوحيدين الذين لا تُسجل الشركات أرباحاً منهما.

بدلاً من احتساب ربح الشركة على أساس متوسط سعر الاستيراد يجري احتساب هذه النسبة بعد إضافة كل العلاوات والأكلاف والتحوّطات

عبر هذا التركيب للسعر، يجري رفع متوسط سعر الاستيراد من مليون و39 ألف و126 ليرة إلى مليون و220 ألف و440 ليرة، أي بزيادة 181 ألفاً و314 ليرة على كل صفيحة بنزين 95 أوكتان، أو بنسبة 17.45% من متوسط سعر الاستيراد. 

إن حساب الأرباح المحتملة التي تحقّقها الشركات في جدول تركيب الأسعار يجب ان يأخذ بالاعتبار فروقات الأسعار التي تحصل عليها الشركات وتحوّلها إلى أرباح مخفية في حالة استيراد مشتقّات روسية (مثلاً) بأسعار أدنى من الأسعار الرائجة في السوق، أو استيراد شحنات لا تخضع للرسوم الجمركية بموجب الاتفاقيات التي يلتزم بها لبنان مع العديد من الدولة، ولا سيما اتفاقية تيسير التجارة العربية التي تعفي صادرات هذه الدول من الرسوم. ويجب أن يأخذ بالحسبان عمليّات التحوّط (Hedging)، أو شراء البنزين مسبقاً في سوق العقود الآجلة… إن توافر معلومات عن كل ذلك، سيسمح بفهم أفضل للأرباح الضخمة التي يحقّقها كارتيل استيراد النفط إلى لبنان، ولكن للأسف هذه المعلومات غير متوافرة.

سعر الموزّع:

يتسلّم الموزّعون صفيحة البنزين من خزّانات شركات الاستيراد بسعر مليون و220 ألف و440 ليرة، ويضيفون إلى هذا السعر كلفة نقل لكل صفيحة إلى المحطّات بقيمة 31 ألفاً و400 ليرة، ورسوم غير معروف ماهيتها ولا مبرّراتها بقيمة 20 ألف و440 ليرة، أي أن جدول تركيب الأسعار يزيد سعر الصفيحة بقيمة 51 ألفاً و840 ليرة بحجّة كلفة التوزيع الداخلي، ليرتفع السعر عند استلام الصفيحة من قبل محطّات البيع بالتجزئة إلى مليون و272 ألفاً و280 ليرة. 

شركات الاستيراد تستحوذ على أكثر من 68% من عمليات التوزيع، وهذا يدرّ عليها المزيد والمزيد من الأرباح الطائلة

ولكن، عمليات التوزيع الداخلي للمشتقّات النفطية مُحتكرة من شركات الاستيراد نفسها، إذ تستحوذ هذه الشركات على أكثر من 850 صهريج توزيع من أصل نحو 1250 صهريجاً عاملاً في السوق اللبنانية، أي أن شركات الاستيراد تستحوذ أيضاً على أكثر من 68% من عمليات التوزيع، وهذا يدرّ عليها المزيد والمزيد من الأرباح الطائلة.

تشير تحليلات كلفة النقل والتوزيع إلى أن قرب مواقع تخزين البنزين من الأسواق الأكثر كثافة وطلباً، ولا سيما على الساحل، يجعل كلفة النقل والتوزيع مُضخّمة بما لا يقل عن 40%.

جعالة صاحب المحطّة

تصل صفيحة البنزين إلى المحطّة بسعر مليون و272 ألفاً و280 ليرة، وحتى الآن أضيف 233 ألف و154 ليرة على متوسط سعر الاستيراد المنفوخ أصلاً، أي أن الأرباح المعلنة والمخفية والأكلاف الفعلية والوهمية باتت تمثّل 22.44% من متوسط سعر الاستيراد المنفوخ.

101 ألف و900 ليرة من سعر صفيحة البنزين هو عمولة للمحطّة، وهنا أيضاً تظهر شركات الاستيراد كمستفيد رئيس من هذا الكرم، إذ تستحوذ على 54% من محطات البنزين

يمنح جدول تركيب الأسعار 89 ألف و700 ليرة تحت اسم «جعالة صاحب المحطّة»، أي العمولة أو الإجرة أو الربح المُعلن للمحطّة. ولكن الشهية المفتوحة على نتش المزيد من الأرباح جعلت وزارة الطاقة والمياه تضيف بنداً غريباً عجيباً بقيمة 12 ألف و200 ليرة تحت اسم «عمولة مصرفية لصاحب المحطّة»، أي أن 101 ألف و900 ليرة من سعر صفيحة البنزين هو عمولة للمحطّة، وهنا أيضاً تظهر شركات الاستيراد كمستفيد رئيس من هذا الكرم، إذ أن هذه الشركات تستحوذ على نحو 1,300 محطّة بيع بالتجزئة من أصل 2,400 محطّة مرخّصة، أي ما نسبته 54%.

الضريبة على القيمة المضافة:

في الحصيلة، أضيف تحت مسمّيات عدّة ما مجموعه 335 ألف و55 ليرة على متوسط سعر استيراد كل صفيحة بنزين 95 أوكتان، وأصبح السعر قبل الضريبة على القيمة المضافة مليوناً و374 ألف و181 ليرة. 

تجبي الدولة ضريبة على القيمة المضافة بنسبة 11%، أي أنها تحصل على 151 ألف و159 ليرة عن كل صفيحة، ليصل السعر الذي يسدِّده المستهلك إلى مليون و525 الف ليرة. 

إذا أردنا أن نختزل جدول تركيب أسعار صفيحة البنزين 95 أوكتان إلى حصص، فالدولة تحصل على 9.91% من السعر النهائي للمستهلك، أمّا حصّة الأرباح فهي تتوزّع بين هوامش مبيعات المحطّات (6.68%) وأنشطة التوزيع (3.40%) وأنشطة الاستيراد (11.89%) وهوامش الربح المخفي بمتوسط سعر استيراد كل صفيحة (68.14%).