كارتيل استيراد النفط: الأمر لي
- سيطرت 5 شركات على أكثر من 65% من كمّيات البنزين المستوردة بين العامين 2021 و2022، وهي Total وUniterminals وLiquigas وCoral وMedco. أمّا في سوق المازوت، فقد استحوذت 3 شركات على أكثر من 55% من السوق وهي Coral وUniterminals وHypco.
- لم تنعكس الأزمة اللبنانيّة على سوق المشتقّات النفطية ولاعبيه، الذين استطاعوا الحفاظ على مصالحهم وأرباحهم، على الرغم من تراجع الاستهلاك وسط تحوّل كبير تمثّل برفع الدعم الكلّي عن أسعار المشتقات النفطيّة في أيلول/ سبتمبر 2021
بعد محاولةٍ خجولة قامت بها الدولة للدخول على خطّ الاستيراد في العام 2019 وبدء تأمينها 30% من حاجة السوق من المازوت و10% من البنزين، تمكّن تحالف شركات استيراد المحروقات الـ13 من إعادة بسط سيطرته على 83% من مجمل سوق المشتقّات النفطيّة المستوردة إلى لبنان في خلال العام 2022. ففي سوق البنزين، سيطرت 5 شركات على أكثر من 65% من الكمّيات المستوردة بين العامين 2021 و2022، وهي Total وUniterminals وLiquigas وCoral وMedco. أمّا في سوق المازوت، فقد استحوذت 3 شركات على أكثر من 55% من السوق وهي Coral وUniterminals وHypco.
لم تحصل تبدّلات في ملكيّة الشركات المنضوية في التجمّع منذ اندلاع الأزمة المالية باستثناء استحواذ إيلي باسيل، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لـ«شركة امتياز كهرباء جبيل»، على شركة وردية Wardiehيأتي ذلك على الرغم من تراجع كمية الاستيراد نتيجة انخفاض الاستهلاك، إذ تظهر الأرقام انخفاض كمية البنزين المستوردة في العام 2022 بنسبة 35% بالمقارنة مع أرقام العام 2021، فيما انخفضت كمية المازوت المستوردة بنحو 28.7%، ولو أن فاتورة الاستيراد (من حيث القيمة لا الكمية) لم تنخفض بسبب ارتفاع الأسعار العالمية منذ شباط/فبراير 2022 نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وعوامل أخرى مختلفة.
فكم بلغ حجم استيراد المشتقّات النفطية في خلال العام 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه؟ وكيف تقاسم تحالف الشركات هذه السوق؟ وماذا عن سوق الغاز وتشعباتها أيضاً؟
تقاسم السوق ما بعد رفع الدعم
في الواقع، استورد لبنان في خلال العام 2022 نحو 4,5 مليون طن من المشتقّات النفطيّة على أنواعها، توزّعت بين 2,18 مليون طن من المازوت ونحو 1,6 مليون طن من البنزين - 95 أوكتان، بالإضافة إلى 10 آلاف طن من البنزين - 98 أوكتان. وقد بلغ متوسّط سعر طن المازوت حوالي 1,100 دولار أميركي، وطنّ البنزين نحو ألف دولار أميركي، أي أن لبنان استورد مشتقّات نفطيّة بقيمة 3,7 مليار دولار في العام 2022.
يسيطر على استيراد المشتقّات النفطية تجمّع الشركات المستوردة التي تنقسم بدورها إلى مجموعتين. تضمّ الأولى ميدكو ويونيتارمينالز وأبيك وهيبكو وكوجيكو وIPT وتوتال ووردية، وغيرها من الشركات، فيما تضمّ الثانية كورال وليكويغاز، اللتين تعاظم دورهما في خلال الأزمة منذ العام 2019.
تظهر بيانات سوق البنزين سيطرة تحالف Coral/Liquigas على النسبة الأعلى من السوق، على الرغم من انخفاض حصّة هذه الأخيرة من 30% في العام 2021 إلى نحو 25% في العام 2022لم تحصل تبدّلات في ملكيّة الشركات المنضوية في التجمّع منذ اندلاع الأزمة المالية باستثناء استحواذ إيلي باسيل، رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لـ«شركة امتياز كهرباء جبيل»، على شركة وردية Wardieh التي كان يملكها تحالف خليجي/لبناني في مقابل 30 مليون دولار أميركي، بالإضافة إلى ما يشاع عن رغبة وليد وأديب وبشير وبهاء البساتنة، مالكي شركة Hypco، ببيع أسهمهم في شركة Cogico التي يملكون 40% منها في مقابل 60% لوليد وتيمور جنبلاط.
لا تقوم هذه الشركات بعمليّات الاستيراد بشكل فردي، وإنّما تتكتّل ضمن ائتلافات لاستيراد شحنات المشتقّات النفطية، ومن ثمّ تتقاسم الكميّات من أجل توزيعها في السّوق، مُجسّدةً بذلك البنية الاحتكارية للقطاع. تظهر أرقام العام 2022 وجود 4 تحالفات أساسية في عملية الاستيراد، بالإضافة إلى ما تستورده منشآت النفط في طرابلس والزهراني ومؤسّسة كهرباء لبنان لتشغيل معامل الكهرباء.
تبيّن المعلومات الرقمية المتعلّقة بحجم الاستيراد في العام 2022، أن التحالف الأول (يونيتارمينالز وشركائه) استورد نحو 1,5 مليون طن من المشتقّات النفطية على أنواعها، أو ما نسبته 34% من السوق. فيما استحوذ تحالف TOTAL/IPT على 17% من السوق (نحو 742 ألف طن)، وتحالف Coral/Liquigas على 16% (نحو 698 ألف طن)، ومن ثمّ تحالف MEDCO/Apec الذي استحوذ على 12% (نحو 650 ألف طن).
تلي هذه التحالفات الأربعة مؤسّسة كهرباء لبنان (10% من السوق) من خلال ما استوردته في خلال العام المنصرم من غاز أويل وفيول أويل لتشغيل معامل الكهرباء، ومنشآت النفط في طرابلس والزهراني بنسبة 7% وأخيراً تحالف شركات Medco/Wardieh/Coral الذي يستورد غاز الطيران (Jet Fuel) بنسبة 4% من السوق.
الجدير بالذكر أنه في خلال الأزمة، أنيط بمنشآت النفط دور أساسي وحسّاس يقضي بتأمين المشتقات النفطّية للجيش والقوى الأمنية والإدارات الرسمية وشركتي الاتصالات وأوجيرو، من أجل ضمان استمرار عمل المرافق العامة بعد رفع الدعم واحتكار المواد. إلّا أن هذه العملية كانت عرضة للأهواء والتدخّلات السياسية وخاضعة لموازين القوى بين الشركات والموزّعين، خصوصاً في ظلّ تمكّن أصحاب النفوذ من تخفيف سلطة الدولة على المنشآت والتفلّت من الرقابة والضوابط في عمليّات الاستيراد والتوزيع عبر توظيف المحسوبيّات الطائفية والسياسية في المواقع الإدارية الحساسة المرتبطة بها.
وبصورة أكثر تفصيلية لسوقي البنزين والمازوت، تظهر بيانات سوق البنزين سيطرة تحالف Coral/Liquigas على النسبة الأعلى من السوق، على الرغم من انخفاض حصّة هذه الأخيرة من 30% في العام 2021 إلى نحو 25% في العام 2022. تليه يونيترمينالز بنسبة 13.8%، وتوتال وميدكو بنسبة 13% لكلّ منهما، ومن ثمّ هيبكو بنسبة 9.5%، بالإضافة إلى شركات أخرى بنسب ضئيلة ومتفاوتة. أمّا بالنسبة لسوق المازوت، فتظهر البيانات ارتفاع حصّة شركة يونيترمينالز واستحواذها على النسبة الأعلى من السوق، إذ بلغت نحو 28,9% في العام 2022، بالمقارنة مع 20,5% في العام 2021، تليها شركات كورال بنسبة 21%، وميدكو بنسبة 12%، وهيبكو بنسبة 11.6%، ومن ثمّ تأتي توتال وIPT بنسبة 11.6%، وأخيراً وردية بنسبة 4%.
ذكرت في تقرير سابق نُشِر في العام 2020 أنّ شركتي Liquigas/Coral استحوذتا على نحو 80% من الكمّيات المستوردة في بداية الأزمة، وفي مقابلة مع إحدى الشركات المستوردة، تمّت الإشارة إلى أن «الشركتين استفادتا من رأسمال لاستيراد الشحنات المتتالية بالشراكة والاتفاق مع أحد المصارف التجارية الذي كان يمتلك مبالغ مقبولة من الدولار الفريش تخوّله المخاطرة في هكذا عمليّات، كما من شبكة علاقات عميقة في مصرف لبنان أمّنت الغطاء لذلك». ساهمت هذه الألاعيب، بالتوازي مع الاحتكار وتبدّل الأسعار، بجني أرباح خيالية نراها اليوم على شكل حملات ترويجية ودعائية في المناطق ودعم ماديّ على الشاشات. الّا أنه، وبعد عملية رفع الدعم في أواخر العام 2021، عادت كل شركة، أو تحالف شركات، إلى حجمه الاستيرادي المعتاد.
لم يكتفِ الكارتيل بذلك وحسب، بل كان يجني أيضاً مئات ملايين الليرات يومياً من خلال الاحتيال الضريبي في ما تستوفيه وزارة المالية والجمارك اللبنانية. فحتى آذار/مارس الماضي، كانت هذه الشركات تدفع جميع الضرائب والرسوم التي تحققها (TVA وغيرها) بموجب شيك أو تحويل مصرفي بالليرة اللبنانية، وكانت تستحوذ على الشيكات بالليرة اللبنانية بمبالغ زهيدة جدّاً، بحيث توفّر مبالغ طائلة ضاعت على الخزينة العامّة نتيجة هذه التجارة.
سوق الغاز: الكارتيل يتمدّد
أمّا بالنسبة لسوق الغاز، فتتمّ عمليات استيراد الغاز المنزلي Butane والصناعي Propane في ثلاث أماكن رئيسية على الساحل اللبناني حيث تتوفّر الخزانات الصالحة لدى شركة «نورد غاز»، شركة «غاز الشرق»، وشركة «صيداكو». أمّا التعبئة، فهي موزّعة على مئات المراكز المرخّصة من وزارتي الصناعة والطاقة والمياه.
يستورد تجمّع «شركات محاصة الغاز» مجمل الشحنات، ويسيطر على معظم الخزّانات الصالحة على الشاطئ اللبنانييستورد تجمّع «شركات محاصة الغاز» مجمل الشحنات، ويسيطر على معظم الخزّانات الصالحة على الشاطئ اللبناني، وهو يتألف من: «نوردغاز» (مملوكة من عائلة حجّة)، «يونيغاز» (مملوكة من محمود الصيداني)، «يونيفارسال غاز» (مملوكة من آل طايع)، «كالميد غاز» (مملوكة من مارون شماس)، «صيداكو» (مملوكة من عائلة الصيداني بالشراكة مع وليد جنبلاط)، و«غاز الشرق» (مملوكة من طلال الزين وبعض الشركاء).
جرت العادة على مدار السنوات السابقة أن تستأجر هذه الشركات الخزّانات المملوكة من الدولة اللبنانية، أمّا ما حصل مؤخراً فهو إلغاء عقود الإيجار المُبرمة التي كانت، على علتها، تدّر الأموال إلى الخزينة العامة، كما وتم البدء بتفكيك الخزّانات الموجودة في المصفاتين من قبل المديرية العامّة للنفط من دون إصلاحها، وهو ما يعني إعدام أي محاولة مستقبلية على منافسة الاحتكار القائم.
من جهة أخرى، عادة ما يتناسى الرأي العام ملف قوارير الغاز واستبدالها (كما وتلف القديم منها) الذي تلتزمه شركة رباح جابر شقيق الوزير والنائب السابق ياسين جابر، ومن دون مراقبة هذا الصندوق الأسود الذي يدخل إليه يوميّاً ملايين الدولارات من جيوب المواطنين ومن مبيعات الحديد والنحاس.
خلاصة
عادة، في خلال الأزمات الاقتصادية الحادّة كالتي يعيشها لبنان، تخضع السوق لتغيّرات بنيويّة إن من حيث موازين القوى أو خلال اللاعبين الفاعلين، إلّا أن الأزمة اللبنانية لم تنعكس على سوق المشتقات النفطية ولاعبيه، الذين استطاعوا الحفاظ على مصالحهم وأرباحهم على الرغم من تراجع الاستهلاك وسط تحوّل كبير تمثّل برفع الدعم الكلّي عن المشتقات النفطيّة في أيلول/ سبتمبر 2021.
من ناحية أخرى، تجري اليوم محاولة لتثبيت هذا الواقع الجديد وتهميش دور الدّولة وقدرتها على التدّخل في السوق، من خلال التعمية على ما حصل من جرائم بحق المواطنين في خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ومن تراكمٍ الأرباح، باتباع مقولة «عفا الله عمّا مضى»، وهو واقع يجب مجابهته بكل قوّة لإمعانه في إفقار المجتمع.