Preview شراء عقارات في الخارج

العقار الأوروبي
ملاذ الهاربين من لبنان

تُظهر البيانات المُتاحة في دول عدّة حركةً لافتةً في عمليّات شراء العقارات من لبنانيين غير مقيمين في تلك الدول. تقول الفرضية إن زيادة هذه الحركة في السنوات الثلاث الماضية ترتبط بهروب الأموال من لبنان، وتغيير وجهة تحويلات مهمّة من المهاجرين اللبنانيين، التي كانت تتّجه في السابق للإيداع في المصارف أو شراء العقارات في لبنان. وترتبط أيضاً بسعي الكثير من اللبنانيين للحصول على باسبور غير الباسبور اللبناني، أو الحصول على تأشيرة إقامة طويلة في بلدٍ غير لبنان. لا توجد بيانات شاملة عن تملّك لبنانيين للعقارات في الخارج. وغالباً ما تنتشر المعلومات في هذا الشأن في سياق ملاحقات عمليّات تبييض الأموال في المدن الأوروبية. لذلك، لا يتضمّن هذا التقرير جردة أو مسحاً، وإنّما يتّخذ أمثلة من باريس وقبرص واليونان فقط. باريس حيث تشهد تحقيقاً جنائياً في قضية اختلاسات حاكم مصرف لبنان وتبييضها عبر شراء العقارات هناك وفي مدن أوروبية مختلفة. وقبرص حيث مثلّت الملاذ الأقرب جغرافياً لهروب الأموال من لبنان منذ الحرب الأهلية (1975-1990). واليونان حيث تقدّم الإقامة الذهبية منذ العام 2013 لكل فرد مع عائلته، من خارج الاتحاد الأوروبي والمنطقة الاقتصادية الأوروبية، إذا استثمر في العقارات بمبلغ لا يقلّ عن 250 ألف يورو.

باريس: اللبنانيون في المرتبة الثانية بين الأجانب

يحتلّ حملة الجنسية اللبنانية المرتبة الثانية بين الأجانب غير المقيمين الذين اشتروا شققاً قديمة في باريس في العام 2022. بلغت حصّة اللبنانيين نحو 12% من مجمل مشتريات الأجانب غير المقيمين، وفق ما ورد في البيانات التي نشرتها مؤسّسة كتّاب العدل في باريس الكبرى في بداية العام 2023. وقُدّر عدد الشقق التي استحوذوا عليها بنحو 105 شقق في عام واحد، وقدّر متوسّط سعر الشقّة بنحو 630 ألف يورو، أي أن قيمة هذه العمليات الإجمالية تجاوزت 66 مليون يورو.

تملك اللبنانيين عقارات في الخارج

… ومن الخمسة الأوائل في قبرص

وفقاً لبيانات دائرة الأراضي والمسوحات في قبرص، التي نقلها مديرها إليكوس إيليا، فإن اللبنانيين هم من ضمن المستثمرين الخمسة الأوائل بعد الروس والبريطانيين والإسرائيليين واليونانيين. وقد شهدت قبرص زيادة في استحواذ اللبنانيين على العقارات هناك. ويشير المدير العام لشركة WiRE FS، بافلوس لويزو، إلى تحرّكات بارزة من جانب اللبنانيين في لارنكا تحديداً، و«يبدو أن مشترياتهم وتحرّكات استثمارتهم (للبنانيين) تتعلّق بعقارات للإقامة الدائمة والمكاتب، إمّا لنقل مقارهم الرئيسية إلى قبرص وإمّا لإنشاء قاعدة ثانية لشركاتهم».

طفرات الشراء في قبرص ليست جديدة، فهي بدأت بالفعل منذ سنوات طويلة من الطبقات الثرية، وفي الأشهر القليلة التي تلت انفجار الأزمة اللبنانية في النصف الثاني من العام 2019 بدأ التهافت على شراء العقارات في الجزيرة. يقول جورج شهوان الرئيس التنفيذي لشركة Plus Properties، إحدى شركات التطوير العقاري اللبنانية العاملة في قبرص: «تلقينا أكثر من ثلاثة آلاف اتصال، في الأسابيع الثلاثة الماضية من أشخاص يرغبون بشراء شقق في قبرص».

… وفي المرتبة الثالثة للإقامة الذهبية في اليونان

أنفق اللبنانيون على مدار 20 سنة (2002-2022) ما قيمته 184 مليون يورو على  شراء العقارات في اليونان، منها 131 مليون يورو أنفقوها خلال السنوات العشر الماضية. هذه الهجمة اللبنانية على الشراء جاءت بالدرجة الأولى بهدف الحصول على الإقامة الذهبية التي تمكن حاملها من التنقّل بحرّية في دول  الاتحاد الأوروبي. فقد ارتفع ترتيب لبنان بين جنسيات المستثمرين في العقارات اليونانية من غير الأوروبيين والأميركيين إلى المرتبة الثالثة في العام 2022. وكانت اليونان قد رفعت قيمة الاستثمار الأجنبي في العقار للحصول على الإقامة الذهبية من 250 ألف إلى 500 ألف يورو في مناطق معيّنة، مثل أثينا وميكونوس وسانتوريني. سبق ذلك، في الربع الأول من العام 2022، فورة في طلبات الحصول على هذه التأشيرة، إذ تم إصدار 4,264 طلباً.

تملك اللبنانيين عقارات في الخارج

العقار اللبناني لا يجذب  الرساميل  اللبنانية!

تشكل هذه الدول عيّنات تبرز تفضيل اللبنانيين للشراء في الخارج. هذه الاندفاعة تقودها عوامل عديدة أبرزها هروب الرساميل والبحث عن ملاذات آمنة،  بعد إفلاس المصارف وعجزها عن ردّ الودائع. 

يعتبر رئيس شركة رامكو العقارية رجا مكارم، في حديث  لـ«صفر»، أن القطاع العقاري أفضل استثمار في لبنان، والفرص مواتية للشراء خصوصاً أن الأسعار انخفضت بين 30% و70%. وينفي وجود علاقة بين ارتفاع طلب اللبنانيين على العقار في الخارج وانخفاضه في لبنان. مشيراً إلى عدم توافر إحصاءات تحدّد نسب شراء اللبنانيين في الأسواق الخارجية، مع العلم أن الكثير أخرج أمواله خارج البلاد.

ولكن، على الرغم من انخفاض أسعار العقارات في لبنان، تواجه السوق ركوداً في في المباني والمجمّعات الفاخرة تحديداً، فضلاً عن أن الأجور الحقيقية انخفضت بصورة كبيرة، ووسّعت الفجوة بين الأجور وأسعار المساكن. فقد انخفضت قيمة الحدّ الأدنى للأجور بالدولار بنسبة 87%، وساهم قرار أصحاب الأعمال بوقف أي زيادة على الشطور بإبقاء أجور العمّال من أصحاب المداخيل المتوسّطة والمرتفعة عند مستويات منخفضة، وإضعاف قدرتها الشرائية. وفي ظل توقّف الإقراض السكني فإن التوقّعات تفيد باحتمال المزيد من الهبوط في أسعار الأراضي والوحدات المبنية، ما يجعل الهروب إلى العقار كملاذ آمن في لبنان غير مضمون، خصوصاً للشقق السكنية الصغيرة.

انعدام الاستقرار يدفع بالرساميل اللبنانية بعيداً

وإذا كانت أسعار العقارات الفاخرة في لبنان قد انخفضت بشكل قوي، إلّا أن تفضيلات اللبنانيين تبقى لشراء عقارات في الخارج وإن كانت الحيازات صغيرة الحجم، فعلى سبيل المثال غالبية الشراة اللبنانيين في باريس اشتروا وحدات سكنية يصل سعر المتر فيها إلى 11 ألف يورو. هؤلاء الشراة قادرين على شراء الشقق الفخمة في بيروت، ولكنهم لن يستثمروا في بلد يعاني من انهيارات على مستويات مختلفة اقتصادية وسياسية واجتماعية وحتى أمنية.

الحالة السياسية العامّة والوضع الاقتصادي والاجتماعي، طالما شكّلت حافزاً قوياً يدفع اللبنانيين للهروب إلى الخارج والحصول على جنسية أخرى، ففي تقرير أجرته شركة «سيتزين شيب» في العام 2018 تبيّن أن «نحو 93% من اللبنانيين الراغبين باكتساب جنسية ثانية يفضّلون الحصول على جواز سفر ثانٍ عن طريق خيار المساهمة المالية لصالح الصناديق الحكومية، في حين اختار 7% منهم الاستثمار العقاري». فقد بدا أن تكلفة المساهمات المالية لصالح الصناديق الحكومية منخفضة في مقابل التملّك العقاري، ولكن الإدراك لاحقاً أن شراء العقارات أفضل، فيستطيع الشراة إعادة بيع عقاراتهم بعد حصولهم على جواز السفر وإسترداد أموالهم شجّع أكثر على الاستثمار العقاري في الخارج في خلال السنوات الأخيرة.