Preview اسواق النفط

أسواق النفط منضبطة حتى الآن

حتّى الآن، لم تتحقّق التوقّعات المتلاحقة منذ اندلاع حرب الإبادة على غزّة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 بحتمية انعكاسها على أسعار النّفط العالمية. بدت الأسواق في الفترة الماضية أسيرة التقلّبات الطفيفة، واستطاعت امتصاص الصدّمات الناتجة عن الأحداث الجيوسياسية الحالية، من دون أن يؤثر ذلك بشكلٍ كبير على التدفّقات العالمية. ويُتوقّع أن تبقى مخاطر التقلّبات في الأسعار متدنّية نسبيّاً في خلال العام 2024 كنتيجة مباشرة لاستقرار العرض في أسواق النّفط. 

أسعار النفط

إلّا أن التطوّرات الأخيرة في البحر الأحمر، وخصوصاً بعد العدوان الأميركي-البريطاني على اليمن، تُنذر بدخول مرحلة جديدة من المواجهات، ستصبح السيطرة في خلالها على تفلّت أسعار النفط أكثر صعوبة، نتيجة تأثرها مباشرة بحركة الملاحة العالمية، ناهيك عن إمكانية تمدّد هذه المواجهات إلى مضيق هرمز وما سيترتّب على ذلك من انعكاسات.

تقلّبات الأسعار منذ اندلاع الحرب على غزّة

مباشرة، بعد العدوان على اليمن، وللمرّة الأولى في هذا العام، لامس سعر برميل النفط 80 دولاراً أميركياً، مُسجّلاً ارتفاعاً بنحو 4% بعد أن أخذ منحى تراجعياً في الأسابيع الماضية. في الواقع، من عاد من عطلة الأعياد الأسبوع الماضي مُستطلعاً تطوّر أسعار النفط قبل الهجوم على اليمن، لوجد أن سعر البرميل لم يتغيّر إلّا بحدود 10 سنتات فقط منذ بداية العام 2024. إلا أن العدوان زاد من التوتر في البحر الأحمر، وانعكس قلقاً عميقاً من الآثار الاقتصادية لهذا الهجوم على حركة الملاحة العالمية، وتحديداً ناقلات النفط والغاز المسال (LNG)، التي آثر البعض منها تغيير وجهة الإبحار عن مضيق باب المندب وقناة السويس أو تجميدها مؤقتاً، ما قد يصعّب محاولات خفض معدّلات التضخّم في الاقتصاد العالمي ما بعد الحرب الروسية-الأوكرانية.

الارتفاع الطفيف نسبياً في أسعار النفط بعد العدوان، لا يزال أخف وطأة من الذي سجِّل في خريف 2023 مع اندلاع الحرب على غزّة، وأقل بنحو 60 دولاراً من أسعار آذار/ مارس 2022 غداة الحرب الروسية-الأوكرانية

هذا الارتفاع الطفيف نسبياً في أسعار النفط بعد العدوان، لا يزال أخف وطأة من الذي سجِّل في خريف 2023 مع اندلاع الحرب على غزّة، وأقل بنحو 60 دولاراً من أسعار آذار/ مارس 2022 غداة الحرب الروسية-الأوكرانية، ما يعكس قدرة الأسواق على التأقلم مع الصدمات المتلاحقة، ويؤشّر إلى أن أحداث باب المندب، حتى الساعة، لا يزال أثرها صامتاً على الأسعار العالمية، وتسجّل الكثير من التقلّبات الآنية من دون ارتفاعاتٍ حادّة.

عندما بدأت اسرائيل حربها على غزّة، ارتفعت أسعار برميل النّفط إلى أكثر من 90 دولاراً أميركي لفترة قصيرة، لكن الأسواق سرعان ما امتصّت الصدمة لتعاود الإسعار الانخفاض التدريجي منذ ذلك الحين. فالأسعار في نهاية تشرين الأول/أكتوبر كانت أقل من الأسعار المسجّلة في نهاية أيلول/سبتمبر، أي أقل ممّا كانت عليه عشية اندلاع الحرب. يأتي ذلك نتيجة عوامل عدّة أبرزها الطفرة في العرض، وارتفاع المخزونات في ظلّ استمرار قرار خفض الإنتاج من قبل منظمّة «أوبك+» الذي اتخذ على مرحلتين، الأولى في حزيران/ يونيو 2023 والثانية في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023. يترافق ذلك مع ارتفاع ملحوظ ومتزايد في إنتاج الدّول غير المنضوية ضمن «أوبك+»، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية، التي لا يزال إنتاجها من النفط الصخري يرتفع في 2024 لإجهاض محاولات رفع الأسعار في ظلّ الطّلب الخجول والغموض الذي يلفّ الاقتصاد العالمي، وعدم وضوح ما ستؤول إليه صراعات الشرق الأوسط. 

بناء على ما تقدّم، يُتوقع أن تبقى الأسعار متقلبة في بداية العام 2024 حول 80 دولاراً للبرميل، ما لم يدخل مضيق هرمز على خط الصراع، في حال قرّرت إيران المشاركة مباشرة في المواجهات، إذ يمرّ عبره حوالى سُدِس الإنتاج العالمي، أو حوالى 17 مليون برميل في اليوم، ما قد يتسبّب بصدمة كبيرة سوف تعدّل الحسابات الآنية الحالية.

من هي الدّول الأكثر تضرّراً من أحداث البحر الأحمر؟

مع تزايد عدد الشركات والناقلات التي أعلنت تجنّبها البحر الأحمر في خلال هذه الفترة، يبرز العديد من المتضرّرين من هذه الأحداث في أسواق النفط والغاز، إلّا أنّ معظمها يتركّز في منطقة الشرق الأوسط. 

فعلى صعيد النفط، يمرّ عبر مضيق باب المندب ما بين 5 إلى 6 ملايين برميل يومياً، تشمل النفط كما المشتقات النفطيّة على أنواعها. وبعد الحرب الروسية-الأوكرانية، أصبح البحر الأحمر الممّر الأنسب للناقلات الآتية من روسيا والمتّجهة الى أسواق آسيا، ويقدّر أن هذه الكمّيات تبلغ حوالى 1.7 مليون برميل تسلك الطريق الجنوبي للمضيق يومياً. من جهة أخرى، يمرّ نحو 300 ألف برميل من النفط مصدرها المملكة العربية السعودية وجنوبي السودان نحو آسيا أيضاً. في حين يمكن للمملكة الاستعاضة عن المرور عبر المضيق مستفيدة من الأنابيب التي تربط شرق البلاد بغربها في الصحراء، لا يستطيع جنوب السودان فعل ذلك. كما تمرّ عبر باب المندب أيضاً شحنات النفط العراقية المتّجهة شمالاً نحو أوروبا. 

يُتوقع أن تبقى الأسعار متقلبة في بداية العام 2024 حول 80 دولاراً للبرميل، ما لم يدخل مضيق هرمز على خط الصراع، في حال قرّرت إيران المشاركة مباشرة في المواجهات، إذ يمرّ عبره حوالى سُدِس الإنتاج العالمي

أمّا بالنسبة للمشتقات النفطية، فإقفال ممرّات المضيق أمام الناقلات المُحمّلة بها سيكون له أثراً كبيراً على الأسواق الأوروبية، وتحديداً تلك الآتية من الهند (حوالى 400 ألف برميل في اليوم) والصين (حوالى 100 ألف برميل في اليوم) وكوريا الجنوبية (بين 100 و200 ألف برميل في اليوم) وكذلك الكويت (حوالى 250 ألف برميل في اليوم). ففي السنة المنصرمة، افتتحت الكويت إحدى أكبر مصافي النفط في العالم والأكبر في الشرق الأوسط (مصفاة الزور)، التي بإمكانها معالجة حوالى 615,000 برميل في اليوم، وإرسال المشتقات النفطية على أنواعها من مازوت ووقود طيران وغيرها نحو أوروبا لتعويض تلك التي كانت تصل من روسيا.

إذاً، تعدّ القارّة العجوز من أبرز المتضررّين من الأحداث الحالية على المديين المتوسّط والبعيد، نتيجة تأخر الشحنات لأسابيع وارتفاع كلفة نقلها وتأمينها. المتضرّر الأكبر الآخر هي مصر، التي يقدّر أنها خسرت في خلال الفترة الأخيرة حوالى ثلث الشحنات التي كانت تمرّ عبر قناة السويس، وتراجعت عائدات القناة بحوالي 40%، في وقت تحتاج فيه مصر للعملات الصعبة لمواجهة الضغوط الاقتصادية. 

نقل الغاز القطري

على صعيد شحنات الغاز المسال (LNG)، دفع التوتّر في البحر الأحمر شركة «قطر للطاقة» إلى تعليق عمليّات نقل الغاز LNG عبر البحر الأحمر لأيام عدّة بعد العدوان على اليمن، في خطوة تحمل في طيّاتها رسائل سياسية وتجارية متعدّدة الأوجه. وأمس، أظهرت بيانات تتبع السفن من شركة «إل إس إي جي» أن 4 ناقلات للغاز الطبيعي المسال القطري استأنفت مسارها عبر البحر الأحمر. ويقدّر المحللون أن طريق رأس الرجاء الصالح البديل عن البحر الأحمر يمكن أن يضيف حوالى 9 أيام إلى الرحلة التي تستغرق 18 يوماً من قطر. ومن شأن الطريق الأطول أن يؤدّي إلى تأخير التسليم. وتقدّر وكالة «ستاندرد آند بورز» شحنات الغاز الطبيعي المسال القطرية عبر البحر الأحمر بنحو 14.8 مليون طن متري سنوياً، والشحنات الأميركية بنحو 8.8 مليون طن متري والشحنات الروسية بنحو 3.7 مليون طن متري.

يمرّ عبر مضيق باب المندب 5 إلى 6 ملايين برميل يومياً من المشتقات النفطيّة على أنواعها. وبعد الحرب الروسية-الأوكرانية، أصبح البحر الأحمر الممّر الأنسب للناقلات الآتية من روسيا والمتّجهة الى أسواق آسيا

من الواضح أن ما يحصل في البحر الأحمر يزيد الضغوط على أسواق الغاز والنفط والتجارة عموماً، ولكن بطريقة مضبوطة نسبيّاً حتى الآن، كون مخزون الغاز في الدول الأوروبية مرتفع منذ نهاية الصيف، وكون الاكلاف الإضافية المفروضة على الشحن والتأمين لا تزال دون المستويات التي بلغتها في ظل جائحة كوفيد- 19، ولم تنعكس ارتفاعاً كبيراً في أسعار الاستهلاك.