Preview البحر الأحمر

العدوان على اليمن يزيد مخاطر الملاحة في البحر الأحمر

شنّت القوّات العسكرية الأميركية والبريطانية 73 غارة جوّية وبحرية ضد اليمن أثناء الليل، استهدفت صنعاء وتعز وصعدة والحديدة وحجّة. وقالت الولايات المتحدة إن أستراليا والبحرين وكندا وهولندا دعمت العدوان. واعتبر الرئيس الأميركي جو بايدن في بيان إن «هذه الضربات هي رسالة واضحة مفادها أن الولايات المتّحدة وشركائها لن يسمحوا لجهات معادية بتعريض حرية الملاحة للخطر». وزعمت وزارة الدفاع البريطانية في بيان إن «المؤشرات الأولية تشير إلى أن قدرة اليمنيين على تهديد الشحن التجاري قد تلقت ضربة قوية». وحاول جيمس هيبي، وزير الدفاع البريطاني، التخفيف من ذعر الأسواق من هذا العدوان الخطير، مشيراً إلى أن الضربات كانت «دفاعاً عن النفس» و«لا توجد خطط لاتخاذ أي إجراء آخر في الوقت الحالي». 

البحر الأحمر

ولكن، هذا العدوان يعدّ تطوراً في سياقات حرب الإبادة الجماعية التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين، إذ يمثّل اشتراكاً غربياً مباشراً في العمليات العسكرية على جبهة اليمن، التي أعلنتها حركة «أنصار الله» جبهة مساندة للمقاومة الفلسطينية، على غرار جبهة جنوب لبنان. وبالتالي مثّل تهديداً بتوسيع رقعة الحرب، هو الأكبر حتى الآن، ومثّل في الحصيلة تهديداً بتعطيل حركة الملاحة الدولية عبر مضيق باب المندب (وربما مضيق هرمز)، يفوق بكثير التهديد الذي مثّلته عمليات حركة «أنصار الله» حتى عشية العدوان.

توعّدت حركة «أنصار الله» أن «العدوان على اليمن لن يمرّ دون عقاب أو انتقام»، وأعلنت أن الحركة ستواصل استهداف السفن ذات الصلة بإسرائيل. وفي ردّ فعل مباشر على العدوان ضد اليمن، ارتفعت أسعار النفط 4% مع تحويل ناقلات نفط مسارها من البحر الأحمر بسبب هذا العدوان. وبحلول الساعة 11.24 بتوقيت غرينتش، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 3.16 دولار، بما يعادل 4.1%، إلى 80.57 دولار للبرميل، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 3.05 دولار، أو 4.2%، إلى 75.07 دولار. ويتّجه كلا السعرين لتحقيق الارتفاع الأسبوعي الثاني على التوالي.

زاد العدوان الأميركي على اليمن من مخاوف السوق بشأن اتساع نطاق الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة إلى صراع أوسع في الشرق الأوسط يؤثر على إمدادات النفط من المنطقة، وخصوصاً تلك التي تتحرّك عبر مضيق هرمز الحيوي. وقال شاول كافونيك، محلِّل الطاقة في شركة MST Marquee: «إذا توقّف جزء كبير من تدفّقات مضيق هرمز، فسيشكل ذلك ما يصل إلى ثلاثة أضعاف تأثير صدمات أسعار النفط في السبعينيات وأكثر من ضعف تأثير حرب أوكرانيا على أسواق الغاز». ووفق محلِّلي «آي إن جي» فإن أكثر من 20 مليون برميل يومياً من النفط تتحرّك عبر مضيق هرمز، أي ما يعادل حوالى 20% من الاستهلاك العالمي. وقالت سوزانا ستريتر، رئيسة قسم المال والأسواق في «هارغريفز لانسداون» في لندن، إن الحكومة البريطانية وضعت سيناريو يقوم على ارتفاع الأسعار نحو 10 دولارات للبرميل، مع احتمال ارتفاع أسعار الغاز بنسبة 25%. واعتبر جوشوا كراب، رئيس أسهم آسيا والمحيط الهادئ في شركة روبيكوفي هونغ كونغ، أن العدوان على اليمن «هو أحد المخاطر الجيوسياسية العديدة الموجودة حالياً في العالم. ومن الصعب جدّاً تسعيره (أي احتساب تداعياته الكمية)، نظراً للطبيعة المتشعّبة وعدم اليقين… ومن المرجّح أن يكون لهذا التصعيد الكبير آثار ملحوظة على السوق، ونأمل أن تكون محدودة».

 ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 3.16 دولار، بما يعادل 4.1%، إلى 80.57 دولار للبرميل، في حين ارتفعت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي 3.05 دولار، أو 4.2%، إلى 75.07 دولار. ويتّجه كلا السعرين لتحقيق الارتفاع الأسبوعي الثاني على التوالي

وفق بيانات شركة ويندوارد Windward، المتخصّصة بالاستخبارات ومراقبة المخاطر البحرية، يُشتبه أن حركة «أنصار الله» اليمنية نفّذت نحو 100 هجوم بالصواريخ والمسيّرات والمراكب في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزّة، وتُتهم إيران بتنفيذ هجوم واحد ضدّ سفينة إسرائيلية غرب المحيط الهندي، بالإضافة إلى هجومين يُعتقد أن قراصنة صوماليين نفذوهما. 

إلا أن تحليل أجرته «رويترز» لبيانات تتبع السفن قبل العدوان على اليمن، أظهر أن حركة ناقلات النفط والوقود في البحر الأحمر كانت مستقرّة في كانون الأول/ديسمبر، على الرغم من أن العديد من سفن الحاويات غيّرت مساراتها بسبب هجمات حركة «أنصار الله».

وعلى الرغم من ارتفاع تكاليف الشحن بشكل حاد، إلى جانب أقساط التأمين، إلا أن تأثير العمليات التي تنفّذها حركة «أنصار الله» كان أقل ممّا كان يُخشى على تدفّقات النفط والتجارة، مع استمرار شركات الشحن في استخدام البحر الأحمر كممرّ رئيسي بين الشرق والغرب. وقالت ميشيل ويز بوكمان، محلِّلة الشحن في قائمة لويدز: «لم نشهد بالفعل انقطاع حركة الناقلات الذي كان يتوقّعه الجميع».

لقد عبر 76 ناقلة تحمل النفط والوقود كمتوسط يومي في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في ديسمبر/كانون الأول، وهذا أقل بمقدار ناقلتين فقط من متوسط ​​شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وأقل بثلاث ناقلات فقط من المتوسط ​​للأشهر الـ 11 الأولى من العام 2023، وفقاً لبيانات خدمة تتبع السفن MariTrace. وتتبّعت خدمة «كبلر» نحو 236 سفينة شحن كمتوسط يومي عبرت البحر الأحمر وخليج عدن في الشهر نفسه، وهو ما يزيد قليلاً عن المتوسط ​​اليومي البالغ 230 سفينة في تشرين الثاني/نوفمبر.

تقول حركة «أنصار الله» إنها لا تستهدف سوى السفن ذات الصلة بإسرائيل، أي أن ملكيتها إسرائيلية أو أنها تعبر البحر الأحمر من وإلى الموانئ الإسرائيلية، وتتهم إسرائيل وحلفائها بتنفيذ بعض الهجمات ضد سفن لا علاقة لها بإسرائيل بهدف تحويل «المشكلة الإسرائيلية» في البحر الأحمر إلى «مشكلة دولية»، وتبرير العدوان على اليمن والسعي إلى مساندة إسرائيل وفكّ الحصار الجزئي عنها.

قبل العدوان على اليمن، تركّزت الأضرار الناجمة عن العمليات في البحر الأحمر على إسرائيل واقتصادها، إذ توقّف نشاط مرفأ إيلات الإسرائيلي بصورة شبه كلّية، وهو المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر. ووصف  عامي دانيال، الرئيس التنفيذي لشركة ويندوارد Windward، ما تقوم به حركة «أنصار الله» اليمنية بأنه يشبه «العقوبات الصامتة والزاحفة على إسرائيل»، إذ بات الإبحار إليها أكثر خطورة. ويتزايد عدد شركات الشحن التي تعلن تعليق عملياتها مع الموانىء الإسرائيلية، استجابة لتحذيرات حركة «أنصار الله». وقال «الإبحار إلى إسرائيل يحمل المخاطر نفسها التي يحملها الإبحار إلى أوكرانيا… وسندفع ثمن ذلك، فالأجانب سيفضّلون عدم المخاطرة، وكل منتج تستورده إسرائيل سيصبح أغلى».

بالفعل، شكّلت عمليات حركة «أنصار الله» «البجعة السوداء» لحرب إسرائيل على غزة، فهي لم تكن تتوقع أن تواجه مثل هذه «العقوبات»، بعد كل الحروب والاستتباع لإطباق السيطرة على المنطقة، حيث يقع البحر الأحمر في قلبها. لقد ظنّت الولايات المتحدة الأميركية أن بمقدورها منع أي مساندة للفلسطينيين عبر إرسال المزيد من الأساطيل الحربية، إلا أن العمليات في البحر الاحمر أحبطت استعراض القوة.

عبر 76 ناقلة تحمل النفط والوقود كمتوسط يومي في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن في ديسمبر/كانون الأول، وهذا أقل بمقدار ناقلتين فقط من متوسط ​​شهر تشرين الثاني/نوفمبر، وأقل بثلاث ناقلات فقط من المتوسط ​​للأشهر الـ 11 الأولى من العام 2023

في الفترة الأخيرة، انتهجت القوى الحليفة لإسرائيل نهجاً يزيد من التوتر في البحر الأحمر بدلاً من تخفيفه، وشاركت الأساطيل الغربية في بث الذعر في الأسواق، ولا سيما شركات الشحن البحري، ما دفع أكثريتها إلى تغيير خطوط سير سفنها نحو رأس الرجاء الصالح، على الرغم من التطمينات التي أطلقتها حركة «أنصار الله» بأنها لن تستهدف أي سفينة ليست لها صلة بإسرائيل.

نتيجة ذلك، أعلن أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، أن عدد السفن التي عبرت القناة في الأيام العشرة الأولى من هذا الشهر (من 1 إلى 11 كانون الثاني/ يناير 2024) انخفض بنسبة 30% من 777 سفينة في الفترة نفسها من العام الماضي إلى 544 سفينة في هذا العام. ووفق تصريحات ربيع، انخفضت حمولة السفن العابرة من قناة السويس نحو 41%، وبالتالي انخفضت عائدات القناة بالعملة الصعبة نحو 40%.

تمرّ عبر قناة السويس نحو 12% من التجارة العالمية، وهي الطريق البحرية الأقصر والأقل كلفة والأكثر أمانا وسهولة للتبادلات التجارية بين أوروبا والبلدان الواقعة حول المحيط الهندي وغرب المحيط الهادي. وهي أكثر القنوات الملاحية الاصطناعية كثافة في الاستخدام في العالم. وتصل قناة السويس البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، الذي ينتهي في الجهة المقابلة بمضيق باب المندب بين اليمن وجيبوتي، حيث يتصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي، ويشكّل حلقة مهمة جداً على الطريق التجاري البحري الذي يربط شرق آسيا بأوروبا.

تعبّر هذه الأرقام عن التأثيرات المباشرة لاستمرار الحرب على غزّة على حركة الملاحة الدولية، وهي تأثيرات بالغة تهدّد بنوبة تضخّم جديدة والمزيد من الإرباك في سلاسل التوريد العالمية، على غرار ما حصل في جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا. ووفق تعبير أندرياس كريغ، المحلّل في كينغز كوليدج في لندن: «القلق هو أن هذا قد يتصاعد».