
كيف أثّرت هجمات البحر الأحمر على تدفّقات التجارة العالمية؟
حظيت الهجمات في البحر الأحمر، التي تشنّها حركة «أنصار الله» اليمنية ضدّ السفن المرتبطة بإسرائيل، باهتمام واسع نظراً لتأثيراتها السلبية على تدفّقات التجارة العالمية، فهذا الممرّ المائي الممتدّ من باب المندب إلى قناة السويس كان الممرّ الرئيس، الأقصر والأرخص، لحركة نقل السلع بين المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط، أو بين آسيا وأوروبا، وتمرّ عبره ما بين 12% و15% من التجارة العالمية المحمولة بحراً. إلا أن هذه «النسبة» لا تعكس حقيقة التأثيرات السلبية المحقّقة بالفعل. فوفق النتائج التي توصّل إليها تقرير منشور على موقع Kpler للمعلومات التجارية العالمية، يتبين أن الهجمات أثّرت بطرق ومستويات مختلفة على حركة التجارة، تبعاً لكل سلعة. على سبيل المثال، كان 30% من وقود الطائرات يمرّ عبر السويس قبل هجمات حركة «أنصار الله»، في مقابل 5% فقط من الفحم الحراري. وبينما ارتفعت تدفّقات القمح عبر القناة بعد الهجمات، توقّفت تدفّقات الغاز المسال عبره بشكل شبه تام. وفي حين كان خط التجارة الذي يربط ساحل الخليج الأميركي بالصين هو الأكثر تأثراً بالهجمات في تدفقات فول الصويا، كان خط التجارة الذي يربط البحر الأسود بالشرق الأوسط وجنوب آسيا هو الأكثر تأثراً في تدفقات القمح.
النفط الخام
انخفضت شحنات النفط الخام عبر البحر الأحمر إلى 2.48 مليون برميل يومياً في آب/أغسطس 2024، وهو أدنى مستوى منذ كانون الثاني/يناير 2022، وأقل بنسبة 40% بالمقارنة مع تشرين الأول/أكتوبر 2023. أدّى هذا إلى تراجع حصّة البحر الأحمر من حجم النفط الخام المنقول بحراً إلى 6% في الشهر الماضي، بالمقارنة مع ذروة بلغت 12% في نيسان/أبريل 2023. تجدر الإشارة أن تدفقات النفط تستفيد أيضاً من خط أنابيب سوميد المصري الذي يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، والذي تبلغ طاقته 1.3 مليون برميل يومياً.
على الرغم من ذلك، تأثرت تدفقات النفط الخام بشكل أقل من معظم السلع الأخرى المنقولة بحراً بسبب زيادة الصادرات الروسية إلى آسيا، ما أدى إلى إعادة تغيير مسارها نحو شرق قناة السويس. ففي هذا العام، مرّ نحو 1.9 مليون برميل يومياً من تدفقات النفط الخام الروسي عبر قناة السويس، وشكّل النفط الخام الروسي ما بين 50% و70% من النفط الخام المنقول عبر قناة السويس.
وقود الطائرات
في الأشهر الإثني عشر التي سبقت شهر تشرين الأول/أكتوبر 2023، مرّ 530 ألف برميل يومياً من وقود الطائرات عبر قناة السويس، وشكّلت نحو 30% من حجم وقود الطائرات المنقول بحراً على مستوى العالم. كانت حركة معظمها من الشرق إلى الغرب بسبب النقص في أوروبا والرهان في آسيا على ارتفاع سعر المقطرات المتوسطة.
بحلول آب/أغسطس 2024، تم شحن 45 ألف برميل يومياً من تدفقات وقود الطائرات عبر قناة السويس، ولكنها لم تشكل سوى 2% فقط من تدفقات وقود الطائرات العالمي. في الوقت نفسه، ارتفعت التدفّقات التي تمرّ حول رأس الرجاء الصالح هذا العام إلى 520 ألف برميل يومياً حتى الآن.
الغازولين/الديزل
كان 15% من تدفقات الغازولين/الديزل المنقولة بحراً تمر من قناة السويس قبل طوفان الأقصى، وانخفضت الحصة منذ ذلك الحين إلى 5%. وكما هي الحال مع وقود الطائرات، تحوّل مسار جزء كبير من التدفقات إلى رأس الرجاء الصالح، فمن بين 1.1 مليون برميل تعبر يومياً من الشرق إلى الغرب، عبر 640 ألف برميل يومياً حول رأس الرجاء الصالح حتى الآن في هذا العام.
مع ذلك، فقد صمدت تدفقات الغازولين/الديزل عبر قناة السويس بشكل أفضل من تدفقات وقود الطائرات لسببين: أولاً، إن جميع أحجام الديزل المتجهة شرقاً عبر قناة السويس هي من أصل روسي، ففي أعقاب غزو أوكرانيا، وجدت روسيا مشترين آسيويين جدد ليس فقط لنفطها الخام ولكن أيضاً لمنتجاتها التي تتجنّبها أوروبا الآن. ثانياً، إن معظم صادرات الديزل التي تعبر قناة السويس من الشرق إلى الغرب تأتي من مصفاة ينبع السعودية الواقعة على البحر الأحمر ولكن إلى الشمال من منطقة هجمات حركة «أنصار الله» في اليمن.
النفتا
تغيّرت تدفّقات النفتا المنقولة بحراً بشكل شبه كامل لتتجنّب عبور البحر الأحمر. والنفتا هي مزيج بترولي موجَّه إما لصناعة البتروكيماويات، أو لإنتاج البنزين عن طريق الإصلاح أو الأيزوميرات داخل المصفاة. كانت نسبة 15% من أحجام النفتا المنقولة بحراً على مستوى العالم تمر عبر قناة السويس. ومع ذلك، انخفضت هذه الأحجام منذ ذلك الحين بنسبة هائلة بلغت 82% في أعقاب هجمات البحر الأحمر، ما دفع إلى إعادة توجيه كبيرة حول رأس الرجاء الصالح بدءاً من كانون الأول/ديسمبر 2023.
تتدفّق النافتا في العادة من الغرب إلى الشرق، ويتم تسليمها من محطات التكرير البسيطة في روسيا والبحر الأبيض المتوسط إلى محطات التكسير البخارية في شرق آسيا في كوريا الجنوبية وتايوان والصين.
على أساس سنوي، تقدّر تدفّقات النفتا من الغرب إلى الشرق - سواء عبر قناة السويس أما لا - بنحو 530 ألف برميل يومياً، ويتماشى هذا الحجم مع مستويات العام 2023، علماً أن الكمّيات التي تعبر قناة السويس انخفضت من 470 ألف برميل يومياً العام الماضي إلى 120 ألف برميل يومياً منذ أيار/مايو 2024. وتتكوّن هذه التدفقات المتبقية في الغالب من تدفقات روسية وبعض الشحنات العرضية من اليونان والجزائر.
الغاز الطبيعي المسال
حتى قبل بدء هجمات حركة «أنصار الله»، كان الاعتماد على قناة السويس لنقل الغاز الطبيعي المسال محدوداً نسبياً. ففي الأشهر الاثني عشر التي سبقت تشرين الأول/أكتوبر 2023، مرّ 8% فقط من تدفقات الغاز الطبيعي المسال العالمية عبر البحر الأحمر، وهي حصة منخفضة نسبياً مقارنة بالسلع الأخرى المنتمية إلى قطاعي الطاقة والزراعة. لكن بحلول شباط/فبراير 2024، توقفت الشحنات عبر مضيق باب المندب تماماً. وفي حين يشكل الهجوم الصاروخي تهديداً حقيقياً لأي سفينة بحرية، فإن التأثير الذي قد يخلفه على ناقلة الغاز الطبيعي المسال التي تحمل حمولة شديدة الاشتعال سيكون أكثر تدميراً.
منذ بدء الهجمات اليمنية، مرّ عدد من ناقلات الغاز الطبيعي المسال عبر قناة السويس من الشمال إلى الجنوب، ولكن تم تسليم هذه الشحنات حصرياً إلى شمال البحر الأحمر (العقبة، العين السخنة) من دون الإبحار إلى باب المندب، الذي يقع على بعد حوالي 2,000 كيلومتر إلى جنوب البحر الأحمر.
قبل الهجمات اليمنية، كانت الولايات المتحدة تصدّر نحو 24 مليون طن من الغاز الطبيعي المسال إلى دول تقع في شرق قناة السويس، وكان يمر عبر القناة 8.7 مليون طن من هذه التدفقات، لكنها أصبحت الآن تمر عبر رأس الرجاء الصالح لتلافي الخطر اليمني وبسبب القيود المفروضة على قناة بنما. ينطبق الأمر نفسه على صادرات الغاز الآتية من دولة ترينيداد وتوباغو، فقد تحول إلى رأس رجاء الصالح 1.5 مليون من الغاز المسال الذي كان يمر عبر القناة الى الشرق، مع العلم أن الولايات المتّحدة ودولة ترينيداد وتوباغو هما اللاعبين الكبار الوحيدين في مجال الغاز الطبيعي المسال في قارة أميركا.
الأمر كذلك بالنسبة لدولة قطر الواقع شرق القناة، فقد صدّرت الدولة إلى الغرب نحو 15.2 مليون طن من الغاز المسال في العام 2023، وأعيد توجيهه بأكمله ليمر من رأس الرجاء الصالح، علماً أنه تجاوز 8 ملايين طن في العام 2024 حتى هذا التاريخ.
الفحم الحراري
لا تؤدّي قناة السويس سوى دوراً ثانوياً في تدفقات الفحم الحراري العالمية (5% فقط من الأحجام قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023)، وهو الفحم الذي يستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية. تصدّر إندونيسيا وأستراليا وجنوب أفريقيا والشرق الأقصى الروسي أكثر من 80% من أحجام الفحم الحراري العالمية، وفي الوقت نفسه، تستقبل آسيا أكثر من 80% منها. ولا يتطلّب أي من هذه التدفقات بين المنتجين الرئيسيين والمشترين الرئيسيين عبور قناة السويس. حالياً، انخفضت تدفقات الفحم الحراري عبر قناة السويس إلى 1% من إجمالي الفحم المنقول بحراً.
الفحم المعدني
على النقيض من الفحم الحراري، كان الفحم المعدني يعتمد بشكل كبير على قناة السويس قبل هجمات حركة «أنصار الله»، ويعد الفحم المعدني جزءاً أساسياً من عملية تصنيع الفولاذ. قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، كان نحو 16% من إجمالي أحجام الفحم المعدني المنقولة بحراً تمر عبر قناة السويس. وبحلول آب/أغسطس 2024، انخفضت هذه النسبة إلى 1% فقط.
استحوذت الدول المصدّرة الرئيسة، بما في ذلك أستراليا وروسيا والولايات المتحدة وكندا، على ما يقرب من 90% من الشحنات المنقولة بحراً في العام الماضي. أما الدول المستوردة الرئيسة فهي الدول الأربع الكبرى في آسيا (الهند واليابان والصين وكوريا الجنوبية) فاستحوذت على حصة إجمالية بلغت 64%.
في المجمل، مرّ عبر قناة السويس العام الماضي 49 مليون طن من الفحم الحجري، موزّعة على ثلاثة تدفقات تجارية رئيسة: من أستراليا إلى أوروبا (17 مليون طن)، ومن الساحل الشرقي للولايات المتحدة إلى آسيا (15 مليون طن، إلى الهند/الصين/اليابان)، ومن غرب روسيا إلى آسيا (13 مليون طن، معظمها إلى الهند). على الرغم من أن المسارين الأولين قد تم تحويلهما بالكامل تقريباً إلى مسار رأس الرجاء الصالح، فإن 90% من شحنات الفحم الروسية الغربية إلى آسيا لا تزال تمر عبر قناة السويس.
القمح
على النقيض من جميع السلع الأخرى التي غطّاها تقرير Kpler، ارتفعت أحجام القمح المنقولة بحراً عبر البحر الأحمر كنسبة مئوية من الإجمالي العالمي منذ بداية هجمات حركة «أنصار الله». ففي الأشهر الاثني عشر التي سبقت تشرين الأول/أكتوبر 2023، عبر 19% من إجمالي القمح المنقول بحراً قناة السويس، وارتفعت النسبة منذ ذلك الحين لتصل إلى 22% في آب/أغسطس من هذا العام.
تعود هذه المرونة إلى استمرار الصادرات من منطقة البحر الأسود إلى شرق السويس. وكما هو الحال مع تدفق النفط الخام والمنتجات الروسية، اضطر القمح الروسي إلى البحث عن منافذ جديدة في ظل العقوبات الأوروبية. وشمل ذلك زيادة هيكلية في أحجام القمح الروسي المتجهة إلى بنغلاديش وشرق أفريقيا.
الذرة
قبل تشرين الأول/أكتوبر 2023، تم شحن حوالي 12% من أحجام الذرة العالمية عبر قناة السويس، وهي حصة انخفضت منذ ذلك الحين إلى 4% فقط. وتنقسم الصادرات إلى حد كبير بين البرازيل (40%) والولايات المتحدة (20%) والأرجنتين (17%) وأوكرانيا (11%؛ لعام 2023). تتلقى آسيا عادة 60% من هذه الأحجام.
بسبب القيود المفروضة على عبور قناة بنما وتجنّب منطقة البحر الأحمر، تحوّلت الصادرات الأميركية إلى آسيا بعيداً من ساحل الخليج الأميركي عبر قناة السويس نحو صادرات الساحل الغربي الأميركي من واشنطن وأوريغون وكاليفورنيا. أدى ارتفاع الإنتاج الأميركي، بفعل العائدات القياسية والمخزونات النهائية المتوقعة المرتفعة، إلى جعل صادرات الذرة الأميركية جذابة للغاية. نتيجة لذلك، وعلى عكس معظم السلع الأخرى، لم يؤد الانخفاض في تدفقات الذرة عبر قناة السويس حتى الآن إلى زيادة متزامنة في شحنات رأس الرجاء الصالح فوق المعدلات الموسمية.
فول الصويا
تتسم تجارة فول الصويا بالمركزية الشديدة، وخصوصاً على جانب العرض. وتعدّ البرازيل (69% من الصادرات المنقولة بحراً في العام 2023) والولايات المتحدة (26%) الدولتين الوحيدتين المصدّرتين الرئيسيتين لفول الصويا عبر طريق البحر، في حين تستورد آسيا أكثر من 80% من الإجمالي. انخفضت تدفقات فول الصويا عبر قناة السويس إلى 0% من إجمالي المنقول بحراً، مقارنة بـ 5% قبل أكتوبر 2023.