
الإنتاجية: تباطؤ عالمي وانكماش عربي
نمت الإنتاجية بشكل أبطا عالمياً في العقد الممتد بين عامي 2013 و2023، مقارنة بالعقد الذي سبقه، بحسب تقرير «التشغيل والآفاق الاجتماعية في العالم: اتجاهات 2025» الصادر عن منظمة العمل الدولية في كانون الثاني/يناير 2025. وبعد أن دفع الانفجار الكبير في الاقتصاد الآسيوي بين عامي 2003 و2013 الؤنتاجية في المنطقة إلى النمو بحوالي 5%، تراجعت النمو إلى 3.6% فقط في العقد الأخير (2013-2023)، أما الآمال المعقودة بشأن ازدهار الاقتصاد الأفريقي فبدأت تنحسر مع تراجع نمو الانتاجية من نحو 2% بين عامي 2003 و2013 إلى 0.5% في العقد الذي تلا تلك الفترة، والأمر نفسه في الأميركيتين وأوروبا ووسط آسيا. فيما يشكّل العالم العربي الاستثناء، إذ لم تتباطأ الإنتاجية بل انكمشت بنحو 0.9% بين عامي 2013 و2023، على الرغم من أنها كانت إيجابية في العقد الذي سبق هذه الفترة.
المقصود بالإنتاجية، هو معدل ما ينتجه العامل في ساعة عمل، وكلما ارتفعت الانتاجية في شهر أو سنة أو عقد ما، ارتفع إجمالي الناتج في تلك الفترة، وجنى المجتمع مزيداً من السلع والخدمات. يأتي تراجع الإنتاجية العالمي على الرغم من التقدّم التكنولوجي الكبير، وخصوصاً في مجال التكنولوجيات الرقمية، فما كان يُعتقد في البداية أنه ظاهرة خاصة بالدول المتقدّمة يترسّخ الآن في الدول النامية، التي تواجه خطر الوقوع في «فخ الدخل المتوسط» بشكل متزايد، وقد لا ترتفع إلى مصافي الدول المرتفعة الدخل في وقت معلوم.
أسباب تراجع الإنتاجية العالمية صعب الحصر
بحسب تقرير منظمة العمل الدولية، يرجع تباطؤ الإنتاجية العالمية إلى عوامل عدة، تشمل انخفاض التجارة، وتباطؤ التحسن في كيفية تخصيص الموارد، فضلاً عن المعوقات في المؤسسات والتكنولوجيا والمهارات على المستوى الوطني أو القطاعي. لكن تلفت منظمة العمل الدولية في تقريرها الأخير إلى سبب يتم تجاهله في العادة وهو «التفاوتات المكانية»، أي الاختلافات في مستويات المعيشة وظروف العمل وفرص العمل بين مقاطعات أو مدن بلد ما، التي تنشأ نتيجة تكتل الشركات ذات الإنتاجية العالية في كثير من الأحيان في المناطق ذات الإنتاجية العالية.
لا ريب أن هذه العوامل تؤدّي دوراً في العالم العربي كذلك، لكن المنطقة معرضة لمعوقات إنتاجية خاصة بها، فهي عرضة مثلاً لصدمات أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي. بالنسبة إلى الأخير، أشار تقرير منظمة العمل الدولية بعنوان «نمو الإنتاجية والتنويع والتغيير الهيكلي في الدول العربية» إلى أن عدم الاستقرار السياسي كان المعيق الأول لقطاعات الأعمال، وبالتالي إنتاجيتها، في العالم العربي، في حين كان الرابع عالمياً، بعد معوقات أخرى كمعدل الضرائب أو حالة اللانظامية في الاقتصاد أو العوز إلى عمال مهرة.
نمو في الإنتاجية أقل تعني فقر أكثر
بحسب منظمة العمل الدولية، يشكّل الانحدار المستمر في نمو الإنتاجية عبئاً على الناتج المحلي الإجمالي؛ ويعوق التحسّن في مستويات المعيشة، وقد يؤدي إلى ركود الأجور، وتفاقم أشكال مختلفة من التفاوت. علاوة على ذلك، يأتي التباطؤ العالمي في الإنتاجية في وقت تتفاقم فيه الحاجة إلى الكفاءة في استخدام الموارد للمساعدة في تحقيق مستويات معيشة مرتفعة من دون استنفاد الحدود المادية للكوكب.
تبرز هذه النتائج بشكل خاص في الدول النامية، يشير تقرير لمنظمة العمل الدولية بعنوان «الإنتاجية العالمية، اتجاهات، محركات، وسياسات» صادر في العام 2021، إلى انخفاض الفقر بأكثر من نقطة مئوية واحدة في المتوسط سنوياً في الاقتصادات الناشئة والنامية التي شهدت أعلى نمو في الإنتاجية (الربع الأعلى) في الفترة الممتدّة بين عامي 1981 و2015، في حين ارتفع الفقر في الاقتصادات الناشئة والنامية التي شهدت أدنى نمو في الإنتاجية. وأشار التقرير إلى أنه منذ الأزمة المالية العالمية، شهد نمو الإنتاجية تباطؤاً واسع النطاق. وتظل مستويات الإنتاجية في الاقتصادات الناشئة والنامية أقل من 20% من متوسط الاقتصادات المتقدمة.