العمّال أكبر الخاسرين من التضخّم وانهيار العملة
- عادة ما يكون العمّال الخاسر الأكبر في الأزمات الاقتصادية. فيعانون من الخسارة الأكبر في قدراتهم الشرائية بسبب أجورهم المحدودة والثابتة نسبياً، بينما تقفز الأسعار بشكلٍ متسارع في حالات ارتفاع معدّلات التضخّم.
- يعاني العمّال من معدّلات بطالة مرتفعة، وفقدان كامل مداخيلهم في حالات الانكماش الاقتصادي. وتزداد أوضاع العمّال صعوبة في حالات الانكماش التضخّمي الحادّ، مثل الذي يعاني منه لبنان حالياً، حيث يترافق تأكل أجور العمّال بسبب التضخّم مع ارتفاع معدّلات البطالة نتيجة الانكماش الاقتصادي وانخفاض الناتج المحّلي الإجمالي
«تكمن مصالح العمّال على وجه الخصوص في استقرار الوحدة النقدية. العامل ليس فقط ضحية البطالة الناجمة عن الانكماش، ولكنّه الضحية الأولى لارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخّم. بعض الفئات الأخرى لديها فرصة للاستفادة المؤقّتة على الأقل من صعود أو هبوط الأسعار (كالتجّار ورجال الأعمال)؛ لكن العامل الضعيف اقتصادياً، هو الأكثر عجزاً في المجتمع في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث أجره النقدي دائماً ما يتخلّف بشكل كبير عن ارتفاع تكاليف المعيشة».
مقتطف من كتاب «وهم المال» للاقتصادي إيرفينغ فيشر، 1927.
يُعدُّ العمّال وأصحاب الأجور في القطاعين العام والخاص أكبر الخاسرين من الانهيار الكبير في سعر الصرف والتضخّم المُفرط الناجم عنه، الذي قضى على قدراتهم الشرائية، وجعل السواد الأعظم منهم تحت خطّ الفقر، لا سيّما مع الانهيار التامّ للخدمات العامّة الأساسية، التي كانت الدولة تقدّمها بشكل مدعومٍ، من الكهرباء إلى الدواء والرعاية الصحيّة، قبل وقف الدعم عنها. تحمّلت الطبقة العاملة الخسارة الأكبر للانهيار والتضخّم المُفرط، نتيجة انهيار القيمة الحقيقية لأجورهم على الرغم من «الزيادات الوهمية» التي طرأت عليها، وبقيت مُتخلّفة جدّاً عن معدّلات التضخّم. انهار متوسّط الأجور مقوّماً بالدولار الأميركي وفق تقديرات إدارة الإحصاء المركزي، من حوالي 800 دولار في خلال الفترة بين 2018 و2019 على سعر الصرف الثابت آنذاك (1,500 ليرة لبنانية للدولار) إلى نحو 92 دولاراً في العام 2022 بحسب سعر الصرف في السوق في خلال تلك الفترة. أي أن متوسّط الأجور في لبنان فقد حوالي 89% من قيمته مقوّماً بالدولار الأميركي بحسب سعر صرف الليرة في السوق نتيجة انهيار سعر الصرف، وحلّق معدلّ البطالة الفعلي بين القوى العاملة الموسّعة إلى 50%، فيما استطاع قسم كبير من طبقة رجال الأعمال والتجّار من التأقلم مع الأزمة عبر رفع الأسعار، المعروفة بمرونتها، الى مستويات توازي معدّلات التضخّم أو تفوقها.
وهنا تأتي البروباغندا النيوليبرالية المُهيمنة على الثقافة الاقتصادية السائدة، وعلى الكثير من الاقتصاديين ووسائل الإعلام، لتلوم العمّال عندما يطالبون بزيادات على الأجور، وتحملّهم مسؤولية التضخّم المُفرط. بينما «الزيادات الوهمية» التي حصلت على أجور العاملين في القطاعين العام والخاص جاءت بعدما حصل التضخّم، وجاءت متدنية جدّاً عن نسبة معدّلات التضخّم المُفرط، بحيث لا تسمح لهم حتّى في تحقيق أدنى حقوقهم الإنسانية بالحصول على حاجاتهم الأساسية. اعتبر البنك الدوّلي (نشرة مرصد الاقتصاد اللبناني، خريف 2020) أنّه بحلول تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، غرق الاقتصاد في أزمة مالية بسبب التوقّف المُفاجئ في تدفّقات رؤوس الأموال، ممّا سبّب إخفاقاً نظامياً شاملاً في مجال سعر الصرف، والدَّيْن، والقطاع المصرفي. واعتبر التضخّم ضريبة تنازلية يقع عبئها الأكبر على الفقراء وأصحاب الدخل الثابت، أي أصحاب الأجور والعمّال والمتقاعدين.
أدّى توقّف تدفّق الودائع والعملة الصعبة إلى لبنان، وهروب رؤوس أموال الأوليغارشية التي راكمت معظمها من فوائد المال العام، إلى نقصٍ كبير في العملات الصعبة في الاقتصاد، وبالتالي انهيار سعر صرف الليرة تجاه الدولار والتضخّم الجامح الناجم عنهتفاقمت الأزمة بشكلٍ خطير على إثر إقفال المصارف أبوابها بشكلٍ مريب لمدة أسبوعين في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، ممّا أدّى إلى موجة من الهلع وهروب الرساميل، قامت المصارف في خلال تلك الفترة بـ«تهريب» الأموال إلى الخارج لصالح الطبقة الحاكمة المكوّنة من أمراء الحرب وأصحاب المليارات من كبار السياسيين والرؤساء وأصحاب المصارف. وقدّر المؤرِّخ عبد الرؤوف سنّو (2021، ص.25) خروج حوالي 10.4 مليارات دولار أميركية من لبنان بين حزيران/يونيو 2018 وأيار/مايو 2019، وتحويل نحو 7 مليارات دولار لسياسيين بين تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 ومطلع العام 2020. حيث أدّى توقّف تدفّق الودائع والعملة الصعبة إلى لبنان، وهروب رؤوس أموال الأوليغارشية التي راكمت معظمها من فوائد المال العام، إلى نقصٍ كبير في العملات الصعبة في الاقتصاد، وبالتالي انهيار سعر صرف الليرة تجاه الدولار والتضخّم الجامح الناجم عنه.
نبذة عن تأثير التضخّم على العمّال والأجور
اعتبر الاقتصادي جون ماينارد كينز في كتابه «مسار الإصلاح النقدي» (1923، ص. 23-26) أنّ الأجور تتغيّر ببطئ شديد مقارنة بالأسعار، فتميل دائماً إلى التخلّف عن الارتفاع في الأسعار. الأمر الذي يؤدّي إلى تضاؤل القيمة الحقيقية لأجور العمّال في خلال فترات ارتفاع الأسعار والتضخّم، خصوصاً عندما يكون العمّال غير منظّمين أو منتمين لنقابات حقيقية في سبيل تحسين أوضاعهم. بينما يمكن لرجل الأعمال أو التاجر أن يُحقّق مصدراً إضافياً وأكبر للأرباح غير المتوقّعة في خلال فترة التضخّم وارتفاع الأسعار، فيشتري ثمّ يبيع بسعر أعلى ويؤمّن ربحاً غير متوقّع لم يحسبه. إذا كانت التوقّعات في السوق هي مزيد من الارتفاع في الأسعار، يحتفظ التجّار بمخزونات كبيرة من السلع ويبيعونها بأسعار أعلى. حيث يصبح مجرّد توقّع ارتفاع الأسعار كافياً لتحقيق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار من خلال عمليّات المضاربة التي يقوم بها التجّار، وهذا ما يعرف بالتوقّعات التي تحقّق ذاتها بذاتها. أيّ أن كينز حمّل التجّار المضاربين جزءاً مهمّاً من مسؤولية ازدياد الأسعار والتضخّم.
كذلك اعتبر الاقتصادي إيرفينغ فيشر في كتابه المهمّ «وهم المال» (1927)، الصادر في أعقاب التضخّم الكبير في عشرينيات القرن المنصرم أنّ العامل ليس ضحية البطالة الناجمة عن الانكماش فحسب، ولكنّه الضحية الأولى لارتفاع تكاليف المعيشة الناجمة عن التضخّم، فيما يكون لدى بعض الفئات الأخرى كالتجّار وأصحاب رأس المال فرصة الاستفادة ولو المؤقّتة من ارتفاع الأسعار. وأنّ العامل الضعيف اقتصادياً يبقى الأكثر عجزاً في المجتمع في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، حيث أن أجره النقدي دائماً ما يتخلّف بشكلٍ كبير عن مجاراة ارتفاع تكاليف المعيشة.
طوال فترة التضخّم الكبير، كان هناك سباق ماراتوني مستمرّ بين تكلفة المعيشة ومعدّلات الأجور، وبقيت أجور العمّال المهرة وغير المهرة متخلّفة عن الأسعار. يعطي فيشر أمثلة عن الحالات الأسوأ لفقدان الأجور الحقيقية في ألمانيا في ظلّ التضخّم المُفرط والانهيار الكارثي في قيمة المارك الألماني، نتيجة التعويضات المالية المُضخّمة التي أُجبِرت ألمانيا على دفعها بسبب الدمار الكبير الذي ألحقته الحرب، لا سيّما حرب فرنسا وإنكلترا، بعد معاهدة فرساي. وعلى الرغم من ارتفاع أجور العمالة الماهرة في العام 1923 بحوالي 500 ضعف ما كانت عليه في العام 1913، إلاّ أنّ كلفة المعيشة ارتفعت بأكثر من 1100 مرّة، بحيث بات أجر العامل الأسبوعي البالغ 18 ألف مارك يشتري أقل ممّا اشتراه أجره الأسبوعي البالغ 35 ماركاً في العام 1913، فوقع الكثير من الناس ضحية ما أطلق عليه فيشر «وهم المال»، حيث ازدادت الأجور الاسمية بشكلٍ كبير، فيما انخفضت قدراتها الشرائية أو القيمة الحقيقية للأجور بأكثر بكثير (فيشر، 1927، ص. 95-97).
الأسر المنخفضة الدخل تنفق معظم دخلها المُتاح على السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والسكن والكهرباء والنقل، والتي تشهد عادة زيادات أكبر في الأسعاريكشف التقرير العالمي للأجور (2022-2023) الصادر عن منظّمة العمل الدولية، أنّ الأسر من ذوي الأجور والمداخيل المنخفضة كانت الأكثر تضرّراً من جرّاء ارتفاع معدّلات التضخّم العالمي في أعقاب كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا، وارتفاع كلفة الإنتاج وأسعار النفط والغاز والمواد الغذائية. كون الأسر المنخفضة الدخل تنفق معظم دخلها المُتاح على السلع والخدمات الأساسية مثل الغذاء والسكن والكهرباء والنقل، والتي تشهد عادة زيادات أكبر في الأسعار. وبالتالي، حتى لو عُدِّلت الأجور الاسمية وفقاً للزيادة في مؤشّر أسعار المستهلك، فإن أجور الأسر ذات الدخل المنخفض ستبقى تعاني من خسارة ملموسة في قدراتها الشرائية. بينما تتمكّن الأسر ذات الدخل المرتفع نسبياً من تغطية احتياجاتها الأساسية، مع ترك هامش كبير للإنفاق على بنود أخرى كالتعليم والترفيه، وبالتالي تكون أكثر قدرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية وتحمّلها. وقد أدّى ذلك إلى انخفاض القيمة الحقيقية للحدّ الأدنى للأجور من جرّاء التضخّم العالمي في خلال المدة بين 2020 و2022، في كلّ من جنوب أفريقيا وسريلانكا وبلغاريا وإسبانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، على سبيل المثال لا الحصر.
في المحصلّة، عادة ما يكون العمّال الخاسر الأكبر في الأزمات الاقتصادية. فيعانون من الخسارة الأكبر في قدراتهم الشرائية بسبب أجورهم المحدودة والثابتة نسبياً، بينما تقفز الأسعار بشكلٍ متسارع في حالات ارتفاع معدّلات التضخّم، كما يعاني العمّال من معدّلات بطالة مرتفعة، وفقدان كامل مداخيلهم في حالات الانكماش الاقتصادي. وتزداد أوضاع العمّال صعوبة في حالات الانكماش التضخّمي الحادّ الذي يعاني منه لبنان حالياً، حيث يترافق تأكل أجور العمّال بسبب التضخّم مع ارتفاع معدّلات البطالة نتيجة الانكماش الاقتصادي وانخفاض الناتج المحّلي الإجمالي.
أوضاع العمّال في لبنان في ضوء التضخّم الجامح والانهيار
كشف مسح القوى العاملة في لبنان، الذي قامت بتحديثه إدارة الإحصاء المركزي بالتعاون مع منظّمة العمل الدولية في العام 2022، عن الكثير من المؤشّرات السلبية لأوضاع العمّال في ضوء الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المستمرّ. إن كان لجهة انهيار القدرات الشرائية للعمّال بعد وصول مستويات التضخّم إلى الثلاثة أرقام، أم لجهة الارتفاع غير المسبوق في معدّلات البطالة التي وصلت إلى 50% من القوى العاملة الموسّعة، نتيجة الانكماش الاقتصادي الحادّ وانهيار الناتج المحلّي الإجمالي إلى أقل من نصف ما كان عليه.
معدّلات التضخّم المرتفعة، هي بمثابة ضريبة تنازلية يتحمّل عبئها الأكبر الفقراء والعمّال وأصحاب الأجور والمتقاعدين، أيّ الشرائح الأضعف في المجتمعأدّى ذلك بطبيعة الحال إلى انحدار مأساوي في المستوى المعيشي للعمّال حتّى باتت الغالبية الساحقة لا تستطيع توفير حاجاتها الأساسية والضرورية من الغذاء والكهرباء والرعاية الصحّية والدواء، وحتّى كلفة النقل إلى أماكن عملها، وأصبح الكثير منهم يعيشون تحت خطّ الفقر. فيما ارتفع اعتماد الأسر على المساعدات الحكومية وغير الحكومية وعلى تحويلات غير المقيمين، وكذلك ازدادت الهجرة الناجمة عن سوء الأوضاع الاقتصادية بشكلٍ كبير، لا سيّما هجرة الأدمغة والكفاءات العلمية كالأطباء والطاقات الشبابية المُنتجة، الأمر الذي يؤدّي بحدّ ذاته إلى مزيد من الانكماش الاقتصادي وتقلّص القدرات الإنتاجية وانخفاض معدّلات النمو الطويلة الأمد.
الارتفاع الجنوني في معدّلات التضخّم
ارتفع مؤشّر أسعار الاستهلاك الذي تنشره إدارة الإحصاء المركزي شهرياً، بشكل صاروخي من 110 في نيسان/أبريل 2019، إلى 4,028 في نيسان/أبريل 2023، أيّ أن معدّل الأسعار ارتفع بما يقارب من 37 ضعفاً في أربع سنوات، وبلغ التضخّم التراكمي في خلال تلك المدة نحو 3,561%. فيما ارتفع مؤشّر أسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية في خلال الفترة نفسها من 113 إلى 19,786، أيّ بنحو 175 ضعفاً، ومؤشّر أسعار النقل من حوالي 97 إلى 10,188، وهو ما يوازي 105 أضعاف، ومؤشر أسعار الكهرباء من 94 إلى 2,393، أي بنحو 25 ضعفاً.
تستحوذ النفقات على الحاجات الأساسية (المواد الغذائية والسكن والماء والغاز والكهرباء والمحروقات والنفقات الصحّية والنقل) على القسم الأكبر من إنفاق أصحاب الأجور والدخل المحدود، بحيث وصل ثقلها إلى 80% و75% من نفقات الفئتين الأدنى دخلاً، وذلك استناداً إلى نسب التثقيل التي لم تُعدَّل منذ العام 2012، بمعنى أنها لا تأخذ في الاعتبار التغيّرات الكبيرة التي يفرضها ارتفاع معدّلات التضخّم. وبالتالي تخفّف كثيراً من العبء الفعلي للتضخّم على الفقراء وأصحاب الأجور، التي بالكاد أصبحت تكفي لسدّ فاتورة الكهرباء من المولدات الخاصّة. ما يعني أنّ معدّلات التضخّم المرتفعة، هي بمثابة ضريبة تنازلية يتحمّل عبئها الأكبر الفقراء والعمّال وأصحاب الأجور والمتقاعدين، أيّ الشرائح الأضعف في المجتمع.
ومن المعروف أنّ الأجور تأخذ وقتاً طويلاً لتصحيحها، ويجري تصحيحها بمستويات أدنى بكثير من معدّلات التضخّم، فيتحمّل أصحاب الأجور والدخل المحدود خسارات فادحة في قدراتهم الشرائية. بينما يتمكّن التجّار من رفع الأسعار بشكلٍ سريع واستباقي لحماية أنفسهم من التضخّم، وقد يستغلّ الكثير من التجّار والمحتكرين الوضع لجني أرباح هائلة عبر شراء البضائع بأسعار منخفضة نسبياً وتخزينها وبيعها بأسعار مرتفعة، وبذلك يتسبّبون بجزءِ أساسي من التضخّم.
الانهيار الكامل في القدرات الشرائية للعمّال وأصحاب الأجور
ارتفع معدّل التضخّم بين كانون الأوّل/ديسمبر 2018 وتشرين الأوّل/أكتوبر 2021 بنسبة 562%، بينما ارتفع متوسّط الأجور بنسبة أدنى بكثير بلغت 92% فقط، من حوالي 1,200,000 ليرة لبنانية إلى حوالي 2,300,000 ل.ل.، وفقاً لمرال توتليان، المديرة العامّة لإدارة الإحصاء المركزي، ممّا انعكس انخفاضاً دراماتيكياً في متوسّط الأجور مقوّماً بالدولار الأميركي (بحسب سعر الصرف الرائج في السوق الذي يعطي صورة أوضح عن القدرات الشرائية للأجور في بلد يشكّل الاستيراد فيه القسم الأكبر من الاستهلاك)، من حوالي 800 دولار أميركي في العام 2018 (وفقاً لسعر صرف الدولار الثابت آنذاك على 1,500 ل.ل.) إلى نحو 92 دولاراً في العام 2021 (بحسب سعر الصرف في السوق في تلك الفترة). فيما انخفض نصيب الدخل الفردي من إجمالي الدخل القومي (الذي يمثّل فعلياً متوسّط الدخل الفردي) بالدولار الأميركي في العام 2021 إلى حوالي 425 دولارا شهرياً بحسب بيانات البنك الدوّلي. أيّ أنّ متوسّط الدخل الفردي في لبنان في العام 2021، على الرغم من انخفاضه الحادّ الى النصف تقريباً، بقي أعلى بأربعة أضعاف من متوسّط الأجور بالدولار الأميركي بحسب سعر الصرف في السوق. وبالتالي، يكون العمّال وأصحاب الأجور هم من تحمّل الخسارة الأكثر فداحة اقتصادياً، حيث أصبحت القيمة الحقيقية لمداخيلهم معدومة نتيجة التضخّم المُفرط، حتّى مع الزيادات التي طرأت عليها.
يستغلّ الكثير من التجّار والمحتكرين الوضع لجني أرباح هائلة عبر شراء البضائع بأسعار منخفضة نسبياً وتخزينها وبيعها بأسعار مرتفعة، وبذلك يتسبّبون بجزءِ أساسي من التضخّم
ووفق «الدولية للمعلومات»، وصل متوسّط الأجور مقوّماً بالدولار في السوق الموازية إلى 71 دولاراً في مطلع آذار/مارس 2021، وإلى اقلّ من 30 دولاراً في شهر كانون الأوّل/يناير 2021 (سنّو، 2020، ص. 255)، قبل التعديلات الطفيفة بالقيمة الحقيقية التي جرت على الأجور. أمّا في ما يخصّ موظّفي القطاع العام، فمع كلّ الزيادات المُقرّة لن يتجاوز قيمة راتب 80% من موظّفي الإدارة العامّة 153 دولاراً بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، وفقاً لرئيسة رابطة موظّفي القطاع العام نوال نصر (الأخبار، 19/6/2023). فيما تراجع الحدّ الأدنى للأجور بشكلٍ دراماتيكي من 450 دولاراً أميركياً في العام 2018، إلى 96 دولاراً في العام 2023، أيّ إلى خمس قيمة الحدّ الأدنى للأجور في العام 2018 على أساس سعر صرف السوق، وهو بالكاد يكفي لدفع فاتورة المولّد الخاص!
الارتفاع غير المسبوق في معدّلات البطالة
انخفض معدّل النشاط الاقتصادي للعمّال (الذي يعادل نسبة القوى العاملة إلى إجمالي المقيمين بعمر 15 سنة وما فوق) من حوالي 49% في العام 2018 إلى 43% في العام 2022، وفقاً لمسح القوى العاملة في لبنان (2022). بينما ارتفع معدّل البطالة بشكل غير مسبوق من 11.4% إلى ما يقارب 30%، نتيجة الانكماش الاقتصادي الحادّ. أمّا إذا اعتمدنا معيار القوى العاملة الموسعّة الذي يعكس الواقع بشكل أفضل، ويشمل القوى العاملة المُحتملة، أيّ أولئك المستعدّين للعمل حالياً، لكنّهم لم يقوموا بالبحث عن عملٍ في خلال الأربعة أسابيع الأخيرة، والذين يبحثون عن عملٍ في الخارج، والعاملين بدوام جزئي ويريدون العمل لساعات إضافية متى أتيح لهم ذلك، تصبح نصف القوى العاملة عاطلة عن العمل. أيّ أنّ نسبة البطالة الفعلية وصلت إلى حدود 50% بعد الانهيار الاقتصادي، وأصبحت نصف القوى العاملة من دون أيّ دخل على الإطلاق.
أدّت الأزمة الاقتصادية والمالية الأخطر منذ انتهاء الحرب الأهلية، والتي اعتبرها البنك الدولي من أخطر الأزمات التي مرّت بها دوّل العالم، إلى انهيار الناتج المحلّي الإجمالي إلى أقل من نصف ما كان عليه بالأسعار الجارية للدولار الأميركي، من حوالي 55 مليار دولار أميركي في العام 2018 إلى نحو 23 مليار دولار في العام 2021. وشمل الانهيار المرافق العامّة والخدمات العامّة الأساسية لا سيّما الكهرباء، ومختلف القطاعات الاقتصادية والاستثمار، فأغلقت الكثير من المصانع والشركات والمؤسّسات، وسرِّح عدد كبير من العمّال. أقفلت 25% من المؤسّسات والشركات المحلّية الخاصة في بيروت في العام 2020، بينما سُجِّلت أرقام أعلى خارج العاصمة (سنّو 2020). فحلّقت نسبة البطالة إلى مستويات غير مسبوقة، وزادت هجرة الأدمغة وأصحاب المهارات العالية، وتقلّصت القدرات الإنتاجية ومعدّلات النمو الاقتصادي المُمكنة.
الأوضاع المعيشية الصعبة في ضوء التضخّم والانهيار
أخذت الأمور المعيشية بعداً مأساوياً في أعقاب وقف الدعم عن الخدمات والسلع الأساسية ودولرة جميع الأسعار، من الكهرباء إلى الدواء وحليب الأطفال والمواد الغذائية، من دون أن يؤدّي ذلك إلى وقف تسارع انهيار الليرة. وتهافت الناس على المتاجر ومحطّات الوقود للحصول على السلع قبل ارتفاع أسعارها أو انقطاعها. واضطرت غالبية اللبنانيين إلى تقليل استهلاكها اليومي من المواد الغذائية كاللحوم والألبان والأجبان، وتوقّفوا عن شراء الألبسة والأجهزة الكهربائية والهواتف المحمولة والسيّارات (سنو، 2022، ص. 262). ولم يعد بإمكان الكثيرين شراء الأدوية أو زيارة الطبيب وتحمّل تكاليف الاستشفاء، وفقد عدد من المواطنين حياتهم بسبب عدم تمكّنهم من الحصول على الدواء والرعاية الصحيّة أو الدخول إلى المستشفى، وحلّقت نسبة الراغبين بالهجرة ووصلت إلى 70%.
نسبة البطالة الفعلية وصلت إلى حدود 50% بعد الانهيار الاقتصادي، وأصبحت نصف القوى العاملة من دون أيّ دخل على الإطلاقلم يعد الدخل الشهري لحوالي نصف الأسر المقيمة يتعدّى 2,400,00 ليرة لبنانية في العام 2022، فيما انهارت الخدمات التي كانت الدولة تقدّمها بشكلٍ مدعوم مثل الكهرباء والدواء والرعاية الصحيّة (على نفقة وزارة الصحّة أو الضمان الاجتماعي أو تعاونية الموظفين)، وكذلك انخفضت حصّة الذين لديهم تأمين خاصّ من 22% في العام 2018، إلى 14% في العام 2022. وارتفعت نسبة الأسر التي تعتمد على المساعدات، الحكومية وغير الحكومية، بشكل لافتٍ من حوالي 9% إلى 26% في خلال المدة بين 2018 و2022، وكذلك ارتفعت نسبة الأسر المعتمدة على التحويلات المالية لغير المقيمين (إدارة الإحصاء المركزي، 2022). وانخفضت نسبة الأسر التي تحصل على دخل من التقاعد وبدلات من التأمينات الاجتماعية الأخرى من 28% إلى 10%.
لجأ العديد من أسر الطبقة المتوسّطة وأصحاب الأجور وذوي الدخل المحدود، إلى بيع الأصول مثل الأراضي والسيّارات والذهب وغيرها، فيما صار أكثر من نصف السكان محاصرون بالفقر، و34% منهم يعيشون في فقرٍ مُدقع مُتعدّد الأبعاد. وارتفعت نسبة الأسر المحرومة من الرعاية الصحّية من 9% في العام 2019 إلى 33% في العام 2021، وكذلك نسبة السكّان غير القادرين على الحصول على الأدوية والكهرباء إلى أكثر من 50% («الفقر المُتعدد الأبعاد في لبنان»، الإسكوا، 2021). وتفاقمت الأمور مع بدء سياسة رفع الدعم والتوقّف عن تمويل مؤسّسة كهرباء لبنان، التي لا يبدو أنها كانت مُجدية لا اقتصادياً ولا اجتماعياً (وإنّما بعيداً من العقل المحاسبي الضيّق الذي يحكم الكثير من الاقتصاديين وعن الانتقام السياسي).
أدّى توقّف كهرباء الدولة إلى زيادة كلفة التغذية من كهرباء الموّلدات الخاصّة على المواطنين بشكلٍ كبير فاقم مأساتهم، وكذلك إلى زيادة كلفة الإنتاج على المصانع والمؤسّسات السياحية والشركات، وصارت تشكّل العبء الأكبر بعد أن ارتفعت بثلاثة أضعاف من الكلفة التشغيلية (تقرير الاقتصاد اللبناني، بنك عودة، ص. 12)، حتّى أن الكثير من المؤسّسات والمصانع اضطرت إلى الإقفال بسبب ارتفاع كلفة الكهرباء والتوقّف الكامل للتغذية من خلال مؤسّسة كهرباء لبنان. أدّى انهيار قطاع كهرباء الدولة إلى تفاقم الانهيار الاقتصادي والاجتماعي، وشلّ عجلة الإنتاج في مختلف القطاعات من الصناعة إلى السياحة وتوقّف الاستثمار، من دون أن تنجح سياسة وقف تمويل الكهرباء في وقف انهيار سعر الصرف، نتيجة زيادة الطلب على التغذية من المولّدات الخاصّة الأقل فعالية والأكثر حاجة إلى المازوت لتوليد الكهرباء، والتأثير السلبي الذي تركه الانقطاع الكلّي لكهرباء الدولة لجهة الارتفاع الكبير في كلفة الإنتاج والمزيد من انحدار الناتج المحلّي، الأمر الذي أدّى إلى الدخول في حلقة مُفرغة من الانكماش التضخّمي.
السردية النيوليبرالية والعوامل المختلفة وراء الانهيار والتضخّم
تقوم السردية النيوليبرالية المُضلِّلة على تحميل العمّال مسؤولية أساسية في التضخّم نتيجة مطالبتهم بتصحيح الأجور، علماً أن هذه المطالب المُحقّة جاءت نتيجة التضخّم الجامح والخسارات الفادحة في قدراتهم الشرائية والانهيار الكبير في مستوى مداخيلهم الحقيقية ومستوى معيشتهم، كما لمسنا. جرى تجييش حملة مُبرمجة تفتقد إلى المصداقية والدقّة في تحميل سلسلة الرتب والرواتب التي أقرّت في العام 2017 مسؤولية الانهيار كونها ساهمت في زيادة الإنفاق العام. وجرى تناسي أنّ المصارف كانت المستفيد الأكبر من دعم الدولة والمال العام على مدى عقود، حيث تزكّزت 70% من توظيفات القطاع المصرفي في سندات الخزينة (الدَّيْن العام) وشهادات الإيداع لدى مصرف لبنان بفوائد سخيّة، وبالتالي شكلّ المال العام المصدر الرئيسي لأرباح المصارف والزيادات الكبيرة في ودائع كبار المودعين.
وبخلاف ما هو شائع، لم يؤدِّ إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 إلى ارتفاع الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية بمفهومها الواسع. فوفقاً لبيانات مصرف لبنان، انخفضت الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية من حوالي 82,377 مليار ليرة لبنانية في العام 2017 (السنة التي أقرّت فيها السلسلة) إلى حوالي 69 مليار ل.ل. في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 في بدايات الأزمة. كما انّ نسبة استيراد السلع والخدمات من الناتج المحليّ بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب لم ترتفع إلّا بشكل طفيف في العامين 2017 و2018 من 47% إلى 48%، أيّ إنها لم تؤدِّ إلى زيادة العجز في الميزان الجاري الخارجي. بينما كانت نسبة استيراد السلع والخدمات من الناتج المحليّ مرتفعة جدّاً طوال العقد الذي سبق إقرار سلسلة الرتب والرواتب، ووصل معدّلها إلى 58%، خصوصاً في فترة طفرة التدفّقات المالية الخارجية بين العامين 2007 و2010. وبالتالي، لا يبدو أنّ لإقرار سلسلة الرتب والرواتب تأثير على العوامل الاقتصادية التي تؤدي إلى التضخّم، ما عدا المناخ السلبي لدى المستثمرين ومؤسّسات التصنيف العالمية الذي تركته إشاعات وبروباغاندا الهيئات الاقتصادية والمصارف في ضوء هذه الزيادات.
ارتفعت نسبة الأسر التي تعتمد على المساعدات، الحكومية وغير الحكومية، بشكل لافتٍ من حوالي 9% إلى 26% في خلال المدة بين 2018 و2022يبدو أن السبب الأهم والمباشر للانهيار هو النقص الكبير في الدولارات الذي تسبّب به الانخفاض الحادّ في التدفّقات المالية الخارجية، التي تشكّل مصدر العملة الصعبة، وتسبب به هروب الرساميل والودائع، لا سيّما بعد الإقفال المريب للمصارف لفترة ما يقارب الأسبوعين في تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، فضلا عن العجز البنيوي الكبير في الحساب الجاري ونسبة الاستيراد الفائقة التي تستنزف العملة الصعبة، في مقابل ضعف الصادرات التي انخفضت منذ اندلاع الحرب في سوريا في العام 2011، بالإضافة إلى العقوبات التي فرضت على حزب الله نظراً لانخراطه في الحرب السورية.
توقّف التدفّقات المالية الخارجية والانهيار المالي والنقدي
وفق ما جاء في تقرير البنك الدوّلي الدوري «مرصد الاقتصاد اللبناني» (خريف 2020) فإنّه: «بحلول تشرين الأوّل/أكتوبر 2019، غرق الاقتصاد في أزمة مالية بسبب التوقّف المفاجئ في تدفّقات رؤوس الأموال، ممّا سبّب إخفاقاً نظامياً شاملاً في مجال سعر الصرف والدَّيْن والقطاع المصرفي». فانخفضت ودائع القطاع الخاص في المصارف التجارية بحوالي 17.2 مليار دولار في خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام 2020، وانخفض احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية بحوالي 15 مليار دولار أميركي بين العامين 2018 و2020. فاقم هروب الرساميل والتحويلات المالية الكبرى إلى الخارج من قبل الأوليغارشية الانهيار بشكلٍ كبير. بحسب المؤرِّخ عبد الرؤوف سنو (2020، ص. 250-251)، خرج من لبنان حوالي 10.4 مليارات دولار بين حزيران/يونيو 2018 وأيار/مايو 2019، وجرى تحويل نحو 7 مليارات دولار لسياسيين بين تشرين الأوّل/أكتوبر 2019 ومطلع العام 2020، فيما ازدادت أموال اللبنانيين لدى المصارف السويسرية بما يقارب 6.4 مليار دولار في العام 2020.
بدأت بوادر الأزمة بعد الحرب السورية في العام 2011، في ظل التراجع الكبير في الصادرات، والسياحة، والاستثمارات الخارجية، وخنق مصادر تحويلات العملة الصعبة بسبب العقوبات المعلنة وغير المعلنة التي طالت حزب الله لانخراطه في الحرب السورية المدمّرة. لكن التحوّل الكبير الذي أدّى إلى انهيار سعر الصرف والقطاع المصرفي، كان توقّف التدفّقات المالية من الخارج (ما يعرف بالتوقّف المفاجئ)، لا سيّما بعد إقفال المصارف بشكلٍ مريب لفترة أسبوعين في بداية الأزمة، والاستنسابية في تطبيق ما يشبه الكابيتال كونترول. الأمر الذي أدّى إلى هلع المودعين والتهافت على سحب الودائع المدولرة، فازداد الطلب على الدولار النقدي بشكلٍ كبير في ظل شحّ متزايد في معروض الدولار النقدي وتوقف التدفّقات المالية من الخارج، فبدأ سعر صرف الليرة بالتراجع مقابل الدولار بشكل درامتيكي، «وبنتيجة فرار الدولارات في المصارف اللبنانية إلى الخارج، منذ اندلاع الانتفاضة اللبنانية، حصل شحّ في السوق المحليّة، وبدأ سعر صرف الليرة اللبنانية يتراجع تدريجياً أمام العملات الأجنب… وفي نهاية حزيران/يونيو 2021، انهارت العملة الوطنية بشكلٍ كارثي، ووصل سعر صرفها إلى أكثر من 17 ألف ليرة منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2021، و29 ألف ليرة في منتصف كانون الأوّل/ديسمبر» (سنو، 2022، ص. 254-255). كما انهار النظام المالي والقطاع المصرفي المدولر بنسبة 70% من ودائعه.
انهيار سعر الصرف المحرّك الأساسي للتضخّم الجامح
يبقى الانهيار الكبير في سعر الصرف الليرة المحرّك الأساسي وراء الارتفاعات الكبيرة في معدّلات التضخّم في بلد تتجاوز نسبة الاستيراد فيه 50% من الناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي رفع معدّلات التضخّم إلى ثلاثة أرقام، وأصبح من بين أعلى المعدّلات في العالم. بحلول شهر شباط/فبراير 2022، فقدت الليرة أكثر من 98% من قيمتها منذ بداية الأزمة، وبلغ متوسّط سعر صرف الليرة في السوق حوالي 31 ألف ليرة للدولار في العام 2022. تسارعت وتيرة انخفاض قيمة العملة في خلال العام 2023، ووصل سعر الدولار في السوق إلى 140 ألف ليرة (المرصد الاقتصادي للبنان، البنك الدولي، ربيع 2023).
شكلّ المال العام المصدر الرئيسي لأرباح المصارف والزيادات الكبيرة في ودائع كبار المودعينفي حين استمرّ سعر صرف الليرة بالتدهور لما يزيد عن الثلاث سنوات، تسارعت وتيرة التدهور بشكلٍ كبير في شباط/فبراير 2023، وبعد أن كان سعر الصرف ينخفض بمتوسّط 5% كمعدّل شهري في العام 2022، انخفض بنسبة 47% في شباط/فبراير 2023 (البنك الدولي، ربيع 2023، ص. 8). وتزامن ذلك مع رفع الدولار الجمركي 10 أضعاف، من 1,500 ليرة لبنانية إلى 15 ألف ليرة، وزادت التوقّعات السلبية لجهة المزيد من تدهور الليرة اللبنانية (التوقّعات التي تحقّق ذاتها بذاتها). أيضاً، تضاعف تأثير التقلّبات في سعر الصرف على التضخّم في العام 2022، مقارنة بالفترة السابقة، نظراً لإلغاء مصرف لبنان دعم الواردات الحيوية بشكلٍ شبه كامل، وارتفاع الدولرة في الاقتصاد اللبناني التي أصبحت شبه رسمية وشاملة تقريباً، وكذلك بسبب الزيادات على الأسعار التي قام بها التجّار لحماية أرباحهم بناءً على توقّعاتهم بحصول المزيد من الانخفاض في قيمة العملة والتضخّم.
العوامل الأخرى المحلّية والدولية وراء التضخّم
يعكس هذا التدهور المستمرّ في سعر الصرف استمرار ضمور الاقتصاد اللبناني، وانعدام فرص العودة إلى النموّ الاقتصادي في وقتٍ قريب، مع ما يتركه ذلك من انخفاض في الاستثمارات الخارجية والمزيد من هروب الرساميل المادية والبشرية. ساهمت الأجواء السياسية غير المستقرّة من الفراغ الرئاسي، والخلاف القضائي بشأن التحقيق في انفجار بيروت، وصراع السلطات، والانهيار الاقتصادي المستمّر منذ ثلاثة أعوام، وعدم اتخاذ السلطة السياسية الفاشلة أي خطوات حقيقية للخروج من الأزمة، وامتناع المجلس النيابي عن إقرار قانون الكابيتال كونترول، إلى جانب الإضرابات المتكرّرة في القطاع المصرفي ذات البعد السياسي والمصلحي وتوقّف المصارف عن تزويد الأسواق والناس بالعملات الأجنبية… ساهمت في تأجيج حالة عدم الاستقرار والتوقّعات الاقتصادية السلبية، وبالتالي تدهور سعر صرف الليرة مقابل الدولار بشكل متسارع وحادّ. وقد فاقمت العوامل الخارجية الوضع سوءاً، لا سيّما الحرب الروسية على أوكرانيا، التي أدّت إلى ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء عالمياً، وقد تأثّر لبنان بشكل خاصّ نظراً لاعتماده الكبير على واردات القمح الأوكرانية والروسية وتلف الاحتياطي الاستراتيجي من القمح بعد انفجار مرفأ بيروت في آب/أغسطس 2020.
في العام 2022، ارتفع عجز الحساب الجاري إلى 20.6% من الناتج المحلي الإجمالي، وعاد الاستيراد إلى مستويات ما قبل الأزمة، حيث بلغت فاتورة الاستيراد 19 مليار دولار أميركي، واللافت كان ارتفاع استيراد السيّارات استباقاً لرفع الدولار الجمركي. في المقابل، انخفضت الصادرات بنسبة 10.2%، على الرغم من الانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة تجاه الدولار. الأمر الذي ينسف إلى حدّ بعيد النظرية الكلاسيكية التي يسوّق لها صندوق النقد الدولي واتباعه من الاقتصاديين، معتبرين أن تحرير سعر الصرف وانخفاض قيمة الليرة سيعيد التوازن الاقتصادي ويخفّض العجز في الميزان التجاري، عبر خفض الاستيراد وزيادة الصادرات التي ستصبح أسعارها النسبية أكثر تنافسية. بحسب معادلة مارشال-ليرنر، إذا كان المجموع المطلق لمرونة الطلب على الصادرات والاستيراد في بلدٍ ما (استجابة الطلب للسعر) أكبر من واحد، فعندما تنخفض قيمة عملة البلد فإن ميزانها التجاري سيتحسّن، كون أسعار السلع المستوردة ترتفع بالعملة المحليّة، بينما تنخفض أسعار الصادرات في العملات الأجنبية. ويشير شرط مارشال ليرنر إلى أن التأثير غير المباشر على كمّية التجارة سيتجاوز التأثير المباشر لاضطرار البلد إلى دفع سعر أعلى من وارداته والحصول على سعر أقل لصادراته، وبالتالي سيؤدي إلى عودة النمو الاقتصادي وانتعاش القطاعات الإنتاجية، لا سيما التصنيع والتكنولوجيا.
تضاعف تأثير التقلّبات في سعر الصرف على التضخّم في العام 2022، مقارنة بالفترة السابقة، نظراً لإلغاء مصرف لبنان دعم الواردات الحيوية بشكلٍ شبه كامللكن شرط «مارشال-ليرنر» لا ينطبق على لبنان ذات الاقتصاد الصغير والمفتوح، كون مرونة الطلب على الصادرات والاستيراد منخفضة جدّاً، حيث يستورد لبنان معظم مواده الأولية والسلع الرأسمالية (الآلات والتقنيات) والتكنولوجيا من الخارج، ويفتقد إلى القدرات الصناعية والإنتاجية، خصوصاً في ظلّ سقوط بنيته التحتية لا سيما الكهرباء، وكذلك الاتصالات والمواصلات. وبذلك يكون من السذاجة بمكان إسقاط هذه النظرية على اقتصاد صغير ومتخلّف مثل الاقتصاد اللبناني، لا سيّما في غياب أيّ خطة نهوض اقتصادي، وغياب السياسات الصناعية والتمويل التنموي والانهيار الكامل لقدرات الدولة. فهو قد يصلح في الاقتصادات الصناعية والمتقدّمة كالولايات المتّحدة والصين أو تلك التي يكون لدى الدولة والقطاع الخاصّ خطط اقتصادية وسياسات صناعية وتمويل تنموي بفوائد متدنية نسبياً، وبنية تحتية حديثة.
منصّة صيرفة نحو توحيد سعر الصرف أو المزيد من التدهور؟!
أصبحت منّصة صيرفة الأداة النقدية الأساسية أو الوحيدة فعلياً التي يستخدمها مصرف لبنان بهدف تحقيق الاستقرار في سعر الصرف، خصوصاً بعد فقدان دوره الرئيسي كمقرض الملاذ الأخير نظراً للدولرة المرتفعة جدّاً، وكذلك فقدان قدرته على استعمال الأدوات النقدية (عمليات السوق المفتوحة، ومتطلّبات الاحتياطي الإلزامي، ومعدّلات الاقتطاع والفائدة) بعد انهيار القطاع المصرفي والنظام المالي. استبدل المصرف المركزي الأدوات النقدية بمنصّة صيرفة كأداة أساسية في تحديد حجم الكتلة النقدية بالليرة، وكمّية الدولارات في السوق، ومن خلال ذلك التأثير على سعر الصرف في السوق، ودفع قسم من معاشات القطاع العام بالدولار. لجأ المصرف المركزي إلى طبع العملة المحليّة لشراء الدولارات من السوق، واستعمال جزء من احتياطاته بالعملات لتزويد منصّة صيرفة بالدولارات التي تحتاجها. ومن الملاحظ أنه ابتداءً من نيسان/أبريل 2022، سبقت الزيادات في حجم العملة المتداولة بالليرة اللبنانية الزيادة في حجم التداول على منصّة صيرفة. ممّا يشير على الأرجح إلى أن مصرف لبنان اشترى العملات الأجنبية مباشرة من السوق عبر الليرات التي طبعها وضخّها لتزويد منصّة صيرفة بالدولارات التي تحتاجها لتمويل الاستيراد، وإعادة تكوين الاحتياطي بالعملات الأجنبية، ودفع معاشات القطاع العام. لكنّ المصرف المركزي فعل ذلك خلال مدة قصيرة وبشكل مكثّف، ممّا أدّى إلى زيادات ضخمة في العملة المتداولة بالليرة اللبنانية وفي الطلب على الدولار. وبالتالي إلى ازدياد وتيرة الانخفاض الحادّ في سعر صرف الليرة اللبنانية تجاه الدولار، وارتفاع معدّلات التضخّم، واستمرار انهيار القدرة الشرائية لليرة. تحوّلت المنصّة عملياً إلى فرصة لتوليد أرباح فائقة وغير مشروعة للمضاربين على الليرة المحميين سياسياً، حيث يتّم شراء الدولارات من المنصّة على سعر صيرفة، وبيعها على السعر الأعلى في السوق. وقد قدّر البنك الدولي الأرباح غير المشروعة الناتجة عن المضاربة، عبر ضرب الفارق بين سعر الصرف في السوق وسعر صرف منصّة صيرفة بحجم التداول على المنصّة، بحوالي 2.5 مليار دولار أميركي منذ بدء العمل بالمنصّة (البنك الدوّلي، 2023، ص. 12). وبقيت منصّة صيرفة قاصرة عن تحقيق استقرار حقيقي في سعر الصرف أو توحيد سعر الصرف، أو تمكين المصرف المركزي من استعادة بعض من دوره الأساسي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والنقدي وتحفيز النمو.
الخلاصة
في المحصلّة، كان العمّال الخاسر الأكبر من جرّاء الانهيار المالي والنقدي والانكماش التضخّمي الحادّ الذي يعاني منه لبنان منذ العام 2019، حيث فقدت أجورهم قدراتها الشرائية بشكل كامل نتيجة انهيار سعر صرف الليرة والتضخّم المُفرط الناجم عنه بأضعاف ما فقدته الفئات والطبقات الأخرى، التي استطاع جزء منها تهريب قسم يسير من أمواله إلى الخارج، وتوفير ما يفيض عنه ويكفي أزلامه من «الفريش دولار»، لا سيّما الطبقة الحاكمة المؤلّفة من أمراء الحرب وزعماء المذاهب والسياسيين وكبار حيتان المال وأصحاب المصارف الذين أصبحوا من كبار المسؤولين في الدولة. فيما تمكّنت بعض الفئات الأخرى كرجال الأعمال والتجّار من التأقلم، وبعضهم استغّل الأوضاع لرفع أسعارهم بشكل استباقي وحماية أنفسهم من المزيد من تدهور سعر الصرف. أما الأكثر عجزاً في مواجهة الظروف الاقتصادية الصعبة، فقد كانوا ذوي الدخل المحدود وأصحاب الأجور والعمّال والمتقاعدين، بحيث تخلّفت أجورهم الثابتة نسبياً والمحدودة عن اللحاق بالارتفاع الجنوني في الأسعار، ولم تعد مداخيلهم النقدية تكفي لتغطية حاجاتهم الأساسية (فاتورة الكهرباء والغذاء والدواء والاستشفاء...). ناهيك عن الارتفاع الخطير في معدّلات البطالة، حيث أصبحت نصف القوى العاملة الموسّعة عاطلة عن العمل ومن دون أي دخل على الإطلاق.
لم يتبيّن مما تقدّم بأنّ زيادة الأجور وإقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017، كانت وراء الأزمة التي تراكمت لسنوات، وخصوصاً بعد الحرب في سوريا والعجز المتراكم في الميزان الخارجي إلى أن انفجرت الأزمة في نهاية العام 2019، لا سيّما بعد إقفال المصارف أبوابها لفترة أسبوعين وإثارة الهلع عند المودعين والمستثمرين، فتوقفت تدفّقات الودائع والأموال من الخارج بشكل تام. وعمّت موجة من هروب رؤوس الأموال وتحويل الودائع والدولارات إلى الخارج، لاسيّما من قبل الأوليغارشية، مما خلق شحّاً كبيراً في الدولارات وانهياراً في سعر صرف الليرة تجاه الدولار.
تنبع أهمّية تصحيح أجور الشرائح الضعيفة والعمّال من مساهمتها في تحقيق العدالة الإجتماعية عبر إعادة توزيع الدخل لصالح الشرائح الأضعف في المجتمع، فضلاً عن مساعدتها على الخروج من الانكماش الحادّ وتحفيز النموّتبقى الأولوية لحماية الفئات الضعيفة اقتصادياً، من الفقراء وأصحاب الأجور والعاملين في القطاعين العام والخاص والمتقاعدين، كي يتمكّنوا من تأمين حاجاتهم الأساسية من الغذاء والدواء والخدمات الصحّية والكهرباء والمياه بمستوى لائق. وذلك يقتضي رفع القدرات الشرائية والمداخيل الحقيقية لهذه الشرائح بعدما انهارت بالكامل نتيجة انهيار سعر الصرف والتضخّم المُفرط الذي نتج عنه، عبر زيادة أجورهم لتصل إلى حدود مقبولة، أو دولرة قسم منها بحيث تكون بمثابة الحدّ الأدنى للأجور والحفاظ على استقرار سعر الصرف قدر الإمكان.
كما تنبع أهمّية تصحيح أجور الشرائح الضعيفة والعمّال من مساهمتها في تحقيق العدالة الإجتماعية عبر إعادة توزيع الدخل لصالح الشرائح الأضعف في المجتمع، فضلاً عن مساعدتها على الخروج من الانكماش الحادّ وتحفيز النموّ، إذ تؤدي إلى زيادة الإنفاق على السلع والخدمات المُنتجة محلّياً. وفقاً للاقتصاديين كينز وكالكي تؤدّي زيادة حصّة الأجور من الدخل القومي إلى زيادة «الطلب الفعلي»، لأن ذوي الدخل المحدود وأصحاب الأجور سينفقون معظم هذه الزيادة على استهلاك السلع والخدمات الضرورية والمنتجة محلّياً والأدنى ثمناً لتلبية حاجاتهم الأساسية. وبينما تدخّر الطبقات الغنّية وأصحاب رأس المال والأوليغارشية القسم الأكبر من مداخيلهم، داخل البلد أو خارجه، نظراً لكفايتهم من ناحية الحاجات الأساسية، يستهلكون المنتجات المستوردة والكماليات الأعلى سعراً التي تزيد نسبة الاستيراد والعجز الخارجي. عدا أنه يصعب تحقيق هذا عبر السياسات المالية والضريبية في الوقت الحالي بسبب الانهيار الكامل لمالية الدولة وإيراداتها من جرّاء انهيار سعر الصرف، ونظراً لخضوع القرار المالي في الدولة للأوليغارشية وسلطة رأس المال.
وفيما أصبح واضحاً أنّ سياسة تحرير سعر الصرف، الذي طالما نادى (وما زال ينادي بها) صندوق النقد الدولي وأتباعه من الاقتصاديين، كانت مدمّرة، وفشلت في إعادة «التوازن الموهوم» على صعيد الاقتصاد الكلّي أو الميزان الخارجي، في بلد ذات اقتصاد مُشرّع وصغير مثل لبنان، يستورد بما يتجاوز 50% من الناتج المحلّي الإجمالي، وذات قدرات إنتاجية وصناعية وصادرات ضعيفة جدّاً، فيما بنيته التحتية منهارة بالكامل من الكهرباء إلى الاتصالات والمواصلات. وفيما كان العديد من الاقتصاديين المرموقين في صندوق النقد الدوّلي والمتأثّرين به يجزمون بأنّ التوازن يتحقّق مع سعر صرف يصل إلى 4 آلاف أو 5 آلاف ليرة للدولار الواحد، أصبح سعر الصرف بحدود 93 ألف ليرة للدولار وما زلنا في عمق الأزمة. وكما قال كارل بولانيي في كتابه الشهير «التحوّل الكبير» الصادر في العام 1944 بعد موجات التضخّم المُفرط وانهيار سعر الصرف في العديد من الدول الأوروبية، وخصوصاً ألمانيا، بعد الحرب الأولى، والتي كان لها دور أساسي في ظهور الفاشية والنازية: «أصبحت العملة عمود السياسة الاقتصادية في ظلّ الاقتصاد المالي الحديث، وعانى الناس بشكل يومي من انهيار العملة، وأصبحوا يحسبون حساب تأثير التضخّم على دخلهم الحقيقي مسبقاً، وصاروا يعتبرون استقرار العملة الحاجة العليا في المجتمع الإنساني. ولكن هذا الوعي لا يمكن عزله عن الإدراك بأن أسس العملة قد تتوقّف على عوامل خارجية». بولانيي نبّه في الوقت نفسه بأنّ «السماح لآليّات السوق أن تكون الموجّه الوحيد لقدر البشر وبيئتهم الطبيعية وحتّى لمقدار القوة الشرائية سيؤدي الى خراب المجتمع» (فاضل، 2009، ص. 168).
يحتاج الحلّ الحقيقي إلى خطّة اقتصادية تنموية شاملة لا تقتصر على البعدين المالي والنقدي، تتضمّن بالإضافة إلى إقرار قانون الكابيتال كونترول، اعتماد نظام الكوتا لتحديد أولويات الاستيراد وفقاً للحاجات الاجتماعية والاقتصادية (السلع الرأسمالية، التكنولوجيا، الغذاء، المعدات الطبية...)، والاستثمار في البنية التحتية، وتمويل المرافق العامّة، لا سيّما كهرباء الدولة، التي اعتبرها التقرير الاقتصادي الأخير لبنك عودة (الفصل الأوّل 2023، ص. 12-13)، كما العديد من تقارير المؤسّسات الدولية سابقاً، العائق الأساسي أمام الاستثمار الخاص، حيث تضاعفت كلفة الكهرباء من المولّدات الخاصة أكثر من ثلاثة أضعاف الكلفة التشغيلية للقطاع الخاص، مُهدّدة استمرارية المصانع والمؤسّسات السياحية والشركات، وفرص العمل التي تخلقها، والقدرة التنافسية للمنتجات اللبنانية. كما يخفّف ذلك من أعباء التضخّم على الأسر في أدنى مستويات الدخل، التي تنفق حوالي 88% من دخلها على الكهرباء، التي تحوّلت من حقّ أساسي من حقوق الإنسان إلى كماليات، بدليل انخفاض استهلاك الكهرباء بأكثر من 50% بسبب عدم القدرة على تحمّل تكاليف الكهرباء. كما اعتبر تقرير بنك عودة الجريء والواقعي أنّ على مؤسّسة كهرباء لبنان أن توفّر 14 ساعة من الكهرباء يومياً، وبأنه لن يكون هناك انتعاش اقتصادي من دون إعادة هيكلة قطاع الطاقة لتوفير كهرباء رخيصة ونظيفة ومستدامة. الخطط المالية والنقدية وإعادة هيكلة المصارف ليست إلّا حلولاً جزئية، وعلى أهمّيتها لن تكون كافية وحدها لعودة الانتعاش الاقتصادي والنمو وتحريك عجلة الإنتاج، وبالتالي رفع الناتج المحلّي والدخل القومي إلى مستويات مقبولة تنتشل المجتمع في لبنان من حالة الفقر المتعدّد الأبعاد الذي يرزح تحته.
المراجع الرئيسية
بالعربية:
مرال غيدانيان توتليان، «كلمة المديرة العامة للإحصاء المركزي في خلال إطلاق المؤشّرات الرئيسية للقوى العاملة في لبنان»، 12 أيار/مايو 2022.
عبد الرؤوف سنو، دولة لبنان الكبير 1920-2020، 2021.
كارل بولياني، ترجمة محمد فاضل طباخ، التحوّل الكبير، الطبعة الأولى، 2009، مركز دراسات الوحدة العربية.
محمد زبيب، «تصحيح الأجور الآن»، مجلّة صفر الالكترونية، العدد 3، آذار/مارس 2023.
بالإنكليزية:
Audi Bank, “Lebanon Economic Report”, (1st Quarter, 2023).
Central Administration of Statistics (2022), Lebanon Follow-up Labour Force Survey January 2022, The Central Administration of Statistics (CAS) in Lebanon in partnership with the International Labour Organization (ILO): http://www.cas.gov.lb/index.php/latest-news-en/201-labour-force.
Global Wage Report (2022-2023), “The impact of inflation and COVID-19 on wages and purchasing power”, International Labor Organization (ILO), Geneva.
Irving Fischer (1927), “The Money Illusion”.
John Maynard Keynes, “A Tract on Monetary Reform", The Collected Writings of John Maynard Keynes.
John Maynard Keynes, “The General Theory of Employment, Interest, and Money”, First Harvest/Harcourt, Inc. edition (1964).
Toporowski Jan, “Michal Kalecki: An Intellectual Biography”, Palgrave Studies in the History of Economic Thought Series (2013).
World Bank (Fall 2020), “The Deliberate Depression”, Lebanon Economic Monitor.
World Bank (Fall 2021), “The Great Denial”, Lebanon Economic Monitor.
World Bank (Fall 2022), “Time for an Equitable Banking Resolution”, Lebanon Economic Monitor.
World Bank (Spring 2023), “The Normalization of Crisis is No Road for Stabilization”, Lebanon Economic Monitor.
مواقع إلكترونية
موقع إدارة الإحصاء المركزي: www.cas.gov.lb
موقع مصرف لبنان: https://www.bdl.gov.lb/statisticsandresearch.php
موقع البنك الدوّلي: https://data.worldbank.org/indicator?tab=all
موقع صندوق النقد الدولي: www.imf.org/data