«باسم الدين باكونا الحرامية»

  • تتقاطع الهيمنة الإيرانية مع نظام المحاصصة الطائفية التي أسسه الاحتلال الأميركي، وأصبح الفساد عاملاً مهمّاً في ديمومة هذه العلاقة
  • الطائفية ليست تركيبة عضويّة طبيعيّة في أي مجتمع بل تحتاج إلى منظومة سياسية واقتصادية وعسكرية تدعم وجودها

ليس هناك عملية سياسيّة في العراق، بل مسرحاً لتدوير أفراد ومجاميع كليپتوقراطية. تحتاج أي عمليّة سياسيّة - بالضرورة - إلى هيكليّة مؤسّساتيّة مُتخصّصة تضمن سيرورة المنشآت الحكوميّة والخدمات العامّة، إلّا أنّ العراق يفتقر لأبسط هذه الإمكانيّات بعد 2003. المحاصصة الطائفيّة-الإثنيّة وتقاسم الوزارات والدوائر الرسميّة هي أهداف الانتخابات. على سبيل المثال، لا يزال الشلل السياسي قائماً منذ انتخابات خريف 2021، وبعد انسحاب الكتلة الصدريّة (الفائزة بالعدد الأكبر من النواب البرلمانيين) لعدم تمكّنها من تشكيل حكومة، تحالف "الإطار التنسيقي" المدعوم إيرانياً مع خصوم الأمس من الأكراد والسنّة لتسريع تشكيل الحكومة المُنتظرة أمام وعود مُغرية. ليس للانتخابات أي أهمّية مُرتقَبة أو جدوى في إحداث تغييرات مُهمّة في الممارسات السياسيّة، فلا اختلاف يُذكر في أهداف الأحزاب الطائفيّة ومنهجيّتها، ولا توجد أي خطط عمل لاستثمار الريع النفطي في النموّ الاقتصادي والصناعي والتكنولوجي، وتوظيف الشباب الذين يشكّلون ثُلثَيْ سكان البلاد، بحيث أدّى هذا الخواء السياسي إلى انخفاض المشاركة الانتخابيّة إلى 30% في انتخابات 2021 بحسب بعض التقديرات.

لم تستثمر أياً من الحكومات المُتعاقبة بعد الاحتلال فلساً واحداً في البنية التحتيّة، وهذه حقيقة وليست مبالغة. شوارع العاصمة مُهترئة، أمّا المدن الأخرى فحدّث ولا حرَج. كثير من المدارس في المحافظات خالية من مقاعد للطلّاب وأبسط مستلزمات التدريس، المستشفيات الحكوميّة من دون معدّات وأجهزة طبيّة وباتت أشبه بمسالخ الحيوانات. مدينة الطبّ، على سبيل المثال، التي كانت تُعتبر من المراكز الطبيّة الأكثر تقدّماً في العالم العربي والشرق الأوسط في سبعينيّات وثمانينيّات القرن العشرين باتت مثيرة للشفقة بسبب انتشار القذارة في مبانيها الضخمة المُتآكلة وتعطّل معظم الأجهزة الطبيّة فيها. حتى نصب "كهرمانة والأربعين حرامي" للنحّات الراحل محمد غني حكمت (شُيّد 1969-1971) لم يسلم من الفشل الإداري للعاصمة، إذ تناقل بعض الناشطين صوراً عن تشويه جرار كهرمانة بأنابيب ماء. لقد أصبحَ الإهمال حالة مستشرية، مثل الفساد، في كلّ شِبر من العراق.

خسر العراق من الفساد الحكومي والإداري نحو 551 مليار دولار في فترة حكم المالكي وهو ما يوازي مجمل الناتج المحلي لدولتي النرويج وفنلندا معاًالأسباب التي أوصلت البلد إلى هذا المُنحدر واضحة، وتعود بشكل جوهري إلى تقاطع الهيمنة الإيرانيّة - سياسياً واقتصادياً - مع نظام المحاصصة الطائفيّة الذي أسسهُ الاحتلال الأميركي، بحيث أصبح الفساد عاملاً مهمّاً في ديمومة هذه العلاقة. خسرَ العراق، على سبيل المثال، جرّاء الفساد الحكومي والإداري نحو 551 مليار دولار أميركي بين العامين 2006 و2014 (أي خلال رئاسة نوري المالكي، الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامي، لدورتين وزاريّتين) بحسب تقارير مُتعدّدة، أخرها دراسة معهد السياسة البريطاني Chatham House، وهو ما يُعادل تقريباً مجمل الناتج المحلّي لدولتي النرويج وفنلندا معاً لعام 2020. ويضاف إلى ذلك، دور المليشيّات التي خلقتها الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة، وأصبحت أداةً لقمع المُعارِضين داخل العراق، وفرض الهيمنة الأيديولوجيّة-الدينيّة بنسختها الإيرانيّة. تؤمّن المليشيّات ميزانيّاتها من السطو على أنابيب النفط في الجنوب العراقي والمساهمة في إنماء "السوق السوداء" والتجارة غير الرسميّة في البلد، وكذلك من خلال إشغال مناصب مهمّة في الوزارات والمؤسّسات الحكوميّة.

الاقتصاد السياسي للطائفيّة المؤسّساتيّة في العراق

سيطرت الأحزاب السياسيّة الإسلاميّة الشيعيّة على سيرورة الأمور في العراق بعد أنّ أرسى المُحتَل الأميركي دستوراً مبنياً على أسُس طائفيّة-عِرقيّة لم يُتَداول بها مؤسّساتياً في العراق من قبل – على الرغم من حدّة النزاعات السياسيّة لعقود، ولا سيّما حقبة القمع المُبرمج لكلّ أشكال المعارضة خلال حكم البعث منذ 1968. استغلّت هذه  الأحزاب – وشريكتها السنيّة أيضاً – المسألة الطائفيّة (والكُرد المسألة القوميّة) أبشع استغلال لتمرير نظرتها السياسيّة للسيطرة على الناس، وتأجيج مشاعر الخوف والهلع من الآخر. فالطائفيّة المؤسّساتيّة هيكليّة سياسيّة-اقتصاديّة أساساً. الطائفيّة ليست تركيبة عضويّة طبيعيّة في أي مجتمع، بل تحتاج إلى منظومة سياسيّة واقتصاديّة وعسكريّة تدعم وجودها، وهي تقف أساساً ضدّ مفهوم الوطن والمواطنة.

لم تستثمر الحكومات العراقيّة المُتعاقبة منذ 2003 في إعادة بناء مؤسّسات الدولة التي دمّرها الاحتلال الأميركي بصورة مُمنهجة، بل أجهزت عليها كلّياً عن طريق المحاصصة الطائفيّة-الإثنيّة والفساد المُرتبط جوهرياً بها. وأصبح دور الحكومة (محلياً ومركزياً) مُقتصراً على ممارسة الفساد وتنظيمه بشكل فعّال لخلق دولة المحاصصة العميقة. وأنتجَ ذلك منظومات ميليشياويّة تجمع بين الأيديولوجيّة الدينيّة-السياسيّة وفكرة المرتزقة العسكريّة. وأضحت إيران1 المُبَرمِج الأساس والمُنَظّم والمُموّل الأيديولوجي والعسكري لهذه الميليشيات. وهكذا فَرَضَت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة هيمنتها الأيديولوجيّة (مبدأ ولاية الفقيه) والسياسيّة والعسكريّة على العراق عموماً من خلال التشكيلات الميليشياويّة الشيعيّة المُتعدّدة وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي (مثل المجلس الإسلامي الأعلى، ومنظّمة بدر، والتغييرات والمسميّات اللاحقة التي يترأسها عمار الحكيم وهادي العامري، أو حزب الدعوة الإسلاميّة بأجنحته كافة). كان القادة الإيرانيون، ولاسيّما قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، مؤمنين بأنّ خلق إيران قويّة يتطلّب عراقاً ضعيفاً ومُشرذَماً. وبالتالي نفذّت إيران نهجها من خلال الأحزاب الإسلاميّة الشيعيّة التي كان لها همّين: أولاً، الخضوع المطلق للرأي والنفوذ الإيراني كجزء أساس من الفكر العقائدي، وثانياً، نهب إمكانيّات وثروات البلد من دون وازع. لم تستثمر هذه الأحزاب فِلساً واحداً في مدن وسط وجنوب العراق، ولم تسعَ إلى بناء البنية التحتيّة وتطويرها في هذه المناطق ذات الغالبية الشيعيّة المُهملة منذ عقود، والمُنهَكة بسنين الحروب العبثيّة والحصار الاقتصادي الأميركي (1991-2003) الذي دمرَّ البنية الاقتصاديّة للمجتمع. بل استمرّت إيران بهذه الممارسات وكثّفتها، وهيمنت اقتصادياً على العراق، لا سيّما وأنّها تُعاني من حصار اقتصادي أميركي وتحتاج إلى مُتنَفس مادي يُمّول أهدافها الاستراتيجيّة في المنطقة. هكذا أصبح العراق سوقاً لتصريف المنتوجات الزراعيّة الإيرانيّة ومواد البناء وغيرها من السلع على حساب المنتج العراقي المحلّي. أيضاً حوّلت مجاري مياه الأنهار المُنحدرة من أراضيها نحو الأراضي الزراعيّة في وسط وجنوب العراق، فجفَّت الأراضي وتَلَفَت المحاصيل وانتقل العراق من الاعتماد ذاتياً على تزويد الغذاء للسكّان - حتى في فترة الحصار الاقتصادي - إلى بلد مستَورِد لمعظم المنتوجات الغذائيّة.

خلقت المليشيات منظومة للسيطرة على الاستيراد والتصدير تحت سيطرة السلاح ومشاركة مؤسسات الدولة من باب المحاصصة الطائفيةشكّلت الميليشيات المُسلّحة ذراع إيران في فرض سيطرتها على اقتصاد العراق، إذ كوَّنت شركات استيراد وتصدير وخَلَقَت منظومة وثيقة للسيطرة على الاستيراد والتوزيع داخل البلاد تحت سيطرة السلاح ومشاركة "مؤسّسات" الدولة من باب المحاصصة الطائفيّة ومغريات الرشاوى والفساد. نَمَتْ هذه المنظومة لتشمل تصدير النفط الخام والسيطرة على أنابيب التصدير لا سيّما في جنوب العراق. وأضحت مدينة البصرة بالتحديد مركزاً لمعارك شرسة بين المليشيات المتعدّدة - عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله، حزب الفضيلة، المجلس الإسلامي/منظّمة بدر، وكذلك التيّار الصدري. ووصلت ذروتها في فترة حكم حزب الدعوة عندما أعلن المالكي انحيازه الصريح للميليشيّات المدعومة إيرانياً ضد التيّار الصدري في ربيع 2008، واندلعت معارك شديدة بين الحكومة والصدريين راح ضحيتها مئات من القتلى. منذ ذلك الوقت أصبحت السيطرة على نسبة مهمّة من تصدير النفط العراقي مسألة أساسية لتأمين الركيزة الماليّة لهذه الميليشيّات. وهكذا نلاحظ الترابط الوثيق بين المحاصصة الطائفيّة، الفساد المستشري، والهيمنة الإيرانيّة من خلال الميليشيّات المُسلّحة، ومساهمة هذا التداخل في خلق كيان دولة المحاصصة العميقة. لا يقتصر هذا التشخيص على أحزاب الإسلام السياسي الشيعي - وإنّ كان لها الدور الأكبر والأهمّ في بنيّة المحاصصة والفساد، بل يشمل الأحزاب السنيّة والكرديّة من خلال علاقاتهم التجاريّة مع إيران من ناحية، ومع تركيا من ناحية أخرى (وإنّ كانت بنسبة أقل).

من هذا الأساس يجب فهم ما حصلَ في بغداد وبعض محافظات الجنوب، البصرة والناصرية تحديداً، في صيف/خريف 2022 بأنّه حراك موجّه من التشكيلة السياسيّة-الدينيّة المُسيطرة على البلد لما يزيد عن خمسة عشر عاماً. إذ بدأ الإطار التنسيقي - الذي يضمّ المليشيّات والأحزاب الموالية لإيران - بتحريك أتباعه للاستحواذ على الشارع، ثم تَبعه مقتدى الصدر - المُتحدّي للنفوذ الإيراني في العراق ولو أنّه لا يبتعد عنها عقائدياً. وبالتالي يهدف العَرض الميداني المسلّح للطرفين في الشارع إلى محاولة فرض واقع تصعيدي لخدمة المصالح السياسيّة لهذه التشكيلات، وتأمين النفوذ الضروري لتحقيق المنفعة الاقتصاديّة.

يوجد في العراق اليوم – حسب بعض الإحصائيّات – 67 فصيلاً شيعياً، 44 منها يُقلد ولاية الفقيه علي خامنئي – وتُسمّى فصائل ولائيّة، و17 تُقلد علي السيستاني، والبقية تقلّد مراجع أخرى. وهناك 43 فصيلاً من الحشود العشائريّة والمناطقيّة، وهي فصائل سنيّة. وهناك، أيضاً، فصائل مسيحيّة (2) وتركمانيّة (2) وإيزيديّة (2) وكاكائيّة (1). يصل عدد المقاتلين إلى أكثر من 160 ألف مقاتل، جميعهم يتقاضون رواتب شهريّة من وزارة الماليّة العراقيّة شبيهة بمنتسبي الجيش النظامي، ولكن من دون الخضوع لهيكليّة وزارة الدفاع وقوانينها. وبالتالي تموِّل الحكومة العراقيّة هيكليات ميليشياويّة خارج سيطرة الدولة الفعليّة، بل تتبع أجندات أجنبيّة، وإيرانيّة تحديداً. وجديرٌ بالذكر أنّه توجد فروق كبيرة في تسليح وإمكانيّات وصلاحيّات الفصائل الشيعيّة، ولا سيّما الولائيّة، مقارنة بنظرائها السنيّة وغيرها. ويتقاطع مع ذلك تفشّي الفساد، فكثير من الزعماء السياسيين يسيطرون على مصادر ماليّة ضخمة تبلورت في تأسيس مصارف أهليّة لها دور مهمّ في تبييض الأموال وتهريب العملة وتمويل الفوضى السياسيّة.

وهكذا تتجسّد بوضوح دولة المحاصصة العميقة من خلال التقاطع بين الهيمنة الأيديولوجيّة لولاية الفقيه الإيراني والطائفيّة المؤسّساتيّة التي أسسّ لها الاحتلال الأميركي، وتقاسمت الطوائف السياسيّة الفساد والمناصب كلٌ بحسب نسبتها السكانيّة المزعومة، واعتمدت على بعضها لديمومة الطائفيّة السياسيّة والفساد، أمّا الاختلافات الظاهريّة للأحزاب الشيعيّة والسنيّة والكرديّة فهي بقدَر الفائدة الاقتصاديّة المُكتَسبة. الطائفيّة السياسيّة سلاحٌ شرس يفتك بالوطن والمواطنة ليضمن استمراريته.

 

الإشكاليّة الدينيّة-السياسيّة والمسيرة نحو شرذمة المجتمع

على مدى تسعة عشر عاماً ترسّخت الطائفيّة السياسيّة في كلّ دوائر الدولة وساهم الإسلام السياسي في ممارسة الانتهازيّة بين أروقة السفارات والمموّلين الإقليميين والدوَليين. شَهَدَ العراق واحدة من أبشع الفترات في تاريخه الحديث خلال حكم حزب الدعوة الإسلامي، لا سيمّا تحت زعامة نوري المالكي. عمَدَ نوري المالكي خلال سيادته الوزاريّة (2006-2014) إرساء أسس العنف الطائفي بما يخدم استمراريّة حكم منظومته الاقتصاديّة والسياسيّة، التي أصبحت تُقدَّر بمئات الملايين من الدولارات. وسعى المالكي بالنتيجة لخلق نظام شبيه بأنظمة الحكم العسكريتاريّة في أميركا الوسطى في ثمانينيّات القرن الفائت. كان المالكي مسؤولاً عن توقيع الاتفاقيّة العراقيّة-الأميركيّة في 2008، والتي تنصّ على اتخاذ الولايات المتّحدة الخطوات "المناسبة" لتعزيز "الإجراءات الدبلوماسيّة أو الاقتصاديّة أو العسكريّة" و"إدامة المؤسّسات العسكريّة والأمنيّة" في العراق، ما يجعلها بمثابة وصاية أميركيّة طويلة المدى على العراق.2

مرجعيّة النجف والسياسة

امتازت مرجعيّة النجف على مرور القرون بتركيزها على الجوانب الفقهيّة والفلسفيّة واللغويّة وعلوم الكلام. وباتت مركزاً معرفياً وثقافياً ولغوياً مهماً، إلى جانب كونهاً مركزاً فقهياً، لا يؤمهُ التلامذة الشيعة فحسب، بل مختلف مُريدي المعرفة. ومعظم مراجع النجف الكبار رفضَت - ولا تزال - التدخّل في السياسة؛ لذا لم يكن هناك - على العموم - صدىً مهماً لنظرية "ولاية الفقيه". على سبيل المثال، لم يكن لمرجعيّة النجف دوراً رسمياً مُسانداً أو فعّالاً في ثورة العشرين الكبرى ضدّ الاحتلال البريطاني، ولكن ساهم رجال دين بصفة فرديّة في الثورة أو دعموها. وكان متعارفاً تقرّب المرجعيّة من المتنفّذين - لا سيّما في أرياف وسط وجنوب العراق - من شيوخ العشائر وملاكيّ الأراضي الزراعيّة. حاول البعثيون في أواخر خمسينيّات القرن الفائت التقرّب من بعض المراجع للتأثير على الرأي العام والحدّ من المدّ اليساري ونجحوا في الحصول على مساندة المرجع محسن الحكيم (جد عمّار الحكيم الذي وَرَثَ المجلس الإسلامي الأعلى عن أبيه، محمد باقر الحكيم، ويتزعّم الآن تيّار الحكمة). أصدرَ محسن الحكيم في العام 1960 - حين كان الحزب الشيوعي يقود مسيرات عيد العمّال بمئات الآلاف في عموم العراق وكان تعداد السكّان لا يزيد عن أربعة ملايين نسمة - فتوى تحريم الانتماء إلى الحزب الشيوعي العراقي على أساس "أنّ الشيوعيّة كُفرٌ وإلحاد". وباستثناء هذه الظواهر، حافظت مرجعيّة النجف على استقلاليّتها ولم تتدخّل في السياسة وشؤون الدولة. احترمت حكومات العراق منذ العهد الملكي مروراً بالحكم الجمهوري هذه الخصوصيّة، ولم تفلح حكومات البعث في التدخّل في شؤون المرجعيّة أو محاولة إقحامها في سياسة الدولة، إلّا أنّها سَعَتْ للتخلّص من الأصوات المعارضة أينما وُجِدت، ومن هنا نُدرِك اغتيالات وقتل بعض رجال الدين الشيعة كمحمد باقر الصدر في العام 1980 وغيرهم. (وللعلم فإنّ أول مَن قُتِلَ كان رجل الدين السنّي عبد العزيز البدري في العام 1969 المعروف بتحدّيه لسلطة البعث).

تغيّر موقع المرجعيّة بعد 2003، وبدأ الاحتلال الأميركي بإقحامها في الشأن السياسي والتظاهر بالسماع لرأيها. ثم كثفّت أحزاب الإسلام السياسي الشيعي وحتى شخصيّات شيعيّة تدّعي الليبرالية (مثل ما سُمي بالـ "البيت الشيعي" الذي ترأسه أحمد الچلبي) ظاهرة استشارتها بهدف الحصول على الدعم والقبول من الشارع العراقي. وعلى ما يبدو، تزايدت هذه الممارسات وأدّت بالنتيجة إلى محاولة المرجعيّة - أو عناصر منها - الإدلاء بآراء في مواضيع اجتماعيّة وسياسيّة عدّة ليس للمرجعيّة الخبرة أو الممارسة المعرفيّة فيها. وتمّ الخلط بين دور المرجعيّة الفقهي والمعرفي، والأهداف الدنيويّة لأحزاب الإسلام السياسي الشيعي. وإذا كانت أهداف أحزاب الإسلام السياسي الشيعي تنبع من مَنفعة سياسيّة-اقتصاديّة بحتة وأُفُق طائفيّة تهدف للسيطرة على الشارع والحكومة، فلا يمكن التغاضي عن عدم وضع مرجعيّة النجف حدّاً لهذه التجاوزات ونقد ممارسات هذه الأحزاب والسياسيين ورجال الدين المنطوين تحت رايتها أو القريبين منها بشكل صارم ودقيق.

قراءة في تاريخ التيّار الصدري

حاول محمد باقر الصدر أنّ يؤسّس حزب الدعوة الإسلامي أواخر خمسينيّات القرن الفائت - كرّد فعل على نموّ الشيوعيّة واليسار في العراق - على غرار منظّمة الإخوان المسلمين في مصر. إلّا أنّ حزب الدعوة بقيَ هامشياً في تاريخ العراق السياسي الحديث حتى أواخر سبعينيّات القرن الفائت لسببين أساسيين؛ أوّلاً، صعود نجم الإسلام السياسي الشيعي في إيران واستيلاء الخميني على الثورة الإيرانيّة في العام 1979، وثانياً، هلع حزب البعث من فكرة "الشعوبيّة" واختزال الأقليات المذهبيّة أو الدينيّة أو الإثنيّة – مثل الشيعة العرب أو الأكراد في العراق – كتوابع للأجنبي لا مواطنين في بلد أعطوه الغالي والنفيس. وانتهجَ صدام حسين بعد استيلائه على السلطة في تموز 1979 نهجاً قمعياً ضدّ حزب الدعوة، بعد أنّ أقصى الحزب الشيوعي والاتحاد الوطني الكردستاني – حلفاء الأمس في ما سُميَّ بـ «الجبهة التقدّمية». ومنحَت هذه الرعونة السياسيّة زخماً لم يحلم به قادة حزب الدعوة، وسرعان ما انتقلوا إلى ممارسة السياسة في إيران أوائل ثمانينيّات القرن العشرين. في هذه اللحظة انتقلَ العراق من بلد ذي تاريخ سياسي ذي مشارب فكريّة مختلفة، إلى بلد تحكمه أوهام طائفيّة-قوميّة تخدم أولاً وآخراً مصالح الأجنبي، أياً كان.

كانت الأحزاب الإسلاميّة الشيعيّة – الدعوة الإسلاميّة والمجلس الإسلامي الأعلى وغيرها – والسنيّة محدودة في حجمها ونفوذها الشعبي داخل العراق بُعيد الاحتلال الأميركي. الاستثناء الوحيد كان التيّار الصدري، الذي وُلِد فعلياً بعد 2003، ولو أنّ جذوره تعود إلى ما قبل الغزو/الاحتلال الأميركي. حاول محمد صادق الصدر، والد مقتدى، تأسيس نهج مُغاير للمرجعيّة الدينيّة في النجف، أطلقَ عليها وصف «الحوزة الناطقة». تمتعَ الصدر الأب بشعبيّة كبيرة وسط جموع الشيعة الفقراء في وسط وجنوب العراق التي عانت الأمرين من بطش نظام صدام حسين الشمولي خصوصاً بعد انتفاضة 1991، ومن الحصار الاقتصادي الجائر التي فرضته الولايات المتّحدة على شعب العراق طيلة ثلاثة عشر عاماً، وقبلها حرب الثماني سنوات بين العراق وإيران. كان للصدر الأب علاقة جيّدة مع نظام صدام، إذ كان بمثابة صمّام أمان، يؤمّن خضوع الشيعة الفقراء لنظام الحكم البعثي، ويسمح في الوقت نفسه بتأدية الطقوس الدينيّة البسيطة. قُتل الصدر الأب أواخر تسعينيّات القرن الماضي – بعد اختلاف مع نظام صدام – وتراجع المدّ الصدري حتّى مجيء الاحتلال الأميركي.

توارثَ مقتدى قيادة التيّار بحكم النَسَب من دون أن يتميّز بمعرفة دينيّة أو سياسيّة، وتفاقمت خلال قيادته الخلافات داخل التيّار، وظهرت انشقاقات أبرزها منظّمة عصائب أهل الحق التي يترأسها قيس الخزعلي. كان لهذه الانشقاقات دوراً مهماً في ترسيخ التيّار الصدري كحركة ضمن الإسلام السياسي الشيعي والمليشياوي أيضاً، إذ كان الصدريّون جزءاً أساسياً في كلّ الحكومات العراقية منذ 2005، وكان للتيّار المليشياوي من خلال جيش المهدي دوراً بارزاً في الحرب الأهليّة (2006-2008) وفي فرض السيطرة شبه المطلقة على مناطق بأكملها في بغداد والمحافظات الوسطى والجنوبيّة.

في عراق يصول ويجول به أكثر من مئة تنظيم مليشياوي مسلّح، يشكِّل «جيش المهدي» (وتوابع أخرى مثل «سرايا السلام» الصدريّة) التنظيم الأكبر من ناحية عدد المنتسبين والهيكليّة التنظيميّة، تليه «منظّمة بدر» و«كتائب حزب الله»، ثمّ «عصائب أهل الحق». وإذا كانت المليشيّات الأخرى تنتمي علناً لولاية الفقيه الإيراني الخامنئي، تمتاز «سرايا السلام» «وجيش المهدي» بتبعيّتها للصدر الأب الذي أوصى بعد موته - كما هو مُتَبع في الفقه الشيعي الإثنى عشري - بتقليد المرجع كاظم الحائري3 العراقي الأصل الذي استقرَّ منذ أواسط سبعينيّات القرن الفائت في قمّ. (ويُقلّد البعض من الصدريين، فقهياً، المَرجِع علي السيستاني).

تعتمد هيكلية التيّار الصدري على خليط من المعتقدات المذهبيّة وعلى نظام شبه عسكري. وبالتالي، للتيّار الصدري وجود متنوّع ومتقلّب، يتغيّر بانتهازيّة لملائمة الجوّ السياسي السائد. في الواقع، تغيّر الخطاب الصدري من «محاربة» الاحتلال إلى القتل على الهوية المذهبيّة خلال الحرب الأهليّة، إلى المشاركة في حكومة المحاصصة (في البرلمان والدولة)، إلى التظاهر ضدّ الدولة. وتارةً كان الصدريّون أقرب إلى إيران، وتارةً أخرى إلى الخطّ السعودي-الأميركي. تشكّل هذه التقلّبات جوهر النهج الصدري منذ تأسيسه على يدي محمد صادق الصدر: الانتهازيّة لنيل المكاسب السياسيّة أساساً. بعد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، أصبحت هشاشة المليشيّات في العراق من دون الوصي الإيراني واضحة، فاستثمر مقتدى الصدر الحدَث لمحاولة سدّ الفراغ من خلال إبراز عضلات رجاله (سواء «القبعات الزرقاء» أو «سرايا السلام») في ساحات الاعتصام والتنكيل بثوّار حراك تشرين 2019، والتقرّب من أصحاب القرار في طهران وقمّ. وهكذا، تبنّى الصدر وتيّاره نهجاً ميكيافيلياً بامتياز، إذ استخدمَ – ويستخدم – أي أسلوب للوصول إلى مبتغاه السياسي. فتزايدَ بعد مقتل سليماني الاعتداء العنيف على الثوّار (مِن قتل أو حرق للخيَّم)، وبعدها مهاجمة الطلّاب وخطف واغتيال المُسعفات الطبيّة وإرهاب النساء المشاركات في ثورة تشرين 2019. هكذا أصبح التيّار الصدري المليشياوي يداً مساندة للحكومة لضرب الثائرات والثوّار، ولضمان دوره في تشكيلة المحاصصة الطائفية، وكسب ودّ المرشد الإيراني ودعمه.

انطلقت في الثالث عشر من شباط 2020 عشرات آلاف النساء في مظاهرات حاشدة في بغداد والناصريّة والبصرة والديوانيّة ومدن أخرى ضدّ الوصاية الدينيّة والذكوريّة، وفي أعقاب تصريحات مقتدى الصدر المُتناقضة مع جوهر ثورة تشرين العراقيّة حين دعا إلى «فصل الذكور عن الإناث» والامتثال «لقواعد الدين الإسلامي». شكلَّت ثورة تشرين 2019 مساراً واضحاً تحدّى الهيكليّات السياسيّة والمجتمعيّة الطاغية من دون التعالي على الموروث الثقافي والديني في المجتمع مهما كان بسيطاً وعفوياً. فمحرِّك الثورة الأساس هو الطبقة المجتمعيّة الفقيرة والمُهمَلة لزمنٍ طويل، طبقةٌ انحدَرت من بيئة وسطى مُتعلمة أنهكها الحصار الاقتصادي في تسعينيّات القرن الماضي، وهمشّها سياسيو ما بعد الاحتلال الأميركي. تجاوز شابّات وشباب الثورة المرجعيّات السياسية السائدة، وكان جُلَّ تفكيرهم يرفض الواقع المرير والفساد المُستشري، ولم يدعموا أياً من الزعماء السياسيين وأتباعهم، تجاوزوا ثنائيّات الولاء لإيران أو أميركا، وأيضاً مظاهر العنف السائد إلى حدٍّ كبير في تاريخ العراق السياسي الحديث. حافظت ثورة تشرين في كلّ المحافظات على سلميّتها ولم تنجرف إلى التسلّح – على الرغم من تفشّي السلاح في عراق ما بعد الاحتلال كتفشّي الفساد، وهو دليل على عمقٍ فكري وإدراك لأنهار الدم التي سالت في العراق من العهد الملكي مروراً بالعهد الجمهوري وما تلاه، بحيث شكلَّت ثورة تشرين نقطة تحوّل كبيرة في تاريخ العراق الحديث، اجتماعياً وتنظيمياً وسياسياً.

النفط محور الصراعات

إذا كان الاقتصاد العراقي ريعياً قبل 2003، فهو الآن هجين مافيوي غريب لا يخضع لمفاهيم النظريّات الاقتصاديّة السائدة. العراق، بعد 2003، بلد لا يُنتج ولا يُصنّع أي شئ إطلاقاً، فقط يُصدّر النفط الخام ويمنح الشركات العالميّة - وفق اتفاقيّة أنجزها وزير النفط الأسبق (2006) حسين الشهرستاني4 - حقّ التنقيب عن النفط (والغاز) من دون رقابة الحكومة المركزيّة وبنسبة تُقرِّرها هذه الشركات من دون التشاور مع وزارة النفط العراقيّة.

عدا ذلك، دُمِّرت الزراعة فعلياً لأسباب عدّة متداخلة منها، الحروب والأسلحة الكيمياويّة المحرّمة مثل اليورانيوم المنضّب والتي استخدمتها القوات الأميركيّة منذ 1991، وسياسات تجفيف الأهوار من قبل النظام السابق لمعاقبة ثوّار انتفاضة آذار 1991، وانخفاض كمّية المياه في نهري دجلة والفرات بسبب بناء السدود في تركيا وتغيير مجاري الأنهار من قبل إيران ما يشكّلان انتهاكاً واضحاً للاتفاقيّات الدوليّة المُتعلّقة بمجاري الأنهار المشتركة بين دول جوار، ومؤخراً التدمير المتعمّد للمنتجات الزراعيّة المحلّيّة للسماح بتصريف المنتجات الزراعيّة الإيرانيّة. وبالتالي أضحى العراق فعلياً مزبلة لكل تَرَكات إيران، بالدرجة الأولى - ودول أخرى أيضاً. حوّلت هذه العوامل مجتمعة العراق من بلد مُنتج للموارد الطبيعيّة، لديه صناعات محلّيّة (پتروكيمياويات وأدوية وأصباغ ومواد إنشاء وپلاستيك، إلخ) متطورة نسبياً بمقياس دول الشرق الأوسط، ونِتاج زراعي يؤمّن الاكتفاء الذاتي، إلى بلد إستهلاكي يستورد كلّ احتياجاته. مع ذلك، لا يستثمر هذا البلد النفطي في المحروقات حتّى، بل يهدرها لكي يتسنّى استيراد الغاز والكهرباء من إيران بأضعاف الأسعار.

بلغت إيرادات صادرات النفط العراقي خلال شهر حزيران 2022 نحو 11,5 مليار دولار أميركي وفقاً لوزارة النفط (نقلاً عن وكالة الأنباء العراقيّة)، ومن المتوقّع أنّ تصل إيرادات النفط لعام 2022 إلى أكثر من 120 مليار دولار. مع ذلك، أعلن وزير التخطيط العراقي في تموز 2022 أنّ نسبة البطالة بلغت 16%، وإنّ كانت النسبة الحقيقيّة تزيد عن ذلك بكثير. وهو ما يُبيّن انعدام التخطيط في بلد غني جدّاً، وفشل الدولة في الإسهام في تطوير اقتصاد البلد. النفط العراقي أساسي لأوروبا، وينظر الكثير من المحلّلين إليه كبديل مهمّ عن الخامات الروسيّة في أسواق أوروبا بعد الحرب الروسيّة-الأوكرانيّة والمقاطعة الأميركيّة-الأوروبيّة لروسيا. لكن إيران تمسك به، وتستخدمه كورقة في محادثاتها مع الولايات المتّحدة والاتحاد الأوروبي حول ملفها النووي والحصار الاقتصادي عليها، خصوصاً أنّ الميليشيات الولائيّة وميليشيا التيّار الصدري تسيطر على غالبية حقول النفط وأنابيب التصدير في البصرة والجنوب العراقي، وبإمكان إيران خلق اضطرابات في الإنتاج أو التصدير إذا شاءت أو تسهيل المسألة إذا إنسجمَ الأمر مع أهدافها.

كلمة أخيرة

لا يؤمّن تداخل الدين والسياسة بناء مجتمع ونظام حكم يستندان على أسس المواطنة والمساواة. فشِلَ الإسلام السياسي الشيعي في العراق منذ 2003 في بناء هيكليّة إداريّة ودستوريّة، ونجحَ في إشاعة الفساد والسرقة وإقصاء الرأي المُعارِض. لكن شباب وشابّات العراق أعادوا في حراكهم الثوري الكبير في تشرين 2019 الوضوح في ضرورة عزل الدين عن السياسة، وكان هتاف زملائهم في السنين التي سَبَقَت أكثر وضوحاً وجوهريةً: باسم الدين باگونا (سرقونا) الحرامية.

الوضع العراقي شائك ومعقَّد بين هيمنة إيران وتزايد إصرارها على إخضاع العراق لسيطرتها، وبين مطامع (احتياجات) واضحة للنفط العراقي بثمن زهيد نسبياً لاحتواء المشاكل الاقتصاديّة والضغوط الصناعيّة لتوفير الپتروكيمياويات في دول أوروبا. يتقاطع مع هذين العاملين نظام محاصصة طائفيّة - لا يُمكن إصلاحه - وسلاح منفلت تحت سيطرة ميليشيّات طائفيّة وإثنيّة تأتمر للأجنبي. ليس هناك حلولاً سحريّة، ولكن هناك حاجة ماسّة للنقد الدقيق والوضوح القاسي وفرصة لأنّ نجعل الأمل مُمكناً بدلاً من اليأس طاغياً.

  • 1 تجدر الإشارة إلى أنّ تركيا وبعض دول الخليج مثل قطر والإمارات حاولت اتباع المنهجيّة نفسها، لكنها لم تنجح لأسباب عدّة.
  • 2مؤخراً، نَشرَ الصحافي العراقي علي فاضل (المقيم في الولايات المتحدة) مجموعة تسجيلات صوتية لنوري المالكي وآخرين يتحدّثون عن علاقتهم الوثيقة بالمرشد الإيراني الخامنئي وجهاز المخابرات، إطلاعات، والحرس الثوري الإيراني، وكيف بإمكان المالكي كسب ودّ الخامنئي ودعمه في قضايا عدة. كما تضمّنت التسجيلات شتائم بحقّ الصدر وتهجّم على التيّار الصدري. كان من المفروض أن تُحدث هذه التسريبات ضجة كبيرة تؤدّي إلى محاكمة - أو في أقل تقدير محاسبة – المالكي، إلّا أنها مرَّت مرور الكرام وكأنّ الإعلام العراقي والدولة والبرلمان في مجرّة أخرى لا تَعي فحوى الموضوع. ونشر الصحافي فاضل تسجيلات أخرى تفضح نهب وفساد سياسيين آخرين (مثلاً، أحمد عبدالله الجبوري، المُكنّى أبو مازن، القيادي في تحالف العزم السنّي)، ووَعدَ بنشر المزيد.
  • 3أعلن الحائري اعتزاله المرجعية آواخر آب 2022 وهو أمر نادر لم يحصل في تاريخ المرجعية الشيعية في النجف أو قمّ، ومن المرجّح أنّ يكون حصل ذلك بضغط من ولاية الفقيه الخامنئي لسحب البساط من تحت مقتدى الصدر. في رسالة اعتزاله، كان الحائري شديد اللهجة ضدّ الصدر لكن من دون أن يتخلّى عنه، وطلَبَ من مُقلّديه اتباع الخامنئي. وهنا تتضح محاولة إيران كسر ظهر مقتدى الصدر وتدجين أتباعه، لكنّها لن تنجح على الأرجح. يعتبر كثير من المراقبين أنّ الحائري هو حلقة الوصل بين التشيّع العربي والتشيّع الفارسي، ونرى الآن أنّ الحلقة بدأت بالصدأ وقد تنكسر هناك إحساس عام وسط الشيعة -سواء كانوا ملتزمين دينياً أم لا - أنّ الغبن بحقّ الشيعة العرب تعاظم في العقدين الأخيرين. فإذا حاول صدام تقييد الشيعة العراقيين ومنعهم من ممارسة طقوسهم علناً، فإن التشيّع الفارسي يحاول محو تاريخ التشيّع العربي وشارك صدام ونظام البعث الشمولي بمعاداة وحتى قتل المعارضين الشيعة العراقيين. ربّما نرى من الآن فصاعداً التصادم بين مرجعيتي النجف وقمّ وبداية ضمور - ونأمل نهاية - الهيمنة الإيرانية.
  • 4تولى الشهرستاني بعدها منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة في حكومة نوري المالكي الثانية، ووزيراً للتعليم العالي والبحث العلمي في حكومة حيدر العبادي عام 2016. ظهر اسمه واضحاً وكان له علاقة مباشرة في ملفات فساد كبرى ونُشِرت التفاصيل في تحقيقات أجرتها صحيفة الـ Huffington Post بتاريخ 30 آذار 2016.