معاينة Syria

3 سيناريوهات للاقتصاد السوري أحلاها مرّ

انكمش الناتج المحلي الإجمالي في سوريا بنسبة 64% منذ بداية الحرب في العام 2011، أي أن الدخل الذي يحقّقه المقيمون في سوريا من مجمل أعمالهم لا يساوي اليوم إلا ثلث ما كان يساوي قبل 14 عاماً. ووفق تحليل أجرته لجنة الأمم المتّحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) ومؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد)، لن يعود الاقتصاد السوري إلى المستوى الذي كان عليه في العام 2010، حتى لو تحقق أكثر السيناريوهات تفاؤلاً وثقة بالمستقبل، إلا بعد 11 عاماً من الآن، أي في العام 2036. وهذا يعني في الحصيلة خسارة ربع قرن من النمو الفائت، بالإضافة إلى الخسائر البشرية الفادحة والنزوح والدمار وما نتج عن توحّش النظام والحرب والتدخلات الخارجية والعقوبات واقتصادات الحرب.

السيناريو الأكثر تفاؤلاً هو واحد من ثلاثة سيناريوهات استعرضها تقرير «سوريا عند مفترق طرق: نحو مرحلة انتقالية مستقرة»، بالاستناد إلى فرضيات تتعلق بالاقتصاد الكلّي، مثل النمو ومعدّل الفقر وحجم التجارة. وتتدرّج هذه السيناريوهات من المتفائل إلى المتشائم.

1- في سيناريو المرحلة الانتقالية المستقرّة، ينجح صنّاع القرار السياسي في سوريا في الحفاظ على الأمن بشكل سريع، من خلال منع الاقتتال الداخلي وعمليات القتل الانتقامية، وينشئون آلية عدالة انتقالية ذات مصداقية، وتتفق المجموعات المسلّحة الكبرى على مسار انتقالي موحّد نحو نظام حكم يضمن الحقوق المدنية لجميع السوريين، يتمّ فيه رفض النزعات المتطرّفة، وتتعزّز العملية الانتقالية من خلال الفصل بين السلطات، ما يُقوّي الثقة بين الشعب السوري والمانحين الدوليين، ويسهّل رفع العقوبات عن سوريا.

2- في سيناريو عدم الاستقرار طويل الأمد، يفشل صنّاع القرار السياسي في التوصل إلى توافق في الآراء بشأن المسار الانتقالي والهدف النهائي، وتؤدّي الخلافات على القضايا الحاسمة، بما في ذلك الدستور ونزع سلاح المقاتلين وتقاسم السلطة والسيطرة على الموارد الطبيعية، إلى مشاحنات سياسية مفتوحة من دون نتائج ملموسة. سيؤدّي الأمر إلى تأجيج التوترات، وستزيد أعمال العنف السياسي المتفرّقة حالة عدم الاستقرار، إلا أن الوضع سيبقى تحت السيطرة نتيجة للمفاوضات الجارية. ستجري جهود الإنعاش بشكل متقطع، وغالباً ما تكون ذات دوافع سياسية وغير فعّالة، إذ تعطي القوى الخارجية الأولوية لحلفائها المحليين على رؤية موحّدة لسوريا.

3- أما في سيناريو استمرار الحرب والتفكّك، فتنهار العملية السياسية عندما يحاول أحد صنّاع القرار السياسي أو التحالف فرض رؤيته لمستقبل سوريا على الآخرين. وسيثير الأمر مقاومة مسلّحة، ما قد يؤدّي إلى اشتباكات عنيفة. ستسعى القوى الدولية والإقليمية إلى تحقيق مصالحها، وتصبح متورّطة بعمق من خلال وكلائها، ما يؤدي إلى تفاقم الصراع. سيؤدي هذا إلى حرب مفتوحة، يصاحبها تجزئة عنيفة لسوريا، وتتفاقم الأزمات الإنسانية مع تفكّك الهياكل الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، وتتزايد التجارة غير المشروعة والتهريب، مع امتداد العواقب إلى البلدان المجاورة وأوروبا، ما يفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، ويخلق تحدّيات جديدة للأمن الدولي.

الناتج المحلي الإجمالي

في سيناريو المرحلة الانتقالية المستقرة، المتفائل للغاية، سينمو الاقتصاد السوري بوتيرة سريعة، ويتم تنفيذ إصلاحات الحكم، وتوفير المساعدات الدولية الكافية، وسيسجّل الناتج المحلي الإجمالي نمواً سنوياً بنسبة 13.36% على مدى السنوات الخمس المقبلة (2025-2030)، ومع ذلك، لن يصل الناتج في العام 2030 إلا إلى 80% من مستواه قبل الحرب، وسوف يحتاج إلى النمو بنسبة 5% سنوياً لست سنوات إضافية (2031-2036) لبلوغ الهدف. وكذلك، لن تستعيد حصة الفرد من هذا الناتج إلا 50% من مستواها قبل الحرب، وستحتاج إلى 11 سنة إضافية (2030-2041) بمعدّل نمو سنوي يبلغ 7.5%. وفي هذا السيناريو، سيبقى أكثر من ثلث السكان يعيشون على أقل من 2.15 دولار أميركي في اليوم.

نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي السنوي في سوريا

أمّا في حال تحقق سيناريو عدم الاستقرار طويل الأمد، فإن غياب خارطة طريق موحدة للانتقال والتعافي وإعادة الإعمار سيترك البلاد في حالة ضياع، وستشكل البطالة والاعتماد على المساعدات الإنسانية تحدّيين كبيرين، ما يؤدي إلى إدامة الركود الاقتصادي. بالتالي، من المتوقع أن تظل معدلات النمو السنوية أقل من 3% بين عامي 2025 و2030، وسيبقى الاستثمار في سوريا وفقاً لهذا السيناريو في حدود 3% من الناتج المحلي الإجمالي، في ظل التقدم المحدود في معالجة الأسباب الجذرية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية. وبسبب الافتقار إلى استراتيجية إعادة إعمار متماسكة، ستكون الكثير من المناطق متخلّفة ومهمّشة، ما سيخلق عدم تساوي في جني ثمار النمو الاقتصادي الضئيل أصلاً.

وسيؤدي تفاقم الصراع في سيناريو الحرب والتفكّك إلى المزيد من الانكماش، وسيكون التعافي  بعيد المنال، مع الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية وتثبيط جهود إعادة الإعمار المنسّقة، ومن المتوقع أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 19% في العام 2025 و7% في العام 2026، وسيستمر في الانكماش في العام 2030، بحسب ما تشير بيانات التقرير، مع العلم أنه قد تتوسّع هذه الخسائر إذا اشتد العنف وتوقف النشاط الاقتصادي.

الفقر

في السيناريو المتفائل، من المتوقع حدوث انخفاضات كبيرة في معدلات الفقر، نتيجة لتحسين الحكم والخدمات العامة، لكن عدد الأشخاص الذين يعيشون على أقل من 2.15 دولار في اليوم سيبقى عند نسبة 36%، مقارنة مع 50% من سكان سوريا اليوم. وفي سيناريو عدم الاستقرار الطويل الأمد، سيرتفع عدد الفقراء قليلاً، مع تراجع الاستهلاك الحقيقي للفرد، وسيشمل ثلاثة أرباع السكان بحلول العام 2030 في سيناريو الحرب والتفكك، حيث سترتفع الحاجات التمويلية لمكافحة الفقر بنحو ملياري دولار، في ظل تفكّك الهياكل الاقتصادية والاجتماعية، والإدمان على المساعدات الانسانية.

الفقر دون عتبة 2.15 دولار يومياً في سوريا في السيناريوهات الثلاثة

عائدات الحكومة

من المتوقع أن تزيد الإيرادات الحكومية في السيناريو المتفائل من 2.8% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025 إلى 3.9% في العام 2030، أي ما بين 0.8 مليار دولار و1.8 مليار دولار. وهذه ليست كافية لكي تقوم الدولة بواجباتها في الاستثمار والحماية الاجتماعية. أما في سيناريو عدم الاستقرار الطويل الأمد، من المتوقع أن تتضاعف الإيرادات الحكومية إلى 400 مليون دولار بحلول العام 2030 ولكن بوتيرة بطيئة يحدّها النمو البطيء في الناتج المحلي الإجمالي، وغياب سياسة موحّدة ينبثق عنها سياسة ضريبية كفوءة. ولن تكون الحكومة في السيناريو المتشائم قادرة على جمع سوى 1.3% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 200 مليون دولار، مع العلم أن الإنفاق العام سيبقى بحدود 1.3% من الناتج المحلي الإجمالي، أي مساوي للعائدات.

عائدات الحكومة بمليارات الدولارات

التجارة

في سيناريو المرحلة الانتقالية المستقرة، لن تتمكن الدولة من إعادة بناء نفسها في خلال السنوات الأولى من التعافي، وبالتالي فإن تدفق التحويلات المالية والمساعدات سيمول استيراد السلع والخدمات الضرورية.  علاوة على ذلك، فإن رفع العقوبات من شأنه أن يجعل التجارة أرخص، ويحرّر الطلب المكبوت منذ فترة طويلة على السلع الأجنبية التي لم تكن متاحة سابقاً. من جهة أخرى، قد تستغرق قدرة سوريا على تصدير السلع بعض الوقت للتعافي، وعلى المدى القصير والمتوسط، وستكون الصادرات مدفوعة بعودة الصادرات الرسمية من الهيدروكربونات. أما على المدى الطويل، فستؤدي عودة القدرة التنافسية إلى انتعاش هيكل الصادرات المتنوّع. وبما أن هذه العمليات تستغرق وقتاً طويلاً، فإن ارتفاع الصادرات سيكون تدريجياً، وبالتالي فإن الميزان التجاري سيبقى سلبياً بشكل ملحوظ في خلال فترة التحليل.

الصادرات والواردات بمليارات الدولارات

لن تتغير أحجام الواردات والصادرات في سيناريو عدم الاستقرار إلا بشكل هامشي، وستبقى التجارة الإقليمية محدودة، ما يقلّل من الفرص الاقتصادية لجميع البلدان المجاورة، وستبقى مشاركة دول الخليج في حدها الأدنى، مع حجب الاستثمارات بسبب عدم الاستقرار.

أما في سيناريو الحرب والتفكك، سوف تتدهور أحجام الواردات والصادرات بشكل أكبر في العام 2025 قبل أن تبدأ في التعافي تدريجياً، حيث يعتاد الشركاء التجاريون والشركات على حقائق الصراع المستمر. في هذا السيناريو، سيزداد عدد سكان البلاد بعد انخفاض كبير أولي، وستكون الواردات ضرورية لتلبية الاحتياجات المتزايدة. مع ذلك، حتى بحلول العام 2030، ستظل الواردات والصادرات أقل بكثير من قيمها في العام 2024، بفارق يبلغ حوالي 4% و30% على التوالي.

حجم السكان

ستكون عودة اللاجئين تدريجية، وسيتجاوز عدد السكان  في العام 2030 في السيناريو المتفائل عددهم في سيناريو عدم الاستقرار بنحو 6 ملايين شخص. في المقابل، سيؤدي سيناريو الحرب والتفكك إلى نزوح أعداد كبيرة من السكان، وسيقل عدد السكان نحو 6 ملايين عما سيكون عليه في سيناريو عدم الاستقرار، وحتى في السيناريو الأسوأ، سيزداد عدد السكان بسبب ارتفاع معدل الخصوبة.

عدد السكان في سوريا بالآلاف