
هل تمتلك سوريا القدرة على زيادة إنتاج النفط والغاز؟
قبل اندلاع الحرب الأهلية في العام 2011، كانت احتياطيات سوريا من النفط والغاز الطبيعي كافية لتأمين حاجاتها المحلّية من إمدادات الطاقة. انضوت سوريا ضمن نادي الدول المُصدّرة للنفط في العقود التي سبقت الحرب الأهلية ووفّرت مبيعات النفط والغاز نحو 20% من إيراداتها العامّة. شهد هذا القطاع تطوّراً لافتاً في تلك الفترة، وتمكّنت الحكومة السورية من رفع إنتاجها من الغاز الطبيعي عشية الحرب قبل أن تخسر هذه الزيادة المُحقّقة نتيجة العنف.
حالياً، تقع معظم حقول النفط والغاز الطبيعي السورية في الجزء الشرقي من البلاد، أي في المناطق التي تخضع لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية المدعومة من القوات الأميركية. وتعتبر السيطرة على هذه الحقول عاملاً رئيساً في جهود النظام الجديد لفرض سلطته الكاملة على سوريا، ورفد نفسه بموارد حيوية يحتاجها لتعزيز سلطته وزيادة نفوذه من خلال تأمين الاستقرار المجتمعي والاقتصادي. إن سعي الحكومة المركزية الجديدة إلى السيطرة على هذه الحقول قد يؤدّي إلى صراع بينها وبين وحدات حماية الشعب الكردي، فضلاً عن خلافات بين تركيا والولايات المتّحدة.
لا تقتصر التحدّيات على هذه الصراعات المُحتملة، بل تفرض طموحات القوى الإقليمية الأخرى تحدّيات إضافية بحسب تحليل أعدّه المجلس الأطلسي عن «قطاع الطاقة في سوريا وأثره على الاستقرار والتطورات الإقليمية». والواقع أن كلّاً من قطر والسعودية تسعى إلى زيادة حضورها في سوريا من خلال قطاع الطاقة، وقد تعهّدت الدولتان الخليجيتان بتزويد البلاد بكمّيات الوقود التي قُطِعت عنها بعد توقف إيران عن إمدادها بها بعد سقوط نظام الأسد. أيضاً، تتمتّع الشركات التركية بخبرة تمكّنها من تأدية دور قيادي في استكشاف وإنتاج النفط والغاز في سوريا وفي قطاع الكهرباء. كما من المرجّح أن تؤدّي أذربيجان دوراً في تطوير قطاع الطاقة السوري، وبالفعل أرسلت أذربيجان مساعدات كبيرة من الوقود إلى سوريا بعد سقوط الأسد، ونظراً لتحالفها الوثيق مع تركيا، فمن المرجح أن تعمل أذربيجان مع الحكومة التركية وشركات الطاقة التركية في توفير الطاقة وتطويرها في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، يقدّر المجلس الأطلسي أن تتمتع الشركات الأجنبية مثل توتال وشل، التي عملت في سوريا قبل الحرب الأهلية، بميزة في من أجل التنقيب عن النفط والغاز والإنتاج في سوريا.
واقع الموارد والبنية التحتية السورية
النفط: في العام 2015، قدّرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية امتلاك سوريا نحو 2.5 مليار برميل من احتياطيات النفط المؤكدة. وفي العام 2010، أنتجت سوريا 383 ألف برميل من النفط يومياً. تتراوح تقديرات إنتاج سوريا من النفط عشية الإطاحة ببشار الأسد بين 40 ألف و80 ألف برميل يومياً. وحتى رحيل الأسد، كانت إيران تزوّد سوريا بالجزء الأكبر من إمداداتها النفطية مجاناً، بما يصل إلى 100 ألف برميل يومياً، لكن منذ 9 كانون الأول/ديسمبر 2024، توقّفت إيران عن توريد النفط إلى سوريا وأبلغت النظام الجديد في سوريا أنه مدين لها بمبلغ يتراوح بين 30 مليار و50 مليار دولار في مقابل إمدادات الوقود والمساعدات التي قدّمتها إيران للبلاد في خلال فترة الأسد. إلا أن الحكومة السورية الجديدة لا تنوي سداد ديون عهد الأسد، وردت بأن إيران مدينة لسوريا بمبلغ 300 مليار دولار مقابل الأضرار التي ألحقتها قواتها هناك.
مصافي النفط: تمتلك سوريا مصفاتين للنفط تقعان في حمص وبانياس وكلاهما مملوكتين للدولة. قبل الحرب، كانت سعة هذه المصافي تلبي الطلب السوري على المنتجات المكرّرة، ولكن هذه المصافي عانت من أضرار جسيمة في خلال الحرب الأهلية.
الغاز الطبيعي: في العام 2015، قدّرت وكالة الطاقة الدولية احتياطيات الغاز الطبيعي في سوريا بنحو 240 مليار متر مكعب. ووفقاً لشركة BP البريطانية، أنتجت سوريا 8.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي في العام 2011، ثم انخفض إلى 3 مليارات متر مكعب سنوياً حتى سقوط نظام الأسد في العام 2024. ووفقاً لتقديرات وكالة الطاقة الدولية، قدّم الغاز الطبيعي ربع إمدادات الكهرباء في سوريا في العام 2022. لم تستكشف سوريا النفط والغاز الطبيعي في منطقتها البحرية الاقتصادية الخالصة، على الرغم من أن الاستعدادات القانونية لبدء الاستكشاف كانت جارية قبل الحرب، وشاركت فيها شركات كندية وبريطانية وصينية وروسية. ومثل جيرانها في شرق البحر الأبيض المتوسط، من المرجح أن تباشر سوريا بذلك الآن.
الكهرباء: يعد توفير الكهرباء أحد أهم مهام الحكومة السورية الجديدة لتثبيت حكمها وتحقيق الاستقرار. وقد أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن هدف توفير 8 ساعات يومياً من الكهرباء بحلول أواخر شباط/فبراير الحالي. تعهّدت أنقرة بدعم سوريا من خلال استعادة إمدادات الكهرباء ولا سيما في المناطق التي تمتلك نفوذاً فيها، وحالياً تتلقّى منطقة إدلب الطاقة من تركيا، كما تعمل أنقرة على إصلاح بعض محطات الطاقة في سوريا. أيضاً التزمت تركيا وقطر بإرسال سفن عائمة لإنتاج الطاقة إلى سوريا. قبل اندلاع الحرب الأهلية، كانت سوريا تولد ما يقرب من 29.5 مليار كيلووات ساعة من الكهرباء سنوياً، في حين وصل استهلاكها إلى 25.7 مليار كيلووات، وكان الجزء الأكبر من الطاقة يؤمن من محطات الطاقة الحرارية التي تعمل بالنفط والغاز الطبيعي.
فرص ضائعة وتطلّعات إلى المستقبل
اندلعت الحرب الأهلية في الوقت الذي أصبح فيه استهلاك سوريا المٍتزايد من النفط مساوياً لإنتاجها المتناقص. وبالتالي، كان لدى النظام السابق وسائل مالية متضائلة للحفاظ على سلطته وتوفير السلع العامة، واستقطاب الدعم، ودفع رواتب الأجهزة الأمنية. شكّل انخفاض الإيرادات من مبيعات النفط عاملاً رئيساً في عجز النظام عن التعامل مع الاضطرابات الشعبية، ما دفعه إلى الاعتماد على إيران وروسيا. في خلال الربيع العربي، نجت البلدان العربية الغنية بالنفط والغاز من التحدّي بفضل الدعم الذي قدّمته الحكومات لشعوبها على الطاقة والسلع الأخرى. في المقابل، لم تتمكّن دول مثل مصر التي تحوّلت من مصدر للطاقة إلى مستورد للطاقة، وسوريا التي تعاني من انخفاض معدلات إنتاج النفط، من التخفيف من آثار ارتفاع تكاليف الوقود والأغذية من خلال زيادة الدعم لأنها لم تعد لديها عائدات كبيرة من صادرات الطاقة.
حالياً، تتمتع سوريا بإمكانات كبيرة لزيادة أحجام النفط والغاز الطبيعي. وبحسب تحليل المجلس الأطلسي هناك الكثير من التطورات الماثلة:
أولاً، من المرجح أن تقود تركيا إعادة إعمار سوريا، وخصوصاً في مجال الطاقة، إذ تخطّط أنقرة للمساعدة في تطوير موارد النفط والغاز الطبيعي في سوريا واستخدام صادرات الطاقة لتمويل إعادة الإعمار. عدا أن تحسين إمدادات الكهرباء في سوريا قد يفيد لبنان الذي يعاني أيضاً من نقص إمدادات الطاقة. ويقول وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي ألب أرسلان بيرقدار إن تركيا قادرة على إرسال الكهرباء إلى لبنان أيضاً عبر سوريا، أو توريد إمدادات الغاز الطبيعي المستقبلية من سوريا أو التي تمر عبر سوريا إلى لبنان، ما قد يحسن بشكل كبير من آفاق لبنان الاقتصادية.
ثانياً، من المرجح أن تتغير خريطة السيطرة على حقول النفط والغاز ومحطّات الطاقة في سوريا. إن وضع حقول النفط والغاز مُتشابك، ومن المرجح أن يتغير الخلاف بين النظام الجديد في سوريا وتركيا والولايات المتّحدة بشأن وضع القوى المسلحة الكردية في سوريا مع انتهاء ولاية جو بايدن. ومن المرجح أن تسحب إدارة دونالد ترامب القوات الأميركية، ولو بعد أشهر عدة من دخوله إلى البيت الأبيض.
ثالثاً، من المرجح أن يتم دمج سوريا في تجارة الغاز الإقليمية، وهناك سوابق على ذلك. بين عامي 2021 و2022، قاد المنسّق الخاص للبنية التحتية العالمية وأمن الطاقة لدى الرئاسة الأميركية، آموس هوكستين. الجهود الرامية إلى تصدير الغاز الإسرائيلي من مصر عبر الأردن إلى كل من لبنان وسوريا على طول خط أنابيب الغاز العربي الذي لا يتطلّب تفعليه الكثير من الاستثمارات. وبالفعل وقع كلّ من لبنان وسوريا على اتفاقيات استيراد الغاز مع مصر، وفي الوقت نفسه، وافقت مصر على استيراد كميات إضافية من الغاز الإسرائيلي عبر الأردن لتمكين الصادرات المصرية إلى سوريا ولبنان. وكان جميع المشاركين في الخطة على دراية بحقيقة مفادها أن مصر سوف تزوّد سوريا ولبنان بالغاز الإسرائيلي.
رابعاً، إن تمويل مشاريع الطاقة في سوريا سوف يتطلب إزالة أو تقليص العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا على سوريا في عهد الأسد، كما يتطلّب إعفاءً من القيود التي يفرضها البنك الدولي ومجموعة الدول السبع على تمويل مشاريع الوقود الأحفوري. وقد أعلنت الولايات المتحدة بالفعل عن تعليق عقوباتها لمدة ستة أشهر لتسهيل الإمدادات الإنسانية إلى سوريا، بما في ذلك الوقود. ومن المرجح أن تتجه إدارة ترامب إلى إزالة العقوبات المفروضة على سوريا، ولو بقرارات رئاسية في حال تعذّر الأمر عبر الكونغرس. كما يرجح أن تنصح إدارة ترامب البنك الدولي بإزالة القيود أيضاً.
المصدر: المجلس الأطلسي، «قطاع الطاقة في سوريا وأثره على الاستقرار والتطورات الإقليمية»، كانون الثاني/يناير 2025.