معاينة syria oil & gas

خارطة السيطرة على حقول النفط في سوريا

هناك الكثير من الآمال الموضوعة في قطاع النفط والغاز للمشاركة في إعادة بناء الاقتصاد السوري. إلا أن واقع الحال يشير إلى تحدّيات كبيرة تواجه هذا القطاع في ظل تشتّت السيطرة على الحقول والمحطّات، التي يقع معظمها في مناطق نفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً، بالإضافة إلى العقوبات الدولية المفروضة على الشركات العاملة في هذا القطاع، فضلاً عن الدمار الكبير الذي تسبّبت به الحرب على مدى 14 سنة متواصلة، وكذلك حاجة قطاع النفط والغاز السوري نفسه إلى إعادة بناء لكي يكون له دور في تمويل إعادة الإعمار المنشودة.

البنية التحتية للنفط والغاز في سوريا

دور قطاع النفط والغاز في الاقتصاد السوري

لم تكن سوريا يوماً من كبار منتجي أو مُصدّري النفط والغاز. بلغ الإنتاج نحو 600 ألف برميل يومياً في العام 1995، قبل أن يدخل في مسار انحداري، ويلامس مع اندلاع الحرب السورية في العام 2011 مستوى 380 ألف برميل يومياً. في تلك الفترة، شكّل النفط نحو 35% من عائدات الصادرات ونحو 20% من إيرادات الدولة السورية. أمّا اليوم، فلا يتجاوز الإنتاج 80 ألفاً إلى 100 ألف برميل يومياً، علماً أن 75% منه لا يخضع لسيطرة الإدارة السياسية الحالية بل لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية»، وهو إرث مستمرّ من حقبة النظام السابق، الذي كان يحصل على نحو 15 ألف برميل من النفط من خارج مناطق سيطرته عبر وسطاء وبطرق غير مباشرة ومعقّدة.

تسبّبت الحرب السورية بتدمير الكثير من المنشآت النفطيّة الأساسية، بما في ذلك خطوط الأنابيب، وأعادت خلط أوراق السيطرة على ثروة النفط السورية التي تقع في شمال شرق للبلاد. وهو بذاته إرثاً ثقيلاً لأي سلطة سياسية مستقبلية.

منذ العام 2017، سيطرت قوات سوريا الديمقراطية «قسد»، وهي تحالف من الميليشيات الكردية والعربية المدعومة من الولايات المتّحدة الأميركية، على أهم المناطق النفطية في محافظات الرقة والحسكة (شمال شرق سوريا) ودير الزور (شرقاً على الحدود السورية العراقية)، حيث يتواجد أكبر حقول النفط، وبالتالي، أصبح النفط يُنقل إلى إقليم كردستان في العراق للبيع أو التكرير، ولا سيما من حقلي «السويدية» و«رميلان» في الحسكة، وحقل غاز «الطابية» (الذي طوّرته شركة Total Energies قبل الحرب) بالقرب من منشأة كونوكو التي بنتها شركة Conocophillips في السبعينيات، بالإضافة إلى حقل «العمر» في دير الزور الذي كان مركز ثقل شركتي Shell وTotal Energies قبل العام 2011.

أدارت هذه الحقول شركتا الفرات للبترول (AFPC) وشركة دير الزور للبترول (DZPC). كانت الأولى تُنتج حوالي 90 ألف برميل يومياً قبل الحرب (انخفض اليوم إلى حوالي النصف أي 45 إلى 50 ألف برميل)، في حين تُنتج الثانية حوالي 20 ألف برميل يومياً (ووصلت قدراتها الإنتاجية اليوم الى حوالي 50 ألف برميل يومياً).

تمتلك الدولة السورية مصفاتيْ تكرير في بانياس وحمص، وكانتا تكفيان لتلبية الطلب المحلي من المشتقّات. في ظل الحرب وتدهور الإنتاج النفطي، تم اعتماد المصفاة الأولى لاستقبال النفط الإيراني وتكريره. تتمتّع هذه المصفاة بقدرة قصوى تقارب 120 ألف برميل من المشتقات يومياً، إلا أنها كانت تعمل بأقل من هذه القدرة. وتبلغ قدرة مصفاة حمص بنحو 110 آلاف برميل في اليوم، وهي تعمل منذ العام 2017 بنحو 30% من قدرتها أيضاً. تعرّضت المصفاتان لأضرار جسيمة أثناء الحرب، ومع سقوط نظام الأسد وتوقف الإمدادات الإيرانية، تعطّل العمل في مصفاة بانياس قبل أن يُعاد تشغيلها مؤخّراً.

أمّا انتاج الغاز الطبيعي فقد انخفض من نحو 8.4 مليار متر مكعب سنوياً قبل الحرب إلى نحو 3 مليارات متر مكعب في العام 2024، وتم استخدامه لإنتاج الكهرباء. وأبرز الحقول هو حقل «أيبلا» المشغّل من قبل شركة سنكور الكنديّة قبل أن تغادره في العام 2011.

تبدو ملامح الصراع المستقبلي على الثروة النفطية في سوريا واضحة منذ الآن، ولا سيما في مجال العلاقات النفطيّة بين «قسد» والإدارة الانتقالية الجديدة. ففي حين تشجّع واشنطن (التي تبرّر تدخلها العسكري في سوريا لمنع وقوع الحقول النفطية في أيدي فلول داعش) على التوصّل إلى اتفاق بشأن حقول النفط بين «قسد» و«هيئة تحرير الشام»، من المحتمل أن يشكّل هذا الموضوع قضية خلافية بين واشنطن وأنقرة، التي تشدّد على ضرورة إضعاف نفوذ الأكراد. من هنا، تشكّل السيطرة على هذه الحقول عاملاً أساسيّاً لتثبيت سلطة النظام الجديد الكاملة في سوريا ودرّ المليارات اليه، مع العلم أن إصلاح البنية التحتية المحطّمة سيكون صعباً ومكلفاً بغياب التمويل.

من النفوذ الإيراني إلى التركي

في العقد الماضي، شكّلت إيران المصدر الرئيسي لشحنات النفط لنظام الأسد منذ بداية الحرب في العام 2011، إذ بلغ حجم صادرات النفط الخام الإيرانيّة حوالي 100 ألف برميل يومياً إلى موانئ طرطوس وبانياس، وأصبحت سوريا أكبر مستهلكٍ لنفط إيران. في حين بلغت قيمة هذه الشّحنات حوالي مليار دولار سنوياً، وهي أموال لن تتمكّن إيران من استردادها كما أن سوريا ليست في وضعية مالية تسمح بدفعها في المدى المنظور (قدر مجموع الدّيون الإيرانية لسوريا بنحو 30 مليار دولار). وبحسب بيانات شركة كبلر، صدّرت إيران حوالي 80 ألف برميل يومياً إلى سوريا في العام 2023، ثمّ انخفض إلى متوسّط 56 ألف برميل يومياً في العام 2024.

بعد فرار الأسد، انتقل إمداد المشتقات النّفطيّة إلى الحضن التركي، بالإضافة إلى تزايد عمليات التوريد بالشاحنات عبر الحدود اللبنانية. لا يزال معبر باب الهوى بين تركيا وسوريا يُعتبر من أبرز ممرّات الشحنات التركيّة إلى محطات الطاقة شمال حلب. هذا وقد أعلنت تركيا آواخر العام الماضي نيّتها مساعدة سوريا في زيادة إنتاجها من النّفط والغاز وتأمين حاجة سوريا من الكهرباء من ضمن ورشة إعادة الإعمار ومن أجل خلق ممرّ ترانزيت آمن نحو أوروبا، وترسيم الحدود البحرية العالقة ما قد يثير ريبة قبرص واليونان. وقد تبع ذلك إعلان شركة سوكار الأذريّة استعدادها لإمداد سوريا بحاجاتها الطاقوية، في حين يتم التعويل على دعم خليجي (وتحديداً من السعودية) لمجابهة التمدد التركي من خلال قطاع النفط.

ضغوط العقوبات الدولية

في الواقع، لا يمكن الحديث عن تمويل مشاريع الطاقة في سوريا من دون التطرق إلى رزمة العقوبات المفروضة عليها، إذ ترزح هذه الأخيرة تحت وطأة عقوبات دولية، أميركية وبريطانية وأوروبية، فُرضت على نظام الأسد في خلال العقد الماضي، بما في ذلك شركات النفط والمنشآت والآليات المرتبطة بها. وبالتالي، لا يوجد تصوّر لكيفية إعادة بناء قطاع النفط والغاز في سوريا من دون رفع هذه العقوبات أو التخفيف منها بما يتيح عودة الشركات الغربية للعمل في سوريا. فقبل الحرب، كانت شركات نفط عالمية عدة متواجدة في سوريا، مثل Suncor الكندية، وGulfSands وShell البريطانيتين وSinochem الصينية، بالإضافة إلى Total Energies الفرنسية. وتحظّر العقوبات استيراد النفط الخام ومنتجات البترول إلى سوريا، فضلاً عن تصدير نفطها إلى أماكن مثل الولايات المتحدة، وتقييد الاستثمار في صناعة النفط في البلاد.

في حين تراقب واشنطن عن كثب وبهدوء ظهور مصادر بديلة لإمدادات النفط الإيرانية للحكومة السورية الانتقالية الجديدة، أعلنت ادارة بايدن الراحلة عن إعفاء من بعض العقوبات لمدة ستة أشهر لتسهيل الإمدادات الإنسانية إلى سوريا، بما في ذلك الوقود. إلا أن تزايد نفوذ هيئة تحرير الشام والتنظيمات الإسلامية الأخرى، التي تصنّفها واشنطن إرهابيّة، يشكّل قنبلة سياسية في الولايات المتحدّة لا يرغب دونالد ترامب بانفجارها في داخل البيت الأبيض، على الرغم من عدم معارضته لإزالة العقوبات، ولكنه يفضّل مقاربة حذرة تجاه سوريا، ناهيك أن رفع العقوبات يحتاج إلى موافقة الكونغرس الأميركي أيضاً. لذلك، يشكّل أداء «هيئة تحرير الشام» والحكومة المنبثقة عنها، كما العلاقة مع تركيا، ركيزة أساسية للغرب للتعاطي مع موضوع العقوبات.

يبقى مستقبل النفط والغاز في سوريا غامضاً إلى حد كبير، فمن جهة، تهدّد العقوبات قدرة البلاد على تلبية احتياجاتها من الطاقة، وزيادة إنتاجها من النفط والغاز، في حين لا يزال أفق إعادة السيطرة على الحقول في الشمال الشرقي الغني بالنفط والصراع مع الأكراد غير معلوم من جهة أخرى.