«ثاد» الأميركي لسدّ الفراغات الدفاعية الإسرائيلية
مع تصعيد الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة والضفّة الغربية ولبنان، يتزايد الدعم العسكري الأميركي المفتوح لدولة الاحتلال، وصولاً إلى الانخراط المباشر في الأعمال الحربية. فقد أعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، أمس الأحد، نشر نظام الدفاع ضدّ أهداف على ارتفاعات عالية، المعروف بـ «ثاد - THAAD»، وهو نظام للدفاع الجوي قادر على اعتراض الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسّطة المدى داخل الغلاف الجوي وخارجه. وبذلك ينضمّ «ثاد» إلى نظام الدفاع الإسرائيلي المتعدّد الطبقات.
أعلن البنتاغون في بيان أن نشر هذا النظام الدفاعي في إسرائيل جاء بناءً على توجيهات الرئيس جو بايدن بعد الهجمات الإيرانية على إسرائيل في 13 نيسان/أبريل الماضي، وفي 1 تشرين أول/أكتوبر الحالي، وسوف ترافق النظام مجموعة من 100 عسكري أميركي للعمل عليه وتشغيله.
وهذه هي المرّة الأولى التي تستقبل فيها دولة الاحتلال نظام «ثاد» كجزء فعلي من نظامها للدفاع الجوّي والصاروخي، إلا أن تكنولوجيا الإنذار المُبكر التي يعمل بها النظام موجودة لدى إسرائيل منذ عقد كامل. في العام 2019، استقبلت إسرائيل هذا النظام في قاعدة نيفاتيم الجوّية - التي كان لها النصيب الأكبر من الضربات الإيرانية الأخيرة - للمشاركة في تدريب عسكري أميركي إسرائيلي مُشترك استمرّ لأربعة أسابيع، ثم سُحب النظام إلى موقع غير معلوم في صحراء النقب.
ومع نشرها في إسرائيل، يكون هذا النظام الثاني الذي تنشره الولايات المتّحدة في المنطقة منذ بدء عملية «طوفان الأقصى»، إذ سبق أن نشرت النظام نفسه في أحد قواعدها في السعودية، بالإضافة إلى نشر نظام باتريوت في كلّ من الكويت والأردن والعراق والإمارات وقطر، بهدف حماية إسرائيل من الضربات الإيرانية، وفق ما أوضحت المصادر الأميركية في حينها.
ما هو ثاد؟
في العام 1991، وكأحد ردود الأفعال على صواريخ سكود العراقية في حرب الخليج، قرّرت الإدارة الأميركية إطلاق برنامج عسكري لتطوير نظام الدفاع الجوي. وكلّفت الولايات المتّحدة شركة «لوكهيد مارتن» بالعمل عليه بدءاً من العام 1992. وبحلول العام 2006، انتهت شركة الأسلحة الأميركية من تطوير واختبار النظام القادر على إسقاط الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسّطة المدى، ضمن دائرة بنطاق 200 كيلومتر، وعلى ارتفاع يصل إلى 150 كيلومتر، خارج الغلاف الجوي.
وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، لا تحتوي صواريخ «ثاد» الاعتراضية على رؤوس حربية مُتفجرة، لكنها تتحرّك بسرعة تبلغ 8 أضعاف سرعة الصوت، وتضرب الصواريخ الباليستية الآتية بقوة كافية لإحداث انفجار.
ويشمل نظام «ثاد» 5 مكوّنات أساسية هي رادار كشف وتتبّع، وقاذف صاروخي متحرّك على عربة عرضها 3.2 متر وطولها 12 متراً يحمل من 6 إلى 8 صواريخ، ونظام اعتراض، ومركز متحرّك للقيادة والسيطرة والأجهزة الاعتراضية، ومركز للدعم.
ومن المفترض أن يوفّر هذا النظام مساراً واضحاً للعمل، تبدأ بإطلاق الخصم صاروخاً باليستياً، تكتشفه رادارات «ثاد»، فتنقل المعلومات إلى مركز القيادة والسيطرة، الذي يعطي الأوامر بإطلاق صاروخ اعتراضي، يفترض أن يصيب الصاروخ الباليستي المستهدف في المرحلة الأخيرة قبل وصوله الهدف، ما يوفّر الوقت لدراسة مدى خطورة الاستهداف، وإذا ما كان سيصيب هدفه أو سيسقط في أرض مفتوحة.
خريطة الانتشار
بوصفه برنامجاً عسكرياً أميركياً، ينتشر «ثاد» في قواعد عدّة داخل الولايات المتّحدة، ويرافق القوات الأميركية التي تعمل ضمن قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ولاسيما في قاعدة بحرية رومانية وقاعدة كورجين التركية، اللتين تعمل فيهما القوات الأميركية بصفة حصرية، كما ينتشر في كوريا الجنوبية واليابان.
وفي المنطقة العربية، عقدت السعودية في العام 2017 صفقة مع الولايات المتّحدة بقيمة 15 مليار دولار لشراء 44 منصّة إطلاق «ثاد» مع صواريخ أخرى. وكانت الإمارات العربية المتّحدة الدولة العربية الأولى التي تشتري النظام في العام 2008، لتعود وتتعاقد في العام 2011 على نظامين إضافيين بقيمة ملياري دولار تقريباً.
وفي كانون الثاني/يناير 2022، استخدمت الإمارات نظام «ثاد» لصدّ صاروخ باليستي إيراني من نوع «ذو الفقار»، أطلِق من اليمن مستهدفاً منشآت نفطية في دبي، قريبة من قاعدة الظفرة الجوّية التي تضمّ قوات عسكرية أميركية وفرنسية.
سدّ فجوات الدفاع الإسرائيلية
ينضمّ هذا النظام الأخير إلى مسلسل طويل من الدعم العسكري الأميركي لدولة الاحتلال، والذي قدّرته دراسة حديثة صادرة عن مشروع «كلفة الحروب» التابع لمعهد واتسون في جامعة براون، بما لا يقل عن 17.9 مليار دولار لتنفيذ عملياتها العسكرية في غزّة ولبنان وأماكن أخرى في الشرق الأوسط منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2024. وانقسم ذلك الدعم بين المساعدات الأميركية العسكرية السنوية لإسرائيل وتبلغ نحو 3.8 مليار دولار، وبين مساعدات طارئة أقرّها الكونغرس واعتمدها الرئيس جو بايدن وتقدّر بـ 14.1 مليار دولار. بالإضافة إلى تكاليف إضافية تتكبّدها الولايات المتحدة بالنيابة عن إسرائيل، ولا سيما ضدّ حركة «أنصار الله» في اليمن، ولكنها لا تحتسبها ضمن هذه الكلفة، ويقدّرها المشروع بما لا يقلّ عن 5 مليارات دولار.
يترقّى الدعم الأميركي المفتوح لإسرائيل من التمويل إلى الانخراط المباشر في الحرب، عبر إرسال مجموعة أميركية مكوّنة من 100 جندي، للعمل على النظام وسدّ ثغرات النظام الدفاعي الإسرائيلي. بالإضافة إلى تأمين دائرة بنطاق 200 كيلومتر، وبافتراض وضع النظام في قاعدة نيفاتيم مرّة أخرى، سوف يغطي النظام كامل الحدود الغربية مع مصر (تبعد عن نيفاتيم حوالي 70 كيلومتراً)، والحدود الجنوبية حتى إيلات (185 كيلومتراً عن نيفاتيم)، وتصل إلى نهاريا وصفد في الشمال، لتبقى المناطق الملاصقة للحدود اللبنانية ومناطق إصبع الجليل والجولان خارج نطاق التغطية فقط.
يتكوّن النظام الدفاعي الإسرائيلي مما يبدو وكأنه نظام مُتكامل، غير أن النظام الجديد يغطّي فجوات القبّة الحديدية المُخصّصة لصدّ هجمات المسيّرات والصواريخ قصيرة المدى، ومقلاع داود القادر على ضرب الصواريخ المتوسّطة والطويلة المدى والصواريخ الباليستية وصواريخ كروز والذي يعمل على ارتفاع لا يتجاوز 15 كيلومتراً، فضلاً عن نظام السهم المُخصّص للصواريخ قبل دخولها إلى الغلاف الجوي، لكنها تحتاج لوقت طويل في التركيب والنقل.
إلى ذلك، يعتبر دعم الولايات المّتحدة العسكري حاضراً في كلّ الإمكانات الدفاعية الإسرائيلية. بين عامي 2011 و2021 قدّمت الولايات المتحدة تمويلاً لإنتاج القبّة الحديدية يقدّر بنحو 1.6 مليار دولار، ثم عاد الكونغرس ووافق على تخصيص مليار دولار إضافية لتمويل تزويد القبّة الحديدية بالصواريخ. وشاركت الولايات المتحدة في تصنيع نظام مقلاع داود من خلال شركة «رايثيون» للصواريخ والدفاع، وعبر وكالة الدفاع الصاروخي الأميركية، التي ساهمت في تجارب تطوير صواريخ النظام في العام 2012.
وعلى عكس النظامين السابقين، اللذان بدأ العمل عليهما عقب حرب تموز/يوليو 2006 بين لبنان ودولة الاحتلال، يعود تاريخ العمل على النظام الثالث، السهم (Arrow)، إلى العام 1985 حين بادرت الولايات المتّحدة لإشراك إسرائيل في مشروع «حرب النجوم»، وتم تطوير النظام بمساهمة أميركية غطت 80% من تكاليف إنشائه وتطويره. وجرى العمل على آخر نسخه، آرو- 3، كلّ من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية بالتعاون مع شركة «بوينغ» الأميركية لصناعة الطائرات.
وفي الضربة الإيرانية الأخيرة، ادعت إسرائيل أن «السهم» لعب دوراً فعّالاً في التصدّي للصواريخ الإيرانية واليمنية.
أهداف إيرانية - يمنية
لا تشي المواصفات التقنية للنظام الجديد إلّا بصدّ الصواريخ الباليستية والمُجنّحة المنطلقة بشكل أساسي من إيران، وبدرجة أقل من اليمن.
ولدى إيران عدد من الصواريخ الباليستية متوسّطة المدى والقادرة على الوصول حتى الأراضي الفلسطينية المحتلّة. ومن بين تلك الصواريخ صاروخ «شهاب 3» بمدى يتعدّى 2,000 كيلومتر، ويحمل رأساً حربية تتراوح زنتها بين 800 و1,200 كيلوغرام، فضلاً عن صاروخ «الحاج قاسم» بمدى يصل إلى 1,400 كيلومتر ويحمل رؤوساً حربية تزن نصف طن.
كذلك، تمتلك إيران عدداً من صواريخ أرض-أرض بعيدة المدى، مثل «عماد» بمدى يصل إلى 1,700 كيلومتر وبرأس حربية تزن 750 كيلوغرام، كذلك صاروخ «قدر» بمدى يبلغ 1,800 كيلومتر وبرأس حربية تزن 640 كيلوغرام، وصاروخ «سجيل» بمدى يتراوح بين 2,000 و2,500 كيلومتر وبرأس حربية تزن 650 كيلومتر. وصاروخ «خرمشهر» بمدى يتعدّى 2,000 كيلومتر وبرأس تزن 750 كيلومتر. وأخيراً لديها صواريخ «كروز كيه إتش-55»، التي تطلق من الجو وقادرة على حمل رؤوس نووية، ويبلغ مداها 3,000 كيلومتر.