
الهجوم الإسرائيلي على إيران:
ماذا لو تعطّلت إمدادات النفط في الشرق الأوسط؟
في ظل تنامي الحديث عن استعدادات إسرائيل لشنّ هجوم على إيران عقب الهجوم الإيراني غير المسبوق عليها في الأسبوع الماضي، برز تركيز على وجود نية لضرب منشآت إنتاج وتكرير النفط في إيران بهدف وقف مصادر تمويل الاقتصاد فيها. وهدّدت إيران، من جهتها، بلسان نائب قائد الحرس الثوري علي فدوي، باستهداف منشآت الطاقة والغاز الإسرائيلية إذا هاجمت إسرائيل منشآتها.
هذه التهديدات المتبادلة، في ظل احتمالات اندلاع حرب إقليمية، دفعت بعض التحليلات إلى تجاوز طابعها المحافظ وتوقّع سيناريو تنقطع فيه إمدادات النفط من الشرق الأوسط برمّته. علماً أنها ليست المرّة الأولى التي تُستهدف فيها منشآت نفطية في هذه المنطقة في خضمّ الصراعات الإقليمية، إذ تمّ رصد أكثر من 200 هجوم منذ العام 2017 استهدفت البنية التحتية بما في ذلك حقول النفط وخطوط الأنابيب ومرافق المعالجة والتكرير ومحطات التخزين والناقلات. وبالتالي، توجد حالة ضياع لدى المحلّلين، فقد لا يحصل شيئاً حتى ولو ضربت إسرائيل منشآت نفطية إيرانية، وقد تنزلق الأمور إلى حرب لأي سبب آخر، وليس فقط بسبب استهداف المنشآت النووية والنفطية.
موقع نفط الشرق الأوسط في السوق العالمية
وقف إمدادات النفط من الشرق الأوسط لم يعد ينطوي على الآثار نفسها التي نتجت من قرار وقف تصدير النفط إلى الدول الداعمة لإسرائيل في العام 1973، إلّا أن إنتاج النفط وتجارته وتكريره في هذه البقعة من العالم لا يزال مهمّاً لأسواق النفط العالمية، إذ تستحوذ المنطقة على نحو ثلث العرض العالمي من النفط كما تضمّ ثلاث ممرّات عبور بحريّة مهمّة لشحنات النفط إلى العالم، استُخدم بعضٌ منها منذ اندلاع الحرب على غزّة لتعطيل حركة التّجارة عبر البحر الأحمر وقناة السّويس، في حين قد يُستخدم مضيق هرمز في أي صراع مستقبلي. فما تأثير حرب المضائق على دول المنطقة وعلى الأسعار العالميّة؟ ومن هي الدّول الأكثر تضرّراً؟
تثير المخاطر المتصاعدة القلق لدى دول المنطقة، وتحديداً دول الخليج العربي المنتجة للنفط نتيجة قربها وتداخل مياهها مع إيران. فمعظم هذه الدول منضوية في منظّمة أوبك، وتحديداً السعودية والإمارات والعراق والكويت وقطر وعمان. في الواقع، لا تزال تستحوذ منطقة الشرق الأوسط على حوالي 32% من الإنتاج العالمي للنّفط في العام 2023 بحسب دراسة صادرة عن وحدة الأبحاث في الكونغرس الأميركيي محدّثة في آب/أغسطس 2024، وذلك على الرغم من التخفيضات الكثيرة التي قامت بها منظّمة أوبك+ منذ جائحة كورونا، وتحديداً في العام الأخير. وتقدّر مجلة MEES المتخصّصة في مجال النفط والغاز أن إنتاج منظّمة أوبك+ بلغ في تموز/يوليو من هذا العام 26,8 مليون برميل في اليوم، مع العلم أن المنظمة تملك قدرة إنتاج احتياطية تقارب 5,5 مليون برميل في اليوم (مع استثناء إيران وروسيا) أي حوالي 91% من الاحتياطي العالمي، 60% منها في يد السعودية، تليها الإمارات فالعراق والكويت.
من جهة أخرى، تبلغ حصّة منطقة الشرق الأوسط نحو 41% من إجمالي صادرات النفط الخام وحوالي 23% من صادرات المشتقات النفطية في العام 2023 بقيادة السعودية، وتحتوي على ثلاث ممرّات بحرية أساسية هي مضيق هرمز، مضيق باب المندب وقناة السويس. لقد دخل مضيق باب المندب وقناة السويس في خضّم الحرب الجارية من خلال قيام حركة «أنصار الله» في اليمن باستهداف السفن والناقلات المتوّجهة نحو إسرائيل عبر البحر الأحمر، ما ساهم تدريجياً في تجنّب المضيق واعتماد طرق أطول عبر جنوب أفريقيا. في العام 2023، مرّ عبر مضيق باب المندب وقناة السويس (مع أنابيب SUMED) حوالي 11% من مجمل تدفّقات النّفط العالمي المنقول، إلّا أن الأرقام الصادرة مؤخراً تشير إلى انخفاض هذه النسبة، إذ بلغت حوالي 6% فقط في آب/أغسطس 2024 نتيجة الأحداث، وهو ما يعدّ انخفاضاً بنسة 40%. وانخفض مجمل النفط المنقول عبر البحر الأحمر بحوالي 2,5 مليون برميل في اليوم في آب/أغسطس من هذا العام مقارنة مع ما كانت عليه قبل تشرين الأول/أكتوبر من العام 2023، مع استمرار مرور صادرات روسيا إلى آسيا عبره. أمّا مضيق هرمز، فلا تزال تمرّ عبره حتى اليوم حوالي 27% من مجمل التدفّقات النفطية العالمية وتحديداً تلك المنتجة والمكرّرة في الخليج العربي.
بالإضافة إلى ذلك، تحتوي منطقة الشرق الأوسط على أبرز أنابيب النفط ومحطّات التخزين والتكرير، إذ تم تكرير حوالي 11% من القدرة العالمية في العام 2023. وبنظرة سريعة، نرى أن إحدى أهمّ محطات التكرير تتمركز في دول المنطقة، وتحديداً في الكويت والعراق وسواحل السعودية الشرقية والغربية والإمارات، ويعتبر ميناء الفجيرة مركزاً إقليمياً لتجارة النفط الخام والمشتقات النفطية. من جهة إيران، فهي تمتلك أحد أكبر قطاعات التكرير في مصافي أصفهان وعبادان وموقع بندر عباس. ويُعتبر هذا الأخير مصدراً مهماً للبنزين، ويوفر حوالي 40% من احتياجات إيران المحلية. أمّا بالنسبة إلى القدرات التخزينيّة، فتتمركز أهمّ الخزانات في السعودية وأبو ظبي والفجيرة.
ماذا لو دخل مضيق هرمز في معادلة الحرب؟
نتيجة تقييد حركة الناقلات عبر البحر الأحمر وقناة السويس بعد اندلاع حرب الإبادة على غزّة، كانت صادرات العراق والسعوديّة من المشتقات النفطية من أبرز المتضرّرين، بالإضافة إلى صادرات الولايات المتّحدة نحو كوريا الجنوبية ودول آسيا. وعلى الرغم من ذلك، بقيت الأسعار مستقرّة نسبيّاً على مدى العام المنصرم، إذ بقي مضيق هرمز الحيوي خارج المعادلة.
تعطيل مضيق هرمز سيتسبّب في إحداث اختناقٍ في أهم نقطة ترانزيت للنفط والغاز في العالم، إذ يمرّ عبره ربع النفط المنقول بحراً
لقد حذّرت طهران مراراً، في السابق، من أنها ستغلق مضيق هرمز إذا تعرّضت للهجوم ومُنعت من تصدير النفط عبر محطّاتها الجنوبية، وهو قد يكون خياراً مُتاحاً في حال قرّرت إسرائيل القيام بهجوم على أهدافٍ نوويّة أو نفطيّة. لكن إيران ستكون أول المتأثرين إذ تعتمد بشكل شبه كامل على المضيق. ولكن تعطيل مضيق هرمز سيتسبّب في إحداث اختناقٍ في أهم نقطة ترانزيت للنفط والغاز في العالم، إذ يمرّ عبره ربع النفط المنقول بحراً. وسيكون ذلك محفوفاً بالمخاطر وذات تأثيرات عميقة، إذ يُتوقّع أن ترتفع الأسعار بحوالي 7 إلى 10 دولارات للبرميل ليلامس 90 دولاراً أو أكثر لبرميل خام برنت. يضاف إلى ذلك أن طريق البحر الأحمر ستكون محظورة على غالبية ناقلات النفط، وبالتالي من شأن هذه الاضطرابات أن تلحق ضرراً بالغاً.
من هي الدول الأكثر تضرّراً؟
تماماً كما ايران، يُعتبر مضيق هرمز الطريق الوحيد لتصدير النفط من العراق والكويت، وبالتالي ستكون اقتصادات هذه البلدان من أكثر المتضرّرين، في حين أن السعودية والإمارات وعمان يمكنها التخفيف من بعض الخسائر عبر اللجوء إلى منافذ أخرى، ولا سيما الأنبوب الذي يربط شرق السعودية بغربها على البحر الأحمر. ويُعتبر مضيق هرمز المنفذ الوحيد أيضاً لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، إحدى أكبر الدول المصدّرة للغاز الطبيعي المسال في العالم، لذا فإن أي خلل في الصادرات سيؤثر على سوق الغاز أيضاً. علماً أن قطر زادت من إمداداتها إلى الاتحاد الأوروبي مؤخراً، وقد تجنّبت المرور عبر البحر الأحمر مفضّلة الاعتماد على طريق رأس الرجاء الصالح.
إضافة إلى ذلك، ستكون أوروبا من بين المتضرّرين فيما يتعلّق بالمشتقات النّفطية المكرّرة، وتحديداً المشتقات من الكويت، التي أصبحت مصدراً أساسيّاً منذ العام 2022 لهذه المواد بعد تطوير مصفاة الزور التي تبلغ طاقتها 600 ألف برميل يومياً.
ارتفاع الأسعار
بعيد الهجوم الإيراني على إسرائيل في الأول من تشرين الأول/أكتوبر الحالي، تمّ التلميح إلى أن الادارة الأميركية، وتحديداً الرئيس جو بايدن، على تنسيق مع إسرائيل لضرب المنشآت النفطية الإيرانية وتجنّب المنشآت النوويّة. بعد أيّام قليلة، أوحت الأجواء وكأن الاميركيين يرفضون هذا الخيار، ويعملون على إقناع الإسرائيليين بالعزوف عن ضرب المنشآت النفطيّة. ثم خرجت تسريبات تقول ان لا شيء محسوم.
الادعاء بأن أوبك+ قادرة على تخفيف صدمة خسارة النفط الإيراني عبر ضخ كميّات إضافية ليس دقيقاً
تشعر الأسواق بالقلق من أن الهجوم الإسرائيلي، مهما كان شكله، قد تكون له تداعيات كبيرة على أسواق النفط، إذ أن الادعاء بأن أوبك+ قادرة على تخفيف صدمة خسارة النفط الإيراني عبر ضخ كميّات إضافية ليس دقيقاً، يستغرق الأمر وقتاً (ما بين 4 إلى 6 أسابيع وربما أكثر)، وهي فترة حرجة ستدفع أسعار النفط إلى التحليق صعوداً. فكيف إذا تم إغلاق مضيق هرمز بالإضافة إلى باب المندب؟ ستتقلّص إمدادات النفط والغاز من المنطقة برمّتها، وستجد البلدان المستوردة للنفط نفسها مضطرة إلى تعويض النقص عبر استنزاف احتياطاتها النفطية الاستراتيجية.
توقّع بعض المحلّلين أن تعمد إسرائيل إلى استهداف مصافي التكرير التي تغذّي السوق المحلّية الإيرانية وليس تلك التي تستخدم للتصدير. والمفارقة هنا هي أن نقص البنزين سيجبر إيران على خفض صادراتها، وخصوصاً إلى العراق، لذلك قد ينتهي الأمر بالعراق إلى المعاناة أكثر من إيران. في المقابل، قد تعتبر إيران أن حقّها بالردّ المتناسب يسمح لها باستهداف منشآت الغاز الإسرائيلية، التي تؤمن 70% من إنتاج الكهرباء في إسرائيل، وهذا كاف لإطفاء اقتصادها، ولو لفترة، إذا نجحت الصواريخ الإيرانية في الوصول إلى أهدافها، ولكن ذلك سيصيب مصر والأردن أيضاً، اللتين يزيد اعتمادهما على الغاز الإسرائيلي.