تيك توك ليس معادياً لإسرائيل
تواجه منصة تيك توك ضغوطاً مكثفة مؤخراً من المسؤولين الأميركيين، الذين يزعمون أن المنصة أصبحت مركزاً للكراهية ضد إسرائيل. كتب السيناتور الجمهوري ماركو روبيو: " تستخدم الصين تيك توك كأداة لبث الدعاية إلى الأميركيين، ويُستغل الآن للتقليل من شأن ما تقوم به حماس من أعمال إرهابية". وأضاف قائلاً: "الإغلاق الفوري هو الحل". وقد زعمت نيكي هايلي، إحدى الشخصيات البارزة في الحزب الجمهوري، أن كل 30 دقيقة يقضيها الأميركيون على التطبيق تزيد من "معاداتهم للسامية بنسبة 17% وتزيد تأييدهم لحماس".
لا يزال مستقبل المنصة مجهولاً، حيث صادق الرئيس بايدن على قانون قد يسمح بحظرها في الولايات المتحدة. ومع ذلك، ألمح الرئيس المنتخب، دونالد ترامب، إلى رفضه لفكرة الحظر الشامل.
يُعد هذا التحقيق جزءاً من سلسلة تقارير عن تيك توك. خلص تحقيق سابق إلى أن المنصة، بدلاً من كونها أداة للتجسس الصيني، قد وظّفت عدداً كبيراً من المسؤولين السابقين في الأمن القومي الأميركي لإدارة أعمالها الداخلية. بينما استعرض مقال ثانٍ علاقتها بوزارة الخارجية الأميركية.
جواسيس بيننا
على الرغم من المزاعم المتداولة حول كون تيك توك مركزاً للكراهية ضد السامية وتأليب الشباب على إسرائيل، كشف تحقيق أجراه موقع MintPress News أن المنصة وظّفت العديد من العملاء السابقين من وحدة التجسس الإسرائيلية 8200، وهي الوحدة الأكثر إثارة للجدل في الجيش الإسرائيلي. تُنفّذ هذه الوحدة عمليات سرية تتضمن التجسس والمراقبة والعمليات السيبرانية، حيث أقامت شبكة مراقبة رقمية ضخمة للفلسطينيين مستخدمة الذكاء الاصطناعي لتكوين قوائم اغتيالات ضد سكان غزة، كما طوّرت برمجيات تجسس طالت شخصيات سياسية وصحافيين وناشطين عالميين. ويُعتقد أنها مسؤولة عن هجوم "البايجر" الأخير على لبنان الذي تسبب بإصابة آلاف المدنيين.
تقف وحدة 8200 أيضاً وراء مشروع "لافندر"، وهي قائمة اغتيالات ضخمة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، تضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة
قضت ريوت ميداليون، على سبيل المثال، سنوات طويلة في وحدة 8200، حيث عملت كقائدة استخبارات ثم ترأست فريق العمليات للأمن السيبراني. بعد الهجوم الإسرائيلي على غزة، انتقلت إلى نيويورك للعمل كمديرة للحوادث العالمية في قسم الثقة والأمان لدى تيك توك. مع الأخذ بعين الاعتبار الأحداث العالمية في تلك الفترة، من المنطقي التساؤل حول طبيعة "الحوادث العالمية" التي تشرف على إدارتها.
انضم آساف هوخمان، أحد قدامى المحاربين في وحدة 8200، والذي قضى فترة أطول بكثير من الخدمة العسكرية الإلزامية في إسرائيل، في العام 2021 إلى تيك توك ليشغل منصب الرئيس العالمي لاستراتيجية المنتجات والعمليات. يشغل هوخمان حالياً منصباً في ميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام وواتساب.
يشغل عمر كارميلي حالياً منصب مدير التسويق العالمي في تيك توك، لكن مسيرته مختلفة في الماضي. بين 2004 و2007، كان متخصصاً في العمليات الميدانية في وحدة 8200، حيث خدم في حرب لبنان 2006 وفي "عملية أمطار الصيف"، الهجوم الذي شنته قوات الحرب الإسرائيلية على غزة على مدار أربعة أشهر.
عملت عيناف مئير محللة استخبارات في وحدة 8200 حتى العام 2015، وهي تشغل حالياً وظيفة مديرة حلول العملاء في تيك توك.
تبع عمري هولاندر، الذي يشغل منصب قائد حلول العملاء في منصة الفيديو العالمية، المسار نفسه، من محلل استخبارات في الوحدة 8200 إلى تيك توك.
في الوقت نفسه، كانت ديانا شباكوفسكي ماغين تعمل كمحللة استخبارات وقائدة تدريب في وحدة 8200. انتقلت بعد مغادرتها الجيش للعمل في مجال التكنولوجيا، وهي الآن مديرة حسابات في تيك توك. تزامنت فترات خدمتها مع "عملية الرصاص المصبوب"، الحملة التي نفذتها إسرائيل ضد غزة بين 2008 و2009، والتي تُعتبر واحدة من أبشع جرائم الحرب في القرن الواحد والعشرين (قبل أن تفوقها الحملة الحالية). لم يُكشف عن دورها كقائدة في الحملة.
الشركة وظّفت عدد كبير من مسؤولي جهاز الأمن القومي الأميركي، مما سمح لواشنطن بممارسة نفوذ كبير على توجّهات المنصة
وحدة تجسس إسرائيلية نخبوية
لماذا ينبغي أن يقلقنا توظيف تيك توك لعدد كبير من عملاء الاستخبارات الإسرائيليين السابقين؟
أولاً، تُعد وحدة 8200 الركيزة الأساسية لجهاز الدولة الإسرائيلي القمعي والمتطور تقنياً. فهي مسؤولة عن ابتكار التكنولوجيا التي مكّنتها من إنشاء شبكة مراقبة رقمية ضخمة تهدف إلى مراقبة الفلسطينيين ومضايقتهم وترهيبهم، فضلاً عن تطوير أدوات تجسس تُستخدم لاختراق الحكومات الأجنبية والأفراد لابتزازهم.
يستخدم عناصر الوحدة تقنية التعرف على الوجه لتعقب تحركات الفلسطينيين والاستماع إلى مكالماتهم الهاتفية، وتستغل المعلومات التي تجمعها عليها بهدف الابتزاز. كشف أحد المبلّغين عن المخالفات من داخل الوحدة أنه كُلّف كجزء من تدريبه بحفظ الكلمات المختلفة التي تعني "مثلي الجنس" بالعربية لرصدها في المكالمات.
تقف وحدة 8200 أيضاً وراء مشروع "لافندر"، وهي قائمة اغتيالات ضخمة تم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي، تضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، ويستخدمها الجيش الإسرائيلي لاستهداف المدنيين. وفي بداية هذا العام، خططت الوحدة ونفّذت هجوماً على لبنان، فجّرت خلاله آلاف أجهزة النداء الآلي دفعة واحدة، مما أدى إلى إصابة آلاف المدنيين. اعتُبر الحدث على نطاق واسع، حتى من جانب مدير الـCIA السابق ليون بانيتا، عملاً إرهابياً.
طور عملاء سابقون في وحدة 8200، بالتنسيق مع جهاز الأمن القومي الإسرائيلي، بعض أشهر برمجيات التجسس والقرصنة على مستوى العالم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك برنامج "بيغاسوس"، استخدم للتجسس على أكثر من 50,000 صحفي وسياسي ودبلوماسي وقادة أعمال ومدافعين عن حقوق الإنسان. وتضمنت قائمة المستهدفين رؤساء دول، مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الباكستاني عمران خان، والرئيس العراقي برهم صالح.
من بين المشترين المعروفين لبرنامج "بيغاسوس" وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية والحكومة السعودية، التي استخدمت البرنامج للتجسس على الصحفي جمال خاشقجي من صحيفة واشنطن بوست قبل اغتياله على يد عملاء سعوديين في تركيا. جميع مبيعات "بيغاسوس" كان لا بد من الموافقة عليها من قبل الحكومة الإسرائيلية، والتي يُقال إنها كانت تمتلك إمكانية الوصول إلى البيانات التي يجمعها عملاء "بيغاسوس" الأجانب.
يمتلك العملاء السابقون في وحدة 8200 بلا شك مهارات تقنية ومعرفة عالية القيمة. لكن، بالنظر إلى تاريخ الوحدة وأفعالها الحالية، يُطرح تساؤل كبير حول قيام شركات التكنولوجيا العالمية بتوظيفهم، خصوصاً في مناصب تمنحهم الوصول إلى بيانات المستخدمين الحساسة أو سلطة التحكم في المحتوى المعروض على تلك المنصات.
المحتوى المؤيد لفلسطين أكثر انتشاراً من الفيديوهات المؤيدة لإسرائيل، يبدو أن السياسيين الأميركيين يعتبرون ذلك مجرد نتيجة لتحيز الخوارزميات، وليس تمثيلاً حقيقياً للمشاعر العالمية
لا تعبث بمشروع تكساس
منذ هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، دعا كبار الساسة الأميركيين إلى فرض حظر حكومي كامل على "تيك توك"، حيث وصف السيناتور جوش هاولي من ولاية ميزوري الوضع بأنه "انتشار واسع النطاق للمحتوى المناهض لإسرائيل." من جهته، أضاف زميله السيناتور بيت ريكتس من نبراسكا: "الحزب الشيوعي الصيني يفعل هذا عن قصد، ويدفع بهذه الأجندة العنصرية بهدف تقويض قيمنا الديمقراطية."
هذه ليست المرة الأولى التي تواجه فيها المنصة خطر الحذف التام في الولايات المتحدة. ففي العام 2020، صنّفتها واشنطن على أنها "حصان طروادة صيني" وهددت بحظرها. ولتهدئة المخاوف الحكومية، أطلقت "تيك توك" مشروع "تكساس"، وهو مبادرة بقيمة 1.5 مليار دولار لنقل بياناتها إلى أوستن بالشراكة مع شركة "أوراكل"، التي تربطها علاقات وثيقة للغاية بوكالة المخابرات المركزية الأميركية.
ثمة جانباً أقل شهرة في مشروع "تكساس"، وهو أن الشركة وظّفت عدد كبير من مسؤولي جهاز الأمن القومي الأميركي، مما سمح لواشنطن بممارسة نفوذ كبير على توجّهات المنصة.
على سبيل المثال، تشغل جايد نيستر منصب مديرة سياسات البيانات العامة في "تيك توك" بأوروبا، بعد أن كانت مسؤولة بارزة في واشنطن، حيث شغلت منصب مديرة سياسات الإنترنت العامة في وزارة الخارجية.
وفي سياق مماثل، عملت ماريولا يانيك كدبلوماسية بارزة في وزارة الخارجية ومسؤولة عليا في وزارة الأمن الداخلي، قبل انضمامها إلى "تيك توك" في العام 2022 كمديرة لبرنامج عمليات الثقة والأمان العالمية.
بو باتيسون، أحد المسؤولين السابقين في وكالة الاستخبارات المركزية الذين يعملون الآن في "تيك توك". كان يعمل حتى العام 2020 محلل استهداف في الوكالة. وظفته "تيك توك" لاكتشاف المحتوى "المتطرف" على المنصة، وهو يشغل الآن منصب مدير أمان البيانات في الشركة.
الحروب الإعلامية
ليس من المستغرب أن ترغب واشنطن أو تل أبيب أو أي حكومة أخرى في السيطرة على "تيك توك". فقد نما التطبيق بسرعة وأصبح يملك الآن أكثر من مليار مستخدم حول العالم، منهم حوالي 170 مليون في الولايات المتحدة. تحظى المنصة بشعبية كبيرة بين الشباب، وهي مصدر رئيس للأخبار والمعلومات بالنسبة للجيل زد، الذين يقضون ما يقرب من ساعة يومياً في استخدامه.
بينما لا شك أن المحتوى المؤيد لفلسطين أكثر انتشاراً من الفيديوهات المؤيدة لإسرائيل، يبدو أن السياسيين الأميركيين يعتبرون ذلك مجرد نتيجة لتحيز الخوارزميات، وليس تمثيلاً حقيقياً للمشاعر العالمية. تواصل الأمم المتحدة التصويت بأغلبية كبيرة لإدانة هجوم إسرائيل على جيرانها، وتظهر الاستطلاعات العالمية أن صورة البلاد قد انخفضت بشكل حاد في الأشهر الـ 12 الماضية.
قرارات كتوظيف جواسيس إسرائيليين للإشراف على العمليات هي رسائل تطمينية موجهة إلى الحكومات الغربية. لكن بالنسبة لنا، يجب أن يكون ذلك مدعاة للقلق
ومع ذلك، من الخطأ الافتراض أن "تيك توك" متحيّز لمصلحة الأصوات المؤيدة لفلسطين. في العام الماضي، علّق حساب "مينت بريس نيوز" من دون تحذير ولم يٌعد تفعيله. كما علّق حساب موقع "موندوويس" الإخباري الشهير في الشرق الأوسط، وأفاد آخرون، من دعاة تحرير فلسطين، بأن محتواهم يتعرض للرقابة.
اتخذت "تيك توك" أيضاً خطوات لمواءمة نفسها مع السياسات الحكومية الأميركية، حيث حذفت أكثر من 320,000 حساب روسي وأزالت ما لا يقل عن 41,000 مقطع فيديو تدّعي أنها كانت تنشر معلومات مضللة حول الحرب في أوكرانيا. ويشمل ذلك وسائل الإعلام الروسية المملوكة للدولة مثل "آر تي" و"سبوتنيك"، والتي أزالتها في أيلول/سبتمبر.
كما يُقمع أعداء واشنطن من الدول الأخرى. يضع التطبيق علامات تحذيرية تقول "وسائل إعلام تسيطر عليها الدولة" على قنوات مثل CGTNالصينية و PressTV الإيرانية. لكنه لا يضع هذه العلامات على BBC البريطانية أو CBC الكندية أو TRT World التركية.
إن توظيف أفراد كانوا بشكل علني عملاء سابقين في أكثر وكالات التجسس الإسرائيلية شهرة – والمتورطة في عمليات ضخمة لجمع البيانات والابتزاز – يُعد دلالة إضافية على أن "تيك توك" لا ينوي أن يكون ملاذاً للسياسات الراديكالية المناهضة للإمبريالية. قرارات كتوظيف جواسيس إسرائيليين للإشراف على العمليات هي رسائل تطمينية موجهة إلى الحكومات الغربية. لكن بالنسبة لنا، يجب أن يكون ذلك مدعاة للقلق.
نُشِر هذا المقال في MintPress في 7 كانون الأول/ديسمبر 2024 بموجب رخصة المشاع الإبداعي.